الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفاصيل من الماضي التعس

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2014 / 12 / 23
كتابات ساخرة


من أصعب الأمور التي تواجهني يومياً في حياتي هي امتلاكي لعينين لا تكفان عن التقاط التفاصيل المحيطة بهما..أعشق قدرتي على رؤية تلك التفاصيل الصغيرة و الهامشية المحيطة بي رغم كراهيتي غالباً للمضمون الذي تحمله..و ما أسوء من امتلاكي لهاتين العينين إلا امتلاكي لذاكرةٍ تهوى أرشفة تلك التفاصيل..متى بدأت تلك العادة المقيتة تتشكل في روحي؟؟..لا أعلم حقاً..حسناً حسناً أعترف أني كاذبة هنا كثيراً فأنا مُدركةٌ تماماً لتلك الحادثة التي بدأت بعدها تلك العادة في التشكل لديَّ و لكني كعادة أي أنثى لا أبوح بأسراري كلها في ليلةٍ واحدة..لهذا لن أتحدث عن هذا الأمر الآن ربما بعد عدة سنواتٍ إضافية.

على أية حال بعد تلك الحادثة بدأت أدرك أن حفظ تفاصيل الآخرين هو أمرٌ يستهويني فهو يمنحني صورة أقل ضبابية لشخصياتهم..ماذا عن تفاصيلي أنا؟؟..هل تصدقين لو أخبرتك أني لا أشعر أن هناك من يكترث لكي أخبره بها!!..لهذا أميل إلى كتمان معظمها رغم أن من يحيطون بي يعتقدون أن هذا الأمر ليس بالعادة الصحية تماماً إلا أنني ما زلت على قيد الحياة بالرغم من ذلك..و لكن فلنلقي بي خلف ظهورنا و لننتقل معاً إلى الأسفل لأحدثك عن بعض من تلك التفاصيل التي ما زالت عالقةً في ذاكرتي.

ذات مرة و في حصة الدين أخبرتنا المعلمة أن الله خلق السماوات و الأرض في ستة أيام فرفعت يدي المرتجفة خوفاً من ردة فعلها على تساؤلي و الذي كان فحواه هو لماذا في ستة أيام بالذات؟؟..ما كان يرعبني أكثر من عواقب رغبتي الدائمة في التساؤل هو ذلك الصمت المُطبق الذي يلازم من هم حولك عندما تُلقي بتساؤلاتك..كنت أشعر أن الجميع يصمت لا اقتناعاً بل رعباً و لعلي كنت أكاد أصغي إلى همساتهم الداخلية و هي تردد "هل فقدت صوابها لتسأل!!..لماذا لا تصمت كما نفعل جميعاً!!"..ذلك الصمت الظاهر عند تلقي الأفكار من الآخرين كان -و ما زال- يرعبني لأنه يخفي تحت سكونه الظاهر ضجيج خطوات الانقياد مع قطيع الجموع.

و ذات مرة طلبت إحدى معلماتي مني عندما كنت في السابعة عشر من عمري أن أعرض نفسي على طبيبٍ نفسي فقط لأني لا أحاول بشكلٍ كاف لكي أكون كالآخرين..أو بمعنى آخر لا أحاول الاندماج في المجتمع بصورةٍ مُرضية كما تفعل البقية بنجاحٍ كنت لا أتمكن من إدراكه..فأنا أصر على عدم السير على ذك الخط الأبيض و الذي رُسم لي -كما لسواي- على الأرض لكي أسير فوقه دون حياد عنه..ذلك الخط الأبيض الذي يجب أن أركز كلتا عينايَّ عليه دون أن أسترق النظر على من لا يسيرون فوقه أو حتى يكترثون لأمره ممن هم حولي خاصة إذا كان "هؤلاء" هم من غير المسلمين.

ذلك الخط الأبيض الذي يجب على الجميع السير فوقه ليس وهماً اختلقته مخيلتي بل هو واقعٌ مررنا به في الماضي..فقبل ظهور الصحون اللاقطة و القنوات الفضائية كانت الأفلام الأجنبية القليلة التي يتم بثها يتم اقتطاع أي مشاهد منها قد لا تروق للرقيب المناوب على رؤوسنا تلك الليلة..تلك المقاطع ليست بالضرورة أن تكون مشاهد القُبل فقط فحتى الحوارات التي كانت لا تروق للرقيب و التي يشعر أن فيها تجديفاً ما كان يقوم بحذفها دون مبالاةٍ حقيقة باختلال سياق الفيلم أو ترابط أفكاره.

تلك العادة المقيتة لم تكن تتم ممارستها فقط تجاه الأفلام الأجنبية بل حتى تجاه مسلسلات الأطفال المترجمة إلى العربية و التي كان يتم إخضاعها لرقابةٍ شديدة لكي تتلاءم أفكارها مع أفكار مجتمعاتنا الإسلامية "المحافظة"!!..هكذا كان أغلبنا يشاهد تلك المسلسلات و هو على قناعةٍ تامة بأن كل من يظهرون فيها هم من الأشقاء و الشقيقات فقط لنكتشف بعد عدة سنوات -و بعد فشل الرقابة في ترسيخ سلطتها في العالم الافتراضي- بأن عصمت في مسلسل الأطفال أخي العزيز كانت تربطها علاقةٌ مثلية مع شقيقتها ريم و أن جورجي -في المسلسل الذي كان يحمل ذات الاسم- كان في حياتها ثلاثة رجال يتنازعون عليها اثنان منهم هم أشقاؤها بالتبني.

في الماضي كان أغلبنا يسير فوق ذلك الخط الأبيض الذي رُسم له سلفاً..فكانت الصحون اللاقطة من المحرمات و التصوير الفوتوغرافي من الكبائر التي سأتعذب لو مارستها لأني حينها سأكون كمن يُزاحم الرب في مهنة الخلق بما ستخلقه عدسة الكاميرا الفوتوغرافية على ورقٍ مطبوع..في الماضي كانت أغلب -إن لم تكن كل- تفاصيل حياتنا الاستهلاكية و القادمة من الغرب هي من المحرمات و لكن الآن أصبحت كل تلك الأمور لا تشوبها أي شائبة بل هي من نعم الله علينا التي يُحبذ استخدامنا لها!!.

سيخبرني البعض أن تغير فحوى الفتوى الدينية مرده هو تغير الحال و الكائن الذكي هو من يتكيف مع تلك المتغيرات..نعم أتفق مع دوافع نظرية البقاء تلك و لكن بسبب ذلك الكم الهائل من الفتاوي و التي كانت تُحرِّم علينا كل شيء يحيط بنا تم سحق مبادئ جيلٍ بأكمله..جيلٌ كان يؤمن أن حربه في أفغانستان مقدسة و الصحن اللاقط من الكبائر و التصوير تهمة تستحق أن يقف بسببها أمام محكمة تفتيش يُدير وقائعها الرب بنفسه!!..فقط ليكتشف بعد عدة سنوات أن حربه المقدسة تلك لم تكن كذلك تماماً و ليجد أن جميع من حرضه على خوضها يُطلون عليه عبر قناةٍ فضائية يشاهدها عن طريق صحنٍ لاقط أخبروه سابقاً إنه بامتلاكه له فهو في الجحيم سيستقر..و ليزيدوا من وطأة سحقهم له أصبح يرى أبواق تحريم الأمس في كل مكان و هم يهوون التموضع كثيراً لتلتقط الكاميرات الفوتوغرافية صورهم دون الخشية كثيراً من وقوفهم في محكمة تفتيش الرب.

و بالرغم من كل تلك التفاصيل الكثيرة التي لا ترغب في أن تفارق مساكن ذاكرتي ما زلت أحاول أن أتجاهلها لأتمكن من السير مع القطيع و لكني لا أستطيع أن أفعلها بنجاحٍ كما البقية..فأنا كما تعرفينني أملك ذلك الخوف الغريب من الزحام و الذي يجعلني أشعر بصعوبةٍ في التقاط أنفاسي عندما أكون في وسطه..لعلي لهذا السبب أفضل السير وحدي و لو زحفاً نحو الجحيم -كما يخبرني الكثيرون أني أفعل- و لا أعلم حقاً كيف يملكون هذا اليقين بشأني بالرغم من أن لا أحد يستطيع أن يزعم بأن لديه تواصلٌ مباشر مع الرب لينبئه بالخبر اليقين!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 12 / 23 - 22:39 )
فوائد :
• خلق الكون في 6 أيام :
http://antishobhat.blogspot.com/2012/11/6.html
• البروفسور (ألفرِد كرونر) , يُعلق على نشأة الكون كما جاءت في القرآن الكريم :
http://www.hurras.org/vb/showthread.php?t=28265
• ضربه أستباقية :
فتاة مسيحية تهدم الدين المسيحي و تقضى عليه :
https://www.youtube.com/watch?v=2w0n_ZF9S8g


2 - جهنم افضل للمراءة من جنة المسلمين
مروان سعيد ( 2014 / 12 / 23 - 23:11 )
تحية للاستاذة زين اليوسف المحترمة ونتحيتي للجميع
لست وحدك في دقة الملاحظة سيدتي ولكن معظم النساء لهم هذه الميزة لذا اقول بان المراءة ستكون حاكمة العالم بعدعشرات السنين
وسؤال جريئ ماذا ستفعل المراءة بجنة الاسلام ليس لها دور سوى انتظار سي السيد من الانتهاء من العربدة والسكر والخلاعة
وذكرتيني وقبل 25 سنة تقريبا كنا على قناة فضائية واحدة بالقناة السورية وكنا محرومين مثلكم من الصحون الفضائية هذه هي دول الشرف والاخلاق وانظري ما حدث من كثرة شرفهم خربوا واحرقوا الاخضر واليابس
ومودتي للجميع


3 - مروان سعيد
عبد الله خلف ( 2014 / 12 / 23 - 23:54 )
اقوى نصوص اهانة وتوبيخ المرأة في الكتاب المقدس (المسيحية) :
http://ya66ereg.blogspot.com/2013/07/blog-post_2032.html


4 - إلى عبدالله خلف
زين اليوسف ( 2014 / 12 / 24 - 07:12 )
لن أتعب نفسي بقراءة ما تضعه من روابط كما أنا على شبه ثقة من أن غيري الكثيرون..لن نفعل ليس لأننا لا نهوى القراءة و لكن لأن روابطك تخبرني كما تخبر غيري أنك سعيد بإهانة البشر و إحتقارهم بسبب إنتماءاتهم الدينية أو الفكرية أو الجنسية طالما أن أي شخص من طائفة أو دين آخر يمارسها مثل المنتمين إلى الإسلام...

أمر آخر كل تعليقاتك على أي موضوع مهما كان تحوي ذات الروابط و كأني بك تملك مجموعة معينة لا تحيد عنها فلو تحدثت عن أنواع البيتزا التي أفضلها سترسل لي ذات الروابط!!...

الرجاء إحترام عقلك أثناء التعليق كما أحاول أنا جاهدة إحترام عقول الآخرين عندما أكتب...


5 - الأستاذة
عدلي جندي ( 2014 / 12 / 24 - 13:44 )
الرائعة
زين
تحية للفكر الراقي
في بداية الهجمة السلفية عاد محمد الطالب بكلية ...من رحلته بعد عمل عدة أشهر أثناء أجازة آخر العام في السعودية يقذف بتليفزيون عائلته الفقيرة وكان جهاز عتيق أبيض وأسود حيث أقنعوه أثناء رحلته أن مشاهدة برامج الأبيض وأسود هو من المحرمات وفسق وخلاعة وعندما أصبح التليفزيون ألوان وإمتلك كبرائهم المحطات شاهدناهم علي كل الألوان أسود أحمر أخضر ما عدا الأبيض
يحللون بحسب أمزجتهم وأغراضهم ويحرمون ما يفضح هيافتهم وقصر نظرهم
غدا يصبح أيضا ماضيهم مثل حاضرهم تَعِس ولكن علي أدمغتهم
تحية وإحترام

اخر الافلام

.. فيلم ولاد رزق 3 يحصد 175 مليونا خلال أسبوعين


.. المخرج محمد الملا يكشف لصباح العربية أسرار من الفيلم الجديد




.. أسباب غياب الفنان عبدالله رشاد عن الساحة الفنية


.. -كان ودي نلتقي-.. دويتو يجمع بين الفنانين عبدالله رشاد ونوال




.. -نحتاج أكاديمية لتطوير مدراء الأعمال-.. الفنان الدكتور عبدال