الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقائق ومذكرات أنصارية

يوسف شيت

2005 / 9 / 4
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


25/8 – 10/10 1988 تمّر هذه ألأيام الذكرى السابعة عشر للهجوم الغادر لقوات نظام البعث المنهار علي كردستان ليضيف فصلا آخر من قتل وتشريد اللآلاف وتدمير قراهم . قبل أن أبدأ بتذكير الحدث أرى من المهم ذكر بعض الحقائق عن حركه أنصار الحزب الشيوعي العراقي ،هذه الحركه التي كانت صرحا أساسيا للكفاح المسلح في كردستان واستمراره (1979-1991)،رغم أن بعض الاحزاب في وقت ما حاورت النظام المقبور للحصول علئ بعض المكاسب السياسية ،هذا الحوار الذي كان عربونه إراقة دماء بيشمه ركه الحزب الشيوعي العراقي والاحزاب الكرديه كما زعزع ،اولا وقبل كل شئ، ثقة أوساط واسعة من الشعب الكردي في الحركة. فانحسر توافد الشباب للتطوع فيها. مع العلم أن نتيجة هذا الحوار كانت معروفه مسبقا،حيث خذل النظام محاوريه كالعادة بعدأن استطاع التغلغل عن طريق هذا الحوار لإقناع قسم من روْساء العشائر الكردية لتجند هذه أعدادا كبيرة من شباب الكرد, (كان الشعب العراقي يطلق عليهم إسم "الجحوش) وحولهم الى ما سمي بالافواج الخفيفه مهمتها التصدي لقوات البيشمه ركه مع العلم أن اعدادا كبيرة من هوْلاء الشباب كانت تتعاطف مع مختلف فصائل البيشمه ركه.وأدت عملية الحوار هذه الي إنتعاش سياسي للنظام,وبشكل خاص انتعاش عسكري في كردستان . لكن الكفاح المسّلح رغم تلك الظروف البالغة الصعوبة وانحساره بعد انفال 1988 أستمّر حتى تحرير كردستان من فلول النظام الفاشي عام 1991:

- بدأت حركه الانصار فعلياً في مطلع عام 1979في مناطق أربيل والسليمانيه(منطقه سوران) ثم امتدت الي عماديه ودهوك وزاخو وعقره (منطقه بهدنان) وسهل الموصل. في هذا العام بالذات دخل ما يقارب المليون عراقي أقبية أمن ومخابرات النظام الفاشي المقبورمن رجال ونساء من مختلف القوميات والطوائف بتهمة الإنتماء أو مناصرة الحزب الشيوعي العراقي, واختفى الكثير منهم حتي يومنا هذا وعثر علي رفاة قسم آخر في المقابر الجماعية التي اكتشفت وتكتشف بعد زوال النظام وبقي الكثير منهم جنودا مجهولين,كما لحركة الأنصار جنودها المجهولين, وتشير الأحصائيات الموثقه الي استشهاد أكثرمن 1100 نصير , وقدأعيد دفن رفاة اكثرهم في مقابر شّيدت لهم في مختلف انحاء كردستان, وفاء لهم من حزب فهد وسلام وجمال,ووثيقه أخرى لمن يحاول التغاضي عن شهداء الحزب , وخاصة الذين تأسست احزابهم خارج العراق ,فالشمس لا تحجب بغربال. - كان الأنصار الشيوعيين يمثلون فسيفساء المجتمع العراقي: عرب وأكراد,كلدان وآشوريون, تركمان وأكرادفيليون وأرمن , مسلمون سّنة وشيعة, مسيحيون وصابئة و يزيديون .عمال و فلاحون ,طلاب من مختلف المراحل الدراسيه, عسكريون جنود وظبّاط من مختلف المراتب , أدباء و شعراء وفنّانون ورياضيون وحملة الشهادات الجامعية والعالية. إنهم عكسوا بحق الرابطة التأريخيه للتآخي العراقي . لقد كانت تربطهم أفكار وأهداف واحده :إسقاط النظام الدكتاتوري وأقامه نظام ديمقراطي عادل ينهي آثار الدكتاتورية وينبذ كل أشكال الطائفية والتعصب القومي ومصادرة الحريات . - كان الأنصار يخوضون عمليات عسكريه نوعيه, كما كانوا ينسقّون للقيام بعمليات أخري مع بيشمه ركه ألأحزاب الكرديه وخاصه مع بيشمه ركه الحزب الديمقراطي الكردستاني . وكانت هذه العمليات تدخل الرعب في صفوف قوات النظام ومفارز استخباراته وأزلامه . وبهذه الجرأة والشجاعه إستطاع الأنصار الشيوعيون كسب ودّ الجماهير الكرديه, فأنخرط الكثير من الشباب في حركه الأنصار ليتعزز دورها أكثر وأكثر , رغم أن الحزب كان مغيبا قسرا في بعض مناطق كردستان . - رغم المعارك البطولية التي خاضها الأنصار ضد مختلف التشكيلات العسكرية للسلطة وأزلامها إعترت الحركة أخطاء أغلبها تتعلق بالإمكانيات الذاتيه وخاصه القياديه , مما أعاق إمكانيات تطور حركه الأنصار لاحقا. وكان الحزب يهدف الى تعريق الكفاح المسلح وإعادة بناء تنظيماته في كافة مدن العراق وقراه,إلا أن تلك الأخطاء بالأظافه إلي الظروف الموضوعية لم ينفذ سوي الجزء اليسير من ذلك الهدف . -إستطاعت السلطه الفاشيه في التعتيم علي الكفاح المسلح بإعلامها الغوبلزي"كذب ثم كذب ثم كذب حتي يصدقك العالم" فكانت تغتصب أموال الشعب الجائع لتشتري بها الضمائر وتحتكر فرقا إعلامية ومحطات إذاعة وتلفزة وصحفا ومجلات مجهزة بأحدث تكنولوجيا. وكشفت ألأحداث بعد سقوط النظام ألأخطبوط ألإعلامي داخل العراق وخارجه,مقابل إعلام بسيط ومتواضع للحزب الشيوعي. وكان للنظام علاقات جيدة مع دول الشرق والغرب والتي لم ترى في النظام سوى مصالحها ألأنانيه وأخذت تظرف دموع التماسيح على الشعب العراقي بعد أن فرضت عليه حصارا مميتا. وأسهم هذا في إضعاف دور حزبنا في العراق بشكل عام وأعاق تطور نضاله حيث كانت حركة التظامن معه ضعيفة رغم تعرضه الي حملة إباده غير مسبوقه والتي بدأت معالمها منذ مطلع عام 1978, بعكس حركه التضامن العالميه معه عندما تعرض الحزب الي حملة إبادة علي يد نفس البعث الفاشي في إنقلاب شباط ألأسود عام 1963, والذي لم يدم تسلطه سوي تسعه أشهر. - إستخدمت السلطه كل أنواع ألأسلحة المحرمة دوليا ضد تشكيلات قوّات البيشمه ركه بما فيها السلاح الكيمياوي.ففي أيار 1987 ولأول مرة قام سرب من طائرات النظام بقصف مقر قاطع بهدنان في زيوه علي نهر الزاب بالأسلحة الكيمياوية حيث استشهد الرفيق أبو فوءاد الذي كان لتوه عائدا من علاج إثر تسمّمه بالثاليوم علي يد عملاء مخابرات النظام والرفيق أبورزكار (مهندس نفط) وإصابه أكثر من 120 نصيرا, ولم يتحرك حينها الضمير العالمي وكان وقتها نظر وسمع ألأمم المتحده في إجازة,في الوقت الذي كانت دول الخليج تغدق علي النظام بملياراتها ليقوم يتيم الفاشيه بتوزيعها يمينا وشمالا لإخماد الضمائر ويتهيأ للأنفال القادمه التي بدأت في اذار 1988 وذهب ضحيتها 182 ألف مواطن كردي. وفي 16 اذار قام بجريمته النكراء بقصف مدينه حلبجه بالسلاح الكيمياوي التي إستشهد فيها خلال دقائق معدودات أكثرمن 5000 مواطن بريء جلهم من أطفال ونساء ومسنّين , وعندها كان رأس النظام مشغولا ب"حماية البوابة الشرقية للأمة العربية" . - إن حركه ألأنصارأصبحت جزءا مهما من تاريخ نضال الحزب الشيوعي العراقي ضد ألأنظمه العميله والطاغيه والفاسده من أجل الديمقراطيه والسلام وإقرار حقوق الطبقات الكادحه . لذا يتوجب توثيق هذا التاريخ الحافل بالبطولات والتضحيات الجسام ليتسني لجماهير شعبنا التعرف علي أحد جوانب نضال الشيوعيين العراقيين لتقارن وبشكل موضوعي بين مختلف آراء وأفكار وتاريخ التيارات والحركات السياسيه وعقلانيه برامجها وخاصه نحن نخوض معركه الديمقراطيه في ظروف بالغه التعقيد, يسودها الأرهاب وألإحتلال . إذا, لنستغل أجواء الديمقراطيه هذه لطرح الحقيقه أمام جماهيرنا التي غيبت عنها لفتره أكثر من أربعه عقود لتتمكن بملإ إرادتها إختيار من سيمثلها ويدافع عن مصالحها المستباحه . يتبع 2/3 الحدث الذي أريد تذكيره هو الأيّام ألأخيرة من تواجد أنصار الفوج ألأول للحزب الشيوعي وعوائل بعضهم في كلي مراني في منطقه بهدنان . بعد أن سري وقف اطلاق النار بين العراق وإيران في آب 1988 أصبح من المعروف أن النظام العراقي سيوجه معظم فيالقه وآليته الحربيه للقضاء علي الحركه المسلحه في كردستان . ولكن كان من المعروف أيضا أن الحركه لم تكن حينها بذاك ألأستعداد لمواجهه تلك الماكنه الحربيه بسسب ظروف غالبيتها ذاتيه متعلقه في قيادات قوات البيشمه ركه,وفي مقدمتهاغياب الجبهه العريضه,التي كنّا ننشدها سواء علي الساحه الكردستانيه أم الساحه العراقيه. دارت معارك طاحنه بين البيشمه ركه وقوات النظام في من منطقه السوران ولمده 42 يوما تكبد النظام خلالها خسائر كبيره حتي تمكنت فصائل البيشمه ركه من ألأنسحاب الي ألأراضي ألأيرانيه والتركيه والقسم ألأخر تم توزيعه في منطقه سوران ودولي كوغه.

أما في بهدنان , لم يحصل أي تبادل لآطلاق النار , وتهيأنا للأنسحاب ولكن كان لا بد من إيجاد أأمن طريقه لأنسحاب عوائل ألأنصار الذين طردهم النظام من مدنهم وقراهم و بيوتهم وأستولي علي ممتلكاتهم , وبعد التداول في لجنه محلية نينوى ودهوك يوم 25 آب تقرر إرسالهم الي الفوج الثالث , واستعدّ رفاق الفوج لأستقبالهم وسحبهم الي الأراضي التركيه ثم الي سوريا في حاله توفر الظروف ألأمنيه لذلك .

تمّ إختيار مجموعة من الرفاق لمرافقة العوائل الى أنصارنا في الفوج الثالث في كلي هصبه- جبل متين . كانت مهمة هولأء الرفاق حساسة وذات مسوولية كبيرة لأن عدد أفراد العوائل قارب آل 200 معظمهم من النساء وألأطفال . توجه موكب العوائل عصر يوم 25 آب نحو طريق عماديه- سرسنك بإتجاه الفوج الثالث , وإنتظرنا بفارغ الصبر, برقيه وصولهم بسلام الي الفوج . كان الليل هادئا عندما استيقظنا علي صوت النساء وبكاء ألأطفال, لقد رجعت العوائل برفقة ألأنصار دون استطاعتها قطع الطريق الموصل بين عماديه وسرسنك , حيث سيطرت عليه آليات النظام الثقيله(دبابات ومدفعيه ومدرعات) , لقد تأخرنا . وكان بيشمه ركه الحزب الديمقراطي قد انسحبوا وبدون أن يبلغوننا بذلك . أمّاالمحاوله الثانيه كانت يوم 26 آب بعد أن أخذت العوائل قسطا يسيرا من الراحه لتتوجه الي قاطع أربيل في كافيه ومن هناك يرافقهم أنصار قاطع أربيل متوجهين عبر الزاب إلي... . سألت الرفيق سكرتير المحليه لماذا لانذهب سوية مع العوائل فردّ بأنّ العوائل تسير ببطئ ونحن سننطلق صباح غد بعد الفطور لعبور الزاب . يا لها من نزهه ! كنّا نتوقع أن الهجوم سيقع لا محاله لأنّ بهدنان ليست مستثناة من هجوم السلطة والأنتقام من البيشمه ركه وخاصة من أنصار الحزب الشيوعي . وكانت السلطة البعثية البائدة حاولت إقتحام مقر الفوج ألأول ومقر بيشمه ركه الحزب الديمقراطي الطردستاني في شتاء 1986-1987, فرغم الحشد الهائل من الجيش والجحوش وألأسلحه الثقيله والطيران ردّ المقاتلون الأبطال هذا الهجوم بعد أن كبدوهم خسائر كبيرة, بينما لحق بموكب الشهداء أحد بيشمه ركه الحزب الديمقراطي . أمّا العوائل تمّ إجلائها الي قاطع أربيل حالما ورود أنباء عن هذا الهجوم الغادر . لماذا تأخرناالآن !! كانت ليله 2627 آب هادئه والحراسه تسير كأي يوم عادي , ولكن لا أعتقد أن أحدا يستطيع أن ينام في مثل هذا الوضع الذي أخذ يتعقد ساعه بعد ساعه . في حوالي الساعة الثانية ليلا شقّ الهدوء صوت قذيفة مدفعية قريبة من مقر الفوج . أسرعت بأتجاه نقطة الحراسه ثم قدم الرفاق أبو سالار وأبو أمجد وتوفيق وأبو سربست وأبو عمشه تم الأتصال بالربيئه وأكدوا بأن القصف بإتجاه المقر . هكذا تجمعنا وزودنا بالأكل وتمّ تكليف أحد الرفاق ليقود المجموعه التي قارب عددها المائه نصير ولكن الرفيق المكلف إعتذر عن ذلك , إلا إننا بدأنا المسيره بإتجاه قاطع أربيل . بدأنا السير مرورا بقريه آطوش التي كانت تدخل الفرحه في قلوبنا عندما كنّا نقصدها, حيث صيحات ألأطفال وأصوات الكبار وبساتينها وأزهارها الجميله ودعوات العوائل لنا للجلوس لتناول الشاي وتناول أطراف الحديث,عمّا يجري في بلدنا المثقل بكابوس البعث . أما في هذه المرة كانت القريه حزينه وكأنها تعاتب أهلها الذين غادروها مجبرين, ولكن الي أين! لم نري أحدا وراؤنا,كنّا آخر من غادرالمنطقه. بعد أن تخطينا القريه بقليل شاهدنا بعض المجاميع من الناس وكلما سرنا للأمام بإتجاه كافيه تزداد الجموع وإن قسما منهم لايريد السير بسبب التعب أو المرض وحمل الأطفال الرضع والأكل والشرب الذي يقويهم علي البقاء,والقسم الأخر لايعرف أي اتجاه سيسلك للخلاص من البطش الذي ينتظره . وبعد قليل جائنا الخبر الأكيد من أنصارنا بأن الجيش احتلّ مقر قاطع أربيل في كافيه وعوائل الأنصار متجهة نحونا. هكذا أخذت الناس تتقاطر حولنا حيث سُدّت كل طرق الهروب أمامهم وأصبحت سلسلة جبل غاره مطوّقة من كل الجهاد وليس من الغريب أنّ معنويات الناس هبطت. كان المنظر مأساويا, فصراخ الأطفال والنساء يتعالي كلما تُسمع إطلاقات نار من قبل قوات النظام والقسم الاخر يلقي اللوم علي قيادات البيشمه ركه والقسم الاخر يتساءل لماذا وصلنا الي الحالة هذه, وما هو المخرج من هذا المأزق .وساهم رفاقنا الأنصار في تهدئه الناس والتريث لحين التوصل الي حلول قد توءدي الي الخروج من المأزق . قررت لجنة محلية دهوك ونينوى لحزبنا التوجه الي أخاديد جبل غاره للأحتماء بها ولأخذ قسطا من الراحه ثمّ تداول الوضع وسط هذا الحشد الهائل من النّاس الذين قدّر عددهم بما لايقل عن 40000(أربعين الفا) أي ما يقارب 6-7 آلاف عائلة,ربما لم تكن أوضاعهم أفضل من أوضاع الفلسطينيين في أعوام الهجرة . فكيف كان وضعهم . ألأطفال كانوا أكثر المتواجدين وأعمارهم متفاوتة من رضيع جديد الولادة فصاعدا,وكانوا يملأون المكان بلعبهم وأصواتهم المتعالية وبرائتهم غير آبهين بما يحدث, ثمّ النساء ثمّ الشيوخ . كان الرجال يتسللون الي قراهم لجلب ما يتوفر من أكل وفراش خفيف لحماية أطفالهم ونسائهم وكبار السن من قرصة برد الليل,وجلبوا حيواناتهم (الدجاج والأغنام) للأستفادة من لحومها لأنهم يعرفون لارجعة الي ديارهم وكانت هناك حالات ٌمرضية وكان طبيب الفوج الأول الرفيق د.جنانن يقوم بواجبه خير قيام تساعده بذلك بعض الرفيقات النصيرات .أمّا الشباب كان معظمهم يحمل سلاحا خفيفا, وقدأعطيت الأوامر بعدم إطلاق النار وعدم إثارة اية أعمال ملفتة للنطر لتلافي الصدام مع قوات النظام وتعريض هذ الجمع الكبير الي خطر الأبادة, وكان الألتزام والهدوء هما المهيمنان. بعد تداولات مكثفة قررت محلية دهوك ونينوي توزيع الأنصار الي مجموعات وكل مجموعة تأخذ علي عاتقها أيجاد طريق الي خارج الحدود وإبلاغ المجموعات الأخري بذلك . توجهت أول مجموعة متكونة من 14 نصيرا الي منطقة دشت دوسكي بمسوولية أبو سلوان والدليل راوند من أهل المنطقه علي أن تتوجه إلي سوريا عبر ألأراضي التركية. المجموعة الثانية تتكون من 12 نصيرا من مدينة العقرة باستثناء ر.هوبي وأنا, على أن نتوجه الي منطقة السوران عبر نهر الزاب,وبمسوولية ر.كاروان عقراوي(حاليا مدير عام فضائية كوردسات) ور.الشهيد هاوار الخيّاط. أما المجموعة الكبيرة التي بقي فيها أغلبية رفاق المحلية كانوا يناقشون كيفية أيجاد طريق لأخراج العوائل عبر الحدود وبعدها يتوجه الباقون الي منطقة سهل الموصل ثم الي سوريا عبر منطقة سنجار.هكذا رُسمت الصوره وبدأنا بتنفيذها ولكن بدون علم سابق حول مخاطر الطريق فالعملية هي إستطلاع وتنفيذ في آن واحد .

مع غروب الشمس توجهت مجموعتنا نحو الزاب الكبير عبر قرية باني ,ولكن قبل وصولنا القرية فاجأنا ر.كاروان بأنه سيتوجه الي مدينة العقره حسب الإتفاق مع الرفيق سالار سكرتير المحلية وسلمّ المسوولية الي الرفيق هاوار وكان ر. هاوار مريضا وبطيئ الحركة . تمّ استطلاع القرية قبل دخولها,وظهر أنّ أهالي القرية قد غادروها للتوّ لأن الجمر في بعض المواقد وبقايا الشاي الحار تشهد علي ذلك ويظهر أنّ وجهتهم كانت بإتجاه الزاب أي الطريق الوحيد للوصول الي الحدود التركية. حصلنا من القرية المهجوره علي عدد من القرع الأصفر الفارغ ذي الحجم الكبير الذي يساعد علي الطوف علي الماء في حالة عبورنا الزاب. توجهنا الي قمة الجبل المطلّ علي القرية . بعد قسط من النوم والراحة واصلنا الطريق في اليوم التالي بإتجاه الزاب وقبل غروب الشمس أرسل ر. هاوار كلّ من الرفيقين كمال(مهندس مدني من مدينة النجف الأشرف)و رزكار(معاون طبيب من مدينة العقرة)لإستطلاع الطريق. أخذنا ننزل ونصعد الوديان بدون أن نعرف وجهتنا الصحيحة ,وعندما نسأل ر.هاوار أين وجهتنا وأين إتجه الرفيقين ,كان يرد بتشنّج وبدون أن نفهم منه شيئا,ولكن لايمكن أن يلام ونحن في هذه الحالة حيث الأنصار أصبحوا منهكين بدون أكل ولا شرب .أصبح همّنا الوحيد أن نجد كمال ورزكار ولكن بدون جدوي .وبعد ضياع ثلاثة أيّام رجعنا من حيث أتينا.( بعد فترة علمنا بأنّ الرفيقين كمال ورزكار وقعا في كمين للجيش وسلّما لمخابرات النظام بعد أن فشل بعض الجنود الأوفياء لشعبهم من تحريرهم واستشهد البطلين بعد التعذيب ولم يتّم العثور علي قبرهم لحد الآن ).

في الطريق قبل لقائنا مرّة أخرى بأنصار الفوج الأول سمعنا ببيان العفو الذي أصدره رأس النظام المقبور لمن كان يسمّيهم بالعصاة ,ولم نرى في الطريق أيّ أثر لذلك الجمع الكبير من الناس حيث كانوا قد إستسلموا لقوات النظام وأرسلوا الي معسكرات إعتقال في أربيل وكركوك,واستغربت عندما سمعت بأن الضوء الأخضر أعطي لعوائل أنصارنا بالإستسلام,وعندما سألت الرفيق أبو س.قال بأن نقاشا طويلا جري في لجنة المحلية حول الأوضاع ووضع العوائل بشكل خاص ولم نجد أفضل طريق سوي أن يسلّموا أنفسهم وقد يسجنون لسنه أوسنتين أفضل من المصير المجهول. فقلت له ُ" لقد سلمتم الخروف للذئب",فردّ : لو كنت نفسك هنا لوافقت علي ذلك . وعندما سألت الرفيق أبو عمشه عن ذلك فأجاب بعصبيه :كنت الوحيد الذي لم يوافق ولكن لاأستطيع فعل شئ الكل كانوا مع هذا الرائ .

قبل أن تغادر المجموعه الي سهل الموصل ومعها كافة رفاق المحلية قال لي الرفيق أبو سالار:ستغادر مجموعة أبو عمشه ( أنصار من شباب مدينة العمادية) مع أبو زياد بإتجاه الحدود التركية وتمّ الأتفاق مع الرفيق أبو زياد ليكون دليلا لمجموعتك بعد رجوعه بعد حوالي أسبوع ونحن سنغادر اليوم قبل الغروب . هكذا أخذ أحدنا يودّع الأخر,وبقيت في المنطقة مجموعتنا المتكونة من 35 نصيرا ,وكان بين فترة وأخري يأتي رفاق من سهل الموصل وكان أول خبر سمعناه هو استشهاد الفنان الكبير أبو آيار- فوءاد يلدا(خريج ايطاليا) وكان قد أودع لديّ مجموعة من عدة النحت على الخشب والجبس لأحتفظ بها على أن يغادر الوطن قبل الأنفال للعلاج حيث كان مصابا بطلق ناري في رجله أثناء إحدى المعارك لكن الوقت لم يمهله ليسقط شهيدا أثناء الأنسحاب وأودعت الأمانة في حقيبه مع هديه من أم ناتاشا(محبس) كانت قد أهدتها لي بمناسبة مرور ثلاثة أعوام علي زواجنا وكانت ناتاليا حينها قد دخلت ربيعها الثاني, وراديو مسجل كنّا نسجل بعض ا لمواد من طريق الشعب علي أشرطة الكاسيت وكان الشهيد الرفيق عامل(عضو لجنة محلية دهوك ونينوى) يرسلها الي رفاق الداخل, ولا زلت أتذكر المكان الذي أودعتها فيه . والخبر الآخر هو كشف أحد المنتظمين في الخطوط التنظيمية يعمل لحساب مخابرات النظام واعترف بكلّ ما قام به من تخريب وجرائم ضدّ رفاقنا . يتبع

3 /3
كنّا ننتظر بفارغ الصبر خبر مغادرة الرفاق من منطقة الموصل ووصولهم الي الحدود السورية, حتي جائنا خبر مغادرتهم الي منطقة سنجار . أما عن عوائل الأنصار, والبالغ عددهم 195 فردا ومعظمهم أطفال دون الخامسة عشرة, لم نسمع أيّ خبر عنهم, وأصبح في حكم المؤكّد تصفيتهم من قبل جلاوزة النظام الفاشي المقبور . لقد مرّ أكثر من أسبوع ولم يأتي أحدا كدليل للطريق وأصبحنا منقطعين تماما عن كلّ العالم حتي إننا لم نستطع أستخدام جهاز اللاّسلكي كي لايكون السبب في كشف موقعنا من قبل قوّات النظام لذا ارتأينا الي دفنه مع البطّاريات في أحدي مغارات جبل غارا بعد إتلاف الشفرة. ولصيانة المجموعة وأمكانية استمرارها تمّ تقسيمها الي ثلاث فصائل ولكل فصيل مكان محصّن يستطيع الدفاع عن نفسه في حالة وقوع هجوم ليقوم الفصيلين الآخرين بنجدته إلاّ في حالة استخدام السلاح الكيمياوي لإبادتنا,كانت الحراسات متواصلة ليل نهار, باللإضافة الي ذلك كنت والرفيق مخلص(الصغير)نجوب المنطقة كلّ يوم ومنذ الفجر لآستطلاعها والتأكد من عدم وجود قطعات عسكرية قريبة أوأيّ تحرك بإتجاهنا, وكنّا نشاهد بواسطة النواظير ونسمع أصوات تفجير المباني في القرى وسدّ عيون المياه في المناطق التي يعتبرها النظام غير امنة له . لقد استطعنا أن نوفّر كميّات جيّدة من الطحين والرز والحليب المجفف والسكّر والشاي وخاصة من مخازن الفوج الأول التي كنّا نتسلل أليها بين الحين والآخر ولم نقلق من هذه الناحية . بعد مرور اسبوعين طرح الرفيق سالم فكرة التوجّه مع مجموعة صغيره الي سهل الموصل ثم ّبإتجاه الحدود السورية,فقلت له إذا كنتم متأكدين من سلامة الطريق هوأفضل لكم .هكذا تقلّصت مجموعتنا الي26 نصيرا . ولكن بعد يومين جاء الرفيق ملازم كرم وقال لي بأنّ الرفيق أبو سلوان رجع بعد أن فشلت المجموعة في اجتياز سهل دوسكي . توجهت اليهم بصحبة بعض الرفاق الي عين الماء التي يستريحون عندها . كانت المجموعة متعبه جدا ليس فقط بسبب المسيره الطويلة وهموم الطريق ولكن بسبب المشاكل داخل المجموعة حيث كنت قد اطلعت علي رسالة من أبو سلوان كان قد أرسلها الي أبو سالار يتحدث عن مشاكل المجموعة بنفسه . وهكذا أصبحت مجموعتنا تتكوّن من 34 نصيرا, ولا زلنا ننتظر أبو زياد بعد مرور حوالي أربعة قابل الرفيق أبو فيلمير أحد الرجال مع عائلته وطرح عليه الرجل بأن يكون هو دليلنا ونحن حماية لهم ,كانت الفكرة جيدة ولكن في اليوم التالي عندما ذهبنا الي الموعد لم نجد أحدا منهم . رغم الوضع الصعب الذي كنّا فيه وفقدان الأمل بوجود من يرشدنا الي الحدودالتركية كان الرفاق متماسكين ولم تكن هناك أية حالة تهوّر أو تطاير ولكن الجوّ المرح المتعارف عليه كان أهدأ لأنّ كلّ واحد منّا كان يفكر بعائلته وأهله وأحبّائه, أين هم الآن هل سيلتقي معهم مرة أخري أم أنّ اخر لقاء كان عندما حدّثهم عن أهميةإسقاط النظام وإقامة نظام ديمقراطي عادل علي أرض الرافدين التي استباحها غير أهلها لقرون عديدة ودنّستها أنظمة لاتستحّق حتي مزبلة التأريخ بإستثناء النظام الجمهوري الذي أتت به ثورة تمّوز الوطنية والذي لم يدم غير5 سنوات . كنّا جميعا نفكّر بتقديم أفضل ما يمكن لكل في مجاله العامل والفلاّح والشاعر والأديب والفنّان والعسكري والأكاديمي ,أمّا الآن كان لدينا شئ آخر هو الخروح من هذا الوضع قبل أن يحدث مالا يحمد عقباه خارج حدود إرادتنا . كانت هناك حادثة واحدة ولم تكن سهلة ونحن نتحاشي أي ظهور لنا في المنطقة,حيث سمعنا صوت طيران قريب ثمّ رمي مكثف بإتجاه فصيل ر. أبو عشتار فاسرعنا بإتجاه الفصيل,وتوقف إطلاق النار فجأة, وعندما استفسرنا حول الموضوع ظهر بأنّ بعض الرفاق وضعوا البطانيات علي الأشجار وكانت مرئية من قبل الطيران . أبدلنا مكان الفصيل حالا وأصبح أقرب الي المواقع الأخري تفاديا لأيّ خطأ .

بعد أن فقدنا الأمل بقدوم أيّ دليل أصبح أمامنا أمرين إمّا البقاء وتهيئة مواقع وأماكن نوم محصنّه والبقاء لفترة أخري أو التوجّه نحو الحدود التركية . فدعوت الي لقاء مسوولي الفصائل وبحضور أبو فيلمير وأبوبسّام وأبوسلوان,فكان الإجماع علي التوجه نحو الحدود التركية . تمّ تشخيص مجموعه من أربعة رفاق مهمتهم استطلاع الطريق نهارا والسير ليلا علي أن يبدأ السير غدا يوم 1/10 مساء حيث تقوم مجموعة الإستطلاع بالتوجه الي قمة غاره المطلّة علي قرية غاره قبل الغروب وتلتحق بها المجموعة في الساعة السابعة . وفي اليوم التالي تغير مزاج الرفاق نحو الأحسن وبدأ علي وجوههم التصميم في التغلب علي هذه المحنة الوقتية,وبعد الظهر بدأنا بتهيأة الخبز علي أن يحمل كل نصير ما لا يقلّ عن 25 رغيفا مع سكر وحليب مجفف, لكن الرفيق شه مال أصرّ علي أن تحوي العجينة سكرا وحليبا .وهكذا حصلنا علي خبز درجة اولي . في صباح نفس اليوم جائني الرفيق المرحوم أبو سناء طارحا فكرة إستلام سلاح الرفاق الذين لا يقوون علي حمله أثناء المسيرة . كانت الفكره جيد وكلّف مخلص بإستلام السلاح من الرفاق الذين يرغبون تسليمه ووضعناه في برميل كبير للطحين وكان عدده 17 قطعة كلاشنكوف وحوالي 50 مخزن عتاد وتمّ إخفاء البرميل في إحدي ثنايا غارا, وأبلغنا الرفاق بالتجمع الساعة السادسة مساء للأنطلاق بعد أن حددنا كل قواعد الإنضباط أثناء المسيرة وتحديد من هو في المقدمة ومن في الموءخرة(قفل) .

غادرت مجموعة الأستطلاع في حوالي الخمسة مساء, وبعد حوالينصف ساعة سمعنا إطلاق نار كثيفة وقريبة من موقعنا . فبادرت مع مجموعة من الأنصار الي النزول بإتجاه الصوت وفكرت ربما وقعت المجموعة في كمين لأنّ الوضع مرشح لكل الإحتمالات,لكن الرفاق أبو فيلمير وعبد أكدوا بأن إطلاق النار كان من مقر الفوج الأول . ولم تمض سوي دقائق سمعنا صوتا بعيدا وأحد رفاق المجموعة يركض بإتجاهنا ويلوّح بيده . قلت للرفاق لنتهيأ إنّ شيئا ما قد حدث,وعندما بادرنا في النزول أصبح الرفيق أقرب وكان الملازم كرم, وهو ومخلص كانا الأكثر حركة في المجموعة,

وقلت له : احجي يا رفيق شكو شصار, قال كلشي زين أبو زياد ومنار ينتظروك يمّ العين . هكذا تنفسنا الصعداء,وذهبنا للقائهم . رغم طول الطريق وخطورته كانا نشطين وتحدثا عن أسباب التأخير التي لم تكن بإرادتهم,وقلت لهم بأنّ الحظ حالفنا وحالفكم لأننا حددنا بالذات هذا اليوم . بادر أبو زياد الي ضرورة تأجيل الإنطلاق الي يوم غد بسبب التعب فقلت هذا أكيد وعلينا أن نسمع منكما حالة الطريق وكم يستغرق وما هو ضروري للطريق . في صباح اليوم التالي إجتمعنا وتحث أبو زياد عن كون الطريق أكثر أمانا لأنّ تجمعات الجيش تقلّصت وابتعدت عن بعض الطرق(ويعزي هذا الي تفكيرهم بأنّ المنطقة أصبحت خالية من"العصاة والمخربين"),ومن الضروري أن يحمل كلّ رفيق ما لا يقلّ عن زمزميتين من الماء و20 رغيفا من الخبز والسير بهدوء هو سيّد الموقف . واتفقنا على أن تبقي المسووليات كما هيوأن يكون الدليل هو المسوول الأوّل مع مساعدين وهما منار و م. كرم . إعترض أبو س. وقال أين دور الحزب؟ ورفاق المحلية لا مسوولية لهم . قلت له :أيها الرفيق نحن في وضع استثنائي نريد أيصال الرفاق بأمان الي الحزب وهذا رأي الكلّ وإذا ظهرت مشكلة ما سنحلّها أنا وأنت,فأصرّ علي موقفه . إنطلقنا من موقع "إقامتنا الجبرية" يوم 2 تشرين الأول ووصلنا الي الحدود التركية يوم 6/10 بعد أن تأخرنا يوم واحد إنتظرنا فيه مخلص ليلتحق بنا . ومن أهم الأحداث التي صادفتنا في الطريق,ففي الليلة الثاثة كان طريقنا الإجباري علي سفح فسيح وفي الأسفل ربيئة كبيرة للجيش . وأنّ أيّة حركة قوية من قبل أيّ منّا قد تسقط حجرة والتي بدورها تسقط أخري ممّا يودي الي كشفنا, وقد حدثت بالفعل بعضا من هذا القبيل وأخذ الجنود يصيحون"تري ديرو بالكم أكو حرامية ورافق ذلك إطلاق النار من قبلهم فكنّا تارة نسير بهدوء وتارة ننبطح حتي تعدّينا المكان وكان هذا أخطر طريق صادفنا, وفي الليلة الرابعة وقبل الفجر وبسبب التعب ألمح أبو زياد الي عدم إمكانية الإهتداء الي الطريق وأكّد بأنه لم يبقي أمامنا سوي حوالي ساعة ولكن نؤجل ذلك الى الفجر . وعند إنبلاج الفجر كان الطريق واضحا ولم يبقي سوي 30 دقيقة . وصلنا الي الموقع وتحللنا وأكلنا ما تبقي من خبز الرفيق شه مال الطيب,أمّا أبو زياد أتى بالبريد الذي أودعه أبو عمشه في المكان المتفق عليه وكانت الرسالة تشير الي أنّ المجموعة غادرت الي تركيا وعلينا إنتظار بعض الأشخاص من القرية . وفي هذا الأثناء قدم شخصان من القرية المجاورة ثمّ شباب يحملون إليناالأكل وأوضحوا بأن نقابل آمر اللواء التركي والذي لا يفصلنا عنه سوي عبرة جسر صغير مصنوع من خشب وحبال وبدوره يهيأ السيّارة لنقلنا الي أحد المعسكرات في حالة موافقته . وعندما إستفسرت حول إمكانية التوجّه الي سوريا, قالوا إنّ الطريق طويل وغير آمن أمّا الي إيران سيحتاج الطريق الي أدلآء . هكذا أصبحنا مظطرين ألي مقابلة آمر اللواء . وعند مقابلته عند فتحة الجسر كان حاد المزاج ويوجّه الإتهام الينا كوننا كنا نأوي جماعة ب ك ك وعندما قلنا بأننا مدنيين ولا علاقة لنا في مثل هذه المواضيع لم يصدّق وأصّر علي عدم تقديم أية مساعدة وهدّد بتسليمنا الى السلطات العراقية في حالة بقائنا في المنطقة, أو التوجه الي إيران ولكن من داخل الحدود العراقية . حاول أبو فيلمير مناقشته فقلت له هذا حيوان لايفهم غير إعطاء الأوامر ولن نضيع الوقت . هكذا رجعنا الى موقعنا,وطرح علينا أهل القرية بأن نلتقي قائممقام القضاء . وفي اليوم التالي إلتقت معه مجموعة برفقة أبو فيلمير ولكن بدون جدوى . كان أهل القرية يلتقون مع معارفهم في القضاء ويبحثون في الموضوع,فجلبوا لنا وجبة الغداء وأبلغونا بأن نتهيأ لعبور الجسر في الساعة الحادية عشرة ليلا ثمّ نواصل المسيرة من قرية الى أخرى. أعطينا أسلحتنا لأهل القرية كهدية مقابل تعاونهم معنا وفي الوقت المحدد عبرنا الجسر وكانت أخطر نقطة هو سيرنا بجانب مقرّاللواء وبعد حوالي ساعة تعدّينا الموقع وتنفسنا الصعداء ورافقنا الدليل الي بيت مختار أقرب قرية,ولأول ّمرّة بعد أكثر من أربعين يوما ننام بهدوء وبدون حراسه داخل البيت . وفي اليوم التالي رافقنا دليل من هذه القرية الي قرية أخرى ثمّ دفعنا له نقودا عراقية ثمن أتعابه . و كان الإستقبال من قبل الأهالي رائعا ولم يشعروننا بأننا غرباء . وهكذا إستمرّت مسيرتنا من قرية الى أخرى بصحبة أدلأء جيدين . كنّا نسير في الطرق التي سار بها آلاف النازحين قبلنا حيث لا تزال أماكن نومهم ومواقد الطبخ وبعض الأحذية والملابس الرثه متروكة على الطريق . بينما كنّا نتجّه لصعود الجبل أشار الدليل الى المكان الذي نسير فيه وقال بأنّ قوّات الجيش العراقي أطلقت عدة قذائف وأسقطت ضحايا من الأطفال والنساء هنا وبدون أن تحتج الحكومة التركية على ذلك . بدأنا صعود الجبل وبعد ثمان ساعات وقبل وصولنا القمة أدركتنا عاصفة ثلجية, مع العلم أنّ الأمطار لا تنزل على هذا الجبل وفقط الثلوج,فتماسكنا جميعا وكان مام أحمد سواري( 75 ووالد الشهيدين جاسم وهلال) قد أنتابته حمّة خفيفة وروعي من قبل الرفاق وخاصة من ولديه عبد وجمال تعدّت العاصفة بسلام ثمّ أصبحنا فوق القمّة وتمددنا جميعا لنأخذ قسطا من الراحة وكان جمال متمددا بجانبي والشاعر أبو طالب في الجانب الآ خر ففاجئني جمال بسؤال غريب: أبو ناتاشا كم مرّة كنت هنا؟ فخرج أبو طالب من هدوءه وضحك من أعماق قلبه كعادته وقال:يا جماعة سمعتو أبو ناتاشا يجي هنا سياحة واحنا ما ندري . بعد هذه المزحة واصلنا السير وفي يوم10 تشرين الأول وصلنا الى قرية راجان الإيرانية حيث مقر المكتب السياسي ل حدك, وكان في استقبالنا رفيق من اللجنة المركزية لحزبنا,وبعد ثلاثة أيّام من الضيافة تفرّقنا وطلبت العودة الى العراق . إستقلينا سيّارة وكان فيها رفاق متوجهين ال سوران وبينهم الرفيق أبو داود . وبعدها غادرت الى منطقة دولي كوغا مع رفاق آخرين ثمّ الى سوران حتى عام 1990 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح