الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمصلحة من الإنتقاص من دور الشيوعيين الفلسطينيين؟

نعيم الأشهب

2014 / 12 / 14
القضية الفلسطينية


طلع علينا، عبر وكالة "معا" الموقرة السيد محمد قرش بمقال عنوانه "الشيوعيون الفلسطينيون السابقون". ومن يطلع على هذا المقال يدرك دون عناء أن هدف المقال هو الإنتقاص المغرض والمبيّت من تاريخ الشيوعيين الفلسطينيين، في إطار النضال الوطني الفلسطيني وتشويهه. وبالتالي، فهذا التعقيب ليس الغرض منه الحوار مع الكاتب، لعدم احترامه العقل السليم الى الحد الذي يعتبر فيه أن انهيار الإتحاد السوفياتي كان "لصالح الحزب الشيوعي الفلسطيني"! وإنما الغرض تذكير الأجيال الجديدة، بين حين وآخر، بالحقائق التي يجهد البعض لتزييفها وتشويهها.
لم نزعم، يوما، نحن الشيوعيين، بأننا ملائكة معصومة عن الخطأ، فنحن بشر، نخطئ ونصيب. لكن من حقنا أن نكون مرتاحي الضمير لأننا، في المفاصل المصيرية من تاريخ القضية الفلسطينية، كانت لنا مواقف متميّزة زكتها الحياة. كنا الوحيدين الذين قبلوا بقرار التقسيم الصادر في 1947/11/29، ليس ساعة صدوره، وباعتباره عادلا وغير ظالم، وإنما في شباط 1948، حين بدا واضحا لكل ذي بصيرة أن الخيار لم يعد بين كل فلسطين أو التقسيم، وإنما بين التقسيم أو التشريد. وبعدئذ، كنا القوة السياسية الفلسطينية الوحيدة التي قاومت ضم الضفة الغربية للأردن الذي كان تحت الهيمنة البريطانية. وفي الحادي والثلاثين من آذار 1950 حشدنا وحدنا مظاهرة جماهيرية في نابلس ضد الانتخابات التي انعقدت بعد ذلك بأسبوع، لإضفاء الشرعية على عملية الضم هذه. وحينها، تمّ قمع المظاهرة بمنتهى الوحشية واقتيد قادتها من الشيوعيين، مكبلين وراء سنابك الخيل مشيا على الأقدام من نابلس الى عمان؛ وعلى الطريق في البادان استشهد من بينهم رفيقنا روحي زيد الكيلاني.
وعقب مظاهرات أول أيار 1951، التي نظمها الشيوعيون في عدد من المدن، ضد الهيمنة البريطانية على الأردن وضد مشاريع إسكان اللاجئين التي ظهرت منذ وقت مبكر، وفي سبيل الحريات الديمقرطية، جرى تدشين معتقل الجفر الصحراوي الرهيب خصيصا للشيوعيين، وفي الوقت ذاته صدر قانون مكافحة الشيوعية سيء الصيت، والذي يحكم حتى خمسة عشر عاما على الانتماء للحزب الشيوعي.
وحين حضر الرئيس التركي جلال بيار، خريف 1955، لاستكمال ضم الأردن الى حلف بغداد، كان الشيوعيون على رأس المظاهرات الحاشدة التي أسقطت هذه المؤامرة؛ وفي حي الشيخ جراح - القدس - سقطت رفيقتنا الطالبة رجاء أبو عماشة شهيدة وهي تحاول انزال العلم التركي عن ناصية القنصلية التركية.
وحين جرى الإنقلاب الرجعي، في نيسان 1957، كان نصيب الشيوعيين المعتقلين ونزلاء الجفر أكثر من معتقلي التنظيمات السياسية الأخرى مجتمعة، مع أحكام لا تقل عن خمسة عشر عاما لكل منهم. ولم تخلُ سجون الأردن من الشيوعيين يوما واحدا إلاّ خلال الشهور الأربعة لحكومة النابلسي الوطنية.
على الجانب الآخر، لم يكن حال رفاقنا في قطاع غزة، الذي كان تحت الإدارة المصرية أحسن حالا. وفي العام 1955 كانوا طليعة الانتفاضة ضد محاولة إسكان اللاجئين في صحراء سيناء، ودفعوا الثمن غاليا.
**
ولدى وقوع الاحتلال الإسرائيلي في حزيران 1967 للضفة الغربية، كانت الحلقة المركزية والفورية في إستراتيجية الشيوعيين لمواجهة الاحتلال، هي تثبيت السكان والحيلولة دون تكرار الهجرة الجماعية لعام 1948؛ ولو تكرر ذلك لحسمت المعركة لصالح المشروع الصهيوني التوسعي من حينها. وقد حقق الشيوعيون نجاحات مرموقة في هذه المهمة المصيرية، بل وساهموا في عودة بعض من كانوا قد اجتازوا نهر الأردن، كسكان بلدة حلحول وغيرهم. كانت هذه الإستراتيجية تركّز على العمل على وضع حد لنزيف النزوح، والتدرج بالنضال الجماهيري إلى حدّ الانتفاضة ضد الاحتلال، مع احتمال أن تكون انتفاضة مسلحة إذا توفرت الظروف الملائمة. وفي السابع من آب 1967، أي بعد شهرين من وقوع الاحتلال، نظم الشيوعيون لوحدهم أول إضراب سياسي ضد الاحتلال وفي مدينة القدس التي أعلن الاحتلال ضمها لدولته؛ وعقب هذا الإضراب وبتأثيره، أمكن التغلب على تردد بعض الزعامات التقليدية والتي كان صوتها مفيدا، آنذاك، لوضع حد نهائي لعملية النزوح، وتشكلت لجنة توجيه وطني ضمت هذه الشخصيات الاعتبارية والشيوعيين فقط برئاسة الشيخ عبد الحميد السائح؛ وقد لعبت هذه اللجنة دورا هاما في رفع معنويات السكان الذين كانوا ما زالوا يعيشون صدمة هزيمة الجيوش العربية في فترة زمنية قياسية في قصرها، وقامت بقيادة سلسلة نشاطات وإضرابات، منها الإضراب في ذكرى وعد بلفور، في الثاني من تشرين ثاني 1968، والذي امتد ثلاثة أيام في مدن الضفة المحتلة.
وقد أفلح الإحتلال في تصفية هذه اللجنة وإبعاد الشيخ السائح الى الأردن. وبالمناسبة، فإن أول دفعة من المبعدين ضمّت عضوي المكتب السياسي للحزب وهما، فايق وراد ورشدي شاهين، وبعد ذلك تتابعت عمليات سجن وإبعاد أعضاء اللجنة المركزية، حتى لم يبق منهم أحد تقريبا، ومن بعدهم قسم أساسي من كادر الصف الثاني في الحزب.
عشية حرب تشرين 1973، بادر الحزب في الداخل بالدعوة لتشكيل جبهة وطنية، تأخذ على عاتقها توحيد القوى وتصعيد النضال ضد الاحتلال. ولما لم يكن للتنظيمات الأخرى ممثلون ذوو صلاحيات في الداخل للبت في هذه القضية، فقد تمّ الاتفاق معهم في بيروت. وبعد حرب 1973، وفي ضوء النهوض الوطني في الداخل، شكل الشيوعيون منظمة عسكرية، قامت بعدة عمليات ضد الاحتلال. لكن الاحتلال تمكن من ضربها واعتقال الرفيق سليمان النجاب الذي كان يقودها. وعند النجاب، الذي لم يفلح الجلادون في انتزاع كلمة منه، توقف التحقيق، ولم يسفر عن انهيارات واعتقال العشرات إن لم يكن ما هو أكثر، كما كان يجري مع الآخرين، وإلاّ لوصل منسوب المعتقلين الشيوعيين المستوى المطلوب! وحادثة النجاب مجرد نموذج وليست الوحيدة في موقف الشيوعيين المتميز أمام المحقق.
وحين دعا ديان الى إجراء انتخابات بلدية في الضفة والقطاع، مطمئنا أن القوى الوطنية ستقاطعها، وبالتالي، ستخوضها روابط القرى العميلة والعناصر المشبوهة والضعيفة.. حينها، كان الشيوعيون هم المبادرون بابتهال الفرصة لقلب الطاولة على ديان. وقد استجابت فتح للمشاركة، وتشكلت قوائم وطنية معادية للاحتلال اكتسحت تلك الانتخابات. ولكن عقب تشكيل القوائم، قامت سلطات الاحتلال بإبعاد الرفيق الدكتور أحمد حمزة النتشة، الذي كان رأس القائمة التي نجحت بكاملها في الخليل، بينما اغتالت قوات الاحتلال الرفيق أحمد دحدول، رئيس القائمة في سلفيت بكسر جمجمته خلال نقله في إحدى سيارات قوات الإحتلال.
أما رفاقنا في قطاع غزة، فقد انضووا، ومنذ وقت مبكر، في جبهة وطنية، مارست العمل المسلح، ونالهم نصيبهم من التضحيات، وكان على رأسهم الرفيق الشهيد عمر عوض الله.
في مرحلة لاحقة ابتكر الشيوعيون الفلسطينيون في الضفة الغربية العمل التطوعي، لتعزيز التلاحم الاجتماعي والوحدة الوطنية، والتعويض عن بعض الخدمات التي يفتقر إليها المواطنون. وحين وقعت الانتفاضة الأولى شكل العمل التطوعي البنية التحتية لها.
أما في الخارج، فقد تأخرنا في الانضمام الى العمل المسلح، نتيجة تباينات داخل قيادة الحزب، حول جدوى هذا العمل في الخارج. وحين حسمت هذه القضية لصالح المشاركة، برزت مشكلة تسليح فصيل الشيوعيين، فقد كان شرط التنظيمات العسكرية الأخرى وبخاصة فتح، الإنضمام اليها. ولو لم تكن حركة المقاومة متشرذمة وغير موحدة لما نشأت هذه المشكلة ولقام الشيوعيون بالانضمام الى جسم الحركة الموحّد. وغني عن القول أن شرذمة هذه الحركة هي أهم أسباب ضعفها وفقر منجزاتها. وحين توجه الشيوعيون الى البلدان الإشتراكية، لتجاوز عقبة التسليح، نشأت مشكلة مكان توريد وإدخال السلاح. حينها، رفضت كل من مصر وسورية إدخال أي سلاح من موانئها البحرية أو الجوية لفصيل الشيوعيين. ومع ذلك، تشكّل الفصيل بالتعاون مع ثلاثة أحزاب شيوعية عربية شقيقة، وساهم بدور مشرف في الدفاع عن مواقع المقاومة في معارك أيلول الأسود, وحين خرجت فصائل المقاومة إلى جنوب لبنان خرجت عناصر الفصيل معها ؛ وهناك كان الشرط لتزويدهم بالتجهيزات الانضمام الى فصيل فتح، وهذا ما كان. وقد استشهد عدد من أولئك الرفاق في معارك جنوبي لبنان.
**
والآن، وبعد هذا المرور الخاطف على بعض المحطات في دور الشيوعيين الفلسطينيين في النضال الوطني الفلسطيني، يجوز لنا إجراء بعض المقارنات وطرح بعض التساؤلات. المقارنة الأولى والأهم، أي من الإستراتيجيتين خدمت وبتفوق القضية الفلسطينية، تلك التي توجهت للعمل المسلّح من الخارج وأهملت العمل الجدي في الداخل، أم تلك التي ركّزت على تثبيت السكان في أرضهم، وقد غدوا الآن خمسة ملايين، يشكلون العقبة الكأداء في وجه المشروع الصهيوني التوسعي؟ وأي النشاطات أرّقت الاحتلال، العمل المسلح من الخارج أم النشاطات المتنوعة في الداخل بما فيها الهبات والانتفاضات؟
إذا تغاضينا عن المعارك الوهمية التي كان يجري الحديث عنها، كمعارك الجبهات الخضراء والحمراء، وكذلك التفجيرات التي كانت أكثر من منظمة تتنافس للزعم بأنها وراءها، حتى ولو كانت مجرد انفجار أنبوب غاز، وذلك لأغراض معروفة، فإن حركة المقاومة المسلحة خاضت معركتين جادتين ومتميزتين، الأولى - معركة الكرامة -1968-وقد ساعد في درء العدوان العسكري الإسرائيلي مشاركة قطع الجيش الأردني التي كانت مرابطة هناك، بقيادة الضابط الوطني الأردني، مشهور حديثة، والذي قيل حينها أنه تجاهل التعليمات وشارك بشكل فعال في المعركة؛ والثانية، معركة بيروت 1982 التي كانت ملحمة بطولية؛ لكن المعركتين في آخر تحليل، دفاعيتان لا هجوميتان ونتائجهما معروفة. ورغم التضحيات الجسام والمئات والمئات من الشهداء، الذين ينحني المرء احتراما لتضحياتهم يبقى السؤال: ما هي النتائج الملموسة من وراء كل هذه التضحيات؟ يحلو للبعض أن يطمس فقر النتائج بقوائم الشهداء، لكن هذا يمثل هروبا من المسؤولية عن أرواح هؤلاء الشهداء دون مردود يتناسب مع التضحيات. اللهم إلاّ إذا كان الهدف هو التضحية من أجل التضحية!
أما التحوّل مئة وثمانين درجة، فلعل الأهم من تطبيقه على أفراد، تطبيقه على تنظيمات بكاملها. في البدء كان شعار "كل شيء من فوهة البندقية" و"الكفاح المسلح استراتيجية وليس تكتيكا"، والآن البعض يحرّمه الى حد اعتباره نوعا من الإرهاب والبعض يمارسه نظريا - على حد قول السيد قرش. وفي البدء، كان شعار التحرير من النهر الى البحر، والآن نلهث وراء دولة فوق 22% من أرض فلسطين التاريخية، وتحقيقها ما يزال بعيد المنال.
طبعا، هذا لا يعني تجاهل ظاهرة المنظمات غير الحكومية، والتي هي، في الأساس، أحد أدوات العولمة الإمبريالية لتأمين هيمنتها العالمية، وبخاصة تلك التي تتموّل من الدول الغربية. وقد استقطبت كوادر من جميع التنظيمات، بما في ذلك التنظيم الحاكم. وهذه الظاهرة بحاجة الى دراسة ومعالجة مشتركة، لتحاشي أخطارها. وبالنسبة للشيوعيين فالذين انغمسوا فيها وأصبحت لهم مصالحهم الخاصة هجروا التنظيم، والتنظيم هجرهم. لكن القضية الأهم التي تستحق الاهتمام، هي أزمة اليسار الفلسطيني وكيفية التغلب عليها. فوحدة عمل اليسار ونهوضه من كبوته كفيل بتغيير المسار في الساحة الفلسطينية وتغيير مجرى الأحداث.هنا ينبغي تكريس الجهود المخلصة وليس السعي غير البريء لإثارة النعرات والحساسيات بين فصائل هذا اليسار؛ دون أن يعني ذلك ضيقنا بالنقد الموضوعي. أما السيد قرش فقيل انه كان ينتمي الى إحدى المنظمات اليسارية؛ فإذا كان ما يزال في التنظيم يؤمل أن لا تكون تجنياته على تاريخ الشيوعيين تمثل هذا التنظيم، وإن كان هجر التنظيم، فقد كان حريا به قبل أن ينصّب نفسه حكما على تاريخ الشيوعيين أن يتحفنا ولو بنبذة عن رصيده في النضال الوطني الفلسطيني

وبعد، نقول للذين يحاولون النيل من تاريخ الشيوعيين ما قاله الشاعر العربي:
أقلّوا عليهم، لا أبا لأبيكم، من اللوم أو سدّوا المكان الذي سدّوا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الأمريكي يعلن إسقاط صاروخين باليستيين من اليمن استهدفا


.. وفا: قصف إسرائيلي مكثف على رفح ودير البلح ومخيم البريج والنص




.. حزب الله يقول إنه استهدف ثكنة إسرائيلية في الجولان بمسيرات


.. الحوثيون يعلنون تنفيذ 6 عمليات بالمسيرات والصواريخ والقوات ا




.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً