الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنصرية والمجتمع العربي

إيمان أحمد إسماعيل

2014 / 12 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


هل العنصرية مكون رئيسي من مكونات الشخصية العربية ؟ هل حقا المجتمع العربي مجتمع عنصري، يمارس أشد، وأقسى أنواع التمييز ضد الأقليات التي تنتمي إلى قوميات غيرعربية ؟
تتكون الأكثرية في العالم العربي من العرب المسلمين، بمذهبيهم الكبيرين السني ، والشيعي أما كل الجماعات الأخرى عربية، أو غير عربية، مسلمة، أو غير مسلمة، فتصنف كأقليات.
وبداية نوضح أن مصطلح «الأقليات» سواء على المستوى العرقي ،أو الديني ليس دقيقا فهناك جماعات تعد بعشرات الملايين، ومع ذلك تصنف في خانة الأقليات كالأكراد إذ يقدر عددهم بحوالي 25 مليون كردي يتوزعون ما بين تركيا والعراق وإيران وسورية، و الأقباط في مصر ويقدرعددهم - حسب إحصاءات غير رسمية- بعشرة ملايين، وهناك الأمازيغ الذين يقدر عددهم بأكثر من عشرين مليون، ويقطنون شمال أفريقيا .
كان العرب منذ جاهليتهم ينظرون إلى أنفسهم على أنهم السادة المميزون، وجميع الناس خلاهم عبيدا وُجدوا لخدمتهم، وراحتهم بل إن العصبية ضد الآخر كانت مشتعلة حتي بين القبائل العربية ذاتها، ويظهرذلك بوضوح في الحروب القبلية، وفي الشعر في التعيير بالأصول، وقلة العدد، ففي لامية الصموءل اليهودي "تعيرنا أنا قليل "والتعييرهنا تعييرمجمتع للأقلية اليهودية .
ثم جاء الإسلام، وساوي في الخطاب القرآني بين الناس، ووضع سببا واضحا لاختلاف الخلق والتعددية " إنا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" إذن فالتعدد، والاختلاف بكل أشكاله الدينية، والثقافية، واللغوية أساس الوجود، وينبغي أن يدفع إلي التعارف الذي هو بداية التعايش السلمي، والمواطنة لا التنافر والتناحر فهل عرفت الحضارة الإسلامية تعددا دينيا أو لغويا هائلا؟ أظن أن الإجابة بلا، وإن شهدت هذه الحضارة في بعض الفترات تعايشا سلميا بين سكانها من أتباع الديانات المختلفة، وكان غالبا في البلاد التي تتكون طبقتها الأساسية من غير العرب .
سؤال هامشي: هل يعرف الإنسان العربي شيئا عن مواطنيه من غير العرب؟ هل سمع شيئا عن الإيزيدين مثلا قبل أن ينكل بهم، وبأطفالهم، ونسائهم، همج، ووحوش الدواعش؟
حارب الإسلام التمييز على أساس الجنس " فليس لعربي على أعجمى فضل إلا بالتقوى"، وكل الناس " لآدم وآدم من تراب"، ولكن العنصرية، والعصبية لم تنته، ولم تخفت نارها إلا في عهد النبوة، وجزء من الخلافة الراشدةن وعندما استقر الملك لبني أمية- بداية من حكم عثمان بن عفان- شجعوا العصبية، والتمييز فخرج ماردها من قمقمه، واستعر لهيب العصبيات، والتمييز مرة أخرى، ووصلت العنصرية ضد القوميات الأخرى حتى تلك التى اعتنقت الإسلام أشدها، وظل هؤلاء مواطنين من الدرجة الثانية رغم إسلامهم، وعاني منها حتي المبدعون والنابغون، ومازالت أشعار كثير منهم شاهدة على مر شكواهم، وأيضا لم تختف العنصرية من المجتمع العربي في الدولة العباسية التي قامت أصلا على أكتاف غير العرب من الفرس، ولم يشفع لكثير من غير العرب قيادتهم مشاعل الحضارة والتقدم وظلوا يعيرون بأصولهم غير العربية .
وفي مواجهة العصبية البغيضة ظهرت الحركات الشعوبية كرد فعل فحاولت الدفاع عن الأصول، والانتماءات المختلفة حتى وإن كان ذلك بتحقير الجنس العربي كله ، ووصفه بما ليس فيه، وظل سلاح هؤلاء المقاومة بالأدب، و الفكر إلى أن ضعفت الدولة الإسلامية، وبدأت تتقاذفها رياح الوهن، ويحتل الأجنبي دولها هنا وجد بعضهم فرصته لمساندة الغزاة لا حبا فيهم، وإنما كرها في من أذاقوه قرونا عديدة ألوانا من العنصرية، والتمييز، وشماتة في من ساموه سوط التهميش، والإحساس بالدونية، ورغبة في التمتع بالمزايا التي يقدمها المحتل.
وفي العصرالحديث وبعد انتشار مبادىء حقوق الإنسان في العالم كله، ومفاهيم العدل والمساواة، والحريات عملت عنصرية المجتمع العربي على تكريه، وتنفير الأقيليات منه، وحولت التعدد، و التنوع من عامل قوة وثراء إلى عامل ضعف، وخور لتبدأ هذه الأقليات سعيها لنيل مطالب يبدو بعضها في ظاهره مشروعا، وإن بدا بعضها الآخر بعيدا غير قابل للتحقيق، كسعيها إلي إقامة دولها المستقلة عن المحيط العربي، ومطلباتها باعتماد لغاتها الأم لغة رسمية.
وسأتوقف أمام الدروز مثالا لما فعله التهميش والعنصرية ( أستقي مادتي عن الدروز من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة)
تختلف آراء الباحثين، والدروز أنفسهم حول عد الدرزية مذهبا إسلاميا، أو عدها ديانة مستقلة بحد ذاتها، و يتراوح عدد الدروز، أو الموحدين كما يطلقون على أنفسهم في العالم كله بين 1,000,000 إلى 2,500,000، ويقيم 100,000 درزي في المهجر وتشكل سوريا أكبر تجمع سكاني للدروز في العالم العربي إذ يقطنها حوالي 700,000 نسمة.
ومنذ بدايتهم أي قبل ألف عام كان للدروز وقادتهم التارخيين دورا أصيلا في التصدي للصليبيين، والمغول، والتتار ما جعلهم لاعباً أساسياً في تاريخ المنطقة، وكذلك رفضوا احتلال فرنسا لسوريا، وتصدوا له، وكان لهم دورهم الوطني في الاستقلال، ومع ذلك فقد رفضوا تشكيل دولة درزية .
وبعد احتلال فلسطين وقف الدروز السوريون موقفا مشرفا، وأسهموا في الحروب، وسقط منهم كثير من الشهداء، وفي الجولان المحتل قاموا بإحراق الهويات الإسرائيلية، وتعرضوا للحصار، والاعتقال من الحكومة الإسرائيلية، ومكث بعضهم في السجون الإسرائيلية أكثر من عشرين سنة، وما زالت الغالبية الساحقة منهم ترفض الهوية الإسرائيلية، ولا يختلف الموقف في لبنان عن سوريا .
أما في فلسطين التي تعرض الدروز للاضطهاد فيها على يد المماليك، و استمرهذا الإضطهاد، بل تحول إلى اضطهاد مذهبي في عهد العثمانيين فقد انقسم الدروز على أنفسهم في مواجهة قيام الدولة العبرية فبينما قاومها قسم منهم رآها قسم آخر منقذا، ومخلصا من الإضطهاد الذي عاناه على مدى قرون، فانخراط فيها، وفي جيشها حتى صارت الخدمة العسكرية للدروز الذكور إجبارية في مقابل الحصول على نفس الامتيازات التي يحصل عليها الجندي الإسرائيلي، ويقدر أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل بحوالي 130,600 نسمة، يشكلون نسبة 8% من السكان العرب في إسرائيل ونسبة 1.7% من السكان في إسرائيل .
وإن كان هذا الهروب من الهوية العربية لم يبعد عن الدروز تعصب اسرائيل، ومازالوا يعانون من التمييز، والتهميش، وتفيد المؤشرات بإنخفاض نسبة تجنيد الشباب الدروز في الجيش الإسرائيلي بسبب تراجع كبير في ثقة المجتمع الدرزي في إسرائيل ومؤسساتها.
فهل حان الوقت أن يتوقف المجتمع العربي ليسأل نفسه لماذا فضل الدروز العيش في إسرائيل علي العيش بين ظهرانيه؟ لماذا دفع مواطنيه للارتماء في أحضان أعدائه؟
وأقتبس هنا تعليقات اثنين من الإيزيدين على منشور للناطق باسم جيش الإحتلال الإسرائيلي على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك يقول أولهما:
(يا سيد المحترم افيخاي هل تعلم أن اليوم عيدنا عيد الايزيدين أيضاً عيد الصيامنا، و نحن فخورين بيوم عيدنا مع إخواننا اليهود، عيدكم مبارك يا إخواننا اليهود؟؟؟؟؟؟؟)
ويقول الثاني : ( انا ايزيدي اقود تحية اللك وللعمتك إسرائيل رمز العدالة تحية للاسرائيل)
من المحتمل أن تكون هذه حسابات وهمية من صنع الصفحة، ولكن من غير المستبعد أيضا أن تكون حقيقية تحمل في طياتها حصاد ما زرعته العصبية والعنصرية في المواطنين من غير العرب والمسلمين.
جميعنا -أكثرية وأقليات- نجني اليوم نتاج مراحل تاريخية مازالت مستمرة من الظلم، والقهر، والتمييز، والعنصرية، ومع ذلك لا تمتلك النخب في مجتمعاتنا شجاعة الاعتراف، والعمل علي التغيير فنحن في أمس الحاجة لنقف وقفة صادقة أمام أنفسنا لنتساءل لماذا يكره مواطنونا من غير العرب مجتمعاتنا العربية؟ كيف صرنا مجتمعات طاردة، بل موهوبة في تكريه المختلف معها بها .
وأخيرا إذا كانت الشعوب العربية، ومن يقاسمها الأرض من أقليات عرقية، ودينية تبحث عن طوق حقيقي لا ليلحقها بركب الدول المتقدمة وحسب، وإنما ليخلق لها أسباب الاستمرار، والوجود، والنجاة من الفناء الخلقي، والقيمي أولا وقبل كل شيء فلا سبيل أمامها إلا أن تتخلص من العنصرية التي تجري في دمائها، وأن تنشر وترسخ ثقافة التسامح، واحترام الآخر بل تناضل في سبيل العدل، والمساواة والعيش المشترك، وقبول التنوع، والتعددية التي تعد من أهم سمات القوة، والتميز، والثراء، وتتخذ من هذه المبادئ أساسا لتشكيل دولها الحديثة، وإقامة أنظمة ديمقراطية، وبناء دساتير تقدمية تضمن المواطنة، والحقوق المتساوية لكل مواطن بصرف النظر عن الانتماء الديني، واللغوي، والثقافي، والعرقي، و عليها أيضا العمل على كبح جماح النعرات العرقية، و الطائفية التي تعمل على نشر الكراهية، والحقد، والتنافر بين أفراد المجتمع، وأن توقف آلة التخوين، والتهميش، وتفهم أن مواطنيها من غير العرب، أو من غير المسلمين وطنيون مخلصون لأوطانهم ومن حُوِّل منهم إلى عدو حُوِّل تحت ظروف قهرية غاية في السوء صنعتها تراكمات من العنصرية، والتمييز البغيض وهضم للحقوق الإنسانية والتهميش الممنهج وإلا فالجميع نعم الجميع معرض للفناء والإبادة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن