الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الاستبداد تأطير الحلم وتهميش الوعي

عواد احمد صالح

2005 / 9 / 5
مواضيع وابحاث سياسية



تعني الثقافة بالمفهوم الفلسفي ( مجموعة القيم المادية والروحية التي تخاطب العقل والشعور) والتي تنتج عن مجمل النشاط الاجتماعي – الفكري السياسي خلال مرحلة تاريخية معينة فأن هذه الثقافة تتخذ إشكالا وتخلق أنماطا للعلاقات والسلوك البشري وتحت تأثير النظام السياسي السائد . وقد شهد العراق خلال حقبة صدام مايعرف بـ (ثقافة الاستبداد ) ، انها نواتج السلوك الأستبدادي وطريقة عمله وتفكيره وانعكاساتها على حياة الأفراد والجماعات ، فهذه الثقافة تتميز بتوصيفات عديدة منها انها ثقافة هيمنة واقصاء (ثقافة ) تستعيض عن الأبداع الجماعي بطغيان الفرد تحبس ذلك الأبداع ضمن اطر ضيقة جدا ، وهي نكوصية بمعنى انها تخلق حالة إحباط جماعي لدى الأفراد بحرفها مختلف التوجهات الأجتماعية على وفق رغبة فردية تعسفية تحاول تلك الرغبة السادية للفرد للحاكم ترويض (الذات ) الجماعية بصورة تدريجية وكبح جموحها وتطلعاتها وجعلها ( ذات ) متلقية قنوعة مكتفية بالحاجات الحرمانية ، ذات مستهلكة لمختلف القيم المادية والفكرية البائسة دون اعتراض او رفض ، وباستمرارية من الطرق والترويض تتحول الذات الجماعية الى ذات خانعة مستسلمة راضية تتقبل صفعات ( الأنا العليا ) أي الذات المستبدة وتنحرف عن طبيعتها السوائية متحولة الى ذات مازوخية تستعذب الألم وتنبهر بأفاعيل البطش والأكراه والقتل .
وتتميز ثقافة الأستبداد كما حصل في العراق في حقبة صدام في امساكها وتحكمها بتحديد رغبات الذات الجماعية وتوجيه عملية ضخ القيم اليها بمختلف اشكالها القيم المادية والحضارية ونسق السلوك ، فكل ثقافة استبدادية تؤطر أحلام المجتمع ورغباته وفق مشيئتها وتحصر الأماني والرغبات والميول للأجيال المتعاقبة في حدود ضيقة جدا .. ان حلم الناس يعد شيئا غير مشروع الا في حدود ما تقرره وتمنحه الذات المستبدة ولا ينبغي للناس ان يذهبوا بعيدا في احلامهم خوفا من الشطط والانحراف كما تتؤكد على ذلك الذات المستبدة ، انها ثقافة تمايز طبقي واجتماعي بل هي مجموعة املاءات مقولبة يضعها مثقفو النظام المستبد منافية للطبيعة الأنسانية ، فهي تهدم الأخلاق وتهمش الوعي الأنساني وتقوض الحس السليم بطرقها الأكراهية التعسفية ، وبالتالي تكرس مجتمعا مريضا تحقنه بقيم غاية في السوقية والأنحلال . وهي بفرضها قيود صارمة على الحرية والتفكيروالأبداع الحر انما تحكم على نفسها بالأنهيار عند اول صفعة لأنها تركز في بقائها واستمرارها على القوة الغاشمة والأكراه وعندما تنكسر عناصر ومرتكزات قوتها تنهار قيمها واخلاقياتها ومثلها، مخلفة ردود فعل عنيفة تتمثل في اشكال من الأحباط الجماعي الذي تنجم عنه ردود فعل عنيفة ومتشنجة لدى الأفراد والجماعات الذين قولبت وعيهم واطرت حدود تفكيرهم ضمن مفاهيمها الضيقة والقاصرة ، يؤدي في الغالب الى العودة الى ثقافات وقيم مغلقة اكثر ضيقا وتخلفا وتعصبا .
ان ثقافة الأستبداد تمسخ الوعي الأنساني وتحطم الأنماط الفكرية والسلوكية السوية بسبب وضعها ذلك الوعي في اطار النمطية الفردية المؤلهة - ثقافة الولاء العربية الممتدة عبر التاريخ من الولاء لشيخ القبيلة الى الولاء للحاكم المطلق ، وفي سياق الانمحاء الفردي امام الذات الخالدة (الله ) تغذي وتولد باستمرار وفي كل الحقب عناصر الخضوع والطاعة والتهميش الكامنة في اللاوعي الجمعي العربي – وتخضع مساحة الفكر الشاسعة لدائرة من التفكير الضيق بوضعها في غالب الأحيان حدود محرمة ومقدسة على كثير من الاسئلة والرغبات والطموحات الفردية او الجمعية.
لذا فهي تخلق حالة من القهر الأجتماعي والأنمحاء والنكوص امام مجموعة كبيرة من السلطات من ابرزها سلطة العرف الاجتماعي والعائلة والحاكم المطلق وسلطة الرب ، كما تخضع الفرد والمجتمع لأسر الحاجة المادية ، تدفعه الى مرحلة (حيوانية ) مرحلة حصر نشاطه في الحصول على الطعام من اجل البقاء ، بتحويلها الحاجات البيولوجية من حاجات تكميلية للحياة الى حاجات اساسية بجعلها اللهاث الحيواني شرطا للبقاء الفيزيقي تحول الأنسان من كائن ايجابي صانع بناء منتج الى انسان سلبي مستهلك لايكترث بالقيم الايجابية ومنها قيم التحول والتغيير، يستسلم للنوازع الأنانية ويمارس سلوكا اقرب الى الحيوانية منه الى الأنسانية .
ولعل الجانب الأخطر في ثقافة الاستبداد تكريسها لحالة القهر الاجتماعي والنكوص الجماعي واستعذاب الألم والتلذذ بالطاعة والخضوع وهي حالة سلبية ماقبل حضارية تؤدي الى الشلل الفكري ومحدودية الوعي والسلوك غير المتوازن وتؤدي الى تعبئة الشخصية الأنسانية بمجموعة من النوازع المتعارضة في مواجهة الظرف الصعب والأستثنائي التاريخي كالرفض والقبول والحيرة والتردد وعدم معرفة وتحديد الأهداف واحيانا الهروب الى الوراء والتخفي في منطقة الظل.
لقد خلقت ثقافة الاستبداد في العراق شريحة اجتماعية كبيرة ماتزال محصورة في منطقة القهر ولا ترغب في مغادرتها وهي تسعى بعد ان انكسرت حدود تلك الدائرة لأعادة اللحمة اليها ، انها تحتفظ بوعي فصامي ويهيمن عليها عصاب الأستبداد ويترسب في اعماقها شعوربالضياع والأنكسار بعد زوال سلطة اناها الأعلى ( الديكتاتور) الذي روضها على الطاعة والخضوع وإدمان العبودية .
ان هؤلاء الذين لايريدون ولايرغبون في مغادرة دائرة القهر هم اولئك الناس الذين اعتادوا على الأنجرار والقبول بما يملى عليهم وتنفيذ الأوامر وتقديس المشيئة المستبدة وهم قاصروا الوعي النمطيون المغتربون امام ذواتهم وامام الطبيعة والمجتمع ، وفي المحصلة فأن ثقافة الاستبداد تخلق مجتمعا بلا روح وبلا عقل ولا ضمير مجتمع كسيح القيم مغلق مطبوع بالشقاء ومجبول على الخضوع مجتمع مروض مسبوق ومغيب في مضمار الفعل يرتبط بالماضي اكثر مما يتطلع الى المستقبل . لايقوى على الأبداع والتغيير لا يقوى على انتاج قيم روحية عظيمة ولا قيم مادية توفر له حياة افضل .
ان ثقافة الحرية والخروج من اسر الحاجة المادية من مجتمع الضرورة الى مجتمع الحرية هي البديل.. انها تعني اطلاق طاقات العقل والضمير الإنساني والخروج من اسر التفكير الأحادي والهيمنة الفردية واطلاق الطاقات الجماعية في مجالي انتاج القيم المادية والروحية ، هي البديل الذي يعيد ايقاف الوعي الأنساني على قدمية بعد ان كان مقلوبا يقف على رأسه .
30-8-2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دول عدة أساسية تتخذ قرارات متتالية بتعليق توريد الأسلحة إلى


.. سقوط نتنياهو.. هل ينقذ إسرائيل من عزلتها؟ | #التاسعة




.. سرايا القدس تعلن قصف جيش الاحتلال بوابل من قذائف الهاون من ا


.. نشرة إيجاز - كتائب القسام تقول إنها أنقذت محتجزا إسرائيليا ح




.. -إغلاق المعبر يكلفني حياتي-.. فتى من غزة يناشد للعلاج في الخ