الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يمكن حقاً اعتزال السياسة ؟!

عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)

2014 / 12 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


نشرت قبل يومين فقرة على الفيسبوك أتعهد من خلالها بترك الحديث في السياسة. ردود أفعال الأصدقاء كانت متنوعة وغنية، فمنهم من سخر من ادعائي قائلاً ( في المشمش )، ومنهم من اعترض بقوله ( نحن بحاجة إلى مساهماتك ورأيك )، وما بين السخرية والرفض، ظهر المؤيدون الذين وافقوا على ترك السياسة !

ربما لم أكن جاداً في ادعائي، ورغم شكري وتقديري لجميع الآراء بما فيها الساخرة، إلا أن تفكيراً عميقاً أصابني لدرجة الإعياء. تساءلت: هل يهتم اليابانيون والأمريكان والألمان بالسياسة مثلنا ؟! هم ونحن نشترك في شيء مهم جداً، وهو دفع الضرائب، ولكن تربية الإنسان الغربي في الدول المتقدمة تقوم أصلاً على تفعيل مبدأ المشاركة السياسية، فثمة مثل ياباني يقول ( ما قيمة سفينة الدولة إن لم نكن جميعاً على ظهرها ؟! ) !!

عندما يعي الناس في بلادنا بأنهم دافعوا ضرائب، وأن أخبار الفساد المالي والإداري في السلطة التنفيذية تعني أن ما ندفعه " جميعاً " من ضرائب، يتم إهداره ونهبه من قبل المسؤولين، وفي ظل تنامي الفقر ومظاهر المجاعة وتفاقم البطالة، يصبح الفساد جريمة أخلاقية وقانونية لا يجوز السكوت عليها بأي حال، وإذن فإن اصطلاح " دافع الضرائب " سيعني حتماً " سياسي " !

حتى الأدب والشعر، في الغالب يأتي من خلال مشاركات سياسية، وهو ما أدى إلى وجود الأدب السياسي. يقول نزار قباني موجهاً نقده ولعناته إلى الكتاب العرب:

كتّابنا على رصيف الفكر عاطلون
من مطبخ السلطان يأكلون
بسيفه الطويل يضربون
كتابنا ما مارسوا التفكير يوماً
لم يقتلوا
لم يصلبوا
لم يقفوا على حدود الموت والجنون !

فما كان من صديقي محمد أبو عرف إلآ أن علق على الأبيات بقوله ( وهذا مش سياسة ؟؟؟ ) .. حتى عندما كتب غسان كنفاني ( رجال في الشمس / عائد إلى حيفا ) كان يشارك بأدبه وإبداعه في معترك السياسة.

في ألمانيا قامت الحكومة بتخفيض ميزانية التعليم 2 %، فماذا تتخيلون ما حدث في أعقاب هذا التخفيض ؟! لقد خرجت جماهير وجحافل الألمان في تظاهرة تاريخية حملت فيها يافطات جاء فيها ( نحن سنتحول إلى دولة في العالم الثالث ) أو ( نحن ندفع موازنة الدولة من دمائنا )، أو ( من حق أطفالنا تعليم نوعي ومتطور ) !! ولم تمضي سوى 24 ساعة حتى تراجعت الحكومة عن قرار التخفيض !

بالله عليكم كم يبلغ إنفاق أغنى دولة عربية على التعليم ؟! السعودية تنفق 5.4 % من دخلها القومي على التعليم، ولا نعلم كم ينفق أمراء آل سعود في نوادي القمار في لندن ولاس فيغاس ؟؟!

قارنوا بين دافع الضرائب في الغرب، وكيف يفهم معنى الدولة، ومعنى حقه في المشاركة السياسية بالمهازل التي تحدث لدينا ؟!

شعوبنا تحركها العاطفة وليس العقل، هل تذكرون التظاهرات وحرق السفارات والأعلام للتعبير عن رفض الرسوم المسيئة ؟؟! هل شاهدتم كيف انقلبت أحداث الربيع العربي، فتحولت من مطالب الديمقراطية إلى ردة ثقافية وحضارية وتدمير وفوضى وقتل ؟؟!

أثناء زيارتي لبريطانيا قبل 15 عام، تصادف بأن اشتريت علبة سجائر من منطقة سياحية، تفاجأت بأن العلبة تصدر صوتاً عند خضها، وتفاجأت أكثر عندما فتحتها، فوجدت فيها 13 سيجارة بدلاً من 20 .. قلبت العلبة فإذا بإعلان مطبوع عليها يقول ( بشرائك لهذه العلبة تكون قد تبرعت بثمن 7 سجائر لمركز مكافحة سرطان الرئة !!! ).

أليس هذا سياسة دولة ؟؟! ألا يحق لتلك الشعوب أن تحكم الكوكب ؟؟! هم يحققون الإنجاز تلو الإنجاز في التقدم والرفاه والمساواة والضمان الاجتماعي، بينما نحن نخترع داعش ولواء والتوحيد وجيش الإسلام وجبهة النصرة والقاعدة وبوكو حرام وغيرها من مظاهر الهمجية والتراجع والتقهقر الحضاري !

لا يمكن ترك السياسة لأننا دافعوا ضرائب مثل الشعوب المتقدمة، ولكن الفرق يكمن في أن تلك الشعوب هي التي قامت ببناء الدولة ومؤسساتها، ولم يحصلوا على تمويل لمؤسسة " تمكين المرأة " و " رعاية المرأة "، بل قاموا بتوفير الحريات الفكرية والسياسية، حرية الرأي والتعبير كانت هي كلمة السر في تقدم وتطور تلك الشعوب !

لا يمكن لمثقف أو مفكر أن يعتزل الكتابة السياسية، خاصة إذا علمنا أن كتب " داعش " التي تحرم الديمقراطية أصبحت توزع في ظل الفوضى وغياب الرقابة على المطبوعات والنشر. لهذا فإن المشاركة السياسية ليست حقاً مكتسباً فحسب، بل هي واجب إنساني وأخلاقي ووطني !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد