الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إتجاه مصر نحو الشرق ضرورة استراتيجية

محمد السعدنى

2014 / 12 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


خيارات الدول غالباً ماتحكمها رؤى سياسية وتوجهات استراتيجية، وهى لاتقبل التردد، إذ الرهان على المستقبل يكون محفوفاً بالمخاطر لو غامرت بوضع البيض كله فى سلة واحدة، فلا هذا آمن بدواعى الحرص على الحاضر، ولا هو محمود بضرورات التخطيط للمستقبل، شئ من هذا حدث منذ اتخذ الرئيس السادات خياره نحو الغرب، ومهما كانت مبرراته وسياقاته التاريخية والسياسية، إلا أن محصلة هذا التوجه والذى استمر مع نظام مبارك أدى إلى ارتهان القرار السياسى المصرى بمصالح الغرب المتشابكة والمتباينة بالضرورة مع المصالح المصرية والعربية، ولقد استبان لنا مع الوقت أن هذا الخيار لا يصمد أمام الرؤية الطموح التى يتبناها النظام المصرى الجديد بعد ثورتى يناير ويونيو وحجم الضغوط الدولية التى نتعرض لها فى ظل عالم الـ MONOPOLE أحادى القطبية الذى تتسيده الولايات المتحدة الأمريكية وتدور فى فلكه دول الإتحاد الأوروبى والمؤسسات الدولية، والتى غالباً لاترضى عن توجهنا نحو استقلال القرار المصرى، وتدس أنفها وأصابعها فى الشان الداخلى محاولة تطويعنا وتحجيم دورنا الإقليمى والدولى، وإدخالنا بيت الطاعة الأمريكى طوعاً أوغصباً، وعلينا أن نعترف للإدارة المصرية بقدرتها الفائقة على إدارة الأزمة بكفاءة نادرة حافظت على قدر من اتزان القرار المصرى رغم ما فرض علينا من ضغوط وماشن علينا من حروب، استهدفت جيشنا الوطنى وتعطيل مشروعاتنا التنموية وتعجيزنا عن حسم معركتنا مع الإرهاب.
وكعادة المصريين فى مواجهة أزمات المصير جاءت المبادرة المصرية بالهروب للأمام فى تخطيط استراتيجى ذكى بتدشين مشروعات عملاقة وحشد طاقات المصريين الذين تلقفوا المبادرة بوعى نادر وتمويل سخى، وجاءت زيارة رئيس الجمهورية لروسيا فى إطار تنويع مصادر السلاح، ومشروعات تنموية وصناعية نتمنى أن تتعمق أواصرها بفتح آفاق جديدة للتعاون مع الشرق.
ولاينبغى لتوجهنا نحو الشرق، أن يكون بديلاً للتعاون مع الغرب، إنما يأتى موازياً ومكملاً لحاجتنا فى التعاون مع القوى الناهضة تكنولوجياً واقتصادياً وعسكرياً مثل روسيا والصين وكوريا والهند والبرازيل، وجميعها أعضاء فى نادى العشرين الكبار G20، وهى قوى نافذة فى النظام العالمى وقد بدأنا معهم بعد زيارات الرئيس للسعودية وإيطاليا وفرنسا فى شراكات استراتيجية ينبغى تعميقها والبناء عليها. وربما يساعد تعميق تعاوننا معها على الاتجاه شرقاً لاباعتباره نقطة توازن استراتيجى فحسب وإنما محور إرتكاز تنموى يسمح بتنوع المصادر قدر تنوع المشاركات والأدوار، وربما يخلق لنا تواجداً دولياً يحقق طموحنا فى الاستقلال وتوظيف إمكاناتنا الجيواستراتيجية لصالح دور مصرى فاعل فى الأقليم قدر فاعليته الدولية.
لقد تغيرت العلاقات الدولية مؤخراً تغيراً نوعياً سمح بنمو وتكتل دول صاحبة أعلى معدلات نمو إقتصادى فتشكلت مجموعة الـ PRICS من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وتكون فى مجموعها ربع مساحة العالم و40% من سكانه، وتعد عنصراً فاعلاً ومؤثراً دولياً إقتصادياً وسياسياً وجيواستراتيجياً، يمكن بانضمام مصر إليها أن تضيف بعداً جديداً فى إطار تخليق عناصر فاعلة للدور المصرى فى النظام العالمى الجديد الذى تبزغ عناصره يوماً بعد يوم، والذى حتماً مع تنامى دور هذه الدول العملاقة أن يعمل على توازن الخلل الطارئ على النظام الدولى القديم.
التوجه شرقاً لم يعد ترفاً خصوصاً بعد الحرب الأمريكية الأوروبية شبه المعلنة بالعقوبات على روسيا وحتى الخليج العربى بضرب أسعار النفط لتأخير مشروعات التنمية فى الشرق والتى حتماً ستؤثر فى معدلات التنمية المصرية بضعف التدفقات المالية من الخليج، ويمكن لمصر استعواض ذلك بإمداد روسيا بالسلع التى منعتها العقوبات عنها، بل والتوسع فى شراكات زراعية تصنيعية تكنولوجية تضخ الحياة لآلة الاقتصاد المصرى لتتحول شريكاً دولياً منافساً يمهد لعضويتها فى تجمع البريكس بالتوازى مع تنمية دورها فى الكوميسا والمحيطين الحيويين، الأفريقى والأورومتوسطى.
أما النموذج الصينى الذى اتسعت آفاقه السياسية لتغيرات العصر الليبرالية وآليات السوق الرأسمالية مع التمسك بثوابتها الأيديولوجية فى التنظيم والإدارة وحوكمة الشركات والمؤسسات والحفاظ على ثبات بنيتها الاجتماعية، يعد مثالاً على تحقيق الاستفادة من نظام التجارة العالمية WTO ويفرض شروطه للتنمية المستدامة والتقدم التكنولوجى ليصبح ثانى قوة اقتصادية تمثل شراكتها مع الولايات المتحدة الأمريكية عنصر ضمان وثبات لإستقرار النظام المالى والاقتصادى العالمى كما بشهادة تقرير "مايكل سبنس" الأمريكى حائز نوبل الإقتصاد 2001، والذى جاء فيه " إن السنوات العشر المقبلة ستتميز بتعديلات بنيوية كبرى وتحولات ضخمة لإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي ككل، وأن الكثير سيتوقف على السياسات المتبعة في أضخم دولتين اقتصاداً على الإطلاق، الصين والولايات المتحدة، ومدى تعاونهما". إذن توجه الرئيس نحو الصين بحثاً عن شراكة تنموية، إقتصادية تكنولوجية عسكرية سيمثل نقلة نوعية تفيد من معطيات الحاضر واحتمالات المستقبل.
ولقد زرت الصين وكوريا مرات عديدة، وكنت شاهداً بنفسى على التعاون الصينى والكورى فى إطار نقل وتوطين التكنولوجيا، إذ كنت لوقت قريب رئيساً للمدينة العلمية التكنولوجية ببرج العرب، وكانت تسمى مدينة مبارك للبحوث العلمية والتطبيقات التكنولوجية، وكنت وزملائى بالمدينة نقوم بتحويلها لأول وادى للعلوم والتكنولوجيا فى مصر مع منطقة استثمارية فى العلوم والتكنولوجيا بمساعدة اليونسكو، وأسسنا مراكزاً للتميز العلمى فى الطاقات الجديدة والمتجددة، والنانوتكنولوجى، والتكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية، وتكنولوجيا المعلومات، وعلوم وتطبيقات الليزر ثلاثى الأبعاد، وحاضنات تكنولوجية ومراكز للإبداع العلمى ومشروعات دولية ومحلية، وكان لابد من العمل مع الدول المتقدمة علمياً وصناعياً، وكان نقل وتوطين التكنولوجيا واحداً من مشروعاتنا المهمة، ورغم شهادة المؤسسات الدولية العلمية لصالح إنجازنا العلمى والتفوق الذى حازته المدينة العلمية فى نهضة شاملة شهد بها الغرب وتبوءنا بفضلها مقاعد متقدمة فى المؤسسات الدولية والأورومتوسطية وتوالت براءات الاختراع والنماذج الصناعية الأولية PROTOTYPES، إلا أنهم ترددوا وماطلوا فى محاولتنا لنقل وتوطين التكنولوجيا، ولم يعمل معنا ويساعدنا بكل إخلاص وتواضع فى هذا الإطار إلا الصين وكوريا الجنوبية. وعليه نرى أن التوجه شرقاً خيار استرايجى فى ظل التعقيدات العالمية حولنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يغير نتانياهو موقفه من مقترح وقف إطلاق النار في غزة؟ • فر


.. قراءة عسكرية.. اشتباكات بين المقاومة وقوات الاحتلال




.. ما آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة؟


.. أمريكا.. طلاب جامعة كولومبيا يعيدون مخيمات الحراك المناصر لغ




.. شبكات| غضب يمني لخاطر بائع البلس المتجول