الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإدانة المطلقة ومن داخل المنظومة لا من خارجها

منصف المرزوقي

2005 / 9 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



د . منصف المرزوقي
تطرح كارثة جسر الأئمة في بغداد و بغض النظر عن المسؤولية المباشرة لهذا الطرف أو ذاك تحديات بالغة الخطورة على كل العرب وفي مجالات لم تكن تخطر ببال أحد لبضع سنوات وحتى أشهر ماضية .
ها هي أحداث العراق الرهيبة تواجهنا نحن أغلبية العرب المسلمين ، بأننا ننتمي دون شعور لطائفة أصبحت فجأة طرفا فاعلا في الأحداث السياسية العربية والعراقية والحال أننا لم نكن نعرف من قبل ، هذا الفاعل السياسي المسمى العرب السنة وإنما كنا نسمع بالأمة العربية و بالشعب العراقي
و داخله بحزب البعث العراقي والحزب الشيوعي العراقي والشعر العراقي والفن التشكيلي العراقي
لم أكن أتصور يوما أن أكتشف أنني سني لأن مثل هذا الأمر لم يكن له أدنى أهمية أو دور في تكوين هويتي . فهذه الهوية تكونت كما هو الأمر في بناء العمارات من تحت إلى فوق . هكذا أفقت للانتماء بشعوري القوي أنني أنتمي لقبيلة عربية استقرت في جنوب تونس منذ تسعة قرون . ثم توسع الشعور إلى انتمائي لشعب اسمه الشعب التونسي . ثم ارتفعت فوق هذه الطبقة الانتماء للأمة العربية ودون شعور بالنقص أو بالتفوق للحضارة العربية الإسلامية . ولما توسعت الآفاق بحكم التقدم في العمر وفي الخبرة توجت طوابق العمارة بآخر طابق وهو شعوري بالانتماء إلى وطن الأوطان الذي هو الأرض وأم الأمم التي هي الإنسانية. لكن المريع اليوم أن الناس بدأت تنطلق من الطبقات السفلى للانتماء لتنزل إلى تحت . ربما ما زال للتفكك الطائفي والعرقي مستويات في اتجاه الأسفل والأتفه والأصغر لا تصدّق
فهل سيأتي يوم أجلس، أو يجلس فيه غيري، لكتابة نص يدين ما يرتكبه العرب السنة المالكيين في حق العرب السنة الشافعيين وضرورة وضع حد لاضطهاد الحنابلة واعتبارهم سنيين من درجة دنيا . هل ستتشكل حركات سياسية همها المناداة بتآخي كل السنة وضرورة نبذ التقتيل الجماعي بين أبناء المذاهب الفقهية الأربعة . مما يعني أن هناك بالضرورة مرحلة سبقت الوصول إلى هذه الحرب السنية – السنية قد تكون تتويج الحرب السنية – الشيعية بالنصر المبين لهذا الطرف أو ذاك ، أو انطفاء الحرب السنية –الدرزية أو الحرب السنية- العلوية أو الحرب السنية – المارونية ، علما أنه لا شيء يمنع من تصور حربا درزية –علوية وحربا مارونية- أرثوذكسية وحرب كل الطوائف والملل والنحل في تحالفات لا يقدر على فكّ رموزها أكبر المختصين في الجنون الطائفي .
إنه سؤال لم يعد عبثيا أمام حدة القتل الطائفي في العراق ووجود عوامل نفس الجمرة الخبيثة ولو تحت الرماد في كامل المنطقة .
ثمة من قال أنه بعد صدام الحضارات ستأتي مرحلة صراع القرى وصراع الأحياء . ربما دخلنا المرحلة دون وعي . ربما تجاوزت الأمور كل الخطوط الحمر . ربما وصلنا متأخرين للتشخيص والعلاج . لكن على الأقل من باب الدفاع عن الشرف، أقول لكل من يكتشفون مثلي أنهم ولدوا داخل مجموعة اسمها العرب السنة أن عليهم ،بغض النظر عن كل موقف سياسي، وإنما من باب احترام الإنسان لإنسانيته أن يكون لهم موقف بخصوص المجازر التي تستهدف بوضوح أبناء أمتنا الشيعة .
يجب أن تكون تعزيتنا لإخوتنا الشيعة ، عميقة ، موجوعة ، في مستوى الآلام الرهيبة التي يعانونها . يجب أن يكون تعاطفنا مع ضحايا حادث الجسر و أحداث كربلاء والنجف لا يختلف في شيء عن تعاطفنا مع ضحايا الرمادي وبعقوبة وتكريت وكل مدن وأرياف الوسط الشمال الغربي العراقي.
يجب أن تكون الإدانة للقتلة الذين هاجموا أكثر من مرّة حجاجا عزّل ومن قبلها على كل الذين استهدفوا الناس لمجرد كونهم شيعة ، أو أجانب ،واضحة لا لبس فيها ولا غموض . يجب ألا يرافقها أي تحفّظ . يجب أن لا تخلط بأي مستوى . يجب أن لا ترضخ لأي إرهاب فكري من قبيل الذي تعرضت له قلة المثقفين العرب الذين أدانوا حلبجة وغزو الكويت - من داخل المنظومة العروبية لا من خارجها أو ضدّها – والذين قيل فيهم آنذاك ما لم يقله مالك في الخمر، رغم أنهم كانوا صوت الحق والحقيقة وأن من لبسوا مسوح الوطنية والقومجية كانوا على خطأ وخطيئة .
وربما الأهم من هذا هو أن يبعث الرأي العام العربي الذي يتصادف أنه سني في تسعين بالمائة برسالة واضحة كل الوضوح للمقاومة العراقية . فرأينا الغالب اليوم، من حلب إلى الرباط ،أنه لا جدال في حق كل العراقيين مثل أي شعب في مقاومة غزو عسكري استمد شرعيته من ذاته ولم يكن له أي تفويض من الأمم المتحدة ليلعب دور شرطي العالم وحمل للعراق أقصى الخراب وأقصى الفوضى. لكن لا يجوز بأي حال ولا يقبل استهداف المدنيين العزل خاصة على خلفية طائفية لم تعد تخفى على أحد . وإذا كان التخلص من التهمة أن الأعمال التي تستهدف المدنيين وخاصة الشيعة هي من فعل أطراف غير مسئولة أو ربما حتى مندسة ، فإن واجب المقاومة هو أن تضع حدّا للامسؤولية أو للتخريب . وإن تقاعست عن هذه المهمة فإنها ستتحول من مقاومة وطنية مشروعة إلى حركة إرهابية عبثية ستخسر تأييد غالبية الشعب العراقي و تعاطف غالبية شعوب الأمة .
إن الكرة اليوم في مرمى هذه المقاومة علها تصبح بحرصها على الدم العراقي وعلى الدم الشيعي خصوصا مؤشرا على إمكانية المستقبل بعد انتهاء هذا الكابوس .
***









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيسة وزراء إيطاليا في ليبيا لبحث التعاون المشترك بين البلدي


.. العراق.. زفاف بلوغر بالقصر العباسي التراثي يثير استفزاز البع




.. المخاوف تتزايد في رفح من عملية برية إسرائيلية مع نزوح جديد ل


.. الجيش الإسرائيلي يعلن أنه شن غارات على أهداف لحزب الله في 6




.. إنشاء خمسة أرصفة بحرية في العراق لاستقبال السفن التجارية الخ