الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سكرات الشحرور، الجزء الثاني والأخير، والجزء الأول كان بعنوان كان لابد من السجن

هاشم عبد الرحمن تكروري

2014 / 12 / 12
القضية الفلسطينية



في واقع الحال عندما بدأت أُفكر في الكتابة عمّا يُعبر عنه عنوان هذا المقال لم أكن أمتلك عنه سوى مشاهداتي التي كنت أراها في ملامح وتصرفا من يحيط بي من الأسرى، وذلك في أيامهم الأخيرة داخل السجن، ولكن عندما بدأت أخطُ بقلمي كلمات هذا المقال كانت المشاهدات التي كنت أراها في الآخرين بدأت تتقارب إليَّ كأسير، واصبحت تلك المشاهدات تتحول إلى مشاهد حية أعيش لحظاتها ودقائقها وأستشعر بها وأتلمس نفي في اطيافها،فَثُقلُ تلك اللحظات حقاً لا يستشعر بها إلاّ أسير،فهي تبدأ في التفكير بالأيام والسنوات التي قضاها داخل أسوار السجن، تلك الأيام التي سُرِقت من عمره رغماً عن إرادته، وعمّا عاناه من مرارة الأسر، فهي أيام عمره بحلوها، بمرها، بشقائها،... ببعض اللحظات الجميلة التي كان يستلّها بعيداً عن أعين السجّان، فالأسير بعد اعتقاله ومحاكمته ينتقل من حياته وأسرته ومجتمعه، إلى حياة وأسرة ومجتمع جديد العهد لديه، تختلف بمجملها، وبواقعها، ومكانها، وزمانها، وشخوصها، إذن هي حياة جديدة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معانٍ، ويبدأ الأسير بتوطين النفس، وترويضها على نَسق الحياة الجديدة التي فُرضِت عليه، وبمرور الوقت تُصبح حياة الأسر هي حياته وواقع الأسرى واقع مجتمعه، ويصبح مع الأيام ابناً لهذا المجتمع الآخر، ولن أقول الغريب لأن من يحيا على واقع وحقيقة وجود الإحتلال البغيض على أرضه يعلم بالضرورة أن السجن يُصبح إحدى "السيناريوهات" المتوقعة لمن يحيا على هذه الأرض، بجانب السيناريوهات الأخرى" إصابة، استشهاد، هدم بيت... والقائمة تطول" فالمجتمع خارج أسوار السجن تُصبح صورته باهتة مع مرور الأيام، وتصبح علاقته به علاقة زيارة أهل ينقلون بعض الأخبار عن الأحبة والأصدقاء...!
ويتحول المجتمع خارج أسوار السجن كمجتمع يلتقط أخباره بين الحين والآخر، إمّا عن طريق زيارة الأهل، أو عن طريق التلفاز، أو الراديو -الذي لا يفارق أي أسير-، وكذلك من بعض الصحف التي لا تصل إلى أيدي الأسرى إلاّ من بعد أن يكون قد عفى على أخبارها الزمن.
ومع مرور الأيام تبدأ فترة الحكم بالتناقص رويداً، رويداً -هذا إن لم يكن من أصحاب الحكم المؤبد- ويبدأ الأسير من جديد بالتفكير، ولكن هذه المرة ليس بتوطين النفس وترويضها، ولكن بكيفية العودة إلى مجتمعه القديم، وهنا تبدأ الخواطر والأفكار بالزحف إلى مخيلة الأسير، وتبدأ الهواجس تصف به من كل مكان، فتبدأ نفسه بالتوتر، فهو سريع التأثر لأي حدث من حوله، وبأي كلمة تُقال بجواره، فدرجة حساسيته تُقاس على مقياس "ريختر"، فهو إن غضب لا يعلم لماذا غضب، وإن ابتسم لا يعلم سر هذه الابتسامة، وإن تكلم تسمع في كلامه الشعور بالقلق والترقب وعدم وضوح ما يقصد، فهو دائماً شارد الذهن، بعيد الخيال، لحظاته بسنوات، إذا أراد النوم فهو مُستيقظ أكثر منه نائم، وإن استيقظ فهو أقرب للنوم منه للاستيقاظ، طعامه قليل، ويُصبح مشروبه المُفضل كأساً من القهوة، إذا أراد التغيير، فلا ضير ...فكأساً آخر من القهوة، فهو لا يستلذ غيرها من الشراب، ولا يشعر لغيرها طعماً، ويصبح الكتاب الذي كان رفيق الدرب خلال فترة سجنه، صديق ثقيل الظل، والتلفاز أداة ليست ذات أهمية له، وتراه غائباً وهو حاضر، فهو بدأ يتهيأ لمجتمعه القديم، الذي كان يحياه، الجديد له بعد فترة غيابه الطويلة، قائمة الأسئلة والتساؤلات لديه أطول من عريضة شكوى مُقدمة إلى مسؤول عربي.
كيف سيستقبلني المجتمع من جديد؟، هل أستطيع العودة والاندماج في مجتمعي سريعاً؟، ما هو الحال مع رفاق الأمس؟، ما هي نظرة المجتمع لي؟، هل تلك العلاقات القديمة تحمل نفس أواصر الحب والصدق؟، هل سيكون عندي عمل؟، هل سيكون لي مستقبل خارج أسوار السجن؟، ؟؟؟.
وقد لاتسعفه كل أحرف وأدوات الاستفهام بالوصول إلى جواب قد يُدخل إلى نفسه الحائرة بعض الهدوء، فاللحظات الأخيرة دائماً ما تكون الأشد صعوبة على النفس "أسير وما هو بأسير"، فهو يعيش في لحظات النهاية والبداية في آن، نهاية لفترة سجنه، وبداية لفترة حريته، فهي سكرات وسكرات يحياها شاء أم لم يشأ، فهي مع الفرق بالمعنى، ففي الأولى فراق للحياة واستقبال للموت، وهنا فراق لفترة موته مع وقف التنفيذ وانتقال إلى آفاق الحرية من جديد، فهي سكرات، ولكنها هنا ليس سكرات للموت، ولكن...سكرات للشحرور-;-.

الشحرور كلمة عبرية تعني الإفراج، سجن النقب الصحراوي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تحاول فرض إصلاح انتخابي على أرخبيل تابع لها وتتهم الصي


.. الظلام يزيد من صعوبة عمليات البحث عن الرئيس الإيراني بجانب س




.. الجيش السوداني يعلن عن عمليات نوعية ضد قوات الدعم السريع في


.. من سيتولى سلطات الرئيس الإيراني في حال شغور المنصب؟




.. فرق الإنقاذ تواصل البحث عن مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئ