الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سجون

صبا مطر

2014 / 11 / 30
الادب والفن



كان المساء وديعاً محملًا بنسمات باردة تلاعب خصلات شعري المنثال كشلالات من ألم على أزمنتي الهاربة من ماضيها وإرثها الموغل في التفسخ، وأنا ارتشف قهوتي وحيدة في إحدى المقاهي المطلة على بحر شديد الزرقة تطارد موجاته العابثة اضواء المدينة الكثيفه المعكوسة على وجهه البارد، كل ضوء يئن بحكاية من لون يضربها الموج اللاهي فيمتزج زمنها بشظايا الماء، بالاحداث، بزرقة البحر المعتمة، فيحملها بعيدا على ايقاعات متكسرة على موجه المتهدج ساحبا إياها إلى أعماقه.
انساب صوته القادم من الاسطورة على مسامعي الوجلة وهو يسالني عن الوقت. التقت عيوننا المحلقة في الفراغ تاركة الوقت يضيع في متاهات شعري المتناثر على خطى الريح وبين بقايا أصداف الوقت المتحجر على معصمي العاجي، فهذا القادم من المجهول هو سيد اسطورتي التي لم تولد بعد. هكذا اخبرتني عيناه التي تسمرت على ملامحي وانفاسي .
قال: ياله من بحر رائع يهديني إلاهة الحب التي انتظرها هذا المساء.
نسي الوقت ونسيت الاجابة على سؤاله المعلق. لفني بعينيه النديتين واستحالت نظراته ومضات تشعل النار في قلبي الذابل في دهاليز الخوف والتحفظ .
تمطى الزمن بنا واستحال الى ومضة خارجة عن نطاق الفيزياء فصرنا نجمتين مسافرتين عبر افلاك البحر حيث اللاعودة .
خرجت من وجه خوفي المتسمر في زوايا النفس اللاهثة دوما إلى عوالم ترتسم فيها الحرية كقوس قزج محملا بالفرح ، تاركة وراء معطفي الثقيل إرث الجدات المعقد المعفر برائحة غض البصر واغتيال الضحكات البريئة ونسيان المشاعر قبل ولادتها!!
تلمست لوهلة خطوط الفجر في أفياء روحي المسجونة في إرثي المجنون. وددت الهرب من بقايا انسانة كسيرة، منثورة كالرماد في عيون الجدات.
حاولت التسلق عبر جدار النار المرسوم في مسامي لامعن التحليق في عينيه واذوب في ظلاله المنتشرة في عروقي، تنهال علي آلاف الألسن النارية لتحرقني بسياط الوعظ الذي تدوخني به جدتي كل مساء. آه من تلك الألسن المتفسخة المتغلغلة الجذور في ازمنة تفوح منها رائحه العفن الكئيب !!
كانت جدتي ترسم لي كل يوم حدودا أضيق، وتخيط لجسدي ثوبا طويلاً أرسم عليه خيبات انسانيتي المغدورة في تفتحها. تتضاءل صور الخلاص في مخيلتي وتحيك جدتي من صوتها سجونا لفكري الأسير في دوامات الجسد المزهر الأنوثه!. تخبرني بأن أحذر من أعوامي الشابه المتبرعمة على مساميّ الناعمة، تحاصر مخيلتي بأرطالا من العبارات المستهلكة عن عورة المرأة وعفتها، تخدر خوفي بالإستسلام المذعن لذلك القدر المنساب على جسدي والذي يسمى أنوثه ليست للاستخدام.
أركض؛ خلف صدى ضحكات أحبسها في زوايا النفس حتى لا تسمعها الجده .. أهرول خلف اشتياق نفسي للحريه فانزوي خائفه خلف أسواري المنيعة.
عزائي في الكتب التي اشتريها من مصروفي اليومي. لم تكن جدتي قادرة على فك الحرف، أملها بأنني مغمورة في واجباتي المدرسية.!
أما أنا فكنت عيونا نهمة تلتهم أسطر كتبي المثقلة بالأمنيات والقصص، أرى من خلال شخوصها عوالما لا تشبهنا، تسبح في عيون الشمس وتصطلي بنيران الحرية، أتنفس الكلمات الطائرة في سماوات مخيلتي وأرسم على أشرعتها مرافيء خلاص لروحي المثقلة بالممنوعات. أتسال !
من منا يعيش الحقيقه، وأي منا مذبوح بالوهم؟
وأتسال!
كيف لجدتي أن تكتشف بانني الآدمية المضمخة بالعشق وهي العاجزة؟.
أتراها تعرف أبطالي كما أعرفهم؟؟
هل ستنجح بفك عرفها الحديدي الذي تلفني به؟
أم يا تراى ستحكم القبض على عنقي أنا وحدي وتستاصل قلبي من جذور العشق المغمس في الخوف ؟؟
كان ابطالي جسورا من ورد يمدون إلي بكلماتهم المترعة بالاثم الشفيف.
عاشقون حد الثمالة، متمردون على أقدار بلون الليل، هاربين من سجن التقاليد البليدة .
هادرين شرايينهم بحارا من عشق ممتد إلى شواطيء تصلبت فيها أحزاني السائحة على كل سطر. تلتمع وجوههم التي أرسمها بالواني المخبئه بعيداً عن عيون النهار، أسمع أصواتهم التي أنسجها من عبير الأمنيات تناديني بالإنظمام إلى عوالمهم. والانسلاخ عن حاضري الموشوم بالأسى.
يتركون لي دوما دوراَ شاغرا في كل رواية أقراءها ويفسحون لي مساحات شاسعة أتمدد على طولها بطلة مضرجة بالعشق مكسوة بالقبل يتركون لي صدى أسمع فيه قهقهاتي المخبئه في زنزانة العيب والحرام والمكفنه بالتقاليد .
كنت مثلهم حبلى بالحب المعتق بالضجر، وأنا الأنثى أتبرعم على سطور الإفتراض، أغزل في متاهات الوجد شيئا حتى اتيبس في صحارى الهجر .
لم يتوقف قلبي عن الخوف مع آخر لحظات انسلاخي من عوالم الكتب المحشوة بالتمني، فارجع كما أنا زهرة متبرعمة بالانوثه محبوسة في قلاع التقاليد، وجدتي سجان مرعب، يرمي بالمفاتيح إلى قاع يتسرب للمجهول والخواء.
كبرت، وكبرت معي انسانيتي الكسيرة في عنق الخوف الممعن في التحول.
اليوم التقيت بعينيه في مساء يغازل الندى، وراحت روحينا تهيم في المدى المتوازي مع التناقض .
مد الي صوته جسورا من العشق المنثال من علياء روحه المضمخة بعطري. رسم خرائطا لوجودي الساكن في قلبه. أخبرني بانني كله النابض في بعضي البعض، وأنني غابات الاثل المزروع في أمنيات صباه، وانني حلمه المنتظر، وانني حورية البحر التي اقدحت الضياء بعتمة روحه هذا المساء.
مد إلي يده معابرَ أسلكها لأقتل خوفي القادم من بدايات التكوين. أهداني كتبًا وطلقة أهشم بها وجه الإرث القميء الذي يثقل روحي .
ماتت جدتي منذ زمن وأنا ما زلت حبيسة أرثها الأخرق. ما زلت ضحية جسد ملغوم بوصمه الإنوثه .
لملمت اجزائي المطيبة بالعشق، غادرت المكان والحدث راحلة عبر الازمان إلى كتبي الواقفه على شفى الذاكرة. هناك حيث واحات الهرب الافتراضية من التقاليد .
أترك في يديه ساعتي اليدويه المذبوحه العقارب، واسقط بحرية إلى الهاوية المسكونة بوجه جدتي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا