الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين والجنون 13 – ملاحظات -1

عبدالله الداخل

2014 / 12 / 13
الادب والفن


1
يقول سعدي شيرازي:
"كلّ ُشهيقٍ يُمِدّ ُنا بالحياة
وكل زفيرٍ به راحة ٌللذات
إذن في كل نَفَسٍ
يجب عليك الشكرُ مرتين" !
أحد الأعياد "الوطنية" في الولايات المتحدة الأميركية "عيد الشكر" Thanksgiving أي تقديم الشكر الى الله على الطعام الذي أرسله لبعض الأميركان الأوائل، سكان إحدى المستعمَرات القديمة، لإنقاذهم من الموت جوعاً وسط البرد والثلج، وهو يوم الخميس الأخير من كل نوفمبر، يقوم فيه الأميركان بلقاء أقاربهم، لكن الملاحَظ أن كثيرين من المحتفلين به يفعلون ما يحلو لهم عدا تقديم الشكر الى الله! ربما لأنهم يُدركون، في أعماقهم، أن الله لم يكن هو الذي أرسل الطعامَ لأسلافهم، إنما الهنود (سكان أميركا الأصليون) هم الذين جلبوا الطعام الى المستعمرة في الوقت المناسب!

2
الإله البديل هو الحقيقة العلمية، والكوميُنتي حيث نعيش.
الآخرون ليسوا جحيماً، كما يدّعي سارتر. سارتر معقد بسبب مشاكل فردية، خاصة، تحدث عنها في يومياته! الوضع النفسي للمجتمع الفرنسي قبل وبعد الاحتلال (1939-45)، ولسارتر نفسه في طفولته وشبابه، هما من عوامل تكوّن هذا النوع من الآراء لديه؛ وكما قلتُ مرة بأن الوجودية ليست فلسفة إنما موقف من الفلسفة. فإذا كان الآخرون جحيماً في نظري فسوف أكون وحيداً؛ أحد أبعاد الصحة النفسية يكون في الحرية التامة من الفكر الديني، وفي الابتعاد عن الوحدة، وهذا سيعلمنا احتراماً أفضل لحريات الآخرين. الأخلاق الأفضل هي أخلاق العلم الحديث ورعاية الكوميُنِتي والايمان بقدرة الانسان وما يساعده على محبة الآخرين. وهي الاخلاق البديلة لأخلاق الدين المبنية في غالبها على الوعود الخيالية وعلى التهديد.

3
عودة الدين الواضحة الى الدول التي كانت "اشتراكية" قبل ربع قرن دليلٌ على فشل السوفييت الذين لم يولوا الدين اهتماماً يكفي للقضاء على هذه الآفة الخطيرة قضاءاً مبرماً في بلادهم. وهذا درسٌ ينبغي أن تتعلمه جيداً الثورات والتغييرات السلمية المقبلة في كل أرجاء كوكب الأرض، فإلغاء الدين رسمياً، وبشكل حاسم وإحلال ثقافة العلم الحديث modern science محله، يساهم مساهمة فكرية كبيرة وجادّة بقطع الطريق على عودة نظام الطبقات، نظام الاستغلال والظلم والفقر والحروب والاحتلالات والدين والطائفية والارهاب والغش والجريمة والسرقة والكذب والجهل والأمراض البدنية والنفسية.

4
بعض القصائد المغناة من أسوأ أنواع التجنين، لاستهدافها المتعلمين!
أ‌- ترجم أحمد رامي بعض رباعيات الخيام بشكل مثير للسخرية:
"إنْ تـُفصَلُ القطرة ُمن بحرها
ففي مداهُ منتهى أمرها
تقاربت يا ربّ ُما بيننا
مسافة ُالبعدِ على قدرها" !

ب‌- ويقول ابراهيم ناجي في "أطلاله" التي تغنى بها "المثقفون" في الستينات والسبعينات من القرن العشرين (وما زالوا):
"يا حبيبي كل شيءٍ بقضاءْ
ما بأيدينا خـُلِقـْنا تعساء
ربما تجمعنا أقدارنا
ذاتَ يومٍ بعدَما عزَّ اللقاء
فإذا أنكر خِلٌ خِلـَّهُ
وتلاقينا لقاءَ الغرباء
ومضى كلٌ إلى غايته
لا تقل شئنا، فإنّ الحظ شاء" !!
إنها قطعة دينية لأنها تحتوي على: قضاء، أقدارنا، خـُلِقـْنا، ما بأيدينا، الحظ ، لاتقل شئنا، ..إلخ! قطعة دينية بامتياز تحتوي على كثير من الدروشة، ولا عجب فهي أيضاً من ألحان السنباطي، الدرويش المعروف منذ ما قبل "على عودي": و "يطوف السحر ف عينيَّ بوقت ركوعي وسجودي"!

5
لا تكتفي الرأسمالية بحماية جنون الناس العاديين بحجة الدفاع عن حقوق الانسان، بل تقوم بالتجنين من خلال الاحتلالات (بأنواعها) وتشجيع الطائفية والمبالغة في السلوك الديني المؤدي الى تحطيم الشعب بدنياً وإرهاب السكان في البلاد المحتلة مع التركيز على المدنيين من نساء وأطفال يصاحبه تركيز على العمارات السكنية وتخريبها بشكل لا يمكن معه اصلاحها، ومحو آثار الحضارة. لذا فإن ردة الفعل الطبيعية ضد الاحتلال لا بد أن تكون ضد الدين أيضاً. بدون الدين تفرغ الصهيونية من محتوياتها العدوانية اللاإنسانية وتكف عن تقليد النازية، وبدون الدين تتحول حماس الى منظمة حضارية تفكر. وبدون الدين سوف يتوحد العراق فلا تستطيع تمييز المحسوبين على الطوائف أو الأديان، كما سوف تـُماط الألثمة عن وجوه المجرمين ذوي الأردية السوداء وساعات الرولكس على المعاصم اليمنى، القادمين عبر البادية الغربية وتركيا والأردن، مثلما يكف كثير من العراقيين عن معاقبة أنفسهم بسبب مقتل رجلٍ ثارَ قبل نـَيِّفٍ وثلاثة َعَشَرَ قـَرْنا!

6
ليس المتدين ولا رجل الدين العادي مجنوناً، لقد أصبح المتدينُ متديناً بسبب بيئته، وأصبح رجلُ الدين رجلَ دين ربما بسبب الايمان الصادق أو ربما بسبب الحاجة المالية أو الحاجة الى الوظيفة أو "المكانة". لكن المجنون هو من يحرص بكل أعصابه على بقاء الدين! وهؤلاء أنواع ومراتب، وهم يتراوحون بين رجل دين يعمل من أجل المال وبين أعلى السلطات الرأسمالية الغربية التي تتحكم بشؤون عالم اليوم.

7
لا يمكن بأي شكل من الاشكال أن يكون هناك حل واقعي لإشكالية ثنائية العلم والدين في فكر الانسان المعاصر إلاّ أن يكون هذا الحل لصالح العلم الحديث. الحسم الفكري الايجابي لهذه الازدواجية، بربط التصور الواضح لقضايا وحقائق معينة في العلوم الأساسية، كالفيزياء والأحياء والكيمياء، هو الذي سيولّد فهماً أفضل للتأريخ ويمنح تصوراً أكمل لكوكب الأرض وللكون، وفلسفة ًقادرة على التغيير والتقدم.

8
ليست في الدين، في عصرنا، أية فلسفة من أي نوع إذا أخذنا بعين الاعتبار المعنى اللغوي للفلسفة (حب الحكمة)، لسببٍ بسيط: لم تعد هناك حكمة في الدين لأنه أصبح أداة، سوطاً!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا