الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيزنس الساحات الشعبية وإهدار الطاقات الشبابية

السيد شبل

2014 / 12 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


لا جدال أن الأمور الفاسدة في عمومها، يجب إصلاحها من حيث الجذور، وأن أي محاولة أو مساعي لتطييب وإصلاح الفروع لن يؤتي بثماره مادامت الأساسات خربة. تلك القاعدة تطال كل تفاصيل الحياة، ولا تنحصر في سبيل دون سبيل أو موطن دون موطن، وبما أن الكلام يتكاثر اليوم حول السبل التي تفضي إلي احتواء الشباب وتوظيف حدتهم وعنفوانهم في اتجاهات سلمية ونافعة؛ فإننا سنسعى لإنزال تلك القاعدة على هذا الأمر، لعلنا نصيب، فنصلح جانبًا من العلّة، إن كان هذا مُقدّر له أن يحدث.

إن الكلام عن حال الشباب المصري عقب ثورتي الخامس والعشرين من يناير، والثلاثين من يونيو – أو الهبتيّن الشعبيتين على وجه الدقة -، قد كثر وتشعب، فمن فرقة ترى أن الشباب في عمومهم غير مسئولين، وعامل هدم، يعطل كل مساعي التنمية والإصلاح بسبب عنفوانهم الثوري، وبين فرقة ترى حراكهم في تفاصيله وكليته أمر طبيعي بل ومطلوب ومبارك، وتغض الطرف عن أي سلبيات ترافق أو نتائج تترتب عن هذا الحراك، وبين فرقة ثالثة ترى الحراك أمر جيد على وجه العموم، لكن مذموم في بعض تفاصيله، بل وأن أغلب هذا العنفوان، والذي جاء في سياق ثوري، وضمن حالة سياسية عامة، هو ناتج عن انسداد منافذ تفريغ فائض الطاقة في الأطر السليمة، فما كان منه إلا أن تنفّس في الحقل السياسي أو – الفوضوي على وجه أصح – خلال الأربعة أعوام الماضية؛ وإن كان كلام الفرقة الأولى والثانية لا يخلو من وجه من الصحة، إلا أن وجهة نظر الفرقة الثالثة هي الأقرب للصواب.

ولن نكثر الحديث عن النتائج، سلبية كانت أو إيجابية، التي ترتبت على مشاركة الشباب في حالة المخاض التي مرّت بها البلاد خلال الأربع سنوات الماضية، فلهذا مجال آخر، ولكن سنحاول في السطور القليلة القادمة التركيز على واحد من الأسباب الثانوية التي دفعت عدد منهم إلي المشاركة في الحياة السياسية على الوجه المعلوم، والكيفية المرصودة في الفترة السابقة، وليس على الوجه العلمي الدقيق للممارسة السياسية، ووصف الأسباب بالثانوية ليس راجع لقلة أهميتها، وإنما لكونها عوامل مساعدة، أو محفّزة، لا يفقهها من يتناول الأمور بسطحية. والأسباب المعنية، هي ما أُشير إليه عند الحديث عن وجهة نظر الفرقة الثالثة، وهي المتعلقة بانسداد منافذ تفريغ الطاقة الشبابية.

والحديث عن انسداد تلك المنافذ، يتشعب بنا في اتجاهات عدة لو استرسلنا معها لجاوزنا الحد، لكنه يلتقي بنا، عند ما يناسب مقامنا الحديث عنه، وهو تراجع دور الساحات الشعبية والأندية الرياضية، وتعطّل أغلبها عن القيام بوظيفتها، وتقاعسها عن القيام بمهامها الرئيسية، وتحوّلها – خاصة الإقليمية منها – إلى كيانات "رأسمالية" مشوهة، تدر أموالُا، لا نعرف إن كانت تؤدي دورًا ما في دعم ميزاينة الدولة، أم أنها تضيع هباءًا في تفريعات وتخريجات حكومية بيروقراطية نمطية، والحالتان تتنافستان في أيتهما أفدح وأضل!.

إنّ وصف حال مراكز الشباب والساحات الشعبية اليوم، بالكارثة، لهو وصف مهذب في حق كيانات انتكست أحوالها إلي حد بعيد، حتى صارت عاملًا يذكر على استحياء عند ذكر عوامل التغيير والتأثير الاجتماعي، والأمر لا يحتاج أكثر من إعمال النظر عن بصيرة في حال أي مركز رياضي إقليمي، كان يقوم حتى منتصف التسعينيات تقريبًا بدور، ولو محدود، في تقديم خدمات رياضية في شتى أصناف الألعاب، قبل أن تتحول شتى ملاعبه وصالاته إلي ملاعب كرة قدم خماسية، تُؤجر بالساعة للهواة، وكل مساحة خالية فيه إلي كافتريا ومطعم وجبات سريعة!.

الأمر له من الشواهد ما يؤكد خطورته، حتى وإن اعتبر ثانوي في مجال دراسة أسباب تهور الشباب في الجامعات والمدارس، إلي الحد الذي جعلهم خطرًا على الاستقرار والسلم العام في البلاد - على حد وصف البعض -؛ ولا أدري إن كانت دراسات حديثة قد رصدت التحولات التي طالت الساحات الشعبية ومراكز الشباب في المحافظات والأقاليم خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولكن ما أعرفه على وجه اليقين - بحكم التجربة - أن أحد مراكز الشباب الرياضية الحكومية الإقليمية، والذي أتجاهل ذكر اسمه خشية أن يُحصر الاتهام فيه دون غيره، قد تحولت فيه ملاعب كرة السلة والتنس والكرة الطائرة إلي ملاعب لكرة القدم الخماسية يتم فتحها أمام الراغبين بعد سداد ما تم تحديده كثمن للإيجار، وفي الغالب يتراوح ما بين ستين جنيهًا إلي ثمانين، للساعة الواحدة، بالشكل الذي يحرم أغلب شباب الطبقة الوسطى فما دونها من لعب الكرة - حتى ولو على سبيل الترفيه -، فضلًا عن تراجع شتى الرياضات الأخرى في مقابل إفساح المجال لممارسة كرة القدم بأسلوب الهواة البعيد عن الاحترافية والالتزام الرياضي؛ حتى الصالة المغطاة التي كانت مخصصة لألعاب الجودو والكاراتية والكونغوفو، قد وضعت فيها العارضات وحُوّلت إلى ملعب كرة. أما عن حلبة الملاكمة فقد أزيلت من مكانها، لتحل محلها كافتيريا حديثة مجهزة بشاشة ضخمة، لعرض قنوات الأفلام والأغاني المتخصصة، أما مكان الكافتريا القديم والمسرح - ! - فقد تحولا إلي قاعتين للأفراح.. ولاحظ أننا لا نتحدث عن فساد موظفين لأن مؤجري ملاعب الكرة يحصلون على إيصال مختوم في مقابل ما يدفعونه، وباقي الأنشطة كـ"المقهى وقاعة الأفراح" مرخصة، ولكن نتحدث عن فساد سياسات ومناهج بالأساس، وهذا التنبيه ضرروي حتى لا نحيد عن المقصد.

أعرف أن عددًا ليس بالقليل ممن تقع أعمارهم بين أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات، قد بتعجبون عند سماعهم عن أنشطة رياضية أو عروض مسرحية كانت تقام في مراكز الشباب الإقليمية في التسعينات، ولهم تمام الحق في هذا، لأن خراب هذه المراكز قد جرى على مراحل. وإن كان أفدحها المرحلة الحالية، فإنه بدأ ولا شك منذ ثلاثة عقود تقريبًا، حين كان عدد ممارسي الأنشطة الرياضية والثقافية في تلك المراكز محدود، إلى الحد الذي يجعلنا نجزم بأن أبناء الأقاليم ما كانوا بالأساس على علم بوجود صالة مغطاة أو ملعب لكرة السلة أو مسرح في مركز شباب مدينتهم التي يقطنوها منذ طفولتهم.

أكثر ما يصيب بالإحباط في هذه القضية هو أن الكلام عن توظيف طاقة الشباب في نواحي إيجابية كثيرٌ عبر الفضائيات، غير أنه لا أحد يتفضل علينا فيشير إلي أي من تلك النواحي !. وحسبنا أن نشير في هذا السياق إلي أنه ليس أفضل من السبل الثقافية والرياضية، لاحتواء وتوظيف الطاقة الطبيعية للأفراد في سن المراهقة وما يعقب ذلك، لكن ما يضاعف من جرعة الإحباط في هذا الشأن أنه لا يُشهد أي تغيير في ممارسات الوزارات المعنية بالشباب والرياضة فيما يتعلق بأنشطة المراكز الإقليمية التابعة لها، خاصة إن أقررنا، كما يشهد بهذا الواقع، بوجود ملاعب وصالات ومسارح، يمكن استغلالها، وإنتاج مناخ جديد يستوعب المتغيرات الجديدة ويتفاعل معها، وينتج ثمار جيدة.

ما ذكرناه في السطور السابقة عن الدور المنوط بمراكز الشباب والساحات الشعبية، القيام به لانتشال الفئة العمرية المتوسطة من حالة الفراغ، وما أصاب هذا الدور من خلل، نطمح أن يُعتبر، كما قدمنا للمقال، من المساعي الإصلاحية التي تتناول بالعلاج أصل الأمراض المجتمعية الحالية، دون أن تتوقف عند أعراضها، وتطيل الحديث فيها وعنها بلا عائد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه