الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعمال عبد السلام أزدام: نطقٌ متسائل

عزالدين بوركة

2014 / 12 / 15
الادب والفن



نطق متسائل، هو، بَعد طول صمت.
من أنا لأكتب داخل وعن الفن ! لعلي شاعر فاشل، وقاص أفشل، غير أني عاشق للفن وجمالياته، للوحة وصباغياتها. للون وتعرجاته، فالعاشق قلما يقوى على كتمان حبّه إلى الأبد، و عاشق الفن أعجزُ العشاق جميعا عن الصمت وأشدهم ضيقا بالكتمان . لعلي مِمَن سخِر أفلاطون، منهم. ذات كتاباته الفلسفية، داخل جمهوريته العليا. مدينته المدفونة في أقصى تصوراتنا المثالية لهذا العالم، حيث يتحدث عن محبي النظر والسمع، ممن يطربون للجميل من الأصوات والأشكال والألوان والصور، دون أن يكون في وسعهم أن يرقوا بأفكارهم نحو "الجمال المطلق" غير أني أنا العاشق، المشاهد لا الناقد.. أتساءل هل مِن مُطلقٍ (في ذاته)، في عالم تسيّره النسبية؟ وهل من جمالٍ مطلق حتى نعرف عنه شيئا؟ أ ليس كل جماليّ ما أسبغ على ذهننا ذلك المعنى، والتطلّب للعودة إليه مرة تلو مرة تلو مرة.. أليس الجمالي ما توافق مع المسبوق في ذهننا؟ أليس الجميل ما يصل إلى اللامحسوس فينا ويستوطنه..
الفن تساؤل دائم
أستحضر هنا، أعمال الفنان التشكيلي عبد السلام أزدام، هذا الفنان الذي يحوّل "المحسوس الخام" إلى "محسوس استطيقي"، وهذه هي مهمة الفنان، فالموضوع الإستطيقي كما تراه الفلسفة، هو الموضوع الحسي الذي يستأثر بانتباهنا، دون أن يحيلنا إلى شيء آخر يخرج منه لأنه "غاية في ذاته" من جهة، ولأنه لا ينطوي على أي فاصل بين المادة والصورة من جهة أخرى، وهذه هي اللوحة والمنحوتة عند عبد السلام أزدام، ذلك العمل المُتسائل على دوام اللون، والغارق في السؤال الفلسفي.
عبد السلام أزدام أستاذ الفلسفة (سابقا) يجعل من موضوعاتها وسؤالها الوجودي ُيمة له، داخل مُنجزه صباغة ونحتا.

الفن خلق
للوحة مخاض، وولادة، ووحم، وحياة. حياة أبدية اللون كما هي للمنحوتة، عند هذا الفنان، وأنت والجٌ لمرسمه (عالمه المُخضر) لا يبخل عليك بالإطلاع على مراحل الخَلق لديه. الخلق الفني لمنجزه لوحة لوحة.. من قطع/ تمزيق وفرمٍ وغمسٍ. وتجفيفٍ ولَمٍّ.. وصباغة. أما المنحوتة فلها طقوسها الخاصة كما لها تربتها/ طينها الخالص والخاص، وعجن وتصميم وتجفيف، يضيف لروحها روتوشات فنان، ترقى بها إلى العمل الفني العالمي..
عبد السلام أزدام يختار بعناية فائقة تربة منحوتاته، كما يختار خضرواته الطازجة. من بستانه المزهر والعاطر، بستاني، هو، يعرف الغرس ويحبه.. طباخ ماهر وفنان أمهر. عجيب هو هذا التفاضل! فنان وفاعل جمعوي، هو أيضا، يعي بمشكل حقوق الإنسان ويناضل من أجلها. غريب أليس كذلك ! غير أن هذا هو الفنان فكرا وممارسة.

الطبيعة والفن
يكتب هربرت أن شأن الفن أن يصنع ما عجزت الطبيعة تحقيقه، فعمل الفنان لا ينحصر بإمدادنا بصورة متكررة لما يحدث في الطبيعة، وإنما العمل على التغيير من طبيعة الطبيعة. هو صراع أزلي، إذن، مند أن فهم الكائن معنى الجماليّ، مع الطبيعة. صراع ثيمته الخلق وإعادته في صيرورة نحو الكمال، وأما الفنان فينفخ في عمله من روحه الفنية والحسية واللا حسية المليئة بالدلالات والرموز، فكل نشاط فني يحتوي داخل بنائه رسالة ما ذات دلالة ورموز ومعانٍ بلغة الفن، أبدعها الفنان في مواجهة الآخر.. ليشاركه حالته الوجدانية تارة ، أو يكشف عوالم جديدة يرى الآخر ذاته في مراياها الإبداعية العاكسة. تلك المرايا الشبيهة بمرآة نيتشه ، غير أن سلطة الفنان على منجزه، تنتهي واكتماله منه.. فيصير المتلقي/ المشاهد شريكا، بالضرورة، والسلب، معه فيه.. السلب هنا، سلب السلطة، وعكسها من الفنان إلى المشاهد/ العاشق للفن وجمالياته. إنك لتصير شريكا (عاشقا) لأعمال عبد السلام أزدام بقوة الإبداع (قوة نتشوية) داخلها. تلك القوة الطارحة للأسئلة في استمرارية العمل عنده..

أنا المتلقي !
أنا الآخر المتلقي حاضر باستمرار داخل أعمال هذا الفنان. إن السؤال الفلسفي/ الفني الذي تتبناه أعماله ومنجزاته، هو سؤال موجّه بالضرورة للآخر، الحاضر على دوام العمل لديه. غير أن هذا الحضور يتطلب ثقافة راقية تجاه جنس العمل الفني حتى يتمكن من فك وكشف رموزه الإبداعية، ويستطيع الوقوف على أرض ثقافية متشاركة مع هذا العمل الفني، غير أنه أيضا تكفيك النظرة/ الرؤية والوقوف الصامت أمام عمله، حتى يأسرك ويرحل بك إلى أفق اللون والتساؤل معه وإياه.

الصمت والنطق
عبد السلام أزدام الفنان الذي صمت قرابة عقد من الزمن عن اللون وبوحه، وعن النحت واستدارته.. فالمنحوتة عنده تتخذ شكل الدائرة وأنصافها، تلك الدائرة التي اتخذ منها المتصوفة الكبار، كابن عربي تفسيرا لتصوراتهم للعالم- هنا وللعالم-هناك.. للحسيّ واللا حسيّ، للرؤية والرؤيا، أما الرؤية فكما هي عند النفري، أعلى مراتب الكشف. وقف وتوقف وكشف وفلسفة، إذن !..
أما الصمت فشبيه بالصمت الصوفي الذي عرفته الصوفية، إلى أن نطق النفري، والنطق عند عبد السلام أزدام، فكان عبر العودة إلى مدارج الصباغة وعملية الخلق المتكررة على دوام منحوتاته وأعماله.. صمت ونطق، إذن !

أما عن الجسد !
يأخذ الجسد حيزه داخل منجز عبد السلام أزدام بشكل دائم، غير أن لا جزء فيه غير الجزء المتسائل، هو الحاضر. ذلك الجزء الأفلاطوني الباحث والعارف، الجزء المفكر البعيد عن الطبيعي والغريزي والشهواني، جزء متذوق ومكتشف وعارف ورائي. هو الجزء المشتغل عليه من قبل هذا الفنان..
عبد السلام أزدام فنان باحث داخل التطورية التي تعرفها الحركية الفنية، ومتسائل هو على دوام نصاعة اللون عنده. يقاوم الزمن عبر ثنائيات تتعدد من: الحضور والغياب، الصمت والنطق، اللوحة والمنحوتة، التساؤل والإجابة، الأنا والآخر ليخرج لنا بأعمال تقاوم صدع الهشاشة التي صارت الساحة تعاني منها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟