الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثلاثاء الدامي في الرقة

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2014 / 12 / 2
مواضيع وابحاث سياسية



يثير تصريح الادارة الأمريكية، استهجاناً لدى السوريين، لا يكاد يختلف عن اشارة حسن عبدالعظيم، باحتمال الخطأ، في الفعل الصواب. والواقع، لم يثن الفزع الأمريكي حيال المجازر الأخيرة في الرقة، نظام الأسد من مواصلة ارتكاب مجازر الإبادة الجماعية المنظمة التي يقوم بها منذ ما يقارب اربعة أعوام بحق السوريين. ذلك ان المجتمع الدولي، يقايضه ويساومه، على كل الملفات، ويترك له حرية ممارسة القتل اليومي والتدمير، التي لم تثر لدى الغرب والشرق معاً سوى بعض القلق، على أكثر من نصف السوريين الذين باتوا اليوم ضحايا الاستبداد والحل الأمني، الذي لم يجد من يضع له حدّاً. وعلى النقيض شكل ذلك التغاضي والقلق غطاءً لسياسات سفاح دمشق وجرائمه.
وتبدو مجازر الثلاثاء الأسود على الرقة، واحدة من أشدّ الهجمات التي نفذها النظام على المنطقة منذ خروج الرقة عن سيطرته قبل عام ونصف، من حيث وحشيتها والحقد الذي نفذت به، لتعطي تلك النتائج القاسية من حيث عدد الكبير الضحايا بين شهيد وجريح، وهي الأكثر عنفاً في سوريا، من حيث استهدافها للمدنيين وتوسع رقعتها الجغرافية، التي تم اختيارها بعناية، توزع فيها الخراب والموت على الأحياء السكنية والمركز التجاري والصناعي ، الأكثر كثافة، والأكثر شعبية، خلال الأيام الثلاثة التالية التي لم تنقطع فيها عمليات القصف الجوي، لتشمل كافة احياء ومناطق المدينة، دون ان يستهدف فيها داعشي واحد.
اتسمت هذة المجازر بأنها لم تستهدف ايّ من مقرات داعش التي استطاعت التكيّف مع سياسات النظام والتحالف الدولي، فأعادت بناء استراتيجتها، بما يؤمن لها القدرة والفعالية في الحركة والسيطرة، ومد نفوذها، دون أن تتأثر بهجمات النظام،أو تتصدى له، على الرغم من امتلاكها الاسلحة المدفعية والصارخية، التي تمكنها من ارغام الأسد، على وقف غاراته، وكانت داعش قد امتنعت عن مواجهة الطيران المروحي، من قبل فوق سماء الرقة في غارات دامية سابقة.
المسألة الثانية تتصل بالعلاقة مابين النظام والتحالف الدولي، حيث أكدت المرحلة الاولى على تبادل الأدوار في الضربات الجوية، مابين الطرفين ضد ما يفترض أنه قواعد ومجموعات تنظيم الدولة الإسلامية، وكنتيجة اولية لذلك، لم تؤدي ضربات التحالف سوى الى تمدد داعش باتجاه عين العرب/كوباني، وقضم كل القرى الممتمدة في الشمال السوري، ولم تحقق أية نتائج فعالة في تحجيمها كما خططت لذلك ادارة أوباما.
على الوجه الآخر، أثبت النظام فعالية ضرباته التي بدأت باستهداف المدنيين، والأحياء السكنية، في الرقة ودير الزور بهجمات منظمة، بعد ساعات فقط، من صدور قرار مجلس الأمن بشأن داعش والنصرة. والحصيلة هي حتى اليوم، عدم استهداف داعش ، ولم يقتل أي من مقاتليها على الإطلاق، مع استمرارها في قطع رؤوس الأسرى والمختطفين.
تؤكد الوقائع، ليس غموض استراتيجية التحالف الدولي ، وإغفالها إزالة المسببات الأساسية المولّدة للإرهاب ونعني بذلك نظام الأسد فحسب، بل إن واشنطن التي حذرت دمشق من استهداف طيران التحالف، وهي تدرك عدم قدرته، أنها تواصل تسيقاً أمنياً واسعاً لم ينقطع منذ 2003، وتطور الى لتنسيق عسكري، الى الدرجة التي ظهرت عليها الحالة في الغارات الجوية على الرقة. وقد منحت سياسة واشنطن لنظام السد مزيداص من الوقت، ومزيداً من القدرة على مواصلة القتل والتدمير، في منطقة عمليات التحالف الدولي.
المجتمع الدولي، الذي يمنع حظر طيران الأسد في الشمال السوري، يفترض أن تحققه تلقائياً استراتيجية التحالف، يقف صامتاً امام هول المجازر اليومية التي تودي بمئات الضحايا بشكل يومي، واستخدام النظام لمختلف الأسلحة المحرمة دولياً، يجعل منه شريكاً في تلك المذابح، ليس غريباً أن يغمض عينيه أمام مايحدث في الرقة، التي طالها أكبر عدد من الغارات الجوية، وقصف صاروخي، كانت حصة الرقة أكثر من 85 صاروخ سكود. كما ان القوى الاقليمية والدولية، من الدول الداعمة للثورة السورية، وتللك المناوئة لها، قد ساهمت بصورة مباشرة، بسقوط الرقة في قبضة الجماعات الإسلامية المسلحة التي نهبتا وخرّبتها، ومن ثم سلمتها لتنظيم الدولة الإسلامية، الذي ماكان له أن ينهض وينمو دون احتواء وتجاهل قوى اساسية مثل الولايات المتحدة، وإيران.
المعارضة السورية، بمؤسساتها المختلفة تتحمل مسؤوليات مباشرة، عما آلت إليه الأوضاع في المناطق الغير خاضعة لسلطة النظام، وفي مقدمتها الرقة أولى المحافظات المحررة، التي تخلت عنها، وتركتها لقمة سائغة لجماعات العنف والإرهاب، ولم تقدم لها أي عون يُمكّنها من انشاء ادارة انتقالية توافرت معطياتها، كانت مؤشرات نجاحها قائمة. بل إن الحكومة المؤقتة والإئتلاف الوطني، تقاعستا عن اداء واجبهما في دعم يذكر يمكن المدنيين لمواجهة التحديات المعيشية والأمنية، وهو ما يتوجب محاسبة ومساءلة قانونية.
الرقة اليوم ، بفضل الموقف الدولي والإقليمي وشلل المعارضة، تعيش كارثة إنسانية بسبب شح الدواء والغذاء، وغلاء فاحش، ونقص في كل شئ. فيما تشتد حاجة أبناء الفرات الى الخلاص من القهر والموت المتهاطل عليهم، من قبل داعش ونظام الأسد.

_________________
كاتب من سورية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا