الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زقنموت (رواية) 18

تحسين كرمياني

2014 / 12 / 5
الادب والفن


فعل اليأس فعلته.
بدد الكثير من مشاريعه،بدد أحلامه،لم يعد يشعر بـ نار في جوفه،أين مضت حرارة الرغبة،نار الشعر،كل شيء من حوله هامد،خال القضيّة وعكة إحباط مؤقت للمشاعر،شيء من هذا القبيل يلح في محاولة فرض الهيمنة على جوارحه،وجد نفسه ملجومة بقوة خفيّة،لم يتخذ ما يناسبه من إجراء يعيد صحوته،أعدمت من باله فكرة الخروج من الحياة بطريقة ما.
ملازماً البيت.
يصرف دقائق الإجازة بالتحديق المتواصل في سقف الغرفة،أمّه خارج البيت،سمع طرقات ناعمة على الباب،في البدء خال إحدى الجارات جاءت تريد الخلوة بأمّه في جلسات مسائية لا تنتهي،طرق خارجي تحول إلى طرق داخلي،نقرات ناعمة مثل مطر نيسان على سقف بيت طيني،هكذا تناغمت الموسيقى مع وجيب القلب،قام وتحرى،كانت فتاة البريد واقفة بلهفة وخوف،تعصر ورقة بين أناملها الناعمة،سمح لها الدخول،وجد السماء تمطر،كانت مبللة الثياب،وجهها يلمع بقطرات الماء.
قالت:
((خالتي تسلّم عليك.))
كلام ناعم،صوت موسيقى هادئة،وجد أغواره تردد صدى الصوت،جارفاً تراكمات السأم المتراكم فوق قلبه.
قال:
((كيف هي.؟))
((بخير،تقول سأنتظره في الليل.))
((لكنني أشعر بوعكة صحيَّة.))
((تريد أن تراك ولها كلام كثير.))
((حسناً سأكون عندها في الموعد المضبوط.))
((الساعة عشرة تنتظرك.))
خرجت بهدوء،رافقها حتى الباب الخارجي،عاد يقرأ كلام(مها).

[ يا ـ ماهر ـ حائرة أنا،أكاد أختنق،الدنيا تخاصمني،الأم تحاصرني،هناك مصيبة كبيرة تدنو مني،أرجوك جد لي حلاً سريعاً،الكلام كثير،في الليل سأنتظرك،يجب أن تأتي،أرجوك من أجلي فقط تعال،أشعر أن هناك حبال تمتد حول رقبتي،أكاد أن أموت يا ـ ماهر ـ لم أنت تتصرف بهذا البرود معي،لم أشعر أنك فقدت مهارتك في الحب،كنت قمراً ساطعاً،من أي الأفلاك زحف هذا الخسوف المرعب ليحجم حبك عني،ها أنا أبعث رسائلي إليك وأنت تتمرد،قل لي هل طفت على سطح ذهنك مهاترات أم ـ سليم ـ ألم أقل لك لا صحة لكلامها،هل وجدت من هي أجمل مني،لم تتمرد،لم لم تقل لي شيئاً،حتى نظراتك لم تعد فيها حرائق الشهوة،ثق يا ـ ماهر ـ هذه الرسالة أنا أكتبها،لا أحد يعرف بها كما اتفقنا،لن أدع واحدة تقرأ كلماتك ولن أسمح لواحدة تكتب لي رسالة لك،أنت علمتني الحب والكتابة وربما سأفاجئك بقصيدة من بنات أفكاري،علمتني الحياة والمستقبل،لا تدعني شجرة من غير ماء،أنت كل شيء بالنسبة لي،فقط تعال،هذه الليلة لدي كلام كثير،وخطير أيضاً..نعم يا ـ ماهر ـ خطير،فالحياة عربة واقفة في محطة الليلة، إن لم تأتِ ربما ستمضي العربة نحو الظلام..تعال أرجوك يا ـ ماهرـ ]
***
طوى الورقة.
كانت مبللة،بدأ شهيقه يضيق،لم يعد يتنفس بحرية كما كان،(مها)في خطر،ربما شعروا بحبها له،ربما وشاية ما وصلت إلى أخوالها،كل شيء وارد طالما الحب جريمة في بلدة(جلبلاء)،رغم تحمسه لها،لم يجد حماسته المعهودة،قرار يلح،يجبره أن يتخذ موقفاً حاسماً.
دخلت أمه.
قالت:
((يبدو أن هذه المصيبة لن تتركك.))
((أية مصيبة يا أمّي.؟))
((وهل لدينا في الزقاق مصيبة غيرها.؟!))
((يا أمّي دعِ البنت لحالها.؟))
((تريد توريطنا بمصيبة.))
((أنا أعي نفسي.))
((وما كان وراءها.؟))
((من.؟))
((الطفلة..))
صمت.
لم يرغب أن يكذب عليها.
أردفت:
((خرجت من البيت.))
((من قال هذا.؟))
((نساء الزقاق.!))
صمت.
قلب نفسه في الفراش وراح يتظاهر بالتعب والنعاس.


ليلٌ مبللٌ بالرطوبة.
كلصٍ محترف يبحث عن فرصة مناسبة لتحقيق سرقته،الزقاق متجمد بالصمت ورذاذ المطر،بقى يلوذ بجدار كي لا يعطي فرصة فضيحة لمستطرق أو لعينين تستطلعان الخارج من خلال نافذة ما،كانت الدقائق تمضي وقلبه يشتد في نبضه،مختنقاً يراقب رأس(مها)،وربما المصباح الموجود فوق الباب،كانت دائماً تنيره ليال الغرام،كان منطفئاً،رآها تبرق أشارتها،لحظة دخل وراءها،وهي غاطسة في لهفتها،عانقته بحرارة وبادلها ببرود.
همست:
((ماهر..أنت تقتلني.!))
((لكنني معك.))
((لم أنت غاضب.؟))
((ومن قال هذا الكلام.؟))
((لم تعد كما كنت.))
((حالتي صعبة يا ـ مهاـ))
((أ..مكانك خطر.؟))
((لا توجد رقعة آمنة في بلاد تحارب نفسها وجاراتها.))
((أرجوك أهتم بنفسك،لا تخرج من موضعك.؟))
((ليست الحكاية حكاية موضع يا ـ مهاـ))
((ماهر..لدي كلام غير مريح.))
((وما هو.؟))
((هناك من يطلبني زوجة.!))
((وما هو رأيك.؟))
((نهرب.!))
((أريد رأيك.؟))
((لنهرب إلى مكان ما.))
((وهل وافقت على ذلك.؟))
((أولاد خالي شرسو الطباع،ليس بوسعي التفوه بكلام في حضرتهم.))
((وما العمل.؟))
((نهرب.))
((لكن الهرب ليس حلاً دائماً.))
((وما العمل.؟))
((تحججي بالدراسة.))
((أهل القرية لا يؤمنون بالمدرسة.))
((هذه مصيبة تضاف إلى مصيبتي يا ـ مهاـ))
((وهل أجبروك على الزواج من قريبة.؟))
((أي زواج يا ـ مهاـ))
((وما هي مصيبتك.؟))
((ليتك تعرفين أي مصيبة تنتظرني.!))
صمت.
ينظر إلى عينين غارقتين في بركتي دموع،وجه يلمع تحت وهج المصباح،وجدها تخنق موجة بكاء يكاد أن ينطلق،عانقها وراح مثلوجاً يمطر وجنتيها بقبلات لا معنى لها،وجدها تسترخي،تريد التحليق في سماوات الحلم والرغبة.
قال:
((لا يجب أن لا توافقي على ذلك.))
((أمّي وراء هذا الزواج.))
((وهل تريد التخلص منك.؟))
((سمعت بقصتنا.!))
((ماذا.؟))
((أم ـ سليم ـ أباحت لها بكل شيء.))
((مصيبة..))
((أقنعتها بعدم وجود صحة للموضوع.))
((وماذا قالت.؟))
((قالت أنها كانت تشعر بذلك منذ فترة،وكانت تراقبك وأنت تمطرني بنظراتك كلما تمر.))
((وما العمل،ليس بوسعي المرور من هنا مرة أخرى.))
((ستبعدني عنك بالزواج.))
تعطل الكلام،استكملا بقية الليل بالحب،هي بحرائقها،هو بـ ثلج متوالد فيه.
حاول أن يشعرها بمشاعر ملتهبة تسكنه.
كان عزاء مضبباً،جهداً مهدوراً،للحيلولة دون اكتشاف مصيبته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل