الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البطالة الواسعة وأزمة الإنتاج التبعي الفلسطيني

ناجح شاهين

2014 / 12 / 15
القضية الفلسطينية




خرجت أوروبا من رحم الإقطاع إلى "نور" التصنيع الرأسمالي. وقد كان السبب البنيوي الجوهري المتمثل في تصادم علاقات الإنتاج الإقطاعية مع نمو القوى المنتجة يتجسد في حاجة الصناعة الصاعدة إلى الأيدي العاملة. وهكذا ولد الشعار الشهير: "دع الفرد يعمل، دع السلع تمر." وقد كان للرأسمالية ذلك، فحررت الأقنان واستقبلتهم في المصانع، ولكن أعداد الرجال الراشدين لم تكن كافية، فكان لا بد من الهجوم على سيطرة الرجل في الأسرة بغرض أن تخرج المرأة والأطفال إلى العمل في المصانع. وهذا ما تحقق لها أيضاً، وهكذا انطلق الإنتاج في بريطانيا وفرنسا بأعلى وتيرة. وعندما وصلت السوق إلى حالة الإشباع ثم الفائض، ولدت ظاهرة البطالة المميزة للنظام الرأسمالي في مرحلة ما بعد الإقلاع والتي تعد من وجهة نظر أصحاب ذلك النظام ظاهرة "صحية" بدرجة أو بأخرى، لأنها تسمح للرأسمالية بالضغط على القوى العاملة في اتجاهين: أولاً تخفيض الأجور، ثانياً اضطرار العامل والفني والمهندس...الخ إلى تحسين قدراته أو قدراتها كيما تتمكن من المنافسة والحصول على فرصة عمل. ولا بد أن كلا الأمرين فيه خير عميم لأرباب الصناعة من الطبقة البرجوازية الصناعية.
لاحظنا أعلاه أن البرجوازية قد ولدت في أوروبا بوصفها طبقة صناعية. ومن نافلة القول إن الإنجازات العلمية والتقنية والبحثية المختلفة تصب في خانة تحسين الإنتاج وتخفيض التكلفة وتنويع السلع وتطويرها مما يسهم كله في زيادة هامش الربح. ومن البدهي أن البرجوازية في أنحاء العالم المختلفة تتوهم أن ما وقع في أوروبا وشمال أمريكا لطبقاتها البرجوازية، سوف يحدث لها وإن بطريقة قدرية لا علاقة لها بالشروط الواقعية. لقد ولدت البرجوازية في جنوب العالم بعملية قيصرية استعمارية، فقد قام نابليون أولاً بمدافعه بإسقاط قلاع الإقطاع المملوكية المصرية، ومن "الطبيعي" أن نابليون ومن تلاه من مستعمرين إنجليز وغيرهم لم يهدفوا إلى بناء الصناعة وما يرافقها ويخدمها من معارف أو علوم. كان المقصود مثلما يعرف أي تلميذ في المدرسة هو أن يتم نهب المواد الخام الضرورية للصناعة في أوروبا وفتح أسواق جديدة للبضائع الصناعية القادمة من شمال العالم. في هذا السياق كان كرومر، اللورد السامي الإنجليزي في مصر الأكثر وضوحاً: إن مصر مثلما صممها الله لا تصلح إلا مزرعة قطن للمصانع الإنجليزية، كما أنها سوق لا بأس به للمنتجات الإنجليزية.
هكذا إذن ولدت طبقة من التجار الذين يشرفون على إنتاج المواد الأولية وتصديرها مثلما يقومون باستيراد البضائع الأوروبية. وحتى عندما تم افتتاح المدارس وبعض المعاهد العليا كان المقصود هو إنتاج موظفين يقومون بمثل هذه الأعمال. لم يكن المقصود بالطبع تخريج فنيين أو علماء أو باحثين، ولو حصل ودرس أحدهم "العلم" في أوروبا، فإنه لن يجد له مكاناً بين قومه، فيكتشف أن عليه أن يصبح جزءاً من البنية الإنتاجية للبلاد التي درس فيها.
تشكل الطبقة البرجوازية الوليدة قيداً على نمو القوى المنتجة، ونمو العلم في بلادها لأن أي تثوير لبينة الإنتاج يهدد هيمنتها الطبقية بالذات. ومن هنا فإنها تعمل قصداً أو دون قصد على تأبيد حالة "التخلف" التي تعيشها مجتمعاتها لأنها أساس وجودها وهيمنتها الطبقية.
من نافلة القول إن هذا لا يمنع الحديث الأيديولوجي الخبيث والبريء على السواء عن التنمية والإبداع والريادية بوصفها حلولاً لأزمة "التخلف" التي تعاني منها مجتمعاتنا. وفي هذا السياق يمكن أن نصل وضعاً كاريكاتورياً من قبيل أن تعقد جامعات مثل القدس المفتوحة أو القدس-أبوديس، مؤتمرات وندوات لهذه الغاية تؤازرها فيها السلطة، ومنظمة العمل الدولية، ومنظمة التنمية الأمريكية. غني عن البيان أنه لا يوجد أية فرصة أو أمل في هذه الأنشطة.
وبمناسبة أننا وصلنا في هذه العجالة إلى فلسطين، يبدو من العبث أن نتوهم إمكان بناء من أي نوع تحت الاحتلال. أولاً هناك اتفاقيات منها "باريس" تحدد الشكل الاقتصادي الذي يجب أن نلتزم به؛ ثانياً ينص "الدستور" الفلسطيني على أن اقتصاد السوق الحر هو الاقتصاد الذي تختاره "دولة" فلسطين. ثالثاً لا يوجد أية مقومات للإقلاع الصناعي. رابعاً إن فلسطين بوصفها وحدة جغرافية في الضفة والقطاع أصغر وأفقر من أن تكون وحدة اقتصادية ناجحة.
البطالة في فلسطين سببها كل ما ذكر أعلاه. وهي بطالة هائلة لا علاقة لها بالبطالة الرأسمالية "الصحية" والإجابة عليها بتبسيط مخل تماماً تتمثل في التوقف عن الاستيراد المرضي للسلع التي لا لزوم لها، وإعادة الاعتبار للزراعة بقدر ما هي صغيرة، ومحاولة إرساء دعائم بعض الصناعات في حدود الشروط المحلية. أما الحالة الراهنة التي تتمثل في تشغيل الناس بقدر ما يأتي من تمويل للأنجزة والسلطة يتم تدويره في النهاية إلى جيوب الرأسمالية الخدمية الطفيلية الكمبرادورية، وبدرجة أكبر إلى جيب الاحتلال فلا يمكن أن يكون في سياقه من مخرج من الأزمة التي تعود في طبيعتها إلى شروط أوسلو السياسية الاقتصادية. وكل كلام عن الريادية وما لف لفها هو ذر للرماد في العيون وزرع للأوهام بغرض إلهاء الناس عن أن التحرير وقطع العلاقة بالاقتصاد الخارجي أو تحديدها على الأقل على نحو خلاق يسمح بإطلاق القوى المنتجة هو السبيل. وبمناسبة الريادية نود أن نقول إن هذه فكرة مستعارة من سياق الحلم الأمريكي عندما كانت الولايات المتحدة قارة شبه فارغة تضج بالموارد التي يمكن لأي شخص ذكي أن يوظفها في إنتاج القيمة والثروة. غني عن البيان أن فلسطين ليست غنية بالموارد، ولا فارغة سكانياً، ولا مليئة بالفرص، ولا.... تتمتع حتى بالشروط الأولية من قبيل الاستقلال، أو السيطرة على الحدود أو على المجال الجغرافي في الأرض أو البحر أو السماء. ويعني ذلك أنه لا يوجد بلد-دولة بالمعنى الحديث للكلمة، وليس من معنى يقبله العقل للحديث عنها كما لو كانت الولايات المتحدة أو كندا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف مهدت والدة نيكو ويليامز طريقه للنجاح؟


.. لبنانيون محتجزون في قبرص بعد رحلة خطيرة عبر قوارب -الموت-




.. ستارمر: -التغيير يبدأ الآن-.. فأي تغيير سيطال السياسة الخارج


.. أوربان في موسكو.. مهمة شخصية أم أوروبية؟ • فرانس 24




.. ماهو مصير هدنة غزة بعد تعديلات حماس على الصفقة؟ | #الظهيرة