الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من المسؤول عن تحديد قناعاتنا الشخصية ؟

احمد عبدول

2014 / 12 / 15
الادب والفن


لازلت اتذكر صديقي (عزيز )الذي تعرفت عليه أبان عملي في احدى الورش لتصنيع الحلي الكاذبة خلال سنوات الحصار الذي فرض على الشعب العراقي في منتصف تسعينيات القرن الفائت ,كان (عزيز) يأتي الى العمل صباحا وهو مقطب الحاجبين عصبي المزاج , ضيق الصدر , كانه يتصعد في السماء ,فقد كان عزيز يعيل عائلة تتكون من ام واب وسته بنات دون ان يرزقه الله بمولود ذكر, يحفظ اسمه , ويرث رسمه كما تذهب ثقافتنا الاجتماعية والعشائرية ,لازلت اتذكر كيف افتعل (عزيز ) يوما آزمة كبرى كادت ان تتسبب في قطع ارزاق عشرات العاملين داخل الورشة الرطبة في احدى زوايا شارع الرشيد داخل العاصمة (بغداد ),حيث تسبب عزيز في اندلاع شجار كبير بينه وبين مجموعة من العمال لسبب بسيط ,ومع كل ذلك فقد كان عزيز طيب القلب , كريم السجايا , سرعان ما يحس بذنبه ليسارع الى الاعتذار والتودد ممن اساء اليهم بغير وجه حق .
ذات يوم اجتمع بنا صاحب الورشة التي نعمل فيها معلنا عن نيته للسفر الى خارج القطر ,مما يعني انه يطالبنا بترك العمل فورا , فما كان من عزيز الا ان ينفجر بوجه صاحب الورشة , وهو يهم بالانقضاض عليه لولا اننا تداركنا الامر وحلنا بينه وبين مبتغاه ,ثم اخذنا نؤكد له ان المسالة لا تعدو كونها مسالة رزق وقد يكون من وراء كل هذا (صالح ) كعادتنا نحن العراقيين في تفسير ما ابهم علينا تفسيره وما اشكل علينا تدبيره ,
وهكذا مضى كلا منا لغايته بعد ان تركنا مورد رزقنا وسط سنوات عجاف ثقال ,لم ار عزيز الا بعد عام 2003 بأشهر حتى انني لم اتعرف عليه وذلك لما طرأ على محياه وبدنه وطريقة لبسه وكلامه ,فقد بدى عزيز صبوح الوجه منفرج الاسارير منشرح الصدر يعلو وجه بياض مشوب بحمرة ,كان عزيز يتحدث لي وهو في قمة الزهو والسعادة ,ولم اكد اسأله عن احواله واين استقرت به الامور حتى بادرني قائلا بان ابواب السماء قد فتحت له من كل جانب وان الله لم يخيب ظنه بل انه بات متيقن ان الله يحبه , ويغدق عليه من بركاته يوما بيوم ,قلت وكيف ذلك , قال لقد ترك لي زوج اختي مبلغا كبيرا من المال قبل ان يغادر البلاد على شكل دفاتر من الدولارات التي حصل عليها بطريقته هو ,فما كان مني الا ان سارعت الى شراء بيت في احد الاحياء الراقية اضافة الى اقتنائي لسيارة فارهة تكفيني مؤونة الطرق ,سكت قليلا ثم عاود كلامه وبصوت عال وهو يقول وفوق كل هذا رزقني الله بمولد اسميته (حيدر ) ثم اردف قائلا الم اقل لك ان الله بجانبي ,والا كيف نفسر حدوث كل تلك المصادفات التي حظيت من خلالها بتلك النعم الجسيمة والعطايا العظيمة بين ليلة وضحاها ,وها انا اليوم لا افوت لله فرضا ولا اعصي له امرا وكيف وقد رزقني الله من حيث لا احتسب .
لاشك ان (عزيز )ومثله الكثير , ممن كانوا في اوضاع اجتماعية ونفسية واقتصادية لا يحسدون عليها ثم انقلبت بهم الموازين ودارت فيهم المقادير لا شك ان مثل هؤلاء سيكيفون طرائق تفكيرهم ازاء ما وصلوا اليه من نعم وامتيازات دونما اي جهود او مقدمات .
يمكن القول اننا جميعا نشبه (عزيز )بنسب متفاوتة لا سيما في جانب بناء قناعاتنا الشخصية التي طالما اضفينا عليها مسحة سماوية وصبغة الهية خارقة .
ان قناعاتنا الشخصية لا يقف من ورائها اي عامل خارجي كما ندعي بل اننا من نصنع تلك القناعات وفقا لمصالحنا الشخصية ومنافعنا الذاتية ,ثم نقوم بالترويج لها والافصاح عن تفاصيلها ,والا فما هو دليل صديقي (عزيز ) على حب الله له وتوفيقه اليه ,كل ما في الامر ان (عزيز )قد اغتنى عن طريق فلته من فلتات القدر وهو لا شك يعرف كل ذلك لكنه قام بخداع ذاته ومراوغة نفسه موهما اياها بمشروعيه رزقه , وقانونيه غنا ,ه وحب الله اشخصه .
يبدو ان الكثير منا يشترك مع عزيز فيما ذهب اليه من تصورات ,فالكثير منا يسعى لبلورة قناعاته بما يتلائم ومصالحه بشعور منه وبغيره وهو ينسب كل ما حاز عليه بغض النظر عن الوسيلة المتبعة الى السماء وذلك لأنه بدون تلك النسبة سوف يكون بدون غطاء سماوي مما يجعله مكشوف الجانب امام الاخرين وانتقاداتهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج حسام سليمان: انتهينا من العمل على «عصابة الماكس» قبل


.. -من يتخلى عن الفن خائن-.. أسباب عدم اعتزال الفنان عبد الوهاب




.. سر شعبية أغنية مرسول الحب.. الفنان المغربي يوضح


.. -10 من 10-.. خبيرة المظهر منال بدوي تحكم على الفنان #محمد_ال




.. عبد الوهاب الدوكالي يحكي لصباح العربية عن قصة صداقته بالفنان