الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة الأنظمة القديمة

خالد الصلعي

2014 / 12 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


عودة الأنظمة القديمة
***************
سيسأل قائل وهل خرجت أنظمة الاستبداد كي تعود ؟ والجواب : لا لم تخرج لكنها على الأقل أخفت رأسها في الرمل .
بعد الأزمة العالمية لسنة 1929 دخل الاقتصاد الألماني حالة انكماش غير مسبوقة ، مما أثر على الوضعية الاجتماعية بألمانيا وبلغ عدد العاطلين فيها الى مستوى قياسي في حدود ستة ملايين عاطل . وأمام هذا الوضع المتأزم كان نجم هتلر يبزغ بصورة ضعيفة ، ففي انتخابات 1924 لم يفز حزبه الا بنسبة 3 في المائة ، وهي النسبة التي ستعرف بعد انتخابات 1932 تطورا ملحوظا حيث بلغت 33 في المائة . وقد كان للوضع الاقتصادي الذي استغله هتلر ووظفه توظيفا ذكيا ، دورا مفصليا ؛وهو المعروف عنه بحسه الخطابي العالي وقدرته على اللعب على الأوتار الوطنية والمحلية والهوياتية واستحضار الاذلال الذي لعبته معاهدة فرساي ضد ألمانيا ، كل هذه العوامل جعلته يرتقي درجات كبيرة في سلم الجماهيرية ويكتسب مريدين واتباعا خلصا لا يقف أمام بلوغهم طموح امتلاك السلطة أي عائق مهما كان .
وقد استطاع الرئيس الألماني هدنبرج أن يؤخر وصول هتلر الى مراكز المسؤولية مدة من الزمن ، وعبر مفاوضات شاقة وطويلة ، لكنه في النهاية وأمام الوضع الاقتصادي المتدهور ، وبلوغه سن متقدم ،وسخط الشعب الألماني على هذا الوضع لم يجد بدا من الاذعان لرغبات هتلر وتوليته منصب المستشار .
ان استحضار المحطات التاريخية يفتح لنا مجال المقارنة ويشرع الأبواب أمام القراءة التاريخية التي قد تتكرر هنا او هناك . من هنا جاء أخذ مفهوم التاريخ موقعه كبحث امتلك الريادة في قراءة فلسفة التطور الانساني . اذ لاشيئ ينمو ويتطور في الفراغ ، ففلسفة التاريخ هو مبحث وريث لفلسفة الأنوار يعنى بالتاريخ الانسانوي والحروي ؛ حسب تعبير برهان غليون . وبعد ان ركبت السياسة مركب الحياة العامة وقادته الى حيث شاءت ، صارت السياسة هي أساس كل فلسفة حسب تعبير نفس الكاتب .
اليوم أعلنت اللجنة العليا المستقلة فوز الباجي قائد السبسي ، وهو فوز بطعم الهزيمة ، من وجوه عدة . فالرجل بلغ من العمر عتيا ، وهو يقارب سن الثمانين ، فهو يبلغ من العمر 78 سنة . ويعتبر من أبرز الوجوه التي خدمت الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ، فقد تولى رئاسة مجلس النواب بين 1990 و 1991 . وتقلد قبل ذلك العديد من المناصب والمهام الوزارية في عهد لحبيب بورقيبة . وعاد الى الأضواء سنة 2011 بعد توليه رئاسة الحكومة لبضعة أشهر .
لكنه سينتخب رئيسا للدولة التونسية في انتخابات دسمبر 2014 ، كزعيم لحزب سياسي اتخذ اسم "نداء تونس" . وكأن تونس كما جميع الدول العربية تعجز عن تجديد دماء سياسييها وقادتها ، كما هو الحال في انجلترا واسبانيا وباقي الدول الديمقراطية ، وكأن ذهنية الشعوب العربية مربوطة باحكام الى العقليات القديمة .
الجميع يدرك أن تونس قد دخلت دورة اقتضادية صعبة بعد الاطاحة بنظام بنعلي ، الذي اشتهر بنظامه البوليسي القمعي . وهو ما أثر على الحالة الاجتماعية للشعب التونسي الذي فجر زهرة الثورات العربية وفتح ابواب الربيع العربي الذي تحول بارادة دولية متواطئة مع النخبة الموالية المحلية لهذه الارادة الى خريف عاصف . وتدخل أموال أمراء الخليج في جميع دول الربيع . وقد لعب الاعلام دورا محوريا في توجيه الرأي العام جهة الردة والانتكاسة .
ذاكرة الشعوب ضعيفة ، خلاصة تقريرية مؤكدة . والشعوب العربية المسلوبة الارادة والضحلة العلم ، والفاقدة للقراءة النقدية الصحيحة ، سرعان ما يتم التلاعب بمشاعرها وعواطفها . ليطرح سؤال النخبة الحقيقية الغائبة ، النخبة التي استمرأت أموال البترول وأموال المنظمات الدولية المشبوهة التي تخدم اجندات معوقة لأي نهضة عربية حقيقية معبرة عن كينونة العرب وهويتهم .
ان التقارب الحاصل بين قطر ومصر لم يأت اعتباطا ، انه استكمال لدورة الاجهاز على الحلم الشعبي العربي بالتخلص من كل ذيول مرحلة ما قبل الثورة العربية . وتبقى الثورة التونسية ذلك الأمل الذي عقدته الشعوب العربية من اجل استنبات نبتة الديمقراطية في العالم العربي . لكن سطوة الغرب بتواطؤ مع مال البترول والنخبة المحلية لها من النفوذ ما يجعل اي أمل شعبي يتبخر في الهواء ، ويتحول الى مجرد حلم جميل .
عادت اذن الأنظمة القديمة بكل عنفوانها بعدما وأدت حلم الثوررات العربية وأفشلت الحراك الاجتماعي العربي . وهو ما يدل دلالة قاطعة على وهن العقل العربي جملة وتفصيلا ؛ وانسحابه الى مناطق الظل .
اننا اذن ندخل اليوم تجربة من الاستبداد العربي الجديد ، فليس عبثا أن يتم انتخاب رئيس ميت كلينيكيا ، كما ليس صدفة أن يعود العسكر الى الحكم ، وليس قدرا أن يعيث رئيس معزول فسادا في الوطن ، وأيضا ليس منطقيا أن يظل رئيس يبطش بشعبه على رأس السلطة الى ما لانهاية، وليس حضاريا أن يدخل شعب في حرب مناطقية . وليس مدهشا أن يعود نظام الى عهده القمعي ما قبل عشرين فبراير . انها لعبة مفضوحة ومكشوفة وسيناريو هزيل الاخراج والتنفيذ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ومن انت حتى
عوين ( 2014 / 12 / 23 - 17:37 )
انا اجزم انك حقا لا تعرف الشعب التونسي. السيد السبسي يقود تيارا علمانيا حداثيا برفقة احزاب كالجبهة الشعبية والنقابة ذات التوجه اليساري الصرف. المجتمع المدني في تونس هو من اسهم في اختيار السبسي. ولم يختر من تتباكى عليه ذنب قطر والرجعية والاخوان

اخر الافلام

.. نبض فرنسا: هل يتجه المشهد السياسي نحو قطبية ثنائية على حساب


.. مقتل أكثر من 100 جندي من بوركينا فاسو في منطقة قرب الحدود مع




.. شخصيات فنية رياضية تدعو إلى منع فوز اليمين المتشدد في التشري


.. إسماعيل هنية في كلمة لأهل غزة: تضحياتكم تصنع النصر




.. البرهان يؤكد ثقته بالنصر ودقلو يتهمه بالانسحاب من المفاوضات