الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جَنة وجَنة

إبراهيم رمزي

2014 / 12 / 2
كتابات ساخرة


جنة وجنة

- أراك تحدق في؟ هل بيننا سابق معرفة؟
- لا أذكر. ولكني أرغب أن أحادث أحدا.
- ماذا لديك؟
- أسئلة.
- ما أسئلتك؟
- كم مضى عليكِ من الزمن وأنتِ هنا؟.
- لا أعرف. ربما أيام، وربما سنوات. وأنتَ؟
- منذ اجتزت الصراط أضعت حساب الوقت والأيام. لكن هل تعلمين أنك أول كائن بشري ألتقي به منذ دخولي الجنة.
- وأنا كذلك. فكل واحد متقوقع في "مملكته"، مستغرق في ملذاته، لا أحد يزور أو يزار. أخبرْني: ما اسمك؟
- آدم.
- وأنا: حواء.
- ما موطنكِ في الحياة الدنيا؟
- لا أذكر.
- ولكنني – عن نفسي - أتذكر.
- لعلك لم تَدخل الجنة من بوابة النسيان، لأن من يجتازها لا يتذكر شيئا من حياته الماضية. هل لي أن أسألك عما أخرجك من فضائك الخاص حتى التقينا؟
- سؤال هممت بطرحه عليك، ولكنكِ سبقت إليه.
- أخبرني أنتَ أولا.
- سأخبرك إذا أجبت عن سؤالي: هل أنت سعيدة هنا؟
- ربما. وأنت؟
- الحقيقة أنني متضايق. ولذلك خرجت.
- كيف تتضايق وقد توفر لك كل ما يخطر ببالك وتشتهيه؟
- هل سمعتِ عن وجود بحر هنا؟ فهوايتي هي السباحة.
- بدلا من ذلك، عندكَ ما لم تحلم به. تجري بين يديك أنهار اللبن والعسل والخمر، وتقيم في قصر من زمرد ومرجان، ويحيط بك الحور والولدان، ...؟
- (تلفّت حوله ليطمئن ألا أحد يسترق السمع إليه. ثم قال بصوت أشبه بالهمس:) هذه السكونية الراكدة، والسهولة المملة، هما اللتان تضايقاني. كان لي برنامج يومي في حياتي الدنيوية. أصحو فأسعى إلى عملي، وأشقى وأكد للحصول على رزقي. أشتغل بفكري، وأنتج بيدي. ولي في المساء لقاء بأقاربي أو رفاقي فنخوض في السياسة والفن والأدب والرياضة والحوادث والمشاكل الأسرية ...، وإذا أويت إلى فراشي هاجمتني أحلام اليقظة قبل أن تزيحها أحلام النوم. كنت أصرف - مما أحصِّل - باقتصاد وتدبير، متحاشيا غدر الأيام. وأخطط لمستقبلي ليكون مستجيبا لرغباتي. أما هنا فلا أصدقاء، ولا عمل، ولا إنتاج، ولا دردشة، ولا أحلام، ولا تعب، ولا موت، ولا استعبار ... إنه الملل القاتل. هل جئنا إلى الجنة من أجل التسبيح والأكل والشرب والنيك فقط؟ نحشو بطونا لا تفَرِّغ. ونفْرِغ فرجا دائم الانتصاب لا يكل ولا يمل.
- ما أولعك بالشقاء !
- هو الشقاء الذي تنبعث منه السعادة والرضا حينا، والسخط والغضب حينا آخر، هو بحور النجاح والفشل في الحياة حين نقطعها - كلٌّ حسب مهارته في السباحة – فمنّا من يبلغ الشاطيء. ومنّا من تبتلعه الأمواج أو كائنات أقوى منه. هو ألم المخاض الذي تنساه النفساء بمجرد احتضان وليدها. هو تحول العرق المالح إلى تاج يكلل الجبين. هو نشوة الظفر والانتصار على الصعاب والعراقيل. (بعد صمت قصير) ما رأيك أن نشقى معا ؟
- ليتك دخلت من باب النسيان ولم تُدخِل معك إلى الجنة هذه الأفكار الدنيوية الشيطانية.
- ألا تغريك أفكاري بالرغبة في التجريب على الأقل.
- ربما. ولكن ماذا تقترح أن نجرب؟
- تعالي نَنْتَحِ مكانا معزولا، ثم نبني كوخا من قصب وطين، لنسكن فيه، ونحرث ما حوله، ونربي قطعانا من الدواجن والماشية، ونتلذذ باعتدال الربيع، وقيظ الصيف، وتقلب الخريف، وزمهرير الشتاء، ونعاني من الفيضان أو الجفاف، ثم نفرح ونسعد حين نجني ما أنتجناه بأيدينا مما نحتاجه ...
- قبل ذلك، أشترط أن نكتب كتابنا، ونشهر زواجنا، والعصمة بيدي.
- يظهر أنك عدت تتذكرين الحياة الدنيوية ومواضعاتها. فهل عندك علم عن زواج آدم وحواء: أكان بكتاب؟ أم بتوافق؟ أم بإذعان؟ ثم إني لم أعرض عليك الزواج بعدُ. أما العدول والشهود فلن تجدِيهم بسهولة. وحتى إذا عثرت عليهم تأففوا من إزعاجك، وخيبوا ظنك بعدم تفرّغهم، لأنهم لا يقيمون وزنا لشروطك. وهم منغمسون - بنهم وشبق - في ولائم الجنس المباح، الذي يسمو على الزنا والسفاح. ومع ذلك فأخْذُك المبادرةَ لتقرّري - لنفسك - ما تشائين، أمرٌ يسُرّني.
- ما أراك إلا متحرشا بي، راغبا في إخراجي من الجنة. لست أدري: أإنسان أنت أم شيطان؟
- وهل يدخل الشيطان الجنة؟ إني أدعوك إلى جنة العقل، وواقعية الفكر، وأنوار الرأي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا