الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الكتابة والملامح الإنسانية في المجموعة القصصية - الحذاء الذي لم يتسن لي أن أنتعله - للأستاذ احماد بوتالوحت

نقوس المهدي

2014 / 12 / 10
الادب والفن


عن الكتابة والملامح الإنسانية في المجموعة القصصية
" الحذاء الذي لم يتسن لي أن أنتعله "
للأستاذ احماد بوتالوحت




تقديم

" ركعتان في العشق لا يصح وضوؤهما إلا بالدم".
الحسين بن منصور الحلاج




يحار المرء من أين يبتدئ الكلام عند الجلوس إلى صديق يمحضه التقدير و المودة و الإحترام ، و تزداد الحيرة أكثر حينما تضعه الصدفة إزاء الحديث عن كتاباته وانجازاته ، و الانفلات من سلطة و هالة الصداقة و ما بينهما ، موقف أشبه بالجلوس على كرسي الاعتراف تحضر فيه سمات الحميمية و الانبهار ، ذلك " إن الكلام عن الكلام صعب " كما يقول أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء أبو حيان التوحيدي ، لأنه المنتهى و المبتدأ، و البداية دون النهاية هو ، هكذا أحسستني عاجزا بحضرة البياض ، و أنا ألملم أطراف الكلم قصد تقديم العمل القصصي الأول الموسوم بـــ " الحذاء الذي لم يتسن لي أن أنتعله " للقاص المبدع احماد بوتالوحت ، محاذرا قدر الاستطاعة أن أكون محايدا كي لا أقحم فضولي القرائي بين السطور ، أو أسقط رأيي على نصوصه الإبداعية ، مؤثرا النظر إلى ارتسامات الفرح في العيون ، وأثر لذة القراءة على الوجوه العزيزة ، تاركا للقارئ من غير وعظ ، فرصة الاكتشاف بنفسه لهذه العوالم البكر المتلفعة بأسرارها الخفية و خيالاتها السحرية ، و شخوصها الطاعنين في البساطة و العفوية و التلقائية و التحدي ، و لهذا القلم الجميل القادم بكثير من الحزم و نكران الذات وبلا استقواء و خيلاء من حقول العلوم الحقة إلى باحة الآداب الفسيحة و براريها المترامية الأطراف و أفضيتها الرحبة .
و ما سأقوله تحبيرا بمداد العرفان هنا والآن عن احماد بوتالوحت الإنسان العاشق للجمال ، المثالي الودود المتواضع العصامي البسيط البشوش المحب للناس ، نموذج المثقف المتعدد في الفضاء الواحد ، لا يمثل سوى غيض من فيض مما أكون عنه من رؤى صادقة ، و أكن له من احترام و تقدير أخوي صرف ، منذ أن تعرفت إليه من سنين التلمذة ، و أستاذا لمادة الرياضيات لم تغره مشاغل الدنيا عن الشغف بالقراءة و البحث الدؤوب عن المعرفة ، ثم اكتشفت بعد ذلك و بحكم العلاقة الرفاقية بيننا أنه يكتب القصة القصيرة ، كما أستنير بحكامة رأيه في بعض ما اكتب ، فلا يبخل علي بتوجيهاته الرصينة .
أما القول عن احماد بوتالوحت الأديب و منجزه الإبداعي ، فلا يحتاج لمقدمات فهي البوح و الشرح و الانشراح و الانفتاح و الوضوح و الإشراق والوجد ، والوجود ، و الذيل ، و التكملة هي . و هي تطريز بالكلمات ، و تستمد بلاغة لسانها من فصاحة اللغة ، و إزميل انزياحها الذي لا يني حفرا في الذاكرة الجمعية ، مستعينا بفطرة الحدس ، و أطياف الخيال و وشوم الذاكرة ، و التعبير الصادق و الأمين في قالب إنساني خالص مشحون بالأحاسيس الجياشة والعواطف النبيلة ، التي تبعث في روح المتلقي الأمل والحيوية و المتعة والفضول لمعرفة مصير شخوص عاديين تماما ، ذوي مرجعيات اجتماعية واقتصادية ونفسية ومصائر مشتركة ، في الغالب أرهاط بسطاء عاديين يعيشون بيننا ، يكبرون رغم أنفهم ، يكابرون رغم جسامة العبء والإكراهات المعيشية التي تجابههم ، يصارعون من اجل البقاء بالرغم من ضيق فسحة الأمل ، ماسح الأحذية ، و المعتقل السياسي ، و الفدائي ، والجندي ، و النباش في المزابل ، و البحار ، والمسؤول الفاسد ، والمتسول ، والمومس ، والحالم ، والمقهور ، والمغبون ، والمحبط ، والطفل المحروم من مسرات الصبا ، و الفتاة المتوجسة من خبيئة الدهر ، مخلوقات آدمية من لحم ودم لا تعد ولا تحصى ، تراوغ قدرها ، تتحرك بيننا ، تناوشنا ، تشاكسنا ، تشاركنا فعل المحو و الكتابة ، و خلق الحدث ، أناس عركتهم الحياة ، و همشتهم ، وخذلتهم ، و بهدلتهم ، وقست عليهم ، ومرغتهم في أدران قاعها ، و ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت ، حتى لنكاد نشعر بنوع من الألفة معهم ، و بشيء من الحميمية تجاههم ، و بكثير من الشفقة عليهم ، نقترب منهم ، و نذود عنهم ، ونلتحم بهم ، و نحميهم من غوائل وغدر الزمان الغشوم الكنود ، دون أن نجابه بأية فوائض نظرية ، و لا ادعاءات ومزايدات متكبرة . إنها محاولة ضمنية للبلوغ بتلك الشخوص إلى سدرة المنتهى في عالم عشوائي موبوء ناقص لا يقيم وزنا للمواطن ، ذلك أن ما لا نستطيع تحقيقه قي الواقع نحققه بفضيلة الكتابة ، منتصرين بحماس غامض لا تفسير له على ما يدور بنا من فظاعات الواقع ، و فداحة الفراغ ، مستعينين بالكلامِ المباح على الخرس البليغ ، لأن السياسة بكل ترسانة براغماتيتها وخداعها ودسائسها لم تستطع تحقيق مثلها العليا فينا ، بعكس الأدب الذي استطاع بكل عفويته و عنفوانه ونقاء سريرته زرع قيم التسامح والمبادئ الإنسانية بين بني الإنسان ، وانتشالنا من مرارة الواقع الأليم .
في غمرة هذا الاحتفاء بهذا القلم ، لا أنسى الحديث بملء الأشداق عن ما تختزنه منطقتنا من أقلام وخبرات خلاقة هي بمثابة الذهب الإبريز إن صح القول ، وبما أنه لا كرامة لنبي في قومه ، فقد تخسف بالبعض الذاكرة ، و يتمادون في النيتشوية وعبثية شقاء الوعي وصلابة الرأس ، منكرين على هذا البلد الغارق في عزلاته المريرة و القاسية هذه الأفضال العميمة التي لا تحتاج لنار كي تنهض من رمادها ، ولا لشمس منتصف الليل لتبيان رفعة قدرها ، وأهمية رسالتها ، و كان لابد من التفكير في إصدار هذه السلسلة الفكرية والأدبية بفائض من العزم و الإصرار والتآزر الأخوي الذي لا تخبو حرارته ، قصد مد جسور حراك ثقافي بين مختلف الأجيال والحساسيات الفكرية ، وهي مغامرة لا تخلو من سرنمة محببة ، ولا تخلو من أحلام طالما راودتنا أضغاثها الجميلة المتوردة ، وناوشنا طيفها المخملي الناعم لأجل خلق حراك ثقافي واعد ، ومراوغة الفراغ السديمي بعيدا عن كل وصاية أو دعاية من أو لأية جهة ، لا التمجد غايتنا ولا المكوث في الظل بغيتنا ، متكلين على تمويلنا الذاتي ، معتمدين على مجهوداتنا الشخصية الذي لا تخلو من نضالية ، و لا تنتقص إلى تضحية و إيثار وصفاء سريرة ، معولين على رحابة صدور القراء الذين يمنحون هذه المبادرة الحياة والحيوية والاستمرارية ، فالجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب في كتاب الحيوان يورد أنه " ينبغي لمن كتب كتاباً ألاّ يكتبه إلا على أن الناس كلهم له أعداء " . لا يخص الجاحظ بكلامه أعداء معينين أو تقليديين ، و إنما يعني في الصميم القارئ الفعلي الحقيقي الأصيل المفتون بمسرات القراءة اللاتقاوم ، وهو تحت سطوة سحر البيان أو " لذة النص " بتعبير رولان بارث ، و ينصح النقاد من استخدام كلمة قارئ بحذر شديد ، بعد ظهور نظريات نقدية حديثة حول نظرية القراءة والتلقي ، و تصنيفها للقراء إلى فئات متعددة و متباينة ، وتلك حقيقة نستشعرها في هذا الزمن الموحش بسبب شحّ عملية القراءة، وتدني كعب المعرفة ، و أضحت فيه صنعة الكتابة و شؤون الثقافة و الفنون بشكل عام بعضا من إيحاء " شبع الكرش " للرأس ، لأن الكتابة في حد ذاتها تجديد وخلق و تمجيد وعشق وتحقيق الوجود للكائن . ويكفينا قول الكاتب والروائي الايطالي الكبير إيتالو كالفينو في روايته الشائقة " لو أن مسافرا في ليلة شتاء" : ( الشيء المهم للقارئ ولي هو الاستمتاع بقراءة كتابي ، بصرف النظر عن الجهد الذي وضعته فيه ) .
(قل كلمتك وامش)
هكذا يقول فيلسوف الفريكة أمين الريحاني .
واترك للتاريخ مهمة التكلف بتدبير عواقب الأمور
و هذا آخر القول و ما بعده كلام ...


المهدي نقوس
اليوسفية بتاريخ 30 – 11 - 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا