الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقيقة الوجود كما هو موجود في أعمال الروائي التونسي سمير بوليلة

علي البهلول

2014 / 12 / 18
الادب والفن


الروائي سمير بوليلة شهر "أبو الليل" في مقالاته الصحفية النقدية و في اعماله الأدبية وهو من أرخبيل جزيرة قرقنة في رصيده ثلاثة روايات: الاولى البحر يعانق الليل 2009، يوميات تلميذ 2011، ملاك ... إنتحار 2013.
كاتب مثقف هدفه التأسيس "لمثقف عضوي بلغة غرامشي مثقف ينغرس في قضايا شعبه و لا يبقى يناجي أحلامه الطوباوية". هذا ما صرح به "للتونسية" بتاريخ 25 مارس 2013 في ملتقى محمد البقلوطي للقصة و الشعر.ونقول نحن عن كتاباته في الشذرة التالية:.
"ما ينبعث عنه في الفن كما في الفكرهوالحقيقة" تبادرت إلى ذهننا مقولة هيغل و نحن بصدد وضع اللمسات الأولى في أعمال سمير بوليلة. فقد حاول هذا الأخير التخفيف من أعباء عايشها واقعيا من خلال الكتابة أكانت شعرا أو قصة أو شيئا آخر. لقد حاول التأسيس للحضارة و للإرتقاء إلى عالم الإبداع من خلال التماشي مع مقولة نيتشه في أن الفن هو تجميل الحياة و جعلها شيئا مطاقا.
إن سمير بوليلة إستطاع رغم حداثة سنه الإبداعية الخروج من المربع الروائي القصصي الكلاسيكي و الدخول إلى عالم الحرية القصصية الإبداعية محاولا تجسيد الواقع و تشكيل الأحداث اليومية على الورق لكي تكون شاهدا على تاريخ حدث ما أو شاهدة على أحد القرى أو أحد الشخصيات لأنه كان بإمكانه أن يتكلم مشافهة على عمله الإبداعي و ما يختلج فكره و ذهنه من قضايا إلا أنه حاول التأسيس لحضارته عبر الكتابة عبر الورق الذي لا يموت.
لقد إستطاع الروائي سمير بوليلة التلاعب باللغة و جعلها أسيرة عنده أي أن هذا الأخير شكل اللغة حسب مزاجه من خلال إعتماده البساطة في الكتابة و ليس إعتمادا على اللغة الرمزية لأن الرمز في القصة يتحول إلى معيقات و يخول لنا الدخول في ملابسات لانهائية: "يستقبلك البحر و تحتضنك أمواجه المتكسرة على الشواطئ الرماية الممتدة على طول الشريط الساحلي بلونها الذهبي." (1)
لقد تعددت الأساليب البلاغية و الأفعال الحركية حيث إتخذت الروايات بعدا آخر و كأننا إزاء نص شعري قصصي، أو أن الروائي سمير بوليلة يعيدنا هنا إلى كتابات التوحيدي و مقامات الهمذاني و رسائل إبن حزم.
يقول محمد الهادي الطرابلسي "دخلت القصة في نسيج القصيدة منذ نشا الشعر عند العرب حتى غدا الطرفان منصهرين إنصهار اللحمة و السدى كما يشهد على ذلك شعر إمرئ القيس (2). إن الدافع إلى قول الشعر في القصة أو الرواية دوافع إبداعية تفرضها الممارسة الإبداعية التي حاولت منذ القديم العمل على ثنائية الشعر و السرد و خير مثال على ذلك الملاحم التي نظمت شعرا كالأوديسة و الإلياذة لهوميروس و بالتالي فهذه الميزة تحسب لصاحبها من خلال المجازفة في خرق الحدود و هتك الحواجز بإجتماع الشعر و السرد في خطاب واحد:
"قسما و ألف قسم أنك ملاك من السماء
لا و لا أن تكوني من بنات حواء
أنك سليلة الأنبياء و الشرفاء
أسماء ... مريم العذراء "(3)
لقد حول الكاتب سمير بوليلة الحب و العواطف و الأحاسيس إلى قضايا مركزية وجب الخوض في أمرها.
لغويا و على أساس اللغة هيمنت الوظيفة الجمالية و الإنفعالية.
لقد قام "أبو الليل" بتشكيل لغة زمكانية، فالكاتب هنا رسام فنان تشكيلي رسم قصته بريشة الإستعارة و ريشة اللغة ليحاول أن يؤسس لنفس موسيقي قصصي يكون له التأثير الفعال لتقديم صورة صادقة لعالمه. لقد أخذ بوليلة من الطبيعة لباسا لشعره و لشعوره و عواطفه "إنها الطبيعة ... تملأ عليك مجلسك بل تأخذك لعالم أرحب ... تجنح بك بعيدا في الأعاليحتى تلامس أطراف السماء".
إن الشعر هو قول فلسفي و تأمل هيرمونيطيقي يتجه من الذاتية للكشف عن الفعل و الإنفعال و التأمل و التألم و بالتالي يمكن الإقرار أن الرواية بفعل مرونتها إستضافت الشعري و إستثمرت تقنياته و خاصياته فأكسبها أبعادا شعرية و جمالية و وسمها بسمات المغايرة و مظاهر الإختلاف عن سائر الأشكال الروائية الأخرى. (5)
بعد بيان ما تقدم يمكن الإنتقال من البعد الفني إلى البعد المضموني للكشف عن المحطات الكبرى التي حاول الكاتب كشفها.
إن أعمال سمير بوليلة هي أعمال تقدم لنا أو تصور لنا إشكالات وجودية و يومية و حتى فلسفية يعايشها كل يوم.
يمكن حصر القضايا في أبعاد ثلاثية أولها قضية الإنسان البسيط الذي يعيش البساطة في المادة و لكن الثروة في الفكر. إنه المثقف الذي نجد صداه في البحر يعانق الليل" أين يعيش البطل العزلة و التوحد بذاته محاولا الكشف عن حياة الجزيرة و عن أهلها و عالمها.
ثانيا معالجة قضية الموت بأنه من أهم القضايا الموجعة بمعنى النظر في الموت و ما يحمله من دلالات على الإنسان و من الموت تتدرج القضايا العربية الراهنة و خاصة قضية فلسطين و خاصة في إنتقاله من حادثة موت الأب إلى حادثة موت الوطن العربي.
و ثالثا قضية التكنولوجيا و التطور التقني و هذا تجسد في "يوميات تلميذ" من خلال التواصل عبر شبكة الإنترنات (الفايسبوك).
إن سمير بوليلة يجعلنا نذرف الدمع و نحن نقرأ المأساة الوجودية التي يعيشها الأخ و الأخت و الأرض الحنون و كل عربي كان يحلم بإستقلال وطنه و حلمه و بيته و الجامع بين القضايا و الروايات الثلاث هو الحب تلك المرأة الكائن البشري الأسمى الذي لا يستطيع أحد العيش بدونه. و هذا ما تجسد في كل الروايات و خاصة ملاك إنتحار
ننتهي إلى أن سمير بوليلة حاول إسقاط القيم التقليدية كالعهن المنفوش و حاول تأسيس قيم جديدة بتحويله الوقائع اليومة إلى وقائع قصصية وجب الخوض في أمرها بحكمة.
إن هذه الرؤية هي رؤية ذاتية نفسية نابعة من وعي و عن لاوعي الذات القارئة. فلكل شخص الحق في قراءة معينة تتماشى مع ما يذهب إليه، لأن المعنى يبقى حمال أوجه و مهما حاول الناقد جاهدا فك طلاسمه إلا أنه لا يظفر إلا بالقليل القليل.
الهوامش:
1- البحر يعانق الليل: سمير بوليلة صفحة 8 قرطاج للنشر و التوزيع 2009
2- عن محمد الهادي الطرابلسي تقديم كتاب محمد بن عياد "جدلية القصة و الشعر" ط 1. 2003 أنظر المقدمة صفحة 9
3- ملاك إنتحار سمير بوليلة مطبعة سوجيك 2012
4- البحر يعانق الليل صفحة 8
زهرة كمون: الشعري في روايات أحلام مستغانمي: ط 1 – دار حامد للنشر 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل


.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ




.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع


.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي




.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????