الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكومة تعتمد جيوبنا المهترئة رافداً أساسياً لخزينتها.

إيمان أحمد ونوس

2014 / 12 / 1
مواضيع وابحاث سياسية




إن جميع الحكومات في العالم تعتمد على روافد متعددة لخزينتها العامة كي تقوم بالمهام المنوطة بها على المستويين الداخلي والخارجي، وتُعتبر الضرائب إحدى أهم هذه الروافد، والتي تُجبى عادة من اتجاهات مختلفة أهمها الضرائب المفروضة على التجّار والصناعيين والحرفيين وأصحاب رؤوس الأموال، وكذلك على الرواتب والأجور ربما بنسبة أقل.
غير أن حكوماتنا المتعاقبة منذ عقود قد قلبت الموازين في اعتماد روافد خزينتها، إذ جعلت النصيب الأكبر منها على الأجور والرواتب باعتبار هذه الرواتب وأصحابها من ذوي الدخل المحدود هم بيدها وتحت إمرتها أساساً، لذا تجدهم أسهل وأيسر وأقصر الطرق لرفد الخزينة. بينما أولئك التجّار والصناعيين ومن في حكمهم من أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين، لاسيما المتنفذين منهم تجدهم ودائماً بعيدون عن متناول الحكومة بحكم اعتمادهم كشوف مزوّرة لا تعطي الأرباح الحقيقية، وبالتالي عدم المصداقية في الكشف عن نشاطهم وإنتاجهم وعملهم، وكذلك التستّر عن عدد العاملين لديهم من أجل الهروب من الضرائب أولاً، ومن التأمينات الاجتماعية ثانياً، والأهم من كل هذا وذاك هو وجود مراقبين حكوميين فاسدين يتغاضون عن أولئك بحكم ما يكسبونه على المستوى الشخصي، ضاربين عرض الحائط بأحقية الدولة والمجتمع في أموال هؤلاء الأغنياء، وكذلك القوانين والسياسات الحكومية المحابية والتي تهرب بهم بعيداً عمّا هو مطلوب منهم أو مفروض عليهم من خلال القوانين والتشريعات التي تصب في خانة مصالحهم.
ومما فاقم الشعور بالظلم والقهر والتمييز لدى عموم السوريين من الشرائح الدنيا وذوي الدخول المحدودة، هو انسحاب الحكومة تدريجياً وبسرعة قياسية عن دعمها لتلك الشرائح في مختلف الميادين. لاسيما خلال الحرب التي تشهدها البلاد في السنوات الأخيرة، مقابل السكوت الفاضح عن جشع التجّار الذي التهم وما يزال كل شيء في طريقه دون أدنى شعور بالمسؤولية الإنسانية أو المواطنة التي تقتضيها الظروف الراهنة تحديداً لا من قبل أولئك الجشعين ولا من قبل الحكومة ذاتها، بل بالعكس وقع وما يزال العبء الأكبر في مسألة محاولة صمود الاقتصاد الوطني وتبعاته على المواطن الفقير وذوي الدخل المحدود برواتبهم الضئيلة وأجورهم التي لم تعد تحتمل ثمن رغيف الخبز الذي خرج من مظلة الدعم ليكون هو أيضاً داعماً لاقتصادنا المتهاوي بحكم ما جرى ويجري على الأرض من أعمال تخريبية- تدميرية طالت معظم البنى التحتية، وكذلك العمليات العسكرية التي جرفت في طريقها كل شيء.
فكان أن رُفع سعر المشتقات النفطية من غاز ومازوت وما شابه منذ ما قبل الأزمة وبعدها مرات عدة، بحجة الحدِّ من ظاهرة التهريب، وضرورة بيع تلك المشتقات بسعر يماثل الأسعار في دول الجوار لأن خزينة الدولة أحق بهذه المبالغ من أولئك المهربين الذين لم تجد الحكومة عقوبة رادعة ومناسبة لهم، فكان أن وقع عبء هذه الخطوة على المواطن والفلاح والصناعي، وبالتالي تراجعت نسبة الزراعة مثلما تأثرت الصناعات الوطنية أيضاً قبل الأزمة، أمّا بعدها ونتيجة ما حصل فكان على الشرائح ذاتها تحمّل تبعات ما يجري من ارتفاع الأسعار نتيجة رفع سعر هذه المواد، أو تحمّل البرد القارس في شتاء لا يرحم. إضافة إلى رفع الدعم عن المواد الغذائية المُقننة أيضاً مرات متتالية في زمن قياسي، وكذلك رفع أجور الاشتراكات على مستوى الكهرباء والماء والذَين رغم انقطاعهما شبه الدائم غير أن الفواتير تأتي بمبالغ مرتفعة دون معرفة الأسباب، إضافة إلى رفع أجور الاتصالات الهاتفية. كل ذلك عبر تبريرات لم يعد بعضها مُبرراً وما على المواطن المأزوم أصلاً بحكم التهجير والتشرد والغلاء الفاحش الذي لم يعد مُحتملاً إلاّ أن يدعم صمود الاقتصاد الوطني الواقع تحت نير التخريب والنهب من جهة، وتحت مظلة المقاطعة والعقوبات من جهة أخرى.
ففي كل يوم نسمع تصريحاً لوزير ما عن ضرورة دعم خزينة الدولة التي تُحارب الإرهاب والخراب، إن كان على مستوى دعم الليرة التي يتم التلاعب بقيمتها وسعر صرفها من قبل أصحاب شركات الصرافة والأموال الذين لا يتوانون في كل لحظة عن التهرّب من كل القوانين والتشريعات الناظمة لهذه العملية، حتى باتت الليرة السورية في مستوياتها الدنيا. وكذلك تصريحات أخرى تُطالبنا بضرورة تحمل الوضع الراهن بكل قسوته ومرارته لاسيما في الشتاء بحكم التخريب الذي يطول منابع النفط ومحطات التحويل وما شابه، ليخرج علينا أخيراً وزير المالية الموّقر ويطالبنا بالتقشّف وعدم الهدر وضرورة تحمّل مسؤولياتنا كمواطنين مخلصين للوطن لأن الدولة السورية دعمت المواطن بأماكن ومواضيع عديدة دون أن ينتبه إلى ذلك..!!؟؟ ولا بدّ هنا من التساؤل أولاً ما هو الدعم الذي قدمته لنا الدولة ولم ننتبه إليه..؟ وثانياً ما ماهية التقشّف التي يُطالبنا بها سيادة الوزير بعد كل ما عانيناه ونُعانيه من غلاء فاحش وجوع وبرد ومرض بات الموت أرحم من دخول مشفى أو عيادة طبيب أو صيدلية بحكم غلاء هذه المتطلبات والتزوير والغش الذي طال الأدوية المطروحة في الأسواق..؟
وأود القول لسيادة الوزير أننا في الماضي كنّا نتقشّف على البطاطا والبرغل والرز والزيتون والزعتر باعتبارهم مواد بخسة الثمن، أمّا اليوم فقد باتوا مواد نحلم بها في كثير من الأحيان، فهل هناك يا تُرى أساليب ووسائل للتقشف لم نتعرف إليها بعد يا سيادة الوزير. ثمّ إن المثال الذي ساقه حول هذا الموضوع، أي الاتحاد السوفيتي في الحرب الأهلية أو العالمية الثانية لا ينطبق على الواقع السوري باعتبار أن المواطنين السوفييت آنذاك كانوا سواسية في تلقي وتحمّل تبعات الحرب، بينما عندنا وحده المواطن الفقير من تحمل كل التبعات وبقي صامداً رغم كل الجراح والنكبات والويلات التي تشبثت به رغم تخلي الحكومة عنه، ومحاباة فئة قليلة تحكّمت بلقمة عيشنا، وذلك إمّا بالصمت والتغاضي عن جرائمها، أو عبر الإعفاءات المتكررة التي قدمتها لهم الحكومة من أجل كسب ودهم وكان آخرها المرسوم رقم/20/ الصادر بتاريخ 5/11/2014 القاضي بإعفاء المكلفين بضريبة دخل الأرباح الحقيقية وإضافاتها ورسم الإنفاق الاستهلاكي والضرائب والرسوم المالية المباشرة الأخرى والمكلفين الخاضعين لأحكام القانون رقم 60 وتعديلاته ومكلفي ضريبة البيوع العقارية والمكلفين الخاضعين لأحكام المادة 6 من المرسوم التشريعي رقم 51 لعام 2006 وتعديلاته المتعلقة بالمنشآت السياحية إذا سددوها حتى 31/12/2014 (واضح هنا ما هي الفئات التي طالها الإعفاء)
ولا يفوتنا في هذا المضمار أن مجلس الشعب قد أقر في جلسته المنعقدة بتاريخ 18/11/2014 مشروع القانون المتضمن استيفاء الرسوم المالية من التلاميذ والطلاب المسجلين في امتحانات الشهادات العامة وأصبح قانونا. حيث أشار وزير التربية الدكتور هزوان الوز إلى أن إعادة النظر برسوم الامتحانات العامة لجميع الشهادات تسهم في تخفيف الأعباء المادية التي تتحملها خزينة الدولة وتساعد في دراسة إمكانية زيادة التعويضات الامتحانية مستقبلا للمكلفين بالأعمال الامتحانية في ضوء الظروف الراهنة وتهيئ المناخ المناسب لسير عملية الامتحانات بشكل أفضل.
إن هذا القانون بنظر الكثيرين هو خطوة أولى نحو التخلي التدريجي عن مجانية التعليم في المراحل ما قبل الجامعية، وهذا أمرٌ جدُّ خطير إن حصل فعلاً من جهة، وحجر عثرة في طريق تشجيع التعليم بشكل غير مباشر من جهة ثانية، وكأن المجتمع بحاجة إلى أعداد متزايدة من الأميين أو المتسربين الذين باتت الشوارع تغصُّ بهم متسولين أو عاملين ببعض المهن التي لا تتناسب وأعمارهم ونموهم الجسدي والنفسي ولا حتى على مستوى الكرامة والتي من المفترض أن نغرس قيمها في نفوس وأذهان أبنائنا.
واضح من كل ما ذُكر أعلاه أن الحكومة تتعامل مع الواقع والمواطنين بمقياسين، مقياس المواطن البسيط والعادي من الشرائح الفقيرة وذوي الدخل المحدود، والذي عليه أن يتحمّل منفرداً ووحيداً وخاوياً كل تبعات الحرب السلبية كالغلاء والتشرد والجوع والنزوح ورغم كل هذا رفد خزينة الدولة بكل ما أوتي من مال( إن وجده). ومقياس آخر للنخبة وعليّة القوم الذين ما على الحكومة إلاّ أن تقدّم لهم كل ما يساعدهم على تكديس الأموال والأرباح، بالإضافة إلى إعفائهم من جميع التزاماتهم الأخلاقية وتلك التي يفرضها مبدأ المواطنة التي نصّ عليها الدستور، وبالتالي تنفيذ توصيات المنظمات والهيئات الدولية الساعية إلى تحرير الاقتصاد كلياً وفتح الباب على مصراعيه لاقتصاد السوق ولأولئك الجشعون، وهذا ما يقودنا في النهاية إلى فقدان السيادة في بلد طالما تغنى باستقلالية القرار وسيادة الدولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا