الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضيعة والدولة

فؤاد وجاني

2014 / 12 / 14
كتابات ساخرة


في الضيعة إقطاعي ، وهناك خماسون يعملون لصاحب الأرض مقابل ما يسد سغب بطونهم. وحده المالك من يحدد المهام، هذا يحرث ، ذاك يزرع، وذلك يرش المبيدات، والحُصّادُ يُعَيِّنهم ليأتوا إلى خزائنه بكدِّ الرعية.
يعتقد الخماسون أن الفضل في بقائهم يعود إلى صاحب الضيعة، يظنون أنه الذي يطعمهم، يأويهم، يضمن لهم الأمن، يحميهم من بطش سكان الأراضي المجاورة، لذلك يدعون إليه في ختام كل صلاة بالزاوية التي بناها لهم السيد المتفضل : اللهم أطل في عمر صاحب الضيعة، وقِرْ عينه بوارث سره وثروته ، وارثنا، وارث الضيعة .
ولما رأى صاحب الضيعة من الخماسين طاعة لا تجب له، اعتقد في نفسه التنزيه ، وبحث عن أحد في أرضه قادرٍ على فك الخط، والتمييز بين الألف والعتلة، والفصل بين التاء المربوطة واستدارة البصلة، فعهد إليه بكتابة سيرته الذاتية، وأناط به مهمة تعداد خصاله الكريمة، وإحصاء فضائله على الناس. بلغ الأمر بكاتب صاحب الضيعة إلى اعتباره حفيدا للأنبياء، فتبين لاحقا أن جدّه هو الذي بنى الكعبة ونشر دين الإله، وأن على يديه تجري بركات السماء.
أوكل كاتب صاحب الضيعة إلى إمام الزاوية بتلاوة قرطاسه، زُبدة ما تفتقت عنه قريحته الخيالية على المصلين في معبده، فهرع الناس يقبلون يد صاحب الضيعة، ويدعون له بالبركة في عمره، فهذا لقبَّه بأمير المؤمنين، وذاك نعته بملك الفقراء.
تضاعفت ثروة الإقطاعي حين عمد إلى فرض الضرائب على القبائل المجاورة واصفا إياهم بدعاة السيبة والفوضى، ناعِتهم بأعداء الحضارة ، وشكل لذلك جيشا من الخماسين، وألبسهم البذل، واتخذ لهم الرتب والدرجات، كلٌّ حسب ولائه له ووحشيته ضد أعدائه. ولكي يكبح جماح المتمردين ولا تقض مضجعه ثورة جعل من بعض الخماسين شرطة وقوات مساعدة ودرك .
ولما كبرت أرض الإقطاعي وامتدت حتى وصلت مالم يكن في علم الغيب والحسبان،لقبَّ صاحبُ الضيعة الأرضَ بالوطن وأصحابها الأصليين بالرعايا، واتخذ له عيدا للجلوس على العرش، وآخر للاستقلال، وعيدا لمولده الكريم، وعيدا لموت والده المنعم في جنات الخلد، وهلم أعيادا.
أصبح لصاحب الضيعة حكومة ووزراء وبرلمان، بل ونقابات وجمعيات أيضا، وحتى مجلسا لحقوق الإنسان. يعين من شاء، يقيل من شاء أنّى أراد.
وكلما غضب صاحب الضيعة على رعاياه سافر لقضاء العطل في بلاد الغرب والشرق، وإذا غرقت البلاد في الفيضانات تركها وذهب ليشاهد سباق النوق عند أقربائه بإحدى ضيعات الجزيرة.
حين كان فتيا ، أفضى صاحب الضيعة بتصريح لإحدى القنوات الناطقة بلغة لويس السادس عشر أن الحكم أمرٌ صعب جدا ، واستغربَ كيف يستطيع إنسان واحد حكم الملايين...
أَرعايا الضيعة الذين تعدى عددهم الأربعين مليونا، تصبحون على دولة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا