الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذات ظهيرة كاذبة (خدعة قصيرة جدا)

ريم أبوالوفا
مدرس الفكر الديني اليهودي ومقارنة الأديان-كلية الآداب-جامعة المنصورة

(Reem Abulwafa)

2014 / 12 / 5
الادب والفن


ذات ظهيرة كاذبة
(خدعة قصيرة جدا)



وكان اللقاء ذات ظهيرة شتوية -ربما منذ بضع سنوات- أحد تلك الظهيرات الشتوية؛ التي تبتسم فيها شمس من وراء الغيوم؛ فيعبق النهار ببعض دفء سرابي، في مكتبي؛ بشارع يقبع في أطراف مدينتي البيضاء وحيداً، تصطف على جانبيه شجيرات ملونة - تخونني ذاكرة التأريخ، بقدر موجع، إلا أنه لا يضاهي وجع خيانتك-.

وبدأ اللقاء؛ ثم طال .. فاِلتهم ساعات الظهيرة كلها؛ تلك السويعات التي نسجت طيلتها ببراعة أقاصيصك،، سلبتني عقلي؛ أمراً إياه ألا فِكر ولا تفكير في حضرتك؛ فاغتال المنطق بين يديك؛ وجردني حتى من حدسي الأنثوي، تاركاً إياك تعيث فساداً في وجداني ببضع كلمات واهيات؛ معطرة برحيق وردي تُغلفها بروح عاشق (كاذب) يخشى أن ينفضح.

ثم جاءتك كبرى أقاصيصك؛ لتسلب ما تبقى من عقل وحدس؛ وبهمس عاشق لم يعد يُطِق صبراً؛ فــقرر فضح أسراره (كافة)؛ أخبرتني أنك لحظة رأيتني كأن فتاتك الخيالية تخطو خارجة من إحدى مناماتك، من أرض أحلامك التي قبعت فيها لسنين طوال، وقررت أن تتجسد من دم ولحم؛ فخلعت نظارتك الطبية، وفركت عينيْك، ثم أعدت تثبيتها، وأمعنت النظر، فــأدركت أنه ليس حلم يقظة عابثاً، في نهار صيفي طويل. ثم استرسلت تخبرني أنه رغم كل هذا لم يُدركك اليقين إلا في تلك اللحظة حين تلامست أيدينا، حين مددت يدي أصافحك؛ حينها فقط أيقنت أنني لست محض خيال..
وكنت (أنا) من السذاجة بما يكفي لأصدق أقاصيصك في تلك الظهيرة؛ وربما لو طالت السويعات لتلتهم باقي ساعات النهار لالتهمت معها واقعي، وقبعت حبيسة في أرض الأحلام (خاصتك)، أتخبط في جدران خداعك.
وكيف لي -أنا؛ البسيطة، غير ذات تجربة عشق واحدة- ألا أكون ساذجة أمام كلمات؛ تروي لي فيها كيف أني رسمت معك كل ركن في أحلامك، وزينت حوائطها (جميعها)، وأعددت معك أقداح الشاي، وزرعت نبتة الياسمين (خاصتنا) في الشرفة، وقضينا الأمسيات نرقص على أنغام موسيقى كلاسيكية، وكيف قررنا ذات مساء أن نتعلم التانجو، ونعزف الجيتار؛ كيف لي ألا أُصدق وهم بحبكة مثل تلك، كيف لي لا أُصدق عاشقاً يبوح بالأسرار!!

(كم أتقنت عينيك كل ما حوت الأرض من فنون الخداع قاطبة)

تكفي تلك اللحظة شاهدة على براعتك ودقة إتقانك .. حين أخذت تنسج خيوط نهايات اللقاء .. وكأنك سرقت من الساعات عقاربها؛ فسلبت الزمن لحظاته؛ وصرت أنت من يوقفها ثم يحركها-كيفما يشاء-، فتحديت الزمن لترغم ذاكرتي -التي تأبى الاحتفاظ بالشخوص والحوارات العابرة (وإن طالت)- أن تحفر ظهيرتك تلك في أعماقها .. فرسمت خاتمة اللقاء بذكرى كلما مرت بخاطري ذكرتني كيف أني ساذجة تخليت عن أقل القليل من العقل، كذبت حدسي، وأدرت ظهري لما يسمونه "تحذيرات القدر":
حين سألتني بلهفة أن أسمح لك بتسجيل رقم هاتفك لدي، وسلمتك هاتفي لتدق أزراره بخفة ثم تعيده إلى يدي، ولم تكتفِ سذاجتي بهذا القدر من النقوش في ذاكرتي فسمحت لك أن تضع بين طياتها بقية باقية من أسرار العُشاق؛ نغم وألحان، تقف سداً منيعاً في طريق نسيانك، ومحو كل آثار كذباتك، حين همست لي لأختار نغمة خاصة تُذكرني بك، وبتلك الظهيرة؛ فوافقتك كأي طفلة ساذجة، والأصح بلهاء؛ (وجاء همس القدر) حين ترنم هاتفي –عن دون اختيار مني- بنغم حزين موجع " كل خوفي بعد ما اتعلقت بيك، ألقى نفسي لوحدي، وانت مش لاقيك، وألقى كل ده حلم، وأنت ولا حتى داري"، وجاء فحيحك خاطفاً "أتؤمنين بهمسات القدر، لا أظنك ساذجة، إنها محض خرافة، وإن كنت، فلا خوف معي، ولا وحدة"، وبلمسة سريعة على زر هاتفي محوت اللحن من ذاكرة هاتفي ..

ثم لم تتوقف طوال ظهيراتنا عن غزل الكذبات تلو أخرى. - حتى انقضى الكذب -

والآن بعد كل تلك الأعوام عندما يتهادى إلى أذني ذاك اللحن البائس تتجسد ذكرى الظهيرة الشتوية؛ لتُذكرني بسذاجتي .. فيرتسم مشهد الظهيرة بشكل ضبابي أمام عيناي، فتتراءى لي صورة مكتبي وشرفته المطلة على الأشجار الملونة وشمس تتعارك مع غيم الشتاء –كأنها تبغي أن تسطع بشدة- لتركز على ملامحك كي أرى كم أنها كانت شبيهة بملامح سحرة أقاصيص الأطفال (الأشرار) - هؤلاء من أقنعوا ليلى بأن تذهب للذئب؛ وهمسوا لبياض الثلج لتقضم التفاح- .. فيملؤني وجع؛ ليس على كل كذباتك المتكررة، بل على سذاجتي العمياء، فمتى تمحو الذاكرة كل هذا الهراء .. !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان