الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الألم سر الحياة

فوزي بن يونس بن حديد

2014 / 12 / 16
كتابات ساخرة


يتألم الإنسان في حياته كثيرا، تنتابه هواجس الغضب، ينتقل من مرحلة إلى أخرى، يكتشف الأخطاء التي يرتكبها، ربما تعامى عنها وغضّ الطرف عنها، ربما لأنها لم تنهك حياته، لم تأخذ من وقته إلا قليلا، لم ينتبه لها الآخرون رغم أنها جسيمة، يتوجّع الطرف الآخر يكبت ألمه لا أحد يواسيه في مصابه، ظنّ أن العالم تغير، حوّل وجهته، لم يعد الجاني يهتم لنظرات الآخرين المريبة نحوه، استسهل الجرم فصار مألوفا، يتحسّر المألوم والمكلوم، يفرز تنهّدات عميقة تخرج من أقصى الفؤاد تعبيرا عن حزن بدأ يتنشر ويعم الجوارح كلها، يبحث عن الأمل فلا يجد إلا الألم يتصدر المشهد، حاول أن يغيّر حاله لكن حاله تفرض عليه أن يبقى في دائرة الألم، استسلم أخيرا للألم فوجد فيه متعة، لأنه عوده على جميل اسمه الصبر، ولأن الصبر جميل قال سيدنا يعقوب عليه السلام عندما فقد ولديه فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.
يتألم الإنسان وذلك قدر محتوم، لأن الله عز وجل خلقه في الدنيا ليعيش المتناقضات، فيحزن ليفرح، ويتألم ليأمل، ويخاف ليأمن، ويموت ليحيا، تلك هي معادلات الوجود والفناء، لن يستطيع بشر القفز على هذه المعطيات لأنه في الأصل قاصر على تغيير المشهد كيف يغير وهو المجبول على فعل هذا أو ذاك ليس لديه خيار آخر غير الحياة أو الموت، فإما أن يحيا عزيزا رغم الألم وإما أن يموت ذليلا وقد غمّه الألم، يحتاج الإنسان إلى أسلحة لمواجهة الألم، لأن طبعه يرفضه فهو لا يرتاح أبدا في وجوده، يسبب له صداعا مريرا، يفتك بعقله ليلا ونهارا، يرصد كل خلية فيدمرها تدميرا بطيئا، يرفض تناول المسكنات والمهدئات، يمدد جسده على الفراش يضع يده على جبهته فيجدها ساخنة تفور منها حرارة تغلي غليان الماء تحت فوهات النار المشتعلة، تُرى ما يطفئ هذا اللهيب سوى الوجع نفسه عندما يغيب، عندما يعلن الهزيمة بعد أن ألحق بثورا واضحة على الوجه كأنها فقاعات تبشر بانفراج ولو بسيط.
فالألم محبوب وإن كان مكروها، ليست فلسفة ولكنه مكرمة من عند الله رب العالمين الذي خلق كل شيء بقدر، فالحقنة مؤلمة في ظاهرها ولكنها نافعة جدا للجسد الواهن الذي يبحث عن خلايا جديدة تجدد مناعته أو تحسِّنها، ولا يبدو أنها تتحسن إلا بالألم، ليبقى الألم عنوان الانتصار على النفس الموهومة بالكبرياء والفوز، والتاريخ يشهد على صحة هذه النظرية الفطرية في الإنسان ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ولذلك قيل إن الإبداع لا يكون في شيء إلا دليلٌ على أن صاحبه تجرّع الألم صغُر أم كبر، فرحم الإبداع لا يقبل جنينا مشوّها، ولا يستقبل إلا نطفة مؤلمة تبحث عن بويضة تشاطرها الرأي ليتم التلاقح ويحصل الإبداع، الجنين الظاهر والمولود الباهر.
كل من لا يتألم لا يبدع، وإن أبدع بدون ألم يكون إبداعه مبتورا منقوصا لا متعة فيه، ومن لم يتلذذ بالألم لا يشعر بمتعة الإبداع، ومن لم يذق المرارة لا يشعر بالسعادة، فالقيام لأداء صلاة الفجر في جماعة مثلا يحتاج إلى عناء كبير، لأن ألم القيام علقم كبير وعقدة تكبّل روحه ويشغلها عن التفكير في مثل هذا الواجب في وقت يتلذذ فيه بنوم عميق، إن استسلم لشيطانه سيزداد تدثّره بالفراش وإن قام نافثا كل وسوسة ارتعدت فرائص الإبداع وانتفض الجسد معلنا الحرب على النفس الأمارة بالسوء، لا يشعر حينها بالمتعة بل يؤخرها المولى عز وجل إلى بعد انقضاء صلاة الجماعة، فاسأله حينئذ بماذا تشعر سيقول حتما بانشراح كبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??