الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وقفة مع حديث الأسد لمجلة دير شبيغل الألمانية

سليمان يوسف يوسف

2005 / 9 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


...
وقفة مع حديث (الأسد) لمجلة (ديرشبيغل)
قبل ايام، أجرت مجلة (ديرشبيغل) الألمانية، مقابلة مع الرئيس (بشار الأسد) تمحورت حول الأوضاع الداخلية في سوريا، والموقف السوري من أخر الأحداث والتطورات السياسية التي استجدت على الملفات الساخنة في المنطقة، بدءاً من (الملف الفلسطيني)الذي شهد انسحاباً اسرائيلياً من قطاع غزة، و(الملف العراقي)الملتهب أمنياً وسياسياً، ثم (الملف اللبناني) الذي طرأت عليه مستجدات دراماتيكية تتعلق بمجريات التحقيق في قضية جريمة اغتيال رفيق الحريري، وقد أعلن بشار الأسد استعداد سوريا للتعاون مع لجنة التحقيق الدولية، ووصف الشائعات التي تتهم الاستخبارات السورية أو تتهمه هو شخصياً بالضلوع في هذه الجريمة، بانها(( مهزلة)).
فيما يخص الملفات الإقليمية، لم تحمل إجابات الرئيس بشار أي جديد، فقد أكد على المواقف والسياسة السورية السابقة تجاه قضايا المنطقة.لكن الجديد والأهم في كلام الرئيس برز في الملف الداخلي السوري،حيث تطرق في سياق حديثه،ولأول مرة،الى مسألتين هما على قدر كبير من الأهمية في هذه المرحلة المهمة التي تمر بها سوريا والمنطقة، المسألة الأولى تتعلق بـ (التركيبة الدينية والعرقية)التي يتصف بها المجتمع السوري وتشكل أصعب العقد والعقبات أمام طريق انجاز الكثير من القضايا المهمة في سوريا،كقضية الديمقراطية والحريات و تعزيز الوحدة الوطنية، أما المسالة الثانية (العلمانية)، تأتي أهميتها من كونها الحل المناسب والمخرج السليم لتجاوز وتفكيك عقدة (التركيبة الدينية والعرقية) المستعصية على الحل.
بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي الشمولي القائم في سوريا،والقمع الذي تمارسه السلطات السورية بحق معارضيها وبحق المجتمع السياسي المدني والأهلي المستقل، أعتقد ان الرئيس بشار الأسد كان أكثر وضوحاً وصراحة وجرأة من (المعارضة السورية)في موقفه من المسألة( العلمانية)، التي بدأت تطرحها بعض المجموعات والتيارات الليبرالية السورية الناشئة حديثاً،كمخرج لمشكلات الواقع السوري. فبشار الأسد عندما يقول: (( الأوضاع في سوريا تستقر عندما يصبح المجتمع علمانياً، وهذا يتطلب وقتاً..)) إنما يؤكد على أنه لا غنى عن (العلمانية) ولا بديل عنها من أجل استقرار الأوضاع بشكل نهائي في سوريا وحل عقدة الطائفية والمذهبية والعرقية المتأصلة والمتجذرة في المجتمع السوري، في حين نجد أن المعارضة السورية، وبأقصى اتجاهاتها اليسارية، ما زالت تتحفظ على طرح (العلمانية) وتتخوف من تبنيها، بما هي فصل الدين عن الدولة والسياسية، فهي(المعارضة السورية) لم تحسم موقفها من هذه المسالة بعد، إذ لم ترد كلمة (العلمانية)، في أحدث طروحاتها وبرامجها السياسية، بالرغم من أن العلمانية باتت مطلباً واقعياً وهدفاً ملحاً، تفرضه ضرورات الحداثة والعصرنة والتقدم، خصوصاً مع تنامي الايديولوجيا الدينية في مواجهة كل الايديولوجيات والتيارات الحديثة( الليبرالية والعلمانية والديمقراطية والاشتراكية والقومية).
أما بالنسبة لمسألة( التركيبة الدينية والعرقية)التي حدد الرئيس بشار الأسد موقفه منها بشكل حاسم محذراً من مخاطرها على أمن البلاد، بقوله:(( عندما نحاسب أحداً، فلا علاقة لهذه المحاسبة بشخصه،بل بمدى تاثير نشاطه على تركيبة الشعب الدينية والعرقية،هنا ممنوع المساس بسقف الاستقرار أو تعطيله..)).لا جدال على حجم المخاطر والمخاوف التي قد تشكلها المسألة (العرقية-القومية- والدينية) على الوحدة الوطنية واستقرار البلاد،وقد سببت في الثمانينات من القرن الماضي أحداث مأساوية ومؤلمة للسوريين زعزعت استقرارهم .لكن السؤال الذي يفرض نفسه في هذه القضية هو: هل تجاوزت سوريا، مخاطر النزعة، العرقية والدينية والطائفية، بتجاهل المشكلة وبالقفز فوقها وبجعلها من المناطق السياسية المحظورة والممنوع اختراقها أو الاقتراب منها طيلة المرحلة الماضية ؟ الحقيقة أن الوقائع على الأرض أثبتت عكس ذلك تماماً. فسوريا التي دشنت عهد الاستقلال بنظام وحكم برلماني ليبرالي نسبياً، وبدأت كدولة بنصف علمانية ونصف ديمقراطية ونصف اسلامية، لكن اليوم و بعد ستون عاماً مضت على الاستقلال، تبدو سوريا أكثر اسلامية وأكثر طائفية وعرقية وأكثر استبداداً من ذي قبل.
فهناك أكثر من مؤشر ومعطى يؤكد، على أن ثمة خلل ونقص كبير في العلاقة الوطنية بين مختلف شرائح ومكونات المجتمع السوري،هذا الخلل يعود في بعض اسبابه الى الموروث الثقافي والاجتماعي والقيمي التاريخي المتخلف للمجتمع السوري.لكن، من دون شك، أن استمرار هذا الخلل وضعف الاندماج الوطني وتقوية العصبيات وتعزيز الانتماءات البدائية في المجتمع السوري يرتبط بممارسات السلطة و بسياسات ونهج حزب البعث الحاكم وبطبيعة نظامه السياسي والثقافي والاجتماعي والتربوي القائم في سوريا منذ أكثر من اربعة عقود. لا أعتقد، أن تجاوز اشكالية ( التركيبة الدينية والعرقية)وتجنب مخاطرها، يتم من خلال التعاطي معها بالطرق والأساليب التقليدية القديمة أو من خلال الاجراءات الأمنية المشددة والتشكك بوطنية كل من يطرح هذه المشكلة ويتحدث عنها، والقاء تبعة الاضطرابات والأزمات التي تولدها على أطراف وجهات خارجية،وتجاهل عوامل وأسبابها الداخلية.فسوريا(مهد الحضارات) يتصف مجتمعها بالتنوع القومي والإثني والديني والمذهبي، وهذه حقيقة تاريخية وموضوعية، يجب الاعتراف بها وعدم التنكر لها، وترك الحرية لكل التكوينات والمجموعات والأقوام السورية من، عرب وآشوريين/سريان وأكراد وأرمن، مسلمين ومسيحيين وغيرهم، لتنفتح على بعضها و التعبير عن ذاتها بدون خوف، ولتطرح كل القضايا للنقاش في اطار حوار وطني ديمقراطي وتحت سقف الوطن وعلى أرضية الوحدة الوطنية.فهذا التنوع في المجتمع السوري يمكن أن يكون عامل قوة وغنى حضاري وثقافي لسوريا،إذا ما أحسنا جميعاً، سلطة ومعارضة ومجتمع سياسي مدني وأهلي، اغلبيات واقليات، التعاطي معه بايجابية، أما إذا أخطئنا وأسئنا اليه، من دون شك، سيتحول الى خطر حقيقي يقوض مجتمعنا و يهدد وحدتنا الوطنية.
إن الرئيس بشار الأسد كان محقاً وواقعياً في التعبير عن مخاوفه وقلقه، من اثارة المسألة الطائفية والعرقية والدينية، على أمن واستقرار سوريا، كذلك في طرحه العلمانية بديلاً، ومن دون شك تحققها يحتاج الى سلطة وقيادة تؤمن بها خياراً وطنياً والى وقت وجهود كبيرة تبذله على كل الأصعدة. إذ لا يمكن الوصول الى مجتمع ديمقراطي سليم آمن ومستقر ومزدهر وحياة مدنية صحيحة ، إلا في ظل مجتمع علماني، متحرر من عقدة الانتماءات الطائفية والدينية والعرقية والتخلص من كل العصبيات البدائية الأخرى ودولة محايدة عن كل القوميات والأديان والمذاهب.فلا خلاف مع الرئيس بشار الأسد، على أن (العلمانية) هي شاطئ وبر الأمان لسوريا، لكن الخلاف هو في طريقة وكيفية قيادة (السفينة السورية) الى هذا الشاطئ.
سليمان يوسف يوسف... كاتب سوري آشوري...مهتم بحقوق الأقليات.
عضو مكتب سياسي للمنظمة الآثورية الديمقراطية
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة.. مقترح الهدنة


.. إسرائيل وحزب الله.. سيناريو الحرب الشاملة| #التاسعة




.. الأردن يحذّر من تدهور أمني في الضفة الغربية مع استمرار الانت


.. اتفاق وقف إطلاق النار عالق بين شروط إسرائيل وحماس| #غرفة_الأ




.. واشنطن: دولة الإمارات شريك مهم في دعم الشعب الأفغاني