الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعلام الجن والعفاريت

ميشيل نجيب
كاتب نقدى

(Michael Nagib)

2014 / 12 / 19
الصحافة والاعلام


عفاريت وأجناد وأنصار وشعوذة ودجل وجن وعناتيل وجنس ودواعش وإخوان وسلفيين وعذاب القبر والثعبان الأقرع، كل هذا يمثل الإهتمامات بالغة الأهمية للرسالة الإعلامية والسينمائية والثقافية بشكل عام، إلى هذه الدرجة وصل الشذوذ الأخلاقى بالإعلاميين والفنانين والمثقفين وتصوير المجتمع المصرى وكأنه مصاب بالضمور العقلى، لا وعى لديه إلا بهذه القضايا الهزيلة وغير مستعد للزراعة ليأكل ويوفر رغيف العيش لكنه مستعد لإنفاق عشرة مليارات جنيه سنوياً على الطالع والغيب والسحر والجان حسب دراسة أجراها المركز القومى للبحوث الجنائية على المجتمع المصرى، لتتحول رسالة الإعلام إلى تثقيف المواطنين بعالم الجن والعفاريت ومتابعة أخبار فضائح الفنانين والفنانات وتحقيق السبق فى نشر صور رؤوس ضحايا الإرهاب المذبوحين.

لكن مرض الضمور العقلى لم يصاب به المجتمع فقط بل أصاب المؤسسات الإعلامية والثقافية، التى تنقل العدوى الخطيرة وترويج الخرافات وثقافة الجن والدجل والقتل والإرهاب، قام المثقفين والإعلاميين بخطوات ثورية فى مبادئ رسالتهم التنويرية التى تنقل الفكر والمعلومة والخبر بأخلاق إنسانية وطنية، يمكن أن تقود مجتمعهم خطوة للأمام يشعر معها المواطن بتغيير حقيقى يتناسب مع القيم الحداثية التنويرية للإنسان العصرى، وليس قيادته إلى الخلف حيث قصص وأساطير المجتمعات الجاهلية التى تجذب بسطاء الفكر وتستبيح عقله، أصبح الإعلام يقدم رسالة داعرة عنصرية فاسدة تقصد تجهيل المتلقى لأن القائمين على المؤسسات الإعلامية ليست لديهم ثقافة أو معرفة أو مادة إعلامية حقيقية يمكنهم إفادة المجتمعات بها، وفاقد الشئ لا يعطيه لذلك سيستمر إعلام وثقافة التخلف فى تخريب أى مشروعات للتغيير والنهضة بالإنسان المغلوب على أمره والمنبهر بفتيات الجن والعناتيل.

هذا الجو الإعلامى الهابط يصارع الهواء ويصارع الجن والعفاريت والثعابين ليدافع ضد أى إنسان يحاول أن يتكلم فى الحداثة والتقدم وإستخدام العقول للتنمية والنهضة والإبداع فى كل مجالات العلم، ليتخلص مجتمعنا من التخلف والثقافات الظلامية التى هيمنت عليه فى السنوات الأخيرة، فالمسئولين عن مؤسسات الثقافة والإعلام يقدمون الخزعبلات على طبق من ذهب لمجتمع يعانى من الأمية وخريجى الجامعات فاقدى العلم والمعرفة لا يعرفون كيفية وقيمة العمل والبحث عنه وإبتكاره، لأن الطالب لم يتعلم ولم يُطلب منه أستخدام عقله والتفكير به بل يكفيه حفظ مواده الدراسية عن ظهر قلب، ليتم تأهيله إلى سوق البطالة ويقع بعدها فى براثن وشباك الأفكار، المتطرفة التى هى أفكار تطل عليه أيضاً من نافذة الإعلام وفضائياته ولا يملك تكذيبها أو الشك فى صحتها ليبدأ رحلة الإرهاب الحديث.

هذه هى قضايا دولتنا ومجتمعنا الحيوية التى يعكف على دراستها والبحث فيها رجال الثقافة والسينما والإعلام؟ تربعت صور الإرهابيين وضحاياهم على عرش الفضائيات وحوارات الأصوليين والتكفيريين من مختلف التيارات الدينية، وأصبحت الساحة الإعلامية والسينمائية عبارة عن صراعات لكبار الدجالين والمشعوذين وكبار المنتجين والممثلين لأفلام الجنس والمخدرات والعناتيل، ووسط كل هذا التخلف العقلى الذى يبدو ان هناك تشجيع كبير عليه بضخ الملايين من الدولارات لغسيل مخ المصريين وغيرهم من الشعوب العربية، تصول وتجول جماعات داعش وأجناد مصر وأنصار الشياطين والعفاريت الزرق والحمر، ويمر كل هذا مرور الكرام وكأن الدولة ليس بها مسئولين عليهم مسئولية إيقاف هذا العبث والشذوذ الثقافى الذى لا ينزل إلى الشارع ليكتشف مشاكله التى لا حصر لها فى القرى والنجوع.

تلك النماذج الإعلامية من صحفيين ومذيعين ومذيعات يقدمون أسوأ ما يمكن تقديمه من أفكار خاوية تؤخر التقدم والتغيير الثورى لمجتمعاتنا التى تعانى من كثافة السكان والفقر والبطالة والمخدرات ونقص المشروعات الحيوية، إلى جانب الإهمال الكبير لأفراد المجتمع الذين يعيشون وكأن القانون والمسئولين عنه لا وجود لهم فى حياتهم اليومية، مما ينتج عنه إرتكاب كل أنواع الجرائم بكل حرية، هناك الكثير من القضايا بالغة الأهمية وإذا لم يتناولها ويعالجها الإعلام فى برامجه، ستبقى مجهولة للمسئولين الذين يتجاهلونها وللمواطنين أنفسهم الذين يحتاجون إلى برامج تواجه الواقع المؤلم وتكشفه لهم ليستيقظ من غيبوبته التى عزلته عن واقع العصر والعالم المتقدم.

المجتمع فى حاجة إلى إزدهاراً علمياً وأقتصادياً وثقافياً وأخلاقياً ينبع من يقين إنسانى وليس من هلوسات إعلاميين مرضى، يسعون بكل الطرق والأساليب للإثارة والتشويق ببرامج ليس لها مضمون إلا أنها مجرد قصص خيالية تبعث الرعب والخوف فى نفوس المشاهدين، وينعشون بها أسواق الدجل والشفاء من مس الجن والعفاريت ويصدقها الجالسين أمام مشاهد الفتيات تتلوى تلبستهم عفاريت، آن الآوان أن يطبق العاملين رسالتهم الإعلامية الوطنية وكفانا إستهزاءاً بعقلية المواطنين والسخرية من تخلفه بإعلام الدجل والجن والعفاريت!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بوتين يتعهد بمواصلة العمل على عالم متعدد الأقطاب.. فما واقعي


.. ترامب قد يواجه عقوبة السجن بسبب انتهاكات قضائية | #أميركا_ال




.. استطلاع للرأي يكشف أن معظم الطلاب لا يكترثون للاحتجاجات على 


.. قبول حماس بصفقة التبادل يحرج نتنياهو أمام الإسرائيليين والمج




.. البيت الأبيض يبدي تفاؤلا بشأن إمكانية تضييق الفجوات بين حماس