الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التكريم جاء متأخرا

احمد عبدول

2014 / 12 / 2
الادب والفن


الحاج (سوادي ) رجل طاعن في السن ,وهو أب لعدد غير قليل من البنات والبنين ,فضلا عن احفاده الذين ضاقت بهم باحته وضجت بهم ساحته ,ليضرب بذلك به المثل على ما يحدثه ابنائه واحفاده من جلبة وضوضاء لا سيما ايام العطل والمناسبات .بلغ الحاج (سوادي )من العمر عتيا حتى انه اصيب بالنسيان فراح لا يميز بين ابنائه واحفاده ,فلا يتعرف اسمائهم ولا يهتدي الى اوصافهم , فأخذ يطلق عليهم شتى الاسماء وينعتهم بشتى النعوت التي كان يستخرجها من عقله الباطن الذي اختزن من الاسماء ما اختزنه منذ زمن بعيد .لقد تباعد الكثير من مقربي الحاج (سوادي ) ومحبيه عنه ,فانفضت عنه الجموع وتفرقت عنه الاخلاء ,حتى ان البعض منهم كان يدعو الله نهارا جهارا ان يأخذ امانته ويسترد وديعته ,لما وصل اليه الحاج من عجز وضعف لا يرجى بعده رجاء ,لا سيما وان صفيته قد سبقته الى دار البلاء ,بعدما انهكها التعب واضناها اللغب وهي تنوء بحمل زوجها الذي بلغ ارذل العمر ,والذي بقي بعيدا عن سهام الموت بعد رحيلها ردحا من الزمن .لقد تفرق الجميع عن الحاج عندما عجزوا عن مواساته ويئسوا من مداراته ,اذ ان لكل منهم مشاغله ولكل منهم همومه , وقد اقتفوا اثر والدهم فخلفوا ما خلفوا من الاولاد على الرغم من وقوفهم على مساوى الكثرة وفوائد القلة ,,لكنهم كغيرهم لا يأبهون بغوائل الزمن ولا ينتبهون لمنازل المحن ,فيتكاثرون كما تتكاثر الاميبيا ويتوالدون كما تتوالد ايسر الكائنات واهونها شأنا .
بقي الحاج (سوادي ) رهين غرفته المتواضعة بالكاد يصله اليسير من طعامه وشرابه ,وما هي الا ايام حتى وجد متخشبا على سريره فقد انتقل الى جوار ربه بكل هدوء وسكون وطمأنينة , لتنطوي بذلك صفحة من صفحات اولئك الرجال العظام ,الذين قضوا زهرة شبابهم في سبيل اسعاد الاخرين من الابناء والاحفاد , الذين راحو يستعجلون بهم الذهاب ويتمنون لهم دار التراب . لكن ما حدث بعد وفاة الحاج (سوادي )كان امرا غريبا يدعو للدهشة ويبعث على التساؤل ,فما ان نصبت سرادق العزاء حتى هبت جموع من مختلف البطون والبيوتات والعشائر من كل حدب وصوب وهي تهتف باسم الحاج وتصدح بمأثره ومناقبه وبطولاته وفتوحاته ,وسط ازيز الرصاص ورشقات البنادق التي تساقط منها ما تساقط فوق رؤوس المارة واجساد السابلة .
يحدثنا التاريخ القديم ان السيدة (فاطمة عليها السلام )اوصت زوجها الامام (علي بن ابي طالب ) ان تدفن سرا وان لا يشيعها احد حتى تلقى الله وهي واجدة ,كما يحدثنا التاريخ ان ابا ذر الغفاري مات غريبا منفيا في (الربذة ) فلم يحضر جنازته سوى القلة .اما تاريخنا الحديث فانه يحدثنا ان جنازة رائد الشعر الحر (السياب ) لم يتجاوز ال(6)اشخاص وهو ذات العدد الذي خرج في جنازه رفيقة مشواره الشعري (نازك الملائكة ) اما التاريخ اليوم فأنه يحدثنا بما هو اعجب واغرب فيما يخص ما لاقاه الحاج (سوادي )من اهله وهو حي يرزق وما لم يشهده وهو جسد مسجى .
يبدو ان هنالك عدة اسباب وعوامل تحدد طبيعة تشيع وتجهيز هذه الشخصية او تلك ,حيث تلعب العوامل السياسية اثرا كبيرا في تحديد تلك النهايات ,كما ان للتقاليد والاعراف لا سيما العشائرية منها اثر بالغ في حسم وتحديد الملامح العريضة التي ستمتاز بها نهاياتنا المحتومة كما حصل مع فقيدنا الحاج سوادي رحمه الله وغفر له وحشره على صورته لا على تلك الصورة التي رسمها له من يدعون القرابة القريبة والمنزلة الخصيصة ممن عزلوه حيا وباركوه ميتا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال