الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الحرب لدى زيغموند فرويد

حسين الموزاني

2014 / 12 / 25
الادب والفن


حسين الموزاني

مفهوم الحرب لدى زيغموند فرويد


هناك ثلاثة علماء جاؤوا في فترة زمنية متقاربة، ومن ديانة واحدة وهي اليهوديّة التي تنكروا لها أو رفضوها، مفضلين عليها العلم والمعرفة، وهم كارل ماركس والبيرت آينشتاين وزيغموند فرويد؛ وقد ساهموا على نحو جذري في تغيير البشرية برمتها. فغيّر ماركس نظرة الإنسان إلى الإنسان الآخر، وعلاقة الفرد بالمجتمع، وجاء بنظرية صراع الطبقات التي سينتهي بالثورة الاشتراكية وإقامة النظام الشيوعيّ المثاليّ، ثم جاء آينشتاين ليغيّر نظرة الإنسان إلى الكون والفضاء الخارجي ليعرف مقدرته وقدرته الذهنية والعقلية، ويعيد اكتشاف نفسه في عالم لا نهاية فيزيائية له ولا حدود. وكذلك فعل فرويد الذي غيّر نظرة الإنسان إلى نفسه بالدرجة الأولى، فاقتحم مجاهيل النفس البشرية، ليكشف عن غرائزها وقوتها وضعفها وأمراضها المزمنة ومنها الحرب التي سنتناول تحليله لها بالتفصيل.
في عام ألف وتسعمئة وإثنين وثلاثين بعث آينشتاين برسالة إلى فرويد وسأله فيها عن مدى قدرة الإنسان على وضع حدّ للحروب، جاء في الرسالة: "هل هناك إمكانية لتوجيه تطوّر البشر، ليصبحوا قادرين على مقاومة هلاوس الكراهية والإبادة؟"
فحاول فريد الإجابة بهدوء وتحليل منطقي قائم على نظرية غريزة القتل و"الإيروس" أو نزعة "الحبّ" المتأصلتين في النفس البشرية. ورّكز فيها على أهمية الثقافة والفكر المتحرر من الأوهام والذي من شأنه أن يضمن المستقبل السلمي للبشرية على المدى البعيد.
استهل فرويد إجابته بعبارة ساخرة وتحمل في طياتها سمة التواضع، فقال "كنت أتوقع منك أن تختار معضلة تقف على حدود ما هو مدرك ومعلوم الآن. بحيث أن كلانا، عالم الفيزياء والمحلل النفسي، سيعثران على مدخلهما الخاص، فيعالجان القضية من مختلف الزوايا ثمّ يلتقيان على الأرضية نفسها. لكنّك باغتني بالسؤال عما يمكن أن يفعله المرء لدرء كارثة الحرب عن البشر. فشعرت بالرعب من تصوري هذا، وكدت أقول تصورنا، لأن حل هذه المعضلة بدا لي واجباً عملياً ملقى على عاتق رجال الدولة".
وينطلق فرويد من مبدأ يقول إنّ الصراعات القائمة على المصالح المختلفة بين الناس لا تحلّ مبدئياً إلا عبر العنف. وهو يستخدم هنا مصطلح "العنف" بدلاً من مصطلح "السلطة" الذي استخدمه آينشتاين، لأنّ فرويد يرى في السلطة مرحلة متقدمة من التطور الإنسانيّ، بينما يعتبر الغريزة هي النزعة البدائية المتأصلة في دخيلة كلّ إنسان فتدفعه لخوض الحروب والنزاعات المسلحة. ثمّ جاءت مرحلة التفوق الذهني عبر استخدام الأسلحة لتحلّ محل استخدام العضلات. وبذلك أصبح مصير البشرية مهدداً كلّ لحظة باندلاع النزاع المسلح. وبات هدف إزالة الخصم، أي قتله هدفاً أساسياً للحرب، ورسالةً لإرهاب الآخرين وإخافتهم. فضلاً عن أن قتل العدو يشبع رغبة انتقامية تكمن في دخيلة الإنسان، لأنّ الإبقاء على العدو حيّاً يعرض حياة المنتصر نفسه إلى الخطر، ويضعه أمام التزامات أخلاقية وعملية عديدة.
بيد أنّ هذا الوضع تغيّر في مجرى التاريخ ووضعت ضوابط جديدة تهدف إلى إخراج الحرب من "غريزة العنف" ووضعها ضمن الإطار القانوني، فأصبح "الحق سلطة للمجتمع". فسنّت القوانين للتحكم بالسلطة وفقاً لسلطة العقل ومصلحة الجماعة، وخاصة الوحدة الاجتماعية الكبرى، ويعني بها فرويد عصبة الأمم المتحدة، التي يحقّ لها أن تحتكر السلطة التنفيذية في إدارة شؤون العالم. ومع ذلك فإن عالم النفس لا يعتبر هذه السلطة الدولية ضمانةً كافية للأمن والاستقرار، لأنّ هناك بعض الساسة الذين سينتهكون هذه القوانين، ويستخدمون وسائل العنف لقهر الدول وقمعها ويجلبون الدمار والهلاك لشعوبها مثلما فعل المغول والأتراك على حدّ قول فرويد نفسه. وبالتالي فإن للشعوب الخاضعة للاحتلال والاستعمار حقّ اللجوء إلى العنف بغية التحرر من نير الاحتلال. ويخلص فرويد في هذه النقطة بالذات إلى القول إنّ "درء خطر الحرب ممكن فقط إذا ما اتفق الناس على تشكيل سلطة مركزية مخولة بإدارة جميع النزاعات القائمة على المصالح“. ومع ذلك فإن فرويد يعود إلى موضوعه الأثير وهو ربط الحرب بالغرائز الجنسية للبشر، ويرى أن من السهل تماماً تعبئة الناس لخوض غمار الحرب بسبب نزعة الكراهية و"حبّ الإبادة“. وليس هناك أية قوى إنسانية أخرى يمكن أن يقف حائلاً دون نشوب الحرب سوى "الإيروس" Eros بالمفهوم الإفلاطوني، لأنّ الدافع الحقيقي الذي يقف خلف الموت يكمن في النزعة التدميرية المتأصلة في البنية العضوية والتركيب الجسدي للإنسان. ويعترف فرويد بأنّ الطاقة الطبيعية التدميرية لدى البشر هي أقوى بكثير من الإرادة الخيّرة ونزعة الحبّ، ويؤكّد على أن من الصعب استئصال ميل الإنسان إلى العدوانية. فهو مجبول على ذلك وراثياً. ويسخر فرويد من طوباوية النظام البلشفيّ "السوفيتيّ" الذي يدعي بأنه يسعى إلى إشباع الحاجات المادية للشعب وتحقيق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع، ويعتبره وهماً مطلقاً. ويتهم فريد النظام السوفيتيّ بتأجيج النزاعات الدولية والاعتماد على أيديولوجية قائمة على العدوان والحرب. ويشدد عالم النفس على أهمية الحبّ الذي يجرده من أهدافه الجنسية هذه المرّة، ويقول إن علم التحليل النفسي لا يخجل من توظيف مصطلح الحبّ، لأنّ التعاليم الدينية نفسها تنصح بحبّ الآخرين. ويعرّف فرويد هذا النمط من الحبّ بالشعور بالارتباط مع الآخرين والتماهي معهم Identifizierungen.
فرويد يشكو أيضاً من ظاهرة عدم التكافؤ الخلقي والفكري بين الناس الذين ينقسمون بسهولة إلى قادة وخاضعين؛ والخاضعون هم بالطبع الأغلبية المطلقة في كلّ مجتمع. ويدعو إلى ما يسميّه بـ "دكتاتورية العقل" وتربية النخبة المستقلة والمتحررة التفكير والباحثة عن الحقيقة إلى قيادة الجماهير غير المستقلة.
فرويد يطرح سؤالاً هنا لم يتطرق إليه آينشتاين في سؤاله عن الحرب، وهو لماذا يرفض معظم الناس الحرب ولا يقبلون بها مثلما يقبلون المحن والكوارث الطبيعية؟ ويجب فريد عن هذا السؤال بالقول إن "لكل إنسان الحقّ في أن يعيش حياته الشخصية كما يشاء، والحرب تدمر حياة الناس المفعمة بالآمال وتضع الإنسان في مكان محرج فتهين كرامته وتجبره على قتل الآخرين، رغم رفضه للقتل، وتدفعه إلى تدمير القيم المادية النفيسة وثمار العمل الإنساني وما إلى ذلك. فضلاً عن أنّ الحرب في شكلها الحالي لا تتيح الفرصة للأمثلة البطولية الموروثة، كما أنها، وبفضل تقدم الأسلحة الفتاكة قادرة على إبادة طرف برمته، أو كلا الطرفين المتحاربين".
فرويد لا يكتفي برفضه للحرب بل يكشف عن هويته وقناعته السياسية وهي النزعة الإنسانية المسالمة ويقول إننا، ويقصد آينشتاين أيضاً، "مسالمون، لأنّنا، ولأسباب عضوية، لا نستطيع أن نكون إلا على هذه الشاكلة". ويخلص فرويد إلى نتيجة مفادها أن درأ خطر الحرب يكمن في العملية التربوية الثقافية التي انتجت الفكر التنويري الإنساني المسالم. ويعتقد فرويد بأنّ هذه العملية تشبه عملية التدجين بعض الأنواع الحيوانية والتي ستتمخض عن تحولات في المفهوم الجسدي والجنسي. لكنها لا مناص منها إذا ما أردنا التصدي إلى الحرب والعدوانية داخل أنفسنا أو في نفوس الآخرين. فكلّ خطوة في اتجاه التربية الثقافية هي محاولة للتصدي إلى الحرب. وأخيراً يعتذر فرويد لعالم الفيزياء آينشتاين بأنّه ربّما قد خيّب آماله بأجوبته هذه.
وما يهمنا هنا هو ليس معرفة أسباب الحرب، خاصةً وأنّ هذه الأسباب قد تعود إلى دوافع نفسية مرضية يحملها هذا الزعيم السياسي أو المالي المتنّفذ أو ذاك، بل في كيفية مواجهة الحرب عبر التربية الثقافية. فنحن نعلم بأنّ الحرب الدائرة الآن في منطقتنا العربية تهدف ليس فقط إلى تبديد الثروات الطبيعية وإبادة المدنيين الأبرياء، بل تدمير الموروث الثقافي المشترك الذي هو عماد الشعب ووحدته. فليس الطائفة أو العرق أو الانتماء السياسي أو الديني هو الذي يشكّل الوحدة الوطنية للشعب، بل الثقافة والتاريخ الفني والأدبي لكلّ شعب بمفرده. ولذلك فإننا نرى بأنّ الغرب، وخاصة الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل مصرتان على تدمير ما بقي قائماً من الموروث الثقافي في العالم العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟