الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأدب والحلم في أمريكا- رسالة الى اكرم قطريب

حسين سليمان- هيوستن

2005 / 9 / 1
الادب والفن


الصديق العزيز أكرم، أشكرك على رسالتك الموجهة إلى بخصوص كتابتك ملفا عن أدباء أمريكا (أحوالهم ، معاناتهم وخصوصا أن أغلبهم يعمل في حقول لا تمس الكتابة، وموجز عن العلاقة مع المكان وهل بقيت الأحلام كما هي قبل الوصول؟)
سوف استغل هذه الفرصة لأوسع الموضوع قليلا وانظر إليه نظرة تضع في حسبانها ما يشغلني.
في هذه الليلة بالذات، أي يوم الأحد، 21 آب، خرجت من ندوة في هيوستن، على قد الحال، كانت من ستة كتاب عرب، وأمضينا 4 ساعات قرأت فيها فصلا من رواية أكتبها حاليا تحت أسم "همسات المدن البعيدة". هذه القراءة التي صاحبها نقد من الكتاب الأصدقاء أجابت عن أسئلة كانت غامضة لدي، إحدى هذه الإجابات قالت أن الكتابة في الأدب العربي يجب أن تكون واضحة سلسة تلتقطها العين من ضربة واحدة، يجب أن تكون معتمدة على أسلوب متفق عليه مسبقا. وإلا فالكتابة تحتاج إلى تقويم وتعديل كي تدخل في الإطار المسبق المصنوع.
يجب أن تكون الكتابة بهذا النمط وعلى هذا المنوال، ثم الجمل والكلمات أن تأخذ تردادها المأثور.
لقد فوجئت طبعا. راجعت نفسي... ثم قلت.....حتى في أمريكا؟!
حين بدأت الكتابة في الأدب- الرواية تحديدا، وكنت في سورية حينها، كانت قد ولدت في أعماقي مسلمة لم أقدر عليها، فقادتني وجعلتني أبتعد عن سرد القصص، وجعلتني لا أهتم للحدث ولا انقله أو أنميه كي تكتمل الحدوتة. ذلك لأنني مؤمن أن الأدب ليس كذلك فقط، وهو على كل حال ليس سينما تعيش في هوليوود. للأدب كما أظن مهمة أوسع بكثير، وإن كان معظمه عندنا، مازال قابعا في الأجواء الكلاسيكية فلأن أكثرنا لا يعرف كيف يتمرن على امتطاء صهوته والنزول إلى ثنايا تفتح للوعي أفاقا وكنوزا. إن هذا النزول يحتاج إلى تمرين عقل، إلى رياضة روحية أيضا تضع الكسل والرضا والطمأنينة، تضع التاريخ والمسلمات المتوارثة جانبا.
هذا الكلام عام، سيظل عاما ذلك إن خلا من الشواهد، وصاحبه ليس سوى متقول! لكنني أقول ما يعتريني وأسقطه على الورق من دون وجل.
هل لك أن تتصور ماهو مقدار البعد الذي يفصلني عن العالم العربي؟ ماهو المقياس الذي يقيس تلك المسافات، كي يظن أنه مجرد بعد لا أكثر؟
اللغة بحد ذاتها تغيرت وصارت روحها غربية، صحيح أن الكلمات تنطق العربية لكن رأسها غربي. وكيف لا، وحوالي أو بداخلي الطاقة الغربية التي أخذت تنظمني وتهذبني على طريقتها. قلت في نفسي وأنا استمع إلى الأصدقاء وهم ينظرّون كيف يجب أن تكتب الرواية، قلت في نفسي، حتى في أمريكا؟! ذلك لأن العالم هنا عالم مختلف، مختلف حتى عن أوربا. وفيه أشعر بالحرية الذاتية التي لا تهدد تاريخي فقط بل مستقبلي أيضا. هذه الحرية التي راحت تلعب لعبتها السحرية فهي مرة مارد ظلام ومرة نورا وضياء.
في "دابادا" أراد الروائي العراقي حسن مطلك أن يفتح الحدود ويطلق جناح الحرية إلى آفاق أخرى. فكتب رائعته "دابادا" وهو يقول أنه سينسى كيف تكتب الرواية وسيؤسس لصناعة روائية جديدة، له فقط، إبداعا جديدا، لكنه كان يكتب وفي ذهنه وليم فولكنر. كان يظن أنه عثر على الحرية وطار على جناحيها.
إنني أخاف بالفعل وأقلق كثيرا أن أكون متوهما أيضا = الحرية التي بداخلي ليست سوى وجها مقلوبا!
كلمة أخرى عن حسن مطلك لم أقلها في السابق وهي أنه في "دابادا" تفوق وتجاوز في ثنايا كثيرة الحدود التي وقف عندها وليم فوكنر. وافتتاحية الرواية تحمل إحدى الدلائل وهي: (قامت هاجر. يقول شاهين وهي أمه)
لكن بعدي العربي ليس بعدا عن الجذور والبدائية العربية- بدائية الأجداد، العقل الجمعي أو الخافية التي تجرني إلى قرون بل إلى آلاف السنين، فمثلي كمثل أي عربي آخر. إن البعد هو بعد مسافات وبعد أسطح. بعد لغة، فالعربية تتبخر كل يوم أو أنها تضعف، لا يقويها سوى القراءة من الانترنيت الضعيف أصلا، وبعض الكتب التي تقع بين يدي. اللغة العربية هي لغة صامتة لا أسمعها أبدا، إلا قليلا بعض الأحيان عبر التلفون.
وهاك أيضا إضافة أخرى تزيد البعد والاختلاف، فتركيبي اللغوي يختلف عن التركيب المألوف. حيث اللغة العربية، كما أعتبرها، هي لغة مكان وليست لغة زمان. هكذا أقدرها. فالمكان حاضر بقوة في الشرق، وقد استهل الشعر العربي وجوده من روح المكان، من الصحارى والبوادي، من الأطلال. الجملة العربية هي رائحة وتراب وزعفران، ليست مثل الجملة الإنكليزية التي ليست هنا، بل هناك، فوق. ذلك لسبب بسيط أن المكان الأمريكي غير موجود، ونحن نعيش فيه ويؤثر علينا.
نحن، هنا، لا نعيش في مكان بل في زمان متحرك، في زمان يمشي فوق الغيم. أقول هذا الكلام لأنني لا أعيش في بلدة زراعية بل في مدينة صمت أشيدت على مبدأ النسخ واللصق، كل الشوارع متشابهة وكل الامتدادات وكل الجسور والطرق، إن ما أعيشه هنا هو تكرار لمسافات ولأميال تدور على بعضها.
فالمكان غير حاضر وغير مؤثر. إنه للمرور، وللوصول لا غير. المكان هو مقعد سيارة، وكرسي مكتب وكرسي طاولة كومبيوتر. إنه الكرسي، ونوافذ المنازل مغلقة وعليها ستائر كثيفة.
لكن الزمن في الولايات المتحدة، كما يقال هو عملة، هو فلوس. لهذا فهناك نظام دقيق صارم يستطيع المرء أن يستغله وينظمه كما يريد. إلا أن ساعات العمل الطويلة المرهقة تضر وتؤثر حتى أنها تخلق انفصاما واضحا داخل الشخصية. بعد نهاية الدوام يجلس الكاتب وهو يحاول أن ينسى العمل الشاق ويولف ويتوافق مع العمل الأدبي، وهو يشعر بمقدار البون الشاسع بين الاثنين، تباين العملين، العمل المعيشي والعمل الأدبي. ثم تباين اللغتين الذي ربما من وجهة نظر أخرى سيكون ثراء وفرحا بالمغايرة.
حين تكتب بالعربية في مجتمع لا يحكيها تشعر بعض الأحيان انك عائم، تعيش في عالم غير موجود، عالم ضائع، وزمانه غير متواز مع الواقع. لكن التباين أو البون بين الاثنين (بين العمل المعيشي والعمل الأدبي، بين اللغتين) هو برأيي إلهام أو محرك إلهام يكشف بالأبيض وبالأسود سكون النفس التي تسم حياتنا في الشرق.
لكننا هنا واقفون فوق حقل خصب لا محراث فيه، ذلك لأن الأفكار التي تولد في الرأس تبقى يتيمة حيث لا مشاركة ولا حوار. هل هذه واحدة علينا في هذا الزمن أم لنا. نحن في صومعة.
يبقى شيء آخر، هام، أيضا هو صعوبة نشر ما نكتبه وصعوبة إيجاد دار نشر وتوزيع في الشرق. هنا، لهذه المسألة حديث آخر.
والحلم الذي كان قبل المجيء مازال صابرا فهو يعيش كنبتة صحارى وبراري، ذلك أن الدافع نحو الكتابة ليس دافعا عارضا، لا بسبب الفراغ وقلة الأعمال وحب الظهور، وليس بسبب الكبت الآني- اظنه دافع حقيقي لأن الكاتب العربي الذي يعمل في الولايات المتحدة أو في دول المهجر سيخسر، يخسر الزمن وربما يخسر نفسه إن لم يكن هذا الدافع حقيقي وله ثمرة يبصرها في أعماقه. وهو يريد أن يستخرجها للحاضر وإن لم يستطع فإنها ثمرة المستقبل، ستكون بالتأكيد من نصيب المستقبل.
في عصر اللاقراءة، عصر الميديا، في مكان لا يأبه باللغة العربية كيف لاتكون الكتابة باللغة العربية غير بوح جنون ولوعة حطام؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??