الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهادة وفاة

خالد قنوت

2014 / 12 / 9
كتابات ساخرة


ساعة و نصف و هي تنتظر طابور المراجعين أن يتحرك و لم يتحرك, فالموظف المسلح ببندقية و الموظفة يتبادلان الثرثرة و كاسات الشاي و الغزل السمج. الحرارة في الخارج مرتفعة و الرطوبة عالية لمدينة ساحلية سورية و بداخل مكتب النفوس المهترء تزيد رطوبة المكان من بؤس الانتظار رغم حياد أكثر الواقفين و حالة القبول و الخنوع دون أن يصرخ أحد بالموظفين الثرثارين لكي ينجزوا عملهم فكما يقال: (كل ديك على مزبلته صياح) و هاذين الموظفين يملكان من السلطة على مزبلتهما ما لا يمكن لأي مواطن عادي بسيط أن يتجازوها فقد يتحول الموضوع لاتهام بخيانة النظام و الوطن الصامدان المقاومان الممانعان و سيد الوطن الفذ القائد الملهم.
نظرت حولها تريد أن تخرج من ثيابها و تصرخ لكن الشجاعة خانتها و سكبت على رأسها سطل ماء بارد. حاولت النظر للموظفين الأبلهين لتثير انتباههما و عطفهما على مواطنين مثلهم يريدون قضاء امورهم و اشغالهم, دون جدوى.
تلفتت حولها محرضة بعضاً من الرجال أو الشيوخ كي ينادي على الموظفين, كانت الوجود بلا معالم و كأنها أقنعة صفراء لاناس بلا ردود أفعال.
أثار كم صور الرئيس المفدى و شعارات (شبيحة للأبد لأجل عيونك يا أسد) الدم في عروقها تنحت يميناً و كذلك يساراً فكان هناك صور أخرى و شعارات أكثر وضاعة .
لم ترى نفسها إلا و دموعها تنهمر على خديها, بصمتها راحت تكيل الشتائم و السباب للرئيس المناضل الفذ ابن العظيم الراحل الخالد: (يا أولاد الكلب, يا أولاد الحرام. يلعن أبوكم على أبو أبوكم يا مجرمين يا خونة. يلعن أبوك يا خاين يا ابن الخاين دمرتوا البلد و هجرتوا أهلها و كنتم السبب بكل هذه المصائب من يوم ما كان ابوك يحكم سورية و يفلت ابناء عائلته للتسلط على البشر و نشر الرعب و اللصوصية و التهريب و الفساد و تجارة السلاح و الحشيش و المواد التي كان يمنعها حافظ الأسد على السوريين حتى صارت حلم. نحن العلوية كان الذل الذي شفناه على ايدي كل بيت الأسد, جميل الأسد و رفعت الأسد و شيخ الجبل و فواز الأسد و حسين الأسد و هلال الأسد و خرى الأسد و غيرهم و غيرهم من كلاب الأسد كان ذل من نوع تكسير الروؤس و تمريغ الأنوف بالوحل. من يوم يومكم خوفتونا من بقية السوريين و من حالنا لحتى وصلنا ليوم نشوف بيت الأسد بكفة و حياتنا كلها بكفة. انت و ابوك و عمك و عيلتك, بعتو سورية و بعتو اهلها و سرقتو نفطها و ثرواتها و اثارها و كل يوم موجدين فيه بالحكم عم يروح البلد للهاوية و السراب و عم يموتوا اولادنا و أولاد كل السوريين, يا أولاد الكلب يا أولاد الوحش يا أولاد الحرام. خربتوا نفوسنا قبل ما تخربوا بيوتنا. شو برجع جيل من الشبيحة و المجرمين و اللصوص ليكونوا متل ما كانوا زمان بشر بسطاء و كلهم خير. شو كم عمر لازم ينقضي لحتى ترجع تضمد الجراح و الذنوب. ورطوا الجميع بحربكم على كل السوريين و صار مستحيل يتراجع كل من ساهم بالقتل و الاجرام و المجازر و السرقات. أتمنى أن يأتي يوم و أرى فيكم البعض مما فعلتوه بالسوريين يا انجاس يا اذناب ايران و عبيد اسرائيل...)
تحول بكاؤها الصامت إلى اجهاش و تنهدات عميقة اثارت انتباه من حولها, كانت سيل الشتائم و السباب يخرج متواصلاً و كأنه تمتمات أو عنين, حتى تحول لعواء أو صراخ يصل المدى حرقة و ألماً.
تجمع الناس حولها و بدأوا يسألونها عن سبب بكائها و نحيبها, حتى الموظفان البليدان خرجا من خلف شباك المراجعة مستفسران عن سر بكاء الصبية.
من بين دفق دموعها و ألمها و نظرات الحقد و الكراهية لصورة الرئيس المفدى و هو يبتسم ببلاهة مفرطة و يلوح لشبيحته و من إصرار المتجمعين حولها قالت: (ابكي على وفاة والدتي التي رحلت منذ اسبوع و قد تذكرتها عندما وقفت لاستخراج شهادة وفاة لها)
واساها الجميع و هم الموظفان البليدان لتأمين شهادة وفاة والدة الصبية بخمس دقائق أو أقل.
و مضت تشتم بصمتها عائلة الأسد واحداً واحداً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور


.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان




.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل


.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين




.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض