الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في إنتظار المحاكمة الهزلية .

صالح حمّاية

2014 / 12 / 23
مواضيع وابحاث سياسية



بعد نهاية الجدل حول رواية (ميرسو.. تحقيق مضاد) على صفحات الجرائد و النت وما شابهها ، من المتوقع أن يبدأ جدل جديد بعد أيام حول الرواية في أروقة المحاكم ، فالكاتب كمال داوود قد رفع قضية على زراوي حمداش يتهمه فيها بالتحريض على القتل ، و الجزائريون عموما في إنتظار ما تصدره المحكمة من قرار ؛ لكن عن نفسي و من معرفتي بالنظام القانوني الجزائري فالمؤكد لدي أن هذه المحكمة إذا سارت بطريقة طبيعية فهي لن تؤدي إلى أي شيء ( إن لم نقل أنها ستكون مجرد مهزلة يظهر فيها عوار النظام القانوني الجزائري ، وكيف أنه لا ينتصر لا إلى حريات ، ولا إلى حقوق ) فأولا وبالنسبة للقانون و الدستور الجزائري فهو عموما دستور ملفق و كثيرا ما تم العبث به ، فمن جهة مثلا نحن نجده يتحدث على حرية الاعتقاد و أنه " لا مساس بحُرمة حرية المعتقد، وحُرمة حرية الرأي " (المادة من الدستور 36) ، لكنه وفي نفس الوقت و عن طريق القانون يصادر هذه الحرية حين نجد يقوله في المادة 144 مكرر (يعاقب بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.000 دج إلى 100.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ، كل من أساء إلى الرسول صلعم أو بقية الأنبياء أو استهزأ بالمعلوم من الدين بالضرورة أو بأية شعيرة من شعائر الإسلام سواء عن طريق الكتابة أو الرسم أو التصريح أو أية وسيلة أخرى) وهذا دليل أنه لا أمل في التعويل على القانون الجزائري أن يحمي الحرية ، أو ينصرها ، فهذا القانون هو قانون مفخخ يمكن إستغلاله في أي جهة ، وعموما فالإرهابي حمداش تفطن لهذا ، وعليه فهو قد أستبق دعوى كمال داود برفع دعوى مضادة يتهمه فيها بالإساءة للدين تحت طائلة هذا القانون ، ما يعني أن كمال داود الضحية الآن ، من المرجهو مهدد أن يتحول إلى جاني بسبب هذا القانون ، وهو ما يوضح لنا مدى هزلية القانون الجزائري( خاصة في ما يتعلق بالحريات ) فأنت بسهولة يمكن أن تتحول إلى جاني إذا ما طلبت بالحرية ، و عن نفسي فأنا أرجح إدانة الكاتب كمال داود في هكذا وضع ، فوفق نصوص القانون فكمال مدان إدانة لا غبار عليها ، لأنه حقا أساء للإسلام بروايته ، أما هو و إذا حاول التذرع مثلا بالدستور و مادة حرية المعتقد ، فهنا فالجزائر مقبلة على جدل برلماني لا نهاية له لفك هذا التناقض الذي يعتري نصوص الدستور و القانون ؛ لكن دعوني أقول هنا أن هذا التناقض في بنود الدستور و القانون غالبا لن يزال ، لا اليوم ولا غدا ، لأنه أصلا فهذا التناقض موضوع بطريقة متعمدة لخدمة أغراض متعمدة ، ففي عموما البلاد المسماة " عربية " و التي لديها دساتير فنحن نجد أن المشرعين يعمدون لتفخيخ القوانين بهكذا تناقضات لهدف محدد ، فالمشرع دائما يضع المادة ونقيضها 1 ، والهدف من هذا طبعا " هو لكي لا يكون للقانون قيمة ، ولكي لا يكون هو الفيصل " فالقانون وحال التناقض يصبح عديم الجدوى ، ويصبح القوي الذي يفسره هو الفيصل ، ومنه فأنت مثلا تجد في كل الدساتير "العربية" الدستور ينص على حرية ما (حرية الاعتقاد مثلا ) لكنك تجد في نفس الدستور مادة تناقضها ، وطبعا الهدف من هذا الأمر هو التلاعب في هكذا حالات ، فمثلا لو واجهت السلطة قضية كقضية كمال داود فهي تقيس الأوضاع أولا قبل الحكم ، فلو وجدت المجتمع منحاز للضحية ، فهي ستُفعّل الشق المتعلق بالحريات وستنتصر له ، في المقابل لو هي وجدت العكس فهي ستفعل العكس وتحاسبه ، وهكذا فالقانون في بلادنا كما نرى لا يعول عليه ، فهو ليس قانون لضبط المجتمع ، بل هو قانون لتصريف الوقت وإيهام الرأي العام أن هناك قانون، فأنت دائما في رحمة الهوى المجتمعي ، فإذا دعمك المجتمع فقد تنجو ، وإذا لم يدعمك ، فمصيرك الموت ، لأنه بالأساس لا يوجد معيار واضح للاحتكام له غير الهوى .

على هذا وكنصيحة لمن يريدون الإنصاف لكمال داود من الجزائريين فعلينا أن نكتف الجهود للضغط على القضاء الجزائري لتفعيل قوانين حماية الحريات ، لأنه و إذا لم نفعل ، فكمال داود مهدد لا محالة بالسجن بتهمه الإساءة للدين ، وهذا طبعا أمر يجب علينا منع حدوثه، فالقضية هنا ليست قضية كمال داود وحده ، بل هي قضية الجزائر ومن يديرها ، فهل سنسمح للإرهابيين أن يديروها عن طريق قوانين المصالحة البائسة 2 ، أم سنديرها نحن كمواطنين جزائريين منحازين للحرية و للانفتاح ، وهو ما يمثل الإختبار بالنسبة لنا .

_______________________________________________________________

1) بالنسبة لأزمة التناقض في الدساتير الجزائرية فهي ليست وليدة اللحظة ، بل هي وليدة تاريخ قديم من الشيزوفرينيا المجتمعية ، فمثلا في بيان أول نوفمبر الذي أسس لكل الدساتير الجزائرية ، نحن نجد أن المشرع الذي خطه يقع في نفس التناقض ، فمن جهة هو يقول أن الجزائر دولة ديمقراطية ، لكنه وفي نفس المادة يضيف أنها في إطار المبادئ الإسلامية ،و السؤال البديهي المطروح هنا : وماذا تعني دولة ديمقراطية في إطار المبادئ الدينية ؟ فهل الأسبقية هنا للديمقراطية كحريات وحقوق على حساب التصور الديني ، أم الأسبقية للتصور الديني المجرم لكل حرية على حساب الديمقراطية ؟ .


2) قوانين المصالحة نسبة للقوانين التي أدخلها الرئيس بوتفليقة بعد المصالحة لإظهار إيمان الدولة الجزائرية ، فلو نعود لجميع القوانين التي تختص بأمور حماية الإسلام في الجزائر لوجدنا أنها شرعت سنة 2001 كضريبة لإرضاء الإرهابيين على النظام و الدولة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رد
صالح حمّاية ( 2014 / 12 / 23 - 22:28 )
تشكر الاخ انيس على التنويه ،لكن بالنسبة للمادة فانا اعلم انها من القانون وكلامي كان مقصود به المشرع الذي يضع في الدستور شيء ، ويسلبه بالقانون ... تشكرا اخي الكريم ي


2 - كلنا تضامنا مع الصحفي والمفكر كمال داود
Jugurtha bedjaoui ( 2014 / 12 / 23 - 22:45 )
كلنا تضامنا مع الصحفي والمفكر كمال داود و سنسعى لدلك وبكل الطرق الحضرية وبعيدا عن عنف المغيبين الجهلاء كما انني لست خاءفا عليه من جهل الجهلاء وقد شاهدته على قناة الشروق بالامس وقد كان واثق من نفسه في الدفاع عن قناعاته الفكرية و الاخلاقية مستمدا على نظرته للمشاكل الاجتماعية و الاخلاقية والفكرية التي طالت المجتمع الجزاءري كما اكد في حديثه على شخصية هارون الخيالية وحسب طرحه اراه قادرا على الاقناع رغم اني متاكدا من الحكم الدي لن يكون في صالحه مادام النظام الجزاءري مازال يغازل السلفيين ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ تحياتي اخي صالح

اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله