الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


...............تحية الى الفنانة هالة الفيصل الفن أوراق مفتوحة على الدهشة والترقّب والتأثير

ماجدة تامر

2005 / 9 / 4
الادب والفن


لكل عمل فني قيمة تدل على عصره، وهذا العمل خاضع بدون شك لمعايير متعددة الأشكال من الحس الأخلاقي والضمير الجماعي.
وهكذا فإن السينما الموجهة بالضرورة إلى أكبر عدد من الناس، تميل إلى أن تعكس همومهم الكثيرة وأن تعالج بالدرجة الأولى مشاكل المجتمع على اختلاف أنواعها.
وبقدر ما يكون للعمل السينمائي طموحات جمالية وقدرة على إنجاز ذلك، بقدر ما يصبح هذا العمل تحفة فنية نادرة حقاً.
كما أنّ فن البناء المعماري نجده مرتبطاً مباشرة بحياة المدينة ومكرساً لخدمة الجمهور الجماعي والاجتماعي، وبشكل عام يكون الفن دليلاً على الذوق السائد في مختلف العصور، وعلى الحماس والطموح بما في ذلك الواجب وحدود هذا الواجب.
إن الفن شاهد على صور يرغب المجتمع في أن يقدمه بنفسه للآخرين بالوعي أو باللاوعي، فعندما يمتلك هذا المجتمع الموهبة والقدرة على التجديد والإبداع فإنه يميل إلى التعبير تلقائياً عن الجمال حيث ترفعه نفحة من العظمة والإيمان إلى أعلى الدرجات، وهذا ما يعطي الأجيال نفحات من العصور القديمة الكلاسيكية وغير الكلاسيكية مروراً بحضارة البناء الحديث وتلك المساكن الخاصة التي نعجب بها بكل رغبة وحنين.
الفنان ليس عليه فقط أن يعكس الواقع، بل أن يواجهه، وظيفته هنا تكون سلاحاً ضد اليأس، عليه أن يواجه الخراب وفقر المخيلة ويتحدى اللامعنى، وهذا التحدي هو الذي يواجه الفنان المعاصر، وعليه هو الذي يعيش في عالم تتعرض فيه القيم الثقافية - شأنها في ذلك شأن الكثير من القيم - للشك باستمرار، أن يجد طريقة ما لإنتاج عمل ذي معنى، وفي هذا السياق فإن إقامة الصلة بالناس تعتبر شرطاً مسبقاً إذا كان هذا الفن يسعى إلى أن يكون حياً ومهماً.
صحيح أن صور الحياة أصبحت حادة وثقيلة، والاستعارات محملة بالمفارقات الساخرة والمعقدة، إلا أن الوسائل التي يستخدمها الفنان يستطيع أن يخلق بواسطتها شيئاً نستطيع أن نبصر به أعماق الجمال، ومن هنا يصبح التساؤل عن أهمية وجود الفنانين المعاصرين بصورة ضرورية ومتزايدة، وكذلك التساؤل عن أثر الفنانين في المجتمع المعاصر ومسؤوليتهم الأخلاقية.
فعندما يكون المجتمع مجرداً من المخيلة وبدون هموم جمالية حقيقية، وعندما لا يفكر إلا بالفائدة السريعة وغالباً المزيفة ويقتنع بالظواهر السطحية العابرة ويكتفي بها بل ويجعلها معطيات لا مفرَّ منها، فإن هذا ما يولد الدمامة المروعة على اختلاف أنواعها وأشكالها والتي نلاحظها بشكل يومي في هذا العالم.
ولكن هناك بعض الاستثناءات النادرة حيث نجحت المواهب النادرة بشروط مؤاتية لوجودها.
وفيما يتعلق بالأنواع الفنية الأخرى، يجب الاعتراف أن ظروف التأليف والنشر أو الوقائع المذكورة في بعض الصحف والكتب، ليست كافية لإعطاء مثل هذه القصيدة أو هذه اللوحة أو ذاك التمثال أو مثال تلك الأوبرا ما ينبغي لها من القيمة العالية المحترمة.
ما يجب على الفنان هو ألا يكتفي بذلك، بل أن يحصل على قيمة عمله المحترمة، من التقصي الدؤوب لمعرفة الحقيقة وفهم الواقع فهماً عميقاً بجهد متواصل وشاق.
إن تصوير الواقع بالمعنى الحقيقي للعبارة لن يكون أبداً سوى لحظة وصفية جامدة ولا تبقى لأنها تكتفي بتصوير المظاهر الخارجية كالسطح أو الديكور أو الواجهة ولا تقبض بذلك إلا على لحظة هاربة، إن لم تتدخل عبقرية الفنان بها.
فالحياة ليست سوى "معجم" كما عبر عن ذلك الفنان الفرنسي الشهير "دولا كروا" بقوله: "إن الفنان يبدع حقاً حينما يميل إلى إدراك الحاضر وأسر الماضي والتنبؤ بالمستقبل".
فهو أي هذا الفنان العظيم هو "الفيلتر" الذي ينقي ويصفي الأشياء وهو "المجهر" الذي يرى الأمور كبيرة جداً خلافاً لما نرى، وهذا الفنان يثير بأعماله الحماس عبر الألوان والأحجار والأصوات، وكل الوسائل التي يريد أن يعبر من خلالها عن فكرة ما. وخاصة عندما ينفصل مؤقتا عن واقعه المنافق والمغلف بألف قناع وقناع ليعبر عما يشعر به تجاه الواقع.
والذي يميز عصراً أو فترة زمنية ما هو ذلك الفنان الذي يمتلك من الحماس والصدق ما لا يمتلكه غيره.
إن الشيء الذي يبدو أحياناً ذا فائدة زهيدة بالنسبة للإنسان العادي، يمكن أن يكون ذا قيمة أساسية لهذا الفنان، فبإمكان هذا المبدع أن يعدّل ويبدل ويصحح وينتقي ويمحو أو يضيف.. كما يريد، إنه كما وصفه الشاعر الفرنسي الكبير "بود لير" قائلاً: "الفنان لا يأخذ الجلد فقط وإنما يقتلع حتى الأحشاء".
الأوجه التي يرتديها العمل الفني الجيد وقائعية، متنوعة ولا حصر لها، فالفنان بإمكانه وصف الحوادث التاريخية والحياة اليومية لمختلف الفئات الاجتماعية بأي طريقة يراها مناسبة و بكل دقة وأمانة، لأنه يتمتع بالحدس والمعنى اللازمين ويمكن أن يكون هذا العمل الفني هو "المترجم الحقيقي" للتيارات الفكرية الكبرى والجمال الحقيقي لعصره ولا يكتفي بذلك وإنما يطرح تلك المسائل للمنافسة، معيداً بذلك صياغة الواقع من جديد فيتثنى له بذلك أن يفرض ما يريد على الآخرين، ويلتقط الحس القوي لديهم، بما يتمتع به من حدس مرهف وفكر نيّر يؤهلانه إلى أن يصبح المشرّع والفيلسوف والأديب أوالشاعر وذلك بخياله الخصب وحسّه المميز، جاعلاً من نفسه الناطق الرسمي لمجتمعه.
ألم يساعد الحس الجمالي الفنان الفرنسي الكبير "واتو" في القرن الثامن عشر في فرنسا، على رسم الريف والأعياد والأفراح الشعبية بكل دقة وحيوية؟ حيث عبّر بكل حرية وأناقة وبشاشة عن الكون العاطفي الحالم والحزام الذي يلفه.
ألم تدفعنا رسوم "فراغونار" إلى اللجوء إلى الطبيعة والاندماج بها لتهبنا الصور الجذابة لمجتمعه وما يقابلها من القلق العميق والذي لا حدود له؟
إلا أن العمل الفني الناجح يمكن أيضاً أن يعبر عن ثورة الفنان الذي يصبح قاضياً ومراقباً لحقيقة يدينها.
فالهجاء يمكن أن يكون لديه أكثر قسوة أو أقل، والنقد البنّاء لعادات المجتمع يمكن أن تكون أهم دعائم الفن المنشود.
وهكذا بالنسبة إلى "دومييه" الرسام والنحات الفرنسي المشهور والذي اشتهر برسومه السياسية والاجتماعية الكاريكاتورية، وترك لنا العديد من اللوحات الشهيرة في هذا المضمار، والتي تدل على تناوله للأوجه العديدة للحياة الاجتماعية والسياسية في عصره آنذاك.
كذلك الحال في لوحات "غويا" والتي بعضها شواهد متواضعة للأحداث آنذاك، تقع في أعلى درجة من درجات الفن الشامل، وهي مع اللوحة المشهورة للفنان التشكيلي بيكاسو "غرينيكا" تعتبر من بين الصرخات المتألمة والساخطة التي أثارتها ويلات الحروب المرعبة.
وبالمقابل نجد لوحة "عائلة شارل الرابع" إنها صورة تثير الشفقة لأشخاص في غاية التعاسة.
يجب التوقف طويلاً والانتظار ملياً لكي نرى الأعمال الدرامية العظيمة، فهناك أكثر من قرن بالنسبة للأوبرا الحقائقية للفنان "أندريه شينيه" على سبيل المثال وهناك أكثر من قرن ونصف على موت الفنان العظيم "دانتون" وما تزال أعماله الضخمة إلى الآن تدل على عصره، وهناك الكثيرون ممن تركوا أعمالاً فنية لا يستهان بها.
ونلاحظ أحياناً فترات من التاريخ حيث أن الفن في حالة مرضية وأقل حظاً وكأنه غائب عن العالم، ويبدو أنه يتراجع شيئاً فشيئاً عن الحياة، ويتجاهلها ويعيش منعزلاً عنها من قبله ولأجله.
وهناك فترات في التاريخ تبدو فيها هموم الشكل الفني وزخرفته تطغى على حساب المضمون أو الجوهر.
ويعني ذلك نكران هذا الفن ذاته، ذاك لأن الفن للفن أمر مرفوض ولا يقبله المنطق، إنه يوجه الفنان نحو تأملات وأفكار غالباً ما تكون مشوشة ومحيرة وعقيمة.
وهناك فترات أخرى يظهر فيها الفنان وكأنه لا قيمة له، ساخر تماماً، يرفض الواقع والقيم السائدة وحتى الأساسية منها والقرن الحالي يشهد على ذلك.
ولكن كيف يمكن لهذه المجتمعات الحالية المحكوم عليها بالشكوك المستمرة والتصدعات المفاجئة والعنف والفوضى أن تكون قادرة على الوصول إلى فن مشروع متناغم ومتزن؟
هذه هي مهمة الفنان الذي يمتلك ما لا يستطيع أن يمتلكه أحد والذي يرى ما لا يراه غيره!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07


.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب




.. فيلم سينمائي عن قصة القرصان الجزائري حمزة بن دلاج


.. هدف عالمي من رضا سليم وجمهور الأهلي لا يتوقف عن الغناء وصمت




.. اختيار الناقدة علا الشافعى فى عضوية اللجنة العليا لمهرجان ال