الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وحدة عربية يهودية لهزيمة العنصرية والتطرف

يعقوب بن افرات

2014 / 12 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


سقطت الحكومة اليمينية المتطرفة وها نحن امام حملة انتخابية جديدة بعد اقل من سنتين على الانتخابات السابقة، وأمام تحدٍّ جديد. وكما كان الحال في الانتخابات السابقة تتعالى الأصوات التي تنادي إما لتوحيد القوائم العربية من أجل رفع نسبة التصويت وزيادة عدد مقاعدها في الكنيست، أو المقاطعة. الواقع أن كلا الخيارين يشيران إلى الطريق المسدود الذي وصلته الجماهير الفلسطينية في إسرائيل، فالوحدة والمقاطعة منبثقان عن نفس الاعتقاد بعدم وجود إمكانية حقيقية للتأثير على السياسة الإسرائيلية وإحداث تغيير جذري في النظام العنصري.
منذ هبة أكتوبر 2000 تشكل إجماع عربي بأن المجتمع الإسرائيلي بكامله عنصري. فالدولة هي دولة اليهود التي تستثني العرب، وكل ما تبقى لنا نفعله هو فضح طبيعة الدولة العنصرية وكشف التناقض الكامن في تعريفها بأنها "يهودية وديمقراطية". أما في المجتمع الإسرائيلي اليهودي فقد شهد منذ تلك الفترة انزلاقا حادا نحو اليمين، وأقام نوعا من الجدار الفاصل بينه وبين المجتمع العربي داخل إسرائيل.
لا يزال هذا الجدار قائما وهو يؤكّد الاعتقاد العربي بأن المجتمع الإسرائيلي صار كتلة متجانسة، صاحبة موقف واحد، وأنه لا فرق جوهري بين يمين ويسار، بل كلّهم موحّدون ضد العرب عموما والفلسطينيين خصوصا. وتحولت لجنة المتابعة العليا للسان حال الجماهير العربية، التي يتجاهلها الإعلام الإسرائيلي اللهم إلا في حالة وقوع جريمة أو عمليات مقاومة.
غير ان هذه الانتخابات تحديدا تضع أمام الجمهور العربي واليهودي على حد سواء قضيتين مصيريتين تتعلقان بطبيعة الدولة ومصير القضية الفلسطينية. إن احد الأسباب الرئيسية لسقوط الحكومة الحالية هو الخلاف حول سياسة اليمين تجاه حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، والموقف من قانون يهودية الدولة الذي أدى لانشقاق داخلي في الحكومة.
وبينما كان الموضوع الرئيسي في الانتخابات قبل سنتين الوضع الاقتصادي والفجوات الاجتماعية داخل المجتمع الإسرائيلي بين رأس المال الكبير والطبقة الوسطى، خاصة على خلفية ظهور حركة الاحتجاج الاجتماعي الضخمة في صيف 2011، فهذه المرة موضوع الانتخابات جوهري يمس كل مواطن عربي ويهودي. فلا يمكن الادعاء بان الموضوع الفلسطيني هو موضوع "يهودي" او أن يهودية الدولة هي "شأن يهودي داخلي".
إن اليمين الإسرائيلي المتمثل بحزب الليكود وحلفائه المستوطنين حسم موقفه من القضيتين الرئيسيتين. فقد توصل نتانياهو إلى استنتاج صريح بأنه لا حل للقضية الفلسطينية، سوى الحكم الذاتي، وعلى العرب المواطنين في إسرائيل يقترح قانونا يشرّع المواطنة المنقوصة وانعدام المساواة، بحجة أن الدولة وطن قومي لليهود.
الخلاف حول قانون القومية كان القشة التي قصمت ظهر البعير وأدت لسقوط الحكومة. فقد أثار مشروع القانون استياء ومعارضة شديدة شملت عناصر من الليكود نفسه مثل رئيس الدولة روبين ريبلين وحتى شخصيات حقوقية، صحافيين، سياسيين يخشون من تحول إسرائيل لدولة أبرتهايد رسميا. ان فكرة إدامة الاحتلال والحروب للأبد، تقضّ مضاجع جزء مهم من المجتمع الاسرائيلي. كذلك تثير مظاهر الاعتداء على العرب، مثل حرق المساجد والمدارس المختلطة للعرب واليهود، استياء عارما وسخطا بل وعداوة شديدة تجاه اليمين الاسرائيلي المتطرف.
وهنا يطرح السؤال، ما هو دور الجماهير العربية وتحديدا قيادتها تجاه هذا الصراع الداخلي على الساحة الإسرائيلية؟ هل النداءات لوحدة القوائم العربية تشكل جوابا كافيا؟ ما هو موقف القيادات العربية من النقاش الدائر اليوم؟ هل لها دور في هذا الصراع وهل لها مصلحة في إسقاط اليمين المتطرف أم أن هذا لا يهمّها بحجة أنه من الأسهل فضح إسرائيل وعزلها دوليا عندما يحكمها اليمين، لأن اليسار لا يقل عنصرية ولكنه يتغطى بكلام معسول لا رصيد له عن السلام والديمقراطية؟
والسؤال الأهم هو: هل هناك قاسم مشترك بين القوى الليبرالية والديمقراطية في المجتمع العربي والإسرائيلي حول حل القضية الفلسطينية، من خلال إنهاء الاحتلال وبناء مجتمع إسرائيلي ديمقراطي يتمتع فيه كل مواطن بكامل الحقوق بلا تمييز على اساس قومي او ديني؟
هل من المعقول أن نحدد بأن كل المجتمع الإسرائيلي هو يهودي ومن هنا صهيوني فعنصري، أما المجتمع الفلسطيني فهو عربي ومن هنا ديمقراطي ناصع؟ ما هو القاسم المشترك بين حملة الفكر الليبرالي وبين من يسعون لإنشاء الخلافة الإسلامية في القدس ويكفّرون من لا يبايع الخليفة الفحماوي؟ وما بين هؤلاء وبين مؤيدي بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي؟ ثم كيف يلتقي من يعتبر أبو مازن عميلا وبين من يراه زعيما؟ أي قاسم مشترك يجمع أيا من هذه التيارات وبين من يكفّر اليهود ثم كل من هو غير مسلم بمن فيهم الدروز، المسيحيين، وكل طائفة أخرى تشكل الفسيفساء العربي؟
إن النداء للوحدة وتجاهل الأسباب العميقة التي خلقت الانقسام الفكري والسياسي بين التيارات السياسية العربية، من شأنه أن يعمّق الأزمة بدل أن يحلها. فالمجتمع العربي بحاجة الى معالجة مشاكله الأساسية وعلى رأسها الانغلاق الديني، العنف العائلي والمجتمعي، الصراع الطائفي والوضع الاجتماعي المتردي.
لقد أثبتت التجربة السياسية في إسرائيل بأن المستفيد الوحيد من هذا الانقسام بين اليهود والعرب، هو اليمين المتطرف الذي يدّعي عدم وجود شريك فلسطيني للسلام وأن المواطنين العرب في إسرائيل هم طابور خامس.
النداءات التي تتعالى أيضا في الأوساط الإسرائيلية اليهودية لتوحيد أحزاب المركز واليسار الصهيوني - حزب تسيبي ليفني، يئير لابيد، حزب العمل وميريتس، توازي النداءات لتوحيد الأحزاب العربية، وهي مؤسسة على الوحدة بين اليهود، ولا تنادي بأي حال الى وحدة مع العرب. بذلك يكرّس هذا الواقع الهوة بين اليهود وبين العرب، ومرة أخرى يكون المستفيد هو اليمين المتطرف الإسرائيلي والقوى الظلامية التكفيرية العربية. فهذه النداءات التي تأتي من اليسار الإسرائيلي إنما تعزز ادعاء اليمين بعدم إمكانية الوحدة بين اليهود وبين العرب، وهذا ما يفسر ضعف اليسار الاسرائيلي من ناحية وانعدام أي تأثير من قبل الأحزاب العربية على الساحة السياسية.
اذا كان اليسار الإسرائيلي يريد فعلا إسقاط اليمين المتطرف الذي يهدد كيان الدولة التي يطمح إليها، فلزام عليه تغيير طريقه التي بدأتها حكومة ايهود براك بتفضيل الوحدة مع المستوطنين بدل الشراكة مع الأحزاب العربية ثم التصريح بأنه "لا شريك للسلام" الذي أوصل اليمين المتطرف للحكم.
من جهة أخرى إذا أراد الليبراليون والديمقراطيون العرب بناء مجتمع عماده المساواة وإنهاء الاحتلال والنزاع الدموي المستمر، فعليهم تغيير المنحى المدمر الذي لا يميز بين يهودي وصهيوني، بين ديمقراطي يريد مجتمعا مدنيا متساويا ويعارض الاحتلال وبين يميني عنصري يكره العرب.
ان الطريق الوحيدة لهزم اليمين هي الوحدة بين اليهود والعرب من خلال تشكيل جبهة عريضة تشمل العناصر العقلانية من كلا الجانبين، والوقوف ضد كل النزعات الانعزالية وضد التطرف اليهودي والعربي على حد سواء. ان الواقع العربي والواقع الإسرائيلي يفرضان على كل الحريصين على مستقبل المجتمع وعلى مصير الشعب الفلسطيني استغلال هذه الانتخابات كانطلاقة جديدة لإحداث اصطفاف سياسي جديد يكسر الجليد بين اليهود والعرب ويعزل اليمين المتطرف الذي يقودنا للجحيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ما بعد الحرب.. ترقب لإمكانية تطبيق دعوة نشر قوات دولية ف


.. الشحنة الأولى من المساعدات الإنسانية تصل إلى غزة عبر الميناء




.. مظاهرة في العاصمة الأردنية عمان دعما للمقاومة الفلسطينية في


.. إعلام إسرائيلي: الغارة الجوية على جنين استهدفت خلية كانت تعت




.. ”كاذبون“.. متظاهرة تقاطع الوفد الإسرائيلي بالعدل الدولية في