الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا تريد المعارضة السورية حقا؟

جان كورد

2005 / 9 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


منذ أن بعثت الجهات المنظمة الدعوة إلى المؤتمر الوطني السوري المقرر عقده في باريس (26- 28/9/2005) واعتذارات الأحزاب والتجمعات السورية عن الحضور تتوالى ، دون أن تتضمن ذرائع وحججا مقنعة أو قوية ... والطريف أنه لم يعد هناك من يتهم الجهات المنظمة ب"التآمرعلى الوطن" أو بأنها "تستقوي بالأجنبي" أو أنها "منظمات عميلة للنظام"، بل تدعي أن المؤتمر كان يجب أن يكون في الوطن، أو أن يسبقه تحضير أفضل، أو أن الجهات المنظمة أضعف من أن تقوم بهكذا عمل هام، أو أنها جهات غير معروفة جيدا... وما إلى هنالك من حكايات تحكى في مناسبات رفض الآخرين والتنكر لوجودهم أو إهمال أعمالهم، أحزابا ومنظمات وشخصيات وطنية...

وللحقيقة : بعضهم يتصور أن أي مؤتمريجب أن يكون بإشرافهم وإدارتهم وحسب رغباتهم فقط حتى يعتبروه وطنيا، ولكنهم لا يوضحون ذلك لفظيا، وبعضهم يستغل مناسبة رفض الدعوة لتبرئة ساحته من تهمة العمل من أجل "تغيير النظام"، فإن مؤتمرا كهذا يعرﱢض علاقاتهم مع النظام إلى الاضطراب والتعثر، وهم في وضع لايستطيعون فيه مخاصمة النظام...

ماذا لو قام الإخوان المسلمون الذين اعتذروا عن حضور المؤتمر بحجج واهية بعقد مؤتمرهم في لندن؟ كيف عليهم أن يتصرفوا؟ وماذا سيكون موقف المدعوين إليه من المؤتمر؟ هل سنعتبره مؤتمرا ناقصا؟...

أو ماذا لو دعا التجمع الوطني الديموقراطي لمثل هذا المؤتمر؟.. هل يضمن هذا التجمع للمعارضة الديموقراطية والإسلامية المنتشرة في المهاجر من الحضور في الداخل السوري دون أن يتعرضوا للاعتقالات والتعذيب أو الموت؟...

المهم في الموضوع هو أن تتلاقى القوى الديموقراطية والوطنية، هنا وهناك، في الخارج والداخل، بهدف التباحث والتفاعل والتوصل إلى أفضل صيغة متفق عليها لاخراج البلاد من أزمتها الحالية، دون الحاجة إلى توتير الأجواء وتسخينها.. وليس الحضور للتوقيع على مواثيق مجهزة سابقا من قبل طرف ما وفرضها على الشعب السوري وكأنها كتاب منزل لايأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، ولايعتريه التغيير. فإذا كان الهدف المشترك للديموقراطيين والوطنيين واضحا كما هو واضح هدف هذا المؤتمر فلماذا رفضه؟ وما المانع أن يكون الداعي له فهد أو سعد أو كردومان؟... ولماذا يحق للإخوان المسلمين أو للتجمع الوطني الديموقراطي دعوة غيرهم من القوى والشخصيات الوطنية السورية ولا يحق هذا لفصيل كردي أو حركة تجديدية سورية صغيرة نسبيا من حيث التعداد؟

أرى هناك من يتصور أن لا مشروع وطني سوى مشروعه المطروح ولا ميثاق وطني غير ميثاقه المسبوك حسب آيديولوجيته وفكره السياسي، ولذا فإن أي مؤتمر يجب أن يقبل هذا المشروع وهذا الميثاق سلفا وإلا فإن هذا المؤتمر ليس بمؤتمر وطني... ومنهم من وضع مشروع ميثاقه على شكل إلزام وطني عام يجب أن يتقيد ببنوده كل السوريين، وإلا فإنه لن يدعو سوى الموافقين على ذلك... فما الفرق في هذه الحالة بين بعث دكتاتوري متفرﱢد بالسلطة ومعارضة تسلك نفس السلوك اللاديموقراطي مع الفصائل الأخرى؟

كما أن هناك من يرفض الخروج عن المسموح به من قبل النظام الحاكم قيد أنملة، فإذا سمح له النظام بالمشاركة في مؤتمر من المؤتمرات، فإنه يسأل مسؤولي الأمن عما إذا كان بالإمكان انتقاد النظام في بعض المسائل الفرعية بصوت عال؟ وهذه السياسة السلحفاتية متأصلة في قطاعات وشرائح مما يطلق عليها إسم "المعارضة الوطنية الديموقراطية". المهم لدى هؤلاء أن لايدخلوا في دائرة "المغضوب عليهم" من قبل النظام حتى ولو استمر النظام في معاركه الاقتصادية والسياسية الفاشلة والخاسرة دهرا من الزمن، فلديهم الوقت الكافي للاستمتاع بسياسة "الاعتراض الممتع".
المؤتمر الوطني السوري في باريس لا يدعو إلى الاستعانة بالدبابة الأمريكية على غرار ما قامت به الأنظمة العربية التحررية والوطنية في حرب الكويت، ولا يخطط للسيطرة على دمشق بانقلاب عسكري مثلما فعله البعث في عام 1963 وعام 1970، ولكنه يريد الاستفادة من الجو السياسي العام على الصعيد الدولي لممارسة ضغوط أشد وأكثر فعالية من قبل على النظام الحاكم بهدف إجباره على التنازل للشعب السوري عما هو حق لهذا الشعب، وبهدف كسر طوق الاستفراد بالسلطة واقصاء الجماهير الشعبية عن ممارسة العمل السياسي. وهذا ما تقوم به سائر المعارضات الديموقراطية في العالم، سواء في آسيا أو أفريقيا أو في القارات الأخرى، حيث تناضل من أجل إزاحة الأنظمة الاستبدادية وغير الاستبدادية مستفيدة من الشحنة القوية المتدفقة والدافعة للرأي العام العالمي وسائر القوى العاملة من أجل الحرية والديموقراطية.

ولكن أن تجري معارضة خلف النظام كما الظل يركض خلف صاحبه فهذا يطرح بحد ذاته سؤالا هاما:"هل هناك معارضة سورية حقا؟." فالمعارضة التي لا تطمح إلى الحكم وتلهي الشعب بمسائل جانبية وأطروحات غير جدية بأن تسمى "معارضة". ففي كل دولة من دول العالم ثمة قوى تحكم تواجهها معارضة تريد الوصول إلى الحكم عن طريق انتخابات ديموقراطية أو بأساليب الثورة والقوة .. أما إذا تم الاتفاق بين الطرفين فتشكل حكومة ائتلاف وطني أو ما نسميه ب"التحالف الكبير"... ولكن أن تحلف المعارضة اليمين بأنها لن تمس جوهر النظام ولا شخوصه ولا هيكليته وتدﱠعي مع ذلك أنها "معارضة"، فهذا سيثير سخرية الرأي العام العالمي بالتأكيد.

الرئيس السوري يمدح بالمعارضة التي في قبضته الفولاذية، ورئيس الوزراء يدافع عنها، في حين يتهمان الجزء العامل في الخارج بشتى التهم، وكذلك القابعين في سجون النظام ومعتقلاته السرية والعلنية الرهيبة، ويدعي رئيس الوزراء بأنهم "يسيئون إلى سمعة بلادهم" عندما يضرب المستضعفون عن الطعام بشكل سلمي وحضاري في عاصمة من عواصم العالم المتمدن...

المعارضة "وطنية!" عندما تكون أسيرة قفص النظام الحديدي و "غير وطنية!" حين تعيش في المنافي والمهاجر التي باتت مع الأيام ساحة ساخنة وهامة لمقارعة النظام عليها وللقيام بمهام المعارضة الديموقراطية الحقيقية؟ وهل ترك النظام مجالا ولو بوسع طاولة واحدة في منتدى بالداخل السوري للحديث عن هموم الوطن والمواطن دون هجمات استخباراتية وبوليسية قمعية؟

والمؤلم حقا هنا أن تقتفي فصائل هامة من الحركة السياسية الكردية في سوريا أشباه المعارضات هذه، فلا ترى وطنيا إلا من يركع للنظام أو يتفادى الصدام معه وتهاجم القائمين على هذا المؤتمر الوطني السوري دون أن يكون في أيديها أي دليل للإدانة، سوى أن هذا المؤتمر يعقد في قلب العالم الحر وفي فرنسا التي تعتبر مهد الثورة الكبرى على الدكتاتورية.. وكأن هذه الفصائل تقول :" نحن الذين نمثل الشعب الكردي ولا أحد سوانا، ونحن لانخالف النظام الذي "نعارضه" إلا في الموقف من القضية الكردية، ولايهمنا من يحكمنه، دكتاتور أم جلاد أو طاغية...وأنتم يا من في المهاجر عليكم فقط دعمنا بالأموال والتبرعات والتظاهر أمام السفارات السورية من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان فقط دون غيرها من المسائل، واتركوا العمل السياسي لنا وحدنا، فنحن هنا في الوطن، ولا يحق لكم الجلوس للنقاش حول قضايا الوطن لأنكم تعيشون بعيدين عنه." نعم... يقولون شيئا كهذا دون أن يجروا أي استطلاع حقيقي لمعرفة فيما إذا كان الشعب حقا يعتبرهم ممثلين له!

مثل هذه المواقف، وبخاصة موقف رفض الآخر ومحاولة اقصائه، لايعكس حقيقة ديموقراطية، وانما نزعة مفرطة في الأنانية ليس لها مثيل في أي حركة سياسية في العالم، وهي تعبير عن قصور في النظر وضحالة في الثقافة الديموقراطية ليس إلآ. أنت غير موجود لأنك لست في الوطن وأنت لاتمثل شيئا لأنك تطالب بتغيير النظام، بيني وبينك الجبل...

إننا لانحتاج هنا إلى أمثلة تاريخية لنثبت بها أن المعارضات التي عاشت وولدت خارج القفص الحديدي لعديد من البلدان التي تحكمها الدكتاتوريات، تمكنت بفضل موقعها الهام على الصعيد الدولي من الإطاحة بدكتاتوريات قمعية عديدة في حين ذابت القوى والشخصيات التي تناغمت على الدوام سياستها مع سياسة الأنظمة القائمة... المسألة ليست - كما يبدو- في عقد المؤتمر الوطني السوري في لندن أو باريس أو واشنطن، ولكن المسألة فيما إذا كنت تطالب بتغيير النظام أم لا... فإن طلبت ذلك فلا مكان لك بين من يعتبرون أنفسهم ظلما وعدوانا "معارضة وطنية ديموقراطية!!!"....

فإذا كنتم تريدون مؤتمرا يكرس لنصف عقد آخر من استمرارية البعث الدكتاتوري ؟ فابقوا حيث أنتم ولاتنزعوا عنكم عباءتكم الوطنية التي تتباهون بها كمعطف غوغول .. أما إذا كنتم تريدون التلاقي من أجل مناقشة جدية لمسألة بناء سورية حرة وديموقراطية حديثة فتعالوا إلى باريس ، إلى المؤتمر الوطني السوري ، وسائر المؤتمرات التي لايختفي النظام وراء كواليسها، وافتحوا صدوركم للشعب السوري وقولوا كلمة الوداع للنظام البعثي الدكتاتوري....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوكرانيا تقر قانونا يسمح لسجنائها بالقتال في صفوف قواتها الم


.. دول الاتحاد الأوروبي تتفق على استخدام أرباح أصول روسيا المجم




.. باريس سان جيرمان.. 3 أسباب أدت للفشل الأوروبي منها كيليان مب


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقاشات في إسرائيل بشأن بدائل إدارة مع




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: المهمة لم تكتمل في الشمال والصيف ربم