الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق في قلب العاصفة

ناجي عقراوي

2002 / 12 / 21
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


                                    

النظام الحاكم في العراق سحق عظام العراقيين ، وسرق كحل عيونهم وجفف عروقهم وعكر مياههم وسمم أجواءهم ، وجوه قاتمة تمسك بالسلطة بأسنانها ، لا رادع لهم ولا يملكون وازع أو ضمير ، بلغ ضحايا هذا النظام اكثر من مليون إنسان ، ناهيك عن المعوقين و المشوهين وأفواج من الجياع و المشردين في الأرض ، نظام ليس في قاموسه رحمة أو شفقة ، ويجثم على اضخم احتياطي نفط في المعمورة ، له جماعة من العملاء موجهون لإيجاد تبرير لجرائمه بحق العراق كوطن و شعب في الغابة الدولية ، هذه الماكينة من الانتهازيين و المتملقين وأصحاب الكوبونات النفطية من عرب و عجم ، وظف النظام لخدمتهم شركات متعددة الجنسيات و قنوات مشبوهة و صحف صفراء ، والشعب العراقي في الداخل مغلوب على أمره يرى التداعيات التي يتعرض له ترابه و انسانه ،  ينطبق عليه المثل القائل اليد قصيرة والعين بصيرة .

 

إذا ما أتيح للشعب العراقي خيار القرار فانه يختار حكم وطني مسؤول ، يؤمن أمن و مستقبل الوطن والمواطن ، ويرفض الديكتاتورية والقومية و الوطنية المزيفة ومغامراتها و قراراتها الطائشة ، المشبعة بالتضليل الإعلامي  والتي أودت بمصير ومستقبل العراق إلى حافة الهاوية ، لأن ما بين المغامرة والمخاطرة و الجهل وبين الوطنية و العقلانية بون شاسع ، تفرض علامات استفهامية محيرة نفسها على الحالة الأولى ، وهذا ما جرى و يجري في العراق ، مهما حاول النظام العراقي ومسانديه من الأنظمة العربية والإقليمية ومريديه هنا و هناك ، غرس صورة في أذهان العالم من أن  نهاية النظام هي نهاية العراق و العالم ، كأن  العراقيات لم تلدن  من يستطيعون تسيير شؤون البلد سوى  هذا الرهط الحاكم ، ومهما حاول النظام الإيحاء بأنه نظام وطني يتميز بالقوة لكن الحقيقة والواقع تقول عكس ذلك ، ومهما ادعى النظام من انه سوف يقاوم الأمريكان بعمليات محكمة التخطيط وباهرة النتائج ، فأن كل المؤشرات تدل بأن وصمة الفشل و العار ستظل تطارد النظام وأركانه ،  هذا النظام و معه أسياده حولوا هذا البلد الغني بموارده و بشره إلى خراب و دمار ، ثم وضعوا الشعب العراقي العريق في سجن كبير ، بعد أن ادخلوه في حروب داخلية و خارجية لا طائلة منها ، بحجة إرهاصات لمشاريع قومية أو إقليمية مشبوهة ، وبعد حوالي ثلاثة عقود و نصف من حكم نظام الحزب الواحد و من ثم حكم الشخص الواحد ، اصبح سيادة العراق في موضع شك ، ونزع أسلحته اصبح مادة دسمة لوسائل الإعلام العالمية ، بعد أن تمخض الجبل عن فأر هزيل دخل المصيدة الأمريكية طواعية ، لذا نجد الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل معه بتعنت مريح .

العلاقات التاريخية و الجغرافية بين الولايات الثلاث موصل وبغداد وبصرة في العهد العثماني ، توافقت تلك العلاقات مع مصالح بعض الدول الكبرى بعد توزيع تركة الرجل المريض ، وجرى تشكيل  الدولة العراقية الحديثة من هذه الولايات في العشرينات من القرن الماضي ، في بيئة عالمية جديدة نشأت بعد الحرب الكونية الأولى ، وفي نهايات القرن الماضي و بداية قرن الواحد و العشرين شهد العالم تحولات و أحداث عديدة و كثيرة و متنوعة في شتى مجالات الحياة ، أدت إلى بروز بيئة دولية جديدة في العالم  لها ملامحها الخاصة التي تختلف في المضمون عن البيئة السابقة ، وان بدت متشابهة من ناحية الشكل كالركون إلى القوة و السيطرة ، و نتيجة العولمة  سرعان ما أصبحت محصورة في سياسة القطب الواحد  ، وتشابكت البيئة الدولية الجديدة مع البيئات  الإقليمية و المحلية في العالم ، و في الحالة العراقية نجد البيئة الدولية الجديدة تحيط بجذور المشكلة العراقية و بمستقيل هذا البلد ، وخلقت هذه الإحاطة هواجس لدى  الشعب العراقي عن مصيره حاضرا و مستقبلا وعن ما يخفيه له الغد .

نتيجة هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على مسار الأحداث العالمية ، و مسايرة الدول لها بشكل أو آخر ، وان بدت على شكل الاعتماد المتبادل ، وتحول هذا التوافق إلى قرارات تصدر من مجلس الأمن ، وهذا ما نراه في الشأن العراقي  حيث أفقدته هذه القرارات الكثير من سيادته الوطنية  ، ويقدم النظام العراقي التنازلات تلو التنازلات لمجرد الاستمرار في الحكم ، ويحول النظام هذه التنازلات إلى المزيد من القمع في الداخل ، وبخطابه الممل و القديم الجديد يجعل من شتم عرابه القديم ( أمريكا ) انتصارا و إنجازا ، وبغبائه يتناسى من أن المنظمة الدولية قد غدت أداة للدبلوماسية الأمريكية ، و التي تجلت في قرار مجلس الأمن المرقم 1441 حول نزع أسلحة العراق ، و النظام كعادته قارئ غير جيد و لا يواكب الأحداث و المستجدات ، لذلك لا يستوعب تسيس القانون الدولي لصالح القطب الواحد .

رغم الأحداث الجسام التي مرت على العراق ، وبالأخص في الحقبة الأخيرة من تاريخ هذا البلد،  و في ذروة الأحداث و التطورات الحالية ، النظام يستمر في نحر الوطن بدلا من أن ينتحر ،  لم يشهد العراق في عهد الديكتاتورية الصدامية استقرارا سياسيا ، حيث تنخر في مفاصل مؤسسات البلد فسادا غير قابل للإصلاح ، و لا علاج لمشاكل الوطن العراقي إلا بوأد السلطة المستبدة .

أما المعارضة العراقية فكل طرف منها يتحدث من وجهة نظره بما يريده من التغيير ، في حين الأكثرية الصامتة من العراقيين في الداخل و الخارج ، تريد نظاما ديمقراطيا برلمانيا يراعي التوازنات والشفافية و الاعتبارات السياسية ، و اصبح جل خطاب بعض أطراف المعارضة العراقية متناقضا مع الواقع و الوجود ، وتتصرف مثل النظام العراقي باحتكار الوطنية و القومية و الدين ، المنطق يدعو الذين يحاسبون هذا الطرف أو ذاك ، أن يثبت بأنه اكثر إخلاصا وحرصا من الآخرين ن فإذا قلنا النظام ينتهك حقوق الإنسان وكل القيم وارتكب أشنع الهزائم في تاريخ العراق ، ويزايد بالوطنية ليخفي عار هزائمه ، فماذا نقول عن المعارضة التي تحولت إلى معارضات ، مقاطعة أمريكا لدى البعض هو التعبير الوحيد للوطنية و للقومية ، اصبح موضوع المقاطعة مثل الثوب الفضفاض تخلعه هذه الجهات على من تشاء مهاجمته و اتهامه ، ولدى البعض الآخر قناعة بأهمية أمريكا و ثقلها في العالم و تتصور بأن التعامل معها تخدم جهود التغيير و يقولون صنعوه لينهوه أيضا  ، و تتفق كل الأطراف و  تقول بأنها ترفض الهيمنة و الغزو أو رهن مستقبل العراق و إن أتت بدرجات متفاوتة ، في الوقت الذي لا تبوح كل هذه الأطراف أو لا تعلم شكل العلاقة التي تريدها  مع القوى الأخرى  ومنها أمريكا ، في حين الولايات المتحدة الأمريكية سائرة في مخططاتها دون أن تعرف أطراف المعارضة شيئا عنها ، سواء الذين  يطالبون بمقاطعة أمريكا أو الذين يسايرونها ، فإذا اتفقنا من أن المقاطعة لا تخدم جهود التغيير ، ومسايرتها قد تؤدي إلى الغزو و الاحتلال ، أذن يكون الاتصال مع أمريكا بخطاب موحد هو الذي يخدم مستقبل العراق ، ويجب أن تكون العلاقة مع أمريكا بشكل معين وبحدود مفهومة و واضحة .

المطلوب من المعارضات العراقية أن تتوجه إلى توحيد الخطاب ، و إفهام القوى العظمى بان هناك خطوط حمر لا يمكن تجاوزها مثل الاحتلال أو تبديل ديكتاتور بآخر ، وكان خطاب أكراد العراق رغم ظروفهم القلقة و الدقيقة جريئا و واضحا ، وصرحوا علنا بأنهم يرفضون الانفصال وانهم ليسوا بنادق للإيجار ويرفضون الانتداب أو التدخلات الإقليمية في الشان العراقي ، و انهم مع التغيير الديمقراطي في عراق برلماني  ديمقراطي فدرالي تعددي  .

هناك تقصير في الخطاب العراقي المعارض ، لم تستطيع إفهام الرأي العام و الشعوب في العالم  من أن النظام العراقي الحالي هو نظام فريد في نوعه ، و هذا النظام هو البيئة المثالية لخلق الإرهاب ، لان الميل إلى فرض العنف جزء من تكوين هذا النظام ، و إفهام المجتمع الدولي بان استقرار العراق و المنطقة يكون بالديمقراطية ، وان حرب الخليج انتهت نهاية غامضة واستمر النظام في الحكم ، ومسلسل نزيف الدم مستمر في العراق منذ عقود ، وان القرارات الدولية تركز على نزع أسلحة العراق ، متناسية معاناة العراقيين من شماله إلى جنوبه ، هذه المعاناة لم تحرك شعرة في جسم حكومات أمريكا و الغرب وفي العالمين العربي و الإسلامي ، كأن ما يجري داخل العراق يجري في كوكب آخر وفي عالم غير عالمنا ، سيكتب التاريخ الشيء الكثير عن تحمل هذا الشعب العريق ، و عن استهتار الدول بمصير الإنسان العراقي بمعاييرها المزدوجة ، و يسال هذا الإنسان لماذا يكون دمه ارخص من دم النيويوركي أو الغربي ، حتى أصبحت كثرة التصريحات حول نزع أسلحة العراق دون التطرق إلى معاناة شعبه ( إلا ما ندر )  مشكلة بحد ذاتها ، وحينما توجه الأنظار إلى ماسة العراقيين ، فان هذه الدول و المحافل تلجأ إلى الاسترخاء و لا تعد رسائلها بالقوة المرجوة .

من الطبيعي أن تولد هذه الحالة شعورا بالمرارة و الذهول لدى طوائف الشعب العراقي ، ولا سيما يتذكر أبناء شعبنا الدعم السابق الذي قدمه الشرق و الغرب لنظام صدام حسين لأسباب مصلحيه ، و تزويد شركات هذه الدول النظام العراقي بالخبرة و المواد لتصنيع هذه الأسلحة التي يريدون نزعها و تدميرها ، وكذلك نتذكر قيام الدول بتزويد مفاصل الأجهزة الأمنية العراقية بأدوات التعذيب لترويع الشعب العراقي ، ولا زال البعض يتراكضون أفرادا و جماعات تحت يافطة الدفاع عن الشعب العراقي  للحصول على كوبونات النفط  و سرقة العراقيين ، الحكومات الغربية ليست جاهلة لنلتمس لها العذر ، ولكن ما نريد قوله هو أن هذا الوضع المفزع و الكيل بمكيالين الذي وجد العراقيون أنفسهم فيه يهدد بأبعاد خطيرة في المستقبل .

هنا من واجب المعارضة العراقية العمل بجد و صدق و وطنية ، لإنقاذ الشعب العراقي من مأساته  الحالية ومن الكارثة المقبلة ، والعمل للتركيز على الحلقات المفقودة المتعلقة بمعاناة العراقيين في القرارات العراقية ، وعليها أيضا أن تتجاوز خلافاتها بروح عراقية قبل أن تتحول هذه الخلافات إلى مطبات إضافية أخرى تعمق الجرح العراقي ، في الوقت الذي نقر فيه بان مؤتمر لندن لم يرتقي إلى درجة يرضي  جميع الأطراف ، لكن مجرد انعقاده يعتبر إنجازا عراقيا كبيرا ، و أمام لجنة التنسيق و المتابعة التي تعقد اجتماعها في كردستان العراق مهمات كثيرة و متنوعة ، منها العمل إلى زيادة عدد أعضائها إلى اكثر من مائة عضو ، ليشمل كافة الفسيفساء العراقية مثل الحزب الشيوعي و حزب الدعوة و ممثلي ثوار انتفاضة الجنوب ، وتطعيم اللجنة بإضافة شخصيات إليها على سبيل المثال لا الحصر مثل الأساتذة حسن العلوي وليث كبة وسمير عبيد وداود البصري و منذر الفضل و فائق الشيخ علي ونجيب الصالحي ، و أن تأخذ اللجنة بعين الاعتبار من أن الاخوة المسيحيين اكثر من 90% هم من الكلدان فيجب تمثيلهم في اللجنة حسب تعدادهم ، وإضافة ممثل عن الاخوة الكرد اليزيديين و ممثل عن الاخوة المندائيين  و كذلك إضافة أكراد مستقلين إلى اللجنة ،  لتكون اللجنة بمثابة برلمان حقيقي تمثل كل الطيف العراقي ، وان تقوم هذه اللجنة بانتخاب لجنة تنفيذية تكون بمثابة حكومة ظل تباشر عملها حال حدوث التغيير ، وان تنتخب أيضا مجلس سيادة يقوم مقام رئاسة الجمهورية ،

و أن تولي اللجنة أهمية للوضع الاقتصادي والصحي و التعليمي للعراق لما بعد التغيير ، وكذلك  الاهتمام بالعلاقات الدولية و الإقليمية  للعراق وفق مواقف هذه الدول من القضية العراقية .

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مجلة المراسل 01-06-2024 • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حزب الله يعلن قصف بلدتين في شمال إسرائيل وسط تصعيد متواصل




.. تصعيد بجنوب لبنان.. مسيّرات وصواريخ حزب الله تشعل حرائق في ا


.. الانقسام الداخلي في إسرائيل يتفاقم.. ماذا تعني تهديدات بن غف




.. تصاعد المعركة المالية بين الحكومة اليمنية والحوثيين يهدد بان