الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات ارتكاسية

علي البهلول

2014 / 12 / 2
كتابات ساخرة


تصدير:
"يقتضي العيش في عزلة أن يكون المرء حيوانا أو إلها كما قال أرسطو لكن توجد حالة ثالثة و هي التي تقتضي كلتا الحالتين...أن يكون المرء فيلسوفا". "نيتشه"
لست أدري كم كانوا حينها و من كان سادسهم بل كنت اعلم انه لبث حينها ساعة أو بعض يوم و هو كالغريب في نفس المكان يحاول إيجاد طريقة أخرى للعزلة و للبحث عن البعد.
يريد الخروج عن المألوف و ما ساد حياته طيلة أربعين سنة من الوهم و الضن و الأخطاء.لم يعد يستطيع الكتابة ولا حتى ترتيل آيات قديمة. فقد ظل طيلة تلك الفترة يسخر من حاله و من عبادته التي صدأت و انتهت و كان يسخر من مدينته التي تحدث عنها حكيم قبله ولم يعد بإمكانه عرض بضاعة فكره في سوق المزاد أو حتى معرفة أصله و نسبه الأول.
كل ما كان يعرفه أنه فعل مضارع في المجهول، ما أذكره انه بقي كالغريب يفتش عن مكان لربما يكون قد رسخ في ذاكرته مذ كان يتعلم شيئا شبيها بالحكمة.
لم يعد لديه من طعام كثير فقرر النزول إلى سوق العرض و الطلب و فور وصوله يبدأ قلبه بالخفقان كأنما قد أصيب بنوبة خفيفة أو رأى في يقظته حلما قديما...
كانت البضاعة متناثرة وكانت الحيوانات رغم قلتها هائجة تحاول البحث عن مار ليشتريها. وبينما هو كذلك وقع نظر الغريب على شيء شبيه بالحيوان يقال أنه "العجل".
فسلّم الغريب عليه و مسح بيده على جبينه و اشتراه من صاحبه ببعض الدراهم المنسية لكن العجل أبى الذهاب معه لأنه كان متزوجا من ناقة حمراء والتي لا يستطع فراقها و لا حتى تقبيلها .إلا أن الغريب في تلك اللحظة عظّ لسانه واشترى الزوجة المتبقية و من ثم مر بحانة مغلقة، فطرق بابها و استلم أمانته متمنيا له صاحبه نشوة كالنشوات المعتادة.
بعد قضاء الحاجيات قال الغريب في نفسه :
"اليوم لدي عجل و غدا لدي ناقة و بعد غد لا شيء إذن يمكن أن يكون يوم غد راحة أسبوعية أو يوم حساب".
اكتمل النصاب و أصبحوا ثلاثة:واحد يمشي على اثنين و الاثنان يمشيان على أربع فقرر أن يمشي على أربع كما فعلوا من قبله أبناءه اليتامى.أسرع الغريب بخطاه نحو الشمال في اتجاه جبل البركان حتى يتسنى له ممارسة طقوسه مرة أخرى.
فور وصوله اتخذ من القصب نارا له و بعدها ذبح العجل بيده اليسرى و شرب من دمه ما تيسر...
بعد لحظات من النشوة و التلذذ شعر بالدوران و الخفقان فصعد البركان ليحاول حينها إنشاد أبيات من الشعر التي حفظها قديما فتسمعه يقول :


"الكواكب تنازع أسوارنا يا إلهي
و كنت حينها وصية لزمان يتيم السنابل
من ينقذ السنابل الآن قلت"
و فجأة ينقطع عن الإنشاد و بدأ بالبكاء لتفطنه لموت العجل و بأنه سكر من دمه فيصرخ ناشدا مرة ثانية:

"إلهي أريد رضيع ناقة من أبي
كي يصبح الشعر ذكرى مولد العجل"
و بعد إتمام كلامه يلاحظ شيئا من الطين قد تشكل على هيأة رضيع ناقة وقد عاد عجله حيا فيبكي الغريب مرة ثالثة و يقول :
"الهي كيف كانت خلايا الطين أضلعا؟
و كيف عاد العجل حيا؟"
لم يجد الغريب إجابة في تلك الليلة فقرر النزول من فم البركان و نام بجانب أصدقائه الثلاثة و هناك راوده حلم جعله يستيقظ في الهزيع الأخير فقد رأى نفسه يأكل شيئا من التفاح القديم و في كل قضمة من التفاحة تخرج من جنبه الأيسر حورية من الحوريات العاريات فاجتمعت به اثنا عشرة حورية وكل حورية سألته سؤالا واحدا فالأولى سألته عن نسبه و الثانية عن ولده و الثالثة عن عجله و الرابعة عن رغبته و الخامسة عن رجولته و السادسة عن ناقته و السابعة عن حلمه و الثامنة عن شعره و التاسعة عن هجره و العاشرة عن سؤاله .
أما الحوريتان المتبقيتان فقد كانتا مصابتين بالصم و البكم و في كل مرة لم يجد الغريب الإجابة فقرروا طرده من ارض أجداده و حرمانه من الحلم إلى آخر حياته.
في تلك الليلة لم يستطع الغريب النوم و لم يجد آية تفسر لذلك الحلم فقال في نفسه :
"لقد هجرت المدينة بحثا عن الفضيلة فوجدت في الغابة تشكّلات إلهية و في الحلم حوريات عاريات".
بعد إتمام تمتماته امتص شيئا من ثدي الناقة ليطّهر فمه من بقايا الدم العالقة بين ضروسه و من ثم غسل وجهه ثلاثا :مرة ليعيد و عيه و مرة ليزيل من عينيه ما شاهده و مرة ليتطهر من ما صدر عنه ليتخذ من بعدها البركان منبرا ليتلو على أصحابه خطبة البداية ليقول لهم :
" يا معشر الأشباه لقد كبرتم حتى صرتم ، و نمتم حتى حلمتم آن الأوان ان تطبقوا وصية تحدث عنه القدامى قوموا و أذنوا , تزوجوا و لا تضاجعوا و اتخذوا الوديان أوطانا لكم".
بعد إتمام الخطبة أو الوصية احتلم الأصدقاء الثلاثة و بعدها ألقى الغريب بنفسه في البركان و على وجهه وجعه القديم و الجديد.
تعجب الأصدقاء مما فعله كبيرهم هذا لكنهم لم ينتحبوا كما فعلوا في المرة الأولى بل ضحكوا و قالوا:
"لقد مات كبيرنا هذا فهلمّوا لننظم فيه أبياتا رثائية لكي تكون شاهدا على موت صديقنا الحكيم فقالوا بصوت واحد :
"لقد كنت منا...رثائك علينا...
لأن الخريف طويل...فمنك صباحنا
و منك قصيدنا...فباسم القصيد تكون شهيدا علينا...
و أمك تكون نبيا لعرش خطانا..".

**تمت**
22/02/2012
الكاتب علي البهلول








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أربع سنوات.. عودة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي بمشاركة 7


.. بدء التجهيز للدورة الـ 17 من مهرجان المسرح المصرى (دورة سميح




.. عرض يضم الفنون الأدائية في قطر من الرقص بالسيف إلى المسرح ال


.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل




.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع