الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبع عشرة نفسا في تابوت احمر /الكائن 1845

صادق الطريحي

2005 / 9 / 4
أوراق كتبت في وعن السجن


لست أدري الى أي من الكائنات نسبوني, لكنهم قالوا لي:
ــ الآن انس كل شيء، اسمك، تاريخ ولادتك، اهلك ...واحفظ هذا الاسم: 1845، وسوف ينادونك به، وفي الزنزانة عرفت انني في سجن الحاكمية التابع للمخابرات الدكتاتورية في العراق (1996)، وفي الحقيقة كنت قد تذكرت اشياء كثيرة وانا في الطريق من الحلة الى بغداد، كنت معصوب العينين، لكني كنت احس بالأماكن التي نمر بها ونتجاوزها الى غير ما رجعة، وكنت اردد في نفسي انني ذاهب الى " درب الصد ما رد " .
كانت اولى المحطات التى تجاوزتها غابة الجمهورية ــ المشتل ــ ،، آه... كم قرأنا من القصائد هناك،
ثم انتهى شارع ستين، عبرنا الشّط،،
ــ لن نسبح فيه مرّة اخرى.
عبرنا الجسر فوق سكة القطار،، ــ هذا القطار المشؤوم الذي ذهب الجنود فيه الى الحرب ثم لم يرجعوا بعد ذلك ابدا .
وفي خضم تأمّلاتي كنت استمع الى كلمات مثل ..كلاب.. حقراء.. تعارضون ابو عدّاي... بسيطة والله بسيطة. اخيرا لم اعد اميز المعالم جيدا، لاننا دخلنا بغداد، ولم اشعر الابصفعة قوية من الخلف ،، نزّل راسك يا.. وعندما اخبروني ان انسى كل شيء لاأدري لم تذكرت الصديق " دستوفسكي " كنت قد رافقته مرارا الى بيت الموتى وعدت معه طليقا ، تشبثت كثيرا بهذه الرواية وعددتها تعويذة لي وبدات استعيد حوادثها مجددا، كانت الساعة تقترب من منتصف الليل عندما رموني في الزنزانة، كنت السجين الرابع عشر في زنزانة بأبعاد 1،80 ×2،50 متر. قدم لي احدهم قطعة صغيرة من صمون يابس وهو يقسم لي انه لايوجد غيرها في الزنزانة،
في الصباح يبدأ السجانون في الصياح 1822،997،1845،1850،...ومن فتحة ضيقة في الباب يرمون لنا بعصابة العيون، ثم نخرج ايدينا من الكوة فتربط بسلك قوي ثم نساق الى غرف التحقيق...، انتظر دوري جالسا القرفصاء قبل ان ادخل الى المحقق :
ــ بابا تصير آدمي .. لو تبقى حيوان!!
ــ انا ادمي، سيدي، وليس لدي شيء ...
سقطت من الكرسي بفعل صفعة لاادري حتى اليوم من اين اتتني
ــ احظروا هذا الحمار..
اجلسوني مرة اخرى ،
ــ ايها الغبي ليس لدي وقت، تكلم، والا ..، انت تعرف الباقي
ــ والله اني ادمي...
في اليوم الثالث كان التعذيب الأشد، في السرداب ربطوا يديّ من الخلف، وبوساطة سلسلة سحبت الى الأعلى ، تعلق جسمي افقيا في الهواء ـ ليس في السرداب هواء ـ ، بدأ الضرب بالعصي والأسلاك و..، لاادري كم استمر الضرب لأني وجدت نفسي مختنقا وممددا في ارضية السرداب القذرة، سكبوا على شفتي بعضا من الماء، قال المحقق
ــ بابا تصير ادمي لو ..
ــ والله اني آدمي،...
في اليوم الرابع بدا التحقيق بصورة اخرى، قال المحقق الآخر
ــ من ضربك؟ ،اصغ لي انا لااضربك،لأنك ستاخذ حكما بالاعدام، لكني استطيع تخليصك من هذه الورطة ، ساجعلك شاهدا ستاخذ حكما بسيطا ثم نفرج عنك
ــ لااملك اي معلومات عنهم...
صفعني احدهم من الخلف ، جاءتني رفسات عديدة، وسباب فاحش،.
في اليوم الخامس عرضوا علي ان اتعاون مع المخابرات،
ــ سنرسلك الى سوريا او ايران ،اودول لم تحلم بدخولها، وما عليك سوى مراقبة اشخاصا معينين وكتابة التقارير عن انشطة الخونة هناك، هكذا يمكنك التخلص من حكم الاعدام،...
عندها تذكرت المسكين " رجب " عندما قبل بالصفقة ، قلت ان شرق المتوسط لايزال كما هو، ولايمكن كتابة رواية اخرى عنه....
عدت بعدها الى الزنزانة الجماعية أو التابوت الأحمر، صار يتسع اليوم لسبع عشرة نفسا مع آلاف القمل والدود، كانت نظراتنا تصطدم بالجدار المدهون بلون الدم فياخذنا النعاس والارهاق والبكاء، كنا نقرأ سورة الفاتحة لكل من يخرج للتحقيق تشجيعا له، وكنا ندلك اطراف من يعود من التعذيب، ومع ذلك كان كل شخص يخاف من الآخر، ففي كل زنزانة يوجد جاسوس كما يقولون، كنا مزيجا من عرب واترك وكرد وتركمان، مدنيين وعسكريين، شبابا وكهولا، لم ار الشمس طوال ثلاثة اشهر قضيتها في تلك الزنزانة اللعينة، كان احدنا يحفظ سورا من القرآن الكريم ، وكان زميلي يحفظ مقاطع من
" خريف البطريرك " وآخر يغني لنا اغان حزينة، ولا تخلو الزنزانة من مفسر للأحلام، كان معنا فتى بعمر اربعة عشر عاما شاهد في الحلم اننا نخرج جميعا من السجن بالعفو يوم 15/10 ، وسرعان ما اخبره المفسر أنه سوف ينقل الى سجن آخر في ذلك اليوم، وصدقت الرؤيا!! رويت لزميلي " ذكريات من بيت الموتى " بينما روى هو لي
" الساعة الخامسة والعشرون " ، كانت الأرقام تتزايد والسجناء يتغيرون، والسجان وحده الباقي في السجن كما يقول برنارد شو.
لم اصدق أنهم أخرجوني لكنني فوجئت بموزع الصمون كمن يخاطب نفسه يقول " الحمد لله الذي خلصك من هذه النكرة، دير بالك!! "
عندها صدقت انني خرجت ,,,.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة يرفض مواصلة عمله بسبب شقة.. م


.. أميركا.. مقهى في فلوريدا يوظف فقط أشخاصا من ذوي الاحتياجات ا




.. الدويري: حديث هاغاري عن مقتل الأسرى إدانة للجيش الإسرائيلي


.. استمرار النزوح من رفح والأمم المتحدة تحذر من تفاقم الأزمة ال




.. الأمم المتحدة تمدد مهمة -إيريني- لتفتيش السفن قبالة ليبيا وس