الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انظروا إلى من تذهب الجوائز في آسيا!

عبدالله المدني

2005 / 9 / 5
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


شهد العالم العربي في السنوات الأخيرة ظاهرة تعدد المؤسسات التي تمنح جوائز سنوية للمبدعين في مجالات تخصصهم المتنوعة. وهذا التوجه من حيث المبدأ شيء جميل ومطلوب و يحسب للقائمين عليه.

غير أن هناك ثمة ملاحظات و علامات استفهام حول عمل اللجان التي تختار الفائزين و المعايير المتبعة في منح الجوائز والأعمال التي ترشح للفوز. فإذا ما استبعدنا عملية اختيار الأعمال و الأسماء المرشحة لنيل الجائزة و التي لا تخلو عادة من الانحياز تبعا لهوية المؤسسة المانحة والهوى الفكري لأعضاء لجان التحكيم، فان عددا غير قليل من الجوائز تمنح مقابل أبحاث لا صلة لها بمشاكل العالم المعاصر أو لا تضيف إلى التراث الإنساني جديدا تنتفع به البشرية.

وحتى لو تجاوزنا هذا الخلل و اعتبرناه موضوعا قابلا للجدل، فإننا نصطدم بمنحى معيب في الجوائز العربية هو اقتصارها في الغالب الأعم على الباحثين الأكاديميين أو العاملين في مجالات العلوم والثقافة و الفنون، بمعنى استبعاد الشخصيات الطبيعية والاعتبارية التي تناضل من اجل مجتمعات اقل فساد و تمييزا وظلما و أكثر ديمقراطية و عدالة و تطبيقا لمعايير حقوق الإنسان. و بمعنى آخر، فانه يندر إقدام المؤسسات العربية على منح جوائزها لمن يضحي بوقته و جهده و ماله من اجل تغيير مجتمعه نحو الأفضل، في الوقت الذي تتسابق في تكريم أسماء ثبت نفاقها وانتهازيتها وتقلباتها الفكرية، بل تبشيرها بالأفكار المتخلفة و الرجعية و ترويجها لطروحات أكل الدهر عليها و شرب ونام.

ولعل أحدث الأمثلة على هذا المنحى هو ما جرى مؤخرا في البحرين، حينما قامت مؤسسة تابعة لإحدى البيوتات التجارية الكريمة ذات النفس الوطني و الأيادي البيضاء في مجال البر و أعمال الخير بتكريم شخصية عربية يطيب لها أن تتسمى بمفكر إسلامي مع منحه جائزة بعشرات الآلاف من الدولارات مقابل بحث تراثي لا يقدم ولا يؤخر. والسؤال الذي ربما دار في خلد الكثيرين هو ألم يكن من الأفضل منح تلك الجائزة لأحد المواطنين المبدعين فعلا – وما أكثرهم – أو منح قيمتها المالية لجمعية من الجمعيات المحلية المكافحة ضد الفقر و المرض و البطالة أو على الأقل حجبها مؤقتا ، بدلا من ذهابها إلى أحد مروجي فكر الكراهية و التشدد و دعاة الإقصاء والعنف بحسب ما تنضح به مقالاته الصحفية و أحاديثه التلفزيونية، و لا سيما تلك المتعلقة بالأوضاع في العراق.

وفي الوقت الذي يحدث هذا على صعيد الجوائز العربية، نجد حدوث النقيض في حالة الجوائز الآسيوية، وبما يشير حقيقة إلى أننا لسنا فقط متخلفين عن آسيا في مجالات التنمية و النهضة وإنما أيضا في أمور كثيرة أخرى. فجائزة آسيوية مثل جائزة ماغسايساي" التي توازي في أهميتها جائزة نوبل العالمية و تعتبر الأشهر و الأقدم على صعيد القارة، تمنح سنويا إلى المتميزين و المبدعين في حقول ستة هي: السلام و التفاهم العالمي - النشاط الحكومي - الخدمة العامة - قيادة المجتمع - الصحافة والتواصل الخلاق - الحراك و التغيير الاجتماعي.

وهي لئن أسسها الفلبينيون تخليدا لذكرى ثالث رؤسائهم في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية "رومان ديل فييرو ماغسايساي" والذي تميزت شخصيته و قيادته بالنزاهة و البذل و العطاء و الولع بخدمة شعبه ودعم حرياتهم و حقوقهم الأساسية، فان نطاقها الجغرافي تجاوز الفلبين ليشمل كل دول جنوب آسيا و الشرق الأقصى.

يحصل الفائز بجائزة ماغسايساي على شهادة تقدير و ميدالية و مبلغ 50 ألف دولار. و منذ إنشائها في عام 1957 ، أي في العام الذي توفي فيه الرئيس ماغسايساي، بلغ عدد الفائزين بها 248 شخصية من جنسيات آسيوية مختلفة. وفي حالات كثيرة سارع الفائزون إلى التبرع بمكافآتهم النقدية للفقراء و الأيتام و المعوقين و ضحايا الحروب والعنف والتعذيب، الأمر الذي لم نشهد له مثيلا عند الفائزين العرب وتحديدا عند أولئك الذين يلبسون عباءة الدين المقصبة.

ويكفينا هنا استعراض الأسماء الفائزة بجائزة ماغسايساي لعام 2005 ودواعي استحقاقهم لها كي نتبين البون الشاسع الذي يفصلنا عن آسيا لجهة الأسماء و الأعمال الحاصدة للتكريم و المكافأة.

ففي مجال الصحافة و التواصل الخلاق مع المجتمع ذهبت الجائزة إلى الصحفي البنغلاديشي "مطيع الرحمن" (60 عاما) رئيس تحرير صحيفة "بروتوم ألو" لتبنيه الدفاع عن النساء اللواتي يتعرضن للتشويه بالأحماض من قبل الجماعات الأصولية المتشددة في بلاده، ولحملاته من اجل توفير الأموال اللازمة لمعالجة ضحايا تلك الجرائم، ناهيك عن شجاعته في تجيير صفحات جريدته للتبصير بأخطار الإيدز والمخدرات و الإرهاب و التطرف الديني رغم كل رسائل التهديد من المتشددين وتجار الموت.

وفي مجال النشاط الحكومي البناء فاز البرلماني التايلاندي السيناتور "جون أونغفاكورن" (58 عاما) لجلده و إصراره على الدفاع عن حقوق واحتياجات مواطنيه الأكثر فقرا و الأقل استفادة من الخدمات. فمن خلال رئاسته للجنتي الصحة والتنمية الاجتماعية في مجلس الشيوخ التايلاندي، كرس الرجل كل وقته و جهده ونفوذه من اجل الاهتمام بإصلاح أوضاع المهمشين و الأقليات و لا سيما لجهة إنقاذهم من مرض الإيدز و توفير الخدمات الأساسية لهم والدفاع عنهم في مواجهة سطوة الملاك المتنفذين و ضمان حصولهم على تعويضات مجزية في حالات تهجيرهم من قراهم لأغراض إقامة المشاريع الحكومية.

ومنحت جائزة الخدمة العامة للاندونيسي "تيتن مصدوقي" (43 عاما) رئيس إحدى منظمات المجتمع المدني المعنية بمراقبة الفساد والإفساد في اندونيسيا، و ذلك تقديرا لجهوده في الكشف عن حالات الفساد و المحسوبية و العمل من اجل الشفافية و الحكم الصالح في هذا البلد الذي عانى طويلا من النهب المنظم لثرواته على أيدي حكامه وساسته. والجائزة ذاتها كانت أيضا من نصيب الطبيبة و العالمة الهندية "في شانتا" (78 عاما) ذات التاريخ الطويل و الجهود العالمية المتميزة في الأبحاث المتعلقة بمرض السرطان والعناية بالمصابين به والعمل المتواصل من اجل زيادة الموارد المالية المخصصة لمكافحته، وذلك من خلال موقعها كرئيسة لمعهد أبحاث السرطان في بلادها. فمنذ تأسيسها لهذا المعهد في عام 1975 تدرب على يدها أكثر من 150 طبيبا متخصصا في علاج المرض. وما كان وقتذاك معهدا متواضعا صار اليوم مستشفى ضخما يضم 428 سريرا و يقدم خدمات شبه مجانية لأكثر من مائة ألف مريض سنويا، إضافة إلى كلية طبية متقدمة و مختبرات ومعامل أبحاث مرتبطة بمثيلاتها في الغرب و اليابان.

أما في مجال قيادة المجتمع، فقد كانت الجائزة من نصيب "سومبات سومفون" (54 عاما) من لاوس الذي استطاع من خلال درجاته العلمية في الزراعة و التربية و قيادته لأحد مراكز التدريب و تنمية المهارات البشرية أن يدعم جهود التنمية المستدامة في بلاده بخلقه جيلا من الكوادر القيادية الشابة عالية التدريب. غير أن هذا الإنجاز لم يكن سوى الحلقة الأخيرة من سلسلة إنجازات بدأها في عام 1980 حينما تحدى فقر بلاده و ما جرته الحروب عليها من إنهاك و تدمير ، فشرع في برنامج طموح لاستصلاح الأراضي الزراعية و استنهاض الفلاحين و تعليمهم و تقسيم العمل بينهم و تحريضهم على خلق البدائل و تخطي العقبات و تنويع الحاصلات و الاجتهاد في سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتي في الطعام.

وأخيرا راحت جائزة الحراك و التغيير الاجتماعي إلى الكورية الجنوبية "هاي ران يون" (37 عاما) لدورها القتالي المؤثر في تمكين منظمات المجتمع المدني في مسقط رأسها (تشيونان) من الاضطلاع بكامل مسئولياتها المجتمعية، ابتداء من الدفاع عن ضحايا العهد الديكتاتوري و توفير سبل الحياة الكريمة أمام الفقراء و دعم المواهب الشبابية والمطالبة بتحسين الخدمات المقدمة للأطفال و المعوقين و كبار السن، وانتهاء بالتأثير على خيارات الناخبين لإيصال الأصلح إلى مواقع المسئولية المحلية.

د. عبدالله المدني
*باحث أكاديمي و خبير في الشئون الآسيوية
تاريخ المادة: 4 سبتمبر 2005
البريد الالكتروني: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كريات شمونة في شمال إسرائيل.. مدينة أشباح وآثار صواريخ حزب ا


.. مصر.. رقص داخل مسجد يتسبب بغضب واسع • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الألغام.. -خطر قاتل- يهدد حياة آلاف الأفغان في الحقول والمدا


.. ماذا رشح عن الجلسة الأخيرة لحكومة غابرييل أتال في قصر الإليز




.. النظام الانتخابي في بريطانيا.. خصائص تجعله فريدا من نوعه | #