الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطبة جمعة على التايمز

كامل السعدون

2002 / 12 / 20
الادب والفن


 

قصة قصيرة

 

بعد أن صلى ركعتين ، وصلى الجمع المحتشد خلفه ركعتين ، نهض فنهضوا ، واعتلى المنبر مستعداً لخطبة الجمعة ، كان الرجل بكامل عدة الأيمان ، من لحية حمراء من إثر الطلاء بالحناء ، وتلك كما تعلمون سنةٍ ونعم السنة ، وجلباب أبيض غاية البياض ، وتلك من موجبات الإيمان ، فبياض الثوب علامةٌ على بياض القلب ونقاءه ، وكان في طرف الفم مسواك مباركٍ مسترخٍ باطمئنان ، والمسواك كما تعلمون جذر شجرةٍ مباركةٍ وسنةٍ توجب جزيل المكافأة ، بمكان أثير في الجنة ، حيث الجنة مآل الصالحين والصالحات .

لكن …. رباه …. ما هذا … ما هذا الذي يتكأ شيخنا عليه …

فزعت كما فزع غيري من المؤمنين ، وسرت بين الجموع همهمةٍ ، شنفت لا شك آذان شيخنا المهيب الجليل ، أبا الكوثر ، إذ غالب ابتسامة مهيبةٍ ، رجفت لها عضلة زاوية الفم ، وتهيأ للكلام وقد استرخت بثقةٍ كفه المستقرة على أنبوب أسطواني نحاسي اللون منتفخ البطن .

حسنا يا أحبائي بالله … تناهي لسمعي تساؤل بعض الأحباب بينكم عن سر هذا الذي اتكأ عليه ، لا من إعياء لا سمح الله ، بل تطبيقاً لسنة أشياخنا المجاهدين المرابطين ، إذ كانوا يتكئون عند الصلاة على سيوفهم ورماحهم ، وتلك لعمري استحباب شريفٌ يربط بين الدعوة بالحسنى ، والجهاد والمجالدة ، حين لا تنفع الحسنى ، والجهاد يا أحباب فرض عينٍ على كل مسلمٍ بالغٍ ، جعلنا الله وإياكم من المجاهدين الفائزين بمقعد صدقٍ عند مليك مقتدر ، ونعم المآب أيها الأحباب .

أعداء اليوم يا أحبائي في الله ، ليسوا كأعداء الأمس ، بل أشد ( والعياذ بالله من الكفر ) كفراً ، وسلاح أعداء اليوم " وتهدج صوته حتى حسبناه موشكاً على البكاء " سلاح أعداء اليوم يا أحباب ، ليس كسلاح أعداء الأمس من مجوس ويهود وصليبيين ، بل هو أشد فتكاً وأخطر تأثيراً ، وقد تهاون يا أحباب حكام شعوبنا وولاة أمر المسلمين عن التزود بما لدى الكفار من العدد والعدة ، وهذا ما يدمي القلب ، ويؤرق الفكر ، ويثبط الهمة ، ونحن المؤمنين الصابرين المجتمعين في هذا المكان المبارك ، أكثر من يتوجع لهذا الأمر ، ولكن وسبحان الهادي ، المستجيب لصادق الدعوات ، فقد غيض لدموعي ودموع المؤمنين الصابرين منكم ومن أخوةٍ لكم في بقاع أخرى من أرض الإسلام وأرض الكفر هذه التي لجئنا لها لنشر الدعوة السمحاء ، نقول غيض لدموعنا أن تجد الاستجابة من مؤمن مقتدرٍ شريف الحسب أصيل النسب ، سليل بيت النبوة ، تعرفونه لا شك جميعكم …" تعالت الهمهمة مجدداً بين الحضور " ، نعم …نعم ….هو من تعرفون ، وقد هدى الله هذا الحاكم إلى سبر أغوار علوم الكفار ، فأنتجت أنامل أتباعه المجاهدين ، ما أنتجت من عدد الحرب الحديثة ، ولم ينسانا الرجل ، جزاه الله عني وعنكم وعن خير أمةٍ أخرجت للناس ، خير الجزاء ، فجاءتني وفوده بهذا النموذج الذي اتكأ عليه ، كما كان أسلافنا يتكئون على السيوف " سرى تكبير من ركنٍ قصي من المسجد ، وتعالت همهمة ، ونشطت حركة ، وتسلل البعض خارجاً وتهيأ جمعٌ آخر للنهوض ، وتهامس أبٌ مع أبنيه الجالسين إلى يمينه ويساره ، طالباً منهما أن يأتيا له بنعليه ، وينسحبا قبله إلى الخارج ، وتابع الشيخ الجليل خطبته وعلى صوته " .

بلى يا أحباب ، هذا الذي ترون ، ليس قنينة غاز لمطبخ خالتكم أم المؤمنين ، بل هو سلاحكم القادم الذي سيقتل من الكفار مقتلاً عظيماً ، ويورثنا نحن المستضعفين ، نسائهم وأموالهم وقصورهم ، ويعز راية الإسلام ، ويشفي صدور قوم يؤمنون …

تعالت أصوات الامتعاض والاحتجاج والخوف ، وفكر أكثر من واحد بالهرب العاجل ….


لا تخافوا يا أحبائي في الله …." وربت بحنان على الحاوية المعدنية "

وتابع خطبته العصماء ، بهذا السلاح المبارك ، سنقضي على اليهود والصليبيين والمجوس والبوذيين والزنادقة الشيوعيين والغنوصيين اللا أدريين والمرجئة والرافضة وأهل البدع الآخرين والراقصات والمغنين والفلاسفة المفسدين والعلماء القائلين بكروية الأرض والساهون عن الصلاة ومانعي الزكاة…و….,….,….

حين انتهت الخطبة ، وإذ أفاق الشيخ من حالة النشوة التي رافقت خطبته العصماء ، نظر إلى الجموع المؤمنة ، فلم تكتحل عيناه بمرأى أحد ، إذ كان الجميع قد غادروا القاعة منذ حين …

حين هبت عليه نسائم التايمز ، تبسم لنفسه بخيلاء ، وشكر الله على نعمة عمى البصيرة التي أصابت هؤلاء الكفرة الذين منحوه إمكانية الدعوة لقتلهم من على منابرهم ، بل وأعطوه من ضرائب عمالهم ما كفل رزقه ورزق عياله من نساءه الأربع…

سبحان من ضرب بيننا وبينهم سداً فهم لا يعقلون …

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ


.. فنان بولندي يتضامن مع فلسطين من أمام أحد معسكرات الاعتقال ال




.. عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ