الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احتجاجات عمالية على سياسات الاتحاد الأوروبي

فهمي الكتوت

2014 / 12 / 27
الادارة و الاقتصاد


شهدت العواصم الأوروبية مسيرات ومظاهرات عمالية واسعة خلال عام 2014 للتنديد بالسياسات التقشفية التي تطبقها معظم الحكومات الأوروبية بتوجيهات من الاتحاد الأوروبي. والتصدي للمفاوضات الأوروبية ـ الأمريكية التي تستهدف إبرام اتفاق للتجارة الحرة ـ عبر الأطلسي-، وقد نظم تحالف العمال والفلاحين والفنانين ومنظمات مدنية مناهضة لسياسات التقشف واتفاقيات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، تظاهرة في العاصمة البلجيكية بروكسل "مقر الاتحاد الأوروبي" الأسبوع الماضي، مستخدمين الجرارات الزراعية لشل حركة المرور وأشعلوا النار في بالات القش احتجاجًا على تدابير التقشف واتفاق التجارة الحرة مع أمريكا. وشارك في المظاهرة مواطنون من عدة دول أوروبية على رأسها فرنسا وألمانيا وهولندا.
تنامت المعارضة الأوروبية المنظمة لاتفاقيات التبادل الحر بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا، شارك فيها أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني ونواب ونشطاء البيئة وأعداد كبيرة من المناهضين لاتفاقيات التبادل الحر بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة وكندا من جهة أخرى، وقد جابت المدن الأوروبية مظاهرات شملت النمسا وألمانيا وفنلندا وبلجيكا وسويسرا وغيرها، ويخشى الأوروبيون المناهضون للاتفاقيات من اختلال معايير سلامة الغذاء والمنتجات الزراعية، وغزو المنتوجات الأمريكية الاصطناعية، كالمواد الغذائية المعدلة وراثياً، والهرمونات في لحوم الأبقار، وغيرها من السلع الأمريكية، خاصة وأن الاتفاقية تتيح للشركات المتعددة الجنسيات اللجوء إلى المحاكم لحماية استثماراتها من أي منع إداري في أي دولة موقعة على الاتفاقية.
وتمكنت المبادرة الشعبية الأوروبية، التي أطلقت على نفسها «أوقفوا اتفاقية التجارة الحرة» والمكونة من حوالي 320 منظمة من 24 بلدًا من الاتحاد الأوروبي، من جمع أكثر من مليون توقيع، في غضون شهرين، على عريضة تدعو إلى وضع حد للمفاوضات مع أمريكا، وعرقلة اتفاق مماثل مع كندا. وسلمت التوقيعات إلى المسؤولين الأوروبيين بداية هذا الشهر.
كما حذّر المزارعون من المخاطر الحقيقية للاتفاقية التي تعرض القطاع الزراعي للاندثار لعدم قدرته على منافسة الأمريكيين بسبب انخفاض أسعار السلع الأمريكية. وعبرت المبادرة عن رفضها لإجراء المفاوضات حول هذه الاتفاقية الشاملة ذات الجوانب المتعددة خلف الأبواب المغلقة، وطالب تحالف أحزاب اليسار في أوروبا بإيقاف فوري لهذه المفاوضات.
ومن جهة أخرى واصل العمال والفقراء والمهمشون رفضهم لسياسات التقشف التي تنفذها حكومات الاتحاد الأوروبي، وقد اعتبر ناشطون ونقابيون سياسة التقشف التي تطبقها حكومات الاتحاد الأوروبي على الفقراء الذين أصبحوا يعيشون حياة الكفاف لا تجدي نفعًا، خاصة وأنها لا تطبق على الاحتكارات الرأسمالية المتعددة الجنسيات. والتي تشمل رفع سن التقاعد إلى 67 عامًا بدلاً من 65 وتجميد الرواتب وتقليص موازنات القطاع العام وخاصة الصحة والتربية، مما أثار موجة غضب شديدة في الأوساط الشعبية والنقابية وأوساط المعارضة عامة.
ومن المعروف أن مفاعيل سياسات التقشف التي اتبعتها دول الاتحاد الأوروبي لمواجهة عجوزات موازناتها أصبحت تشكل سببًا مباشرًا لحالة الركود الاقتصادي. فالعلاج أصبح جزءًا من المشكلة. فإن تحميل العمال والفقراء أعباء إضافية من خلال سياسة التقشف أضعف القدرة الشرائية لهذه الفئات التي تشكل الغالبية العظمى من المواطنين، الأمر الذي أدى إلى تراجع الطلب على السلع واستمرار حالة الركود الاقتصادي، في ظل منافسة اقتصادية حادة يشهدها العالم في مرحلة الانفتاح والعولمة الرأسمالية.
لقد أشرنا في هذه الزاوية في مقال الأسبوع الماضي إلى تفوق اقتصادات بعض البلدان النامية مثل الصين والهند. والتي كانت من الدول التابعة للاقتصادات الأوروبية خلال القرن الماضي ومصدرا لثراء المراكز الرأسمالية، أصبحت اليوم من أهم المنافسين، ليس لكونها دخلت السوق العالمي بقوة فحسب، بل ولقدرتها التنافسية في الأسواق الأوروبية والأمريكية. حيث تقدر تكلفة المنتج الصيني بحوالي 55٪-;- من تكلفة المنتج الأمريكي المشابه استنادا إلى إعادة احتساب الناتج المحلي الصيني تبعًا لتعادل القوة الشرائية التي توصل إليها صندوق النقد الدولي أخيرا. فقد قدر الناتج المحلي الصيني بالعملة الأمريكية بـ 9.469 تريليون دولار، علمًا بأن الإنتاج الصيني تجاوز الإنتاج الأمريكي من حيث كمية الإنتاج بالأسعار المعدلة تبعاً لتعادل القوة الشرائية خلال العام الحالي 2014 بنسبة تقدر بحوالي 1% وقيمته بالأرقام المطلقة 17.416 تريليون دولار أمريكي. علمًا بأن تكلفة المنتج الأوروبي أعلى من تكلفة الأمريكي، ومن هنا يتضح حجم الفروقات الشاسعة في التكلفة والقدرة التنافسية للصين.
كما أن الأوروبيين لا يملكون حلولا سحرية بالاعتماد على السياسات الاقتصادية التي تنتمي للماضي والمبنية على إملاق الطبقة العاملة واستغلال ثروات البلدان النامية، وتمركز الثروة، وانعاش اقتصاداتها في آن واحد. فقد استنفذت الإمكانيات التي كانت متاحة أمام الاحتكارات الرأسمالية في أوروبا. هذا لا يعني أن الطبقة العاملة في باقي المراكز الرأسمالية والدول النامية بما فيها الصين والهند لا تعاني من الاستغلال، لكن التحليل يتناول خصوصية دول الاتحاد الأوروبي في هذه المرحلة وطبيعة التناقضات التي تحتل المقام الأول في الصراع الطبقي من جهة والتناقضات الإقليمية بين التكتلات الاقتصادية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | حمام الذهب في تونس.. أسرار غامضة وحكايات مرعب


.. أزمة غلاء المعيشة في بريطانيا تجعل الناس أكثر قلقا بشأن أداء




.. أخبار الساعة | رئيس الصين يزور فرنسا وسط توترات اقتصادية وتج


.. الاقتصاد أولاً ثم السياسة .. مفتاح زيارة الرئيس الصيني الى ب




.. أسعار الذهب اليوم الأحد 05 مايو 2024