الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نفايات

محمد الذهبي

2014 / 12 / 8
الادب والفن


نفايات
محمد الذهبي
تستيقظ المدينة يوميا على اصواتهم، يلتقطون اي شيء، يشاركون القطط في التفتيش في النفايات، يرتدون ثيابا ملائمة للغرض، لم تبق مزبلة الا نشروها وفتشوها بشكل دقيق، لم يكونوا غرباء على المدن، انهم من احياء قريبة، يهرعون بمجرد انبلاج الفجر، تستهويهم المدن الغافية، كانت فاطمة قد امتهنت هذه المهنة من زمان طويل، تعرف كيف تحافظ على لياقتها، الانفتاح الاقتصادي الذي يعيشه البلد جعل من مهنتها افضل بكثير من العهد السابق، بدأ الناس يرمون اشياء مفيدة في النفايات، بالامس كنا ننتظر السيارات في محطة واحدة، قرب الكمالية، اما الآن فالمدن مليئة بالنفايات.
لقد اتخمت المزابل، وبدأ البعض يرمي كل شيء، بعض الاحيان تعثر على ثلاجة او مجمدة، او طخم قنفات في ابواب بعض البيوت، لم تتزوج حتى الآن، نسيت اشياء كثيرة في زحمة البحث اليومي، مراهقتها وشبابها انطويا خلف قناع الخوف من الشمس الذي ترتديه كل يوم منذ الصباح حتى المساء، حتى هي اضاعت قسمات وجهها الجميل بعض الشيء، تتلمس شفتيها بحذر، وتضع سبابتها في نقرة الحنك، وتتأكد من غمازتيها، بعض الاحيان تضطرب وتتأوه، واحيان اخرى تبكي، تسمع في مدينتها ان الشباب يتحرشون بالفتيات، لكنها لم تر هذا الشيء يحدث معها، ربما لان القناع اخفى كل شيء منها، وربما الرائحة التي تنبعث منها كفيلة بطرد نظرة اي شاب، منذ عهد الطفولة القديم، وهي تصول وتجول في مواقع النفايات، تعرف ان هذه السيارة قادمة من زيونة، وتلك من الغدير، تحفظ واجبات سواق السيارات عن ظهر قلب، تترصد السيارات الآتية من المدن الغنية، فهي تعرف من اين تؤكل الكتف، لاتفتش كيفما اتفق، انها تترصد تل النفايات وتدور حوله لدقائق، الكل يهرع بسرعة الى اعلى التل، الا هي، تمسك محراثا، وتبدأ نبش الجوانب، خبرة طويلة علمتها ان الاشياء الثمينة ربما تكون بالاسفل، لاشيء ثمينا يطفو على السطوح.
جميع الاشياء الثمينة التي تجدها، تبيعها لجارتها ام عبد، مرة وجدت قلادة ذهبية، واخرى وجدت خاتما، وام عبد تشتري من فاطمة بابخس الاثمان، اغلب الاحيان تعود بلقى ثمينة، هذه المرة تختلف عن كل مرة، لقد وجدت شيئا ثمينا فعلا، شيء كالاناء بلاستيكي مضلع، له صفيحة في اعلاه، ادارتها قليلا فاتت بيدها، خفت به مسرعة الى ام عبد، لكن ام عبد لم تعرف كنه هذا الشيء، رفضت شراءه، واحتجت بقولها: انا لا اشتري الاشياء المجهولة، اخاف منها، عادت فطومة بلقيتها الثمينة الى الدار، لم تريها الى ابيها او امها، انزوت مع الشيء الثمين، وبدأت جولة في الاطلاع على المجهولات من الاشياء، ادارت القرص قليلا، فتحته ووضعته ارضا، لاحظت بداخله مسحوقا مضغوطا بالوان مغرية، ذهبية وبتفسجية وزرقاء، خلي اتولي ام عبد ، بعد كلشي ما ابيعلها، راودتها افكار كثيرة تجاه هذا الشيء المجهول، رأت نوابض، وقطع حديدية براقة، خطفت بصرها، تصورتها مصنوعة من الفضة، اما الالوان الذهبية، فكانت تعتقد انها ذرات الذهب وقد ضغطت بهذا الشكل الجميل على شكل دوائر، قامت وجلبت الطباخ ذا العين الواحدة، ملأته بالنفط واشعلته، وضعت قدرا كبيرا، وخلطت مكونات الشيء الثمين ووضعته على النار، ماهي الا لحظات حتى تبخر كل شيء، كانت مصدر رزقنا الوحيد وقد رحلت، لم تر شيئا في هذه الدنيا سوى تلال النفايات، والرائحة الكريهة، دخلت الى الحياة متقنعة بقناع الموت ورحلت ولم تخلع قناعها عنها، رحلت فطومة ، بكتها جميع البيوت، واكثرهن بكاء كانت ام عبد، فقد فقدت مصدرا من مصادر ثروتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف


.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال




.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج