الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعلان الدوحة وانخفاض المناعة الإقليمية لتركيا

مرح البقاعي

2014 / 12 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


بين زيارتيّ نائب الرئيس الأميركي، جون بايدن، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لأنقرة مؤخراً، ترتفع مجموعة من التساؤلات تتعلّق بالتواقت بين الزيارتين، وعلاقة هذا التواقت بالسباق المحموم بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية لكسب جانب أنقرة، كل لحساب أجندته المضمرة، فيما يخصّ الملفات الإقليمية المعلّقة وعلى رأسها موقف المعسكر الروسي النقيض للموقف الأميركي من قضية الحرب على الإرهاب أولاً، والحرب في سوريا وعلى سوريا ثانياً.
فزيارة بايدن لم تكن فقط لتصويب تصريحاته، التي أثارت حنق أنقرة، حول دورها في تسهيل عبور المقاتلين الأجانب للالتحاق بتنظيم داعش، وأدّت إلى ارتفاع حرارة التوتر بين البلدين العضوين في حلف الشمال الأطلسي، بل هدفَ بايدن المباشر من زيارته تلك هو إقناع القادة الأتراك بلعب دور أكبر في مجموعة التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية بما يتجاوز دورها الخجول في السماح لبضعة مئات من مقاتلي البشمركة بالعبور من الأراضي التركية لقتال التنظيم في مدينة كوباني.
أما بوتين فمراميه من الزيارة تكاد تناقض مآلات بايدن على الرغم من تقارب الزيارتين زمنياً. إذ أن الدولتين، الروسيّة والتركيّة، اللتين تتقاسمان الضفة الأوراسية كما تتقاسمان البحر الأسود، قد اختلفتا بشكل جذري في الموقف من قضية محورية في سياستهما الخارجية وهي الحرب في سوريا ببعديها: الموقف من المعارضة السورية من جهة، ومن النظام السوري من أخرى. وقد أراد بوتين، الذي يزور أنقرة رئيساً لوفد بلاده للمجلس الاستراتيجي الروسي ـ التركي، أراد أن يصيب مرمىً مباشراً خلال الزيارة في دعوته تركيا للانضمام إلى مجموعة أصدقاء الحل في سوريا، التي يعمل الكريملين على تشكيلها بالتعاون مع المبعوث الأممي لسوريا ستيفان دي ميستورا، والتي ستضم تركيا وإيران ومصر والسعودية، إضافة إلى الدول الخمس الكبرى، حيث ترى موسكو في هذه المجموعة مشروعاً بديلاً لأصدقاء سوريا التي تشكّلت في العام 2012 من 134 دولة لدعم المعارضة السورية.
يستطيع أي قارئ عابر للخبر السياسي أن يلحظ تلك الحالة من التنافس العلني بين العملاقين، الشرقي والغربي، للتأثير على توجّه الدفّة التركية في قضايا إقليمية عابرة للحدود يتقدّمها الوضع السوري المتدهور إنسانياً وأمنياً وسياسياً، حيث تلعب تركيا دوراً ملتبساً في موقفها "المساند" للمعارضة السورية مقابل "تراخيها" في مكافحة تغوّل داعش ـــ ذاك الوحش الفالت الذي يطال أول ما يطال حلفاءها من صفوف المعارضة المعتدلة. فلقاء الساعات الأربع الذي جمع بايدن وأردوغان جاء نتيجة مباحثات مطوّلة بين الجانبين، على المستوى العسكري تحديداً. فالولايات المتحدة التي تريد من أنقرة أن تسمح للتحالف الدولي استعمال قواعدها العسكرية لإنطلاق طائات التحالف وعلى رأسها قاعدة أنجريلك الاستراتيجية، وكذا تمكين إقامة معسكرات تدريب على أراضيها للمعارضة المعتدلة، سترضخ بالمقابل لإرادة تركيا في إقامة مناطق محميّة في الأراضي السورية الحدودية بحيث يكون لأنقرة اليد الطولى والسيطرة المباشرة عليها بحجة تدريب المعارضة هناك. إلا أن هذه المناطق لن تحاكي طموح تركيا الفاحش في الشمال السوري، فهي ستكون ــ حسب التصوّر الأميركي ــ مقتضبة، بحيث لا تقترب من مدينة حلب، ولا تعادل حمايتُها حظراً جوياً شاملاً، إنما سيكون مجرد توفير مناخ آمن يكفي لتدريب المعارضة وتمكينها من المساندة الأرضية في حرب داعش، بينما يقوم التحالف بمتابعة تنفيذ المهمة جويّاً.
أما بوتين، فملفّه السياسي إلى أنقرة كان مغلّفاً بعناية بورق السولوفان النفيس لملفيّ الأعمال والاقتصاد الذين كانا سبباً رئيساً في تمكين حزب العدالة والتنمية شعبياً، وكذا في إيصال الطيب أردوغان إلى سدة الرئاسة. وقد تنوّع هذا الملف بين الغاز الروسي وإعلان بوتين خلال الزيارة عن نيّته بناء مجمّع لغاز بروم على الحدود التركية ــ اليونانية مقابل تعليق بناء خط أنابيب "ساوث تريم" الذي يمرّ تحت البحر الأسود، مروراً بتمكين التجارة البينية بين البلدين لتصل إلى ما يقارب 100 مليار دولار سنوياً في العام 2020 بعد أن بلغت 33 مليار في العام 2014، وصولاً إلى الإعلان عن العام 2016 عاماً للسياحة في كلا البلدين ما سيحفّز التبادل التجاري والثقافي وانتعاش الحركة السياحية بين البلدين. ورق السولوفان الروسي المبهج يخفي مآرب مضمرة لموسكو تكمن في محاولتها اختلاس أنقرة من مجموعة الحلف الأطلسي ومشاريعه العسكرية في سوريا والعراق إلى موقع "أرحب" في الاقتصاد والمال تحت مظلة مجلس التعاون الروسي التركي الذي تأسس في العام 2010 حاملاً لبرنامج اقتصادي تجاري طويل الأمد بينهما.
هنا يقف سيد الباب العالي، رجب طيب أردوغان، في الوسط من "دائرة الطباشير القوقازية" مشدوداً من ذراعه الأيمن إلى مصالحه الاستراتيجية في المجلس التركي ـ الروسي، بينما ذراعه الأيسر في قبضة العملاق العسكري الأطلسي الذي يرتبط معه بموائيق استراتيجية بعيدة المدى. أما على مستوى الجوار الإقليمي، فإنّ الموقف القَطري الرسمي الذي تمخّض عن قمة مجلس تعاون دول الخليج مؤخراً في الدوحة، والذي أكّد على مشروعية خارطة الطريق التي يقودها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، جاء ليمعن في خفض مستوى المناعة السياسية الإقليمية لتركيا، حيث لم يعد ما دعته أنقرة "انقلاباً" على شرعية الإخوان المسلمين في مصر بالمصطلح الذي ستعتمده قطر إثر إعلان الدوحة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو