الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخدع -1

عبدالله الداخل

2014 / 12 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


الخـــُـدَع -1

الخــُدعة الأولى
"العلمانية" العربية

ما يُسمى بـ"العَـلمانية العربية" حركة مشبوهة هدفها الآني مزدوج: خداع المفكرين العرب، وضخ الدماء في عروق الدين.

هدف العلمانية الشرير هو تبديد الاستقلال.

من أسباب انزلاق الكتـّاب والمفكرين التقدميين العرب في فخ العلمانية المتسم بنقد الدين فقط دون تشخيص كونه أداةً طبقية:
1- انهيار السوفييت.
2- - التخريب والانتهازية والتجسس داخل الاحزاب اليسارية.
3- توقع فشل أية ثورة اشتراكية أو تغيير ثوري بسبب المقاطعة المتوقعة من الامم المتحدة و"جامعة" الدول العربية اللتين أصبحتا تحت هيمنة الرأسمالية الغربية والصهيونية.

من أهم خصال العلمانية العربية تقديم المبررات للنشاط "الفكري" لرجال الدين وعملاء الرأسمالية والرجعية المحلية، من كتـّاب الصحف الصفراء والانترنت المنفوخة بالأوهام الدينية ومن ثرثاري فضائيات التلفزيون المشتراة بسخاء ومن فرسان العلم المزيف (العلمزيَّف pseudoscience). أعني تقديم مبررات في خلق "الفعل" من أجل "رد الفعل". كان وما زال هدف هؤلاء هو إتمام الردة الفكرية العربية والعالمية إثـْرَ تهاوي الاشتراكيات حيث أدت وتؤدي هذه الردة الكبرى الى ما يُسمى بـ"الربيع العربي" البائس وتبديد استقلال الدول العربية المستقلة، النفطية خاصة.

قد يأتي نقد الدين (وبالدرجة الأولى نقد سلوك رجال الدين) بعد نقد النظام السياسي-الاقتصادي، رغم أن الحياة تعلمنا يوماً بعد يوم أن تنفيذ الاثنين (نوعي النقد) عملية تكاد تكون واحدة ومن الصعب أن تتجزأ. وليس في هذا تغيّر في موقفي من نقد الدين (المنفصل عن نقد سيده النظام الاقتصادي)، فنقد الدين (الأديان) فقط، أو نقد دين واحد فقط (النزعة الطائفية) دون نقد الأنظمة السياسية الاقتصادية التي تحمله هو ما يفعله كامل النجار ووفاء سلطان وغيرهما.

مختصر: وظيفة ما يُسمى بـ"العلمانية" العربية هي وظيفة مزدوجة، أولاً قرع أجراس الانذار الدينية الكاذبة false alarm من أجل تقوية الحركات الدينية والمؤسسات التابعة بشكل مباشر أو غير مباشر للنظام الرأسمالي، وثانياً تسهيل المهمة "الفكرية" لأجهزة الاعلام الرأسمالية والبورجوازيات (والاقطاعيات) العربية المحلية لنقل إهتمام الشيوعيين والمفكرين والتقدميين والشعب العربي عموماً الى معارضة حليف الرأسمالية: الدين.
لكن الدين، من ناحية أخرى، يحظى بجرعات تقوية مالية ومعنوية وعسكرية تـُوصِل "رجاله" الى سلطات بعض البلدان، خاصة النفطية (ليبيا بعد القذافي، مثلاً) أو الغنية بثروات هائلة كامنة كالغاز الطبيعي (سوريا، كمثال آخر)، ولا يمكن استثناء العراق، بل ان العراق كان وما زال حقل التجارب الرأسمالية في كل شيء تقريباً منذ ما قبل انقلاب شباط 1963 الفاشي.
وصول هؤلاء العملاء، أو رجال الدين والمجرمين الملثمين، الى السلطة أرخص بكثير من الاحتلال المباشر كما حصل للعراق وأفغانستان، وهو يؤدي الى نتيجة أفضل من نتيجة انتخابات العراق حيث تنفيذ الادعاء بنقل "الديمقراطية" الرأسمالية الى البلدان النفطية. أما وظيفة العلمانية في الدول التقليدية التي تدور في فلك الرأسمالية، الدول التي لم تتغير أنظمتها السياسية أو الاقتصادية، بورجوازيةً كانت أو اقطاعية (دول الخليج العربية، الأردن، المغرب..إلخ) فهي تشديد الحصار الفكري على سكانها.

العَلمانية secularism (بفتح العين، لغوياً، وإغلاقِ "العين" مع المخ في الواقع!) والتي هي في رأيي نوعٌ من العلم السياسي المزيف pseudo-political science، هي "فكرة" قديمة إخترعتها الطبقات الإقطاعية والرأسمالية من أجل ممارسةٍ طبقيةٍ غرضُها الأساسي الأول يكمن في إنقاذ المسيحية المنهارة برفع شعار فصل الدين عن السياسة!
كيف؟
لكي يتم إنقاذ الأنظمة الإقطاعية والرأسمالية من التهاوي بعد الضربات التي هزّتـْها وهزت أدواتِها (بضمنها الدين) وذلك من قِبَـل:
أولاً- الثورات البورجوازية ضد الإقطاع.
ثانياً - الثورات العمالية في أوربا في أواسط القرن التاسع عشر، وهي الثورات التي مرّغت الرأسمالية وعميلتـَها المسيحية في الوحول، فمرّغت الرأسمالية شعوبَ أوربا بدمائها.

كانت بعض الثورات البورجوازية (ضد الاقطاع) قد وجهت تهديداً جدياً للمسيحية وصل حد الدعوة الى إلغاء الدين كلياً من حياة الناس اليومية. ومن الأمثلة الصارخة على هذه الدعوة، الحركاتُ الفكرية التي سبقت وصاحبت ثورة 1789 الفرنسية ضد الإقطاع والملكية في فرنسا.

إلغاء المسيحية تماماً من الحياة اليومية للمجتمع كان سيحرم الطبقات العليا مالكة الدولة من أهم آيديولوجيا للإستهلاك الشعبي. الدعوة إلى إلغاء المسيحية كلياً من الحياة (الدعوة التي رفعها فقراء المدن في أوربا في أزمنة متفاوتة) كانت دعوة طبقية بامتياز وهذا هو بالضبط ما دفع الطبقات العليا، مالكة َالدين، مالكة المسيحية وغيرها، إلى ما يُسمى بـ"فصل الكنيسة عن الدولة": هذا هو أصل العلمانية، أصل اللعبة، أصل الخـُدعة.

لكنْ ما معنى هذا الفصل؟ هل تحقق هذا الفصل أم أنه كان مجرد عملية إحتيال طبقي جديدة لكسب الوقت، للإلتفاف على دعوة إجتماعية أصيلة في الخلاص التاريخي من كابوس الدين مرة واحدة وإلى الأبد؟ إذن فالعلمانية صناعة طبقية بإمتياز. العلمانية صناعة رأسمالية. العلمانية خدعة طبقية رأسمالية.
ولكن ماذا كان البديل للدين؟
العلم؟
لكن العلم هو الآخر ملكٌ للطبقات العليا ولا يختلف أساساً عن كونه أداة ًأخرى. أليس العلم مسخراً في اختراع وصناعة وسائل التدمير قبل كل شيء؟ أليس كل اختراع خطير جديد يتم الإستيلاء عليه وشراؤه من قبل وزارات الدفاع وأنظمة التجسس الراسمالية؟ أليس ما يظهر من جديد المخترعات والصناعات في الأسواق الرأسمالية هو في كثير منه نفاياتُ هذه الوزارات والأنظمة؟

إذاً ما هو البديل الرأسمالي للدين لإلهاء الشعب؟ ليس هناك سوى الفوضى الفكرية، وذلك الى جانب الإلهاء الذي أصبح فناً كبيراً من فنون الاعلام الرأسمالي. يتمثل الالهاء بالكتابة عن (أو الحديث حول) أمور تافهة وقضايا فكرية عفا عليها الزمن بعد إنعاشها بأساليب مثيرة، إلى جانب الدين وتشجيع التدين، وإشغال الناس بالركض وراء لقمة العيش التي تتطور بالعدوى إلى التخزين واللهاث وراء المال وما يلحق هذا السلوك من إفسادٍ للضمائر وخراب كبير للنفس البشرية وتفاقم الكذب في التعامل اليومي حتى داخل العائلة الواحدة، وثنائية السلوك، وتعميق الأنانية ونمو الميول نحو التطرف الديني والمخدرات والكحول والجنس المفرَط وما شابه.

(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن