الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- شجرة الغياب- إلى روح رفيقي وصديقي: بوطيب الحانون.

سعيدي المولودي

2014 / 12 / 28
الادب والفن


"شجرة الغياب"
إلى روح رفيقي وصديقي: بوطيب الحانون.
ها أنذا أقف على الرابية واحدا، أحدق في انطفاء الهواء، في الفراغ الصاعد،والجراح الرهيبة، أنقر الوقت الذي لا يشبه الوقت،وارسم موج المرارات التي تتوج صدري، والوجه الذي لا يأتي، أصرخ في وحشة هذا القبر:
ايها الغياب
لماذا تغلق طريق العودة.
أيها النهر
لماذا تغلق الصدى.
أيها الشجر
لماذا تغلق البحر
أيها البحر
لماذا تغلق غرة الماء.
ذات مساء كنا، ثمة غابات تتساقط أغصانها كالغبار، وسماء وحيدة تقترب من الحلم، تشبه البهار، طيور بيضاء، سوداء تشتبك في قلبي، على أشباهها تقع القسوة، وتبني أعشاشها حيث دخان الموت يغطي شجرة الجميع..
كنا سائرين نحو خرير الشمس، نغني مع الرعاة القادمين:
" أغنامك أيها الراعي
سرْ بها إلى الشيوعية"
وانهار حجر الفجر، انكسرت المرآة، سقط الجدار، وبقيت الذكرى هذه النافذة العاتية ، تملأ المسافات وترتد للأعماق. لا طريق تزهر تحت الرايات ذاتها، ترحل الخطوات وتمضي اللحظات كاللهب، وتنسكب الأحلام كالدموع، ولا شفق تراه العين. لا يزال الوقت مبكرا وها أنت تغادر نشوة الحياة، وتتركني خلف الجبل احمل ثقلها، وتلبَسُني أنواءُ الحداد.
كانت الينابيع بيننا، والشمس أقرب، كان الحنين الخفاق والقوافل الحاملات لأغصان النبوءات، والشوارع الجميلة، والسواعد المتهالكة، والقلوب الآهلة بالصمت، والفلاحون القادمون من الأعالي الهاتفون بكل الغيوم الوردية، المدثرون بالقهر والجوع والجراح المجلوة كالسماء.. كانت "فاطمة الزهراء"، والمقابر المغطاة بالحشائش الشاحبة، وارتباكات القصة القصيرة، وسعف المناجل المشتعلة، ومجاري النهر الخصيب، والحقول الملبدة بالعَرَق، والشعارات الهادرة. كان "صالح الأعرابي" والحكايات الماطرة، والليالي الصاخبة تحت قبضة الفقر، والنبيذ الملتهب، والذكريات الغائصة في نسيج الغابات الممتدة.كان "إسماعيل".كان الجميع،كان الرفاق، المناضلون العابرون، الواقفون على الطريق الطويل يترقبون شرفات الخزائن المغمضة وفوانيس الاشتراكية اليانعة.كان العشب يتقدم من السرير، فجأة، ها أنت تسقط، تغادر هذا الليل، ولا تلقاك إلا الذكرى، وبعض الغناء الكئيب القريب من الصمت.
أهتف بك، أيها الطيب.أيها الغائب، أيها السائر نحو نهاية الريح، أيها البعيد، أيها القريب، سأكتب ظلك في قعر هذا الوجع، و ثقل هذه المسافات الحزينة، وأقف إلى جانبك على باب الموت الغادر.
ها أنذا أقف على الرابية وحيدا، أشق طريق حِدادٍ لا متناه، على كتفي خرائط من آلام وغُرْبات، وموت دافق،ولا أرى غير موجة سحاب أبيض يلوح بعيدا، يحملك بعيدا عنا، حيث تنام في قبضة النسيان، وتهجع في ذروة الصمت.
لا أراك أيها الطيب.
أيها المسافر الذي لن يعود،
أيها العائد الصديق إلى الأبد،
لن ألقاك كالعادة، حيث الأحلام تلهب الخطو، والرايات الحمراء ترفرف، والأصوات تتعالى: حيث الشعراء يطرقون الباب والكادحون يستحقون الحياة.
تتذكرك الآن الرمال الأرجوانية، والهضاب المعقودة والأودية الرمادية، وغابات "إيفْران" الطلقة، والظلال المغلقة، وفقراء " تِيزْكِيتْ" الهائمون كالأنقاض، و"عين الاحناش" المكللة بالدموع..كل منارات الصحراء، والمروج الخفاقة ، والأطلال الباقية، ولن تراك بعد الآن.
***
أيها القريب.
مرة قلتَ لي، أيها الطيب، حين سأموت سترثيني. وها أنت تخذلني، ترحل بعيدا، وتتركني وحيدا، كالرابية، فمن سيرثيني؟
لك الحياة إلى الأبد. أيها الطيب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي


.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب




.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?