الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المالكي: الأضحية المقدسة

قاسم علي فنجان

2014 / 12 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تُعَرف الأضحية على إنها تقديم شيء للآلهة لاسترضائهم وتهدئة غضبهم ولكف العنف أو تحديده, والأضحية هي أيضاً شكل أولي من الهبة, فهي أذاً نوع من الملكية الخاصة وبإعادتها يحافظ من يمنحها على ما يملك, ويجب أن يكون المضحى به عضو في العشيرة البدائية وفي قتله أو التضحية به تحافظ المجموعة على بقائها متحدة. وتشير بعض الدراسات أن أساس الأضحية هي الافتراض الدارويني- الفرويدي عن مجموعة بشرية بدائية كان لها "أب" أو "زعيم" استحوذ على كل شيء وحرم أبناءه من ممارسة أي لذة, فقاموا بقتله, ثم بعد ذلك نما لديهم الإحساس بالذنب من الجريمة التي اقترفوها, فبدءوا يمثلون المشهد في كل ذكرى بإيجاد "أضحية" بديل لذلك الأب.
بعد هذه المقدمة الموجزة فإننا لا يمكن أن ننكر أو ننفي الصفة المقدسة للسلطة السياسية، فالقداسة حاضرة ونستطيع ملاحظتها حتى في المجتمعات الأكثر تطوراً في نظمها السياسية، فالعائلات المالكة في بريطانيا واسبانيا والدانمارك وغيرها من الدول الأوروبية هي مقدسة ولا يمكن التفكير في تغييرها, ويعتبر نقدها (دنس المقدس). إننا نرمي بمحاولتنا هذه إلى توضيح فكرة أن المالكي قد حمل الذنب كله وحده، وأصبح هو المضحى به من قبل تحالفه, في عمل رمزي يعيدنا إلى ذلك الطقس الاحتفالي لموت الأب. فكان الاجتماع الذي ضم ملوك الطوائف والقوميات في دار رئيس الجمهورية, حاملين معهم الأب الجديد -ضمنياً مضحين بالآخر-مرضين بذلك جميع" الآلهة" الداخلية والخارجية الناقمة والساخطة, والتي جميعها هددت بالعنف والفوضى إذا لم يقدم التحالف بديلة "أضحيته".
التحالف الذي أدرك أنه مقبل على التفكك والانهيار إذا لم يلبي طلب جميع "الآلهة", فكان المالكي هو الأضحية المقدسة التي وهبت نفسها أو وِهبت بقرار من مجلس "الاونانكي" (مجلس الإلهة في العراق القديم) لتهدئة الأوضاع التي كانت على وشك الانفجار أو هكذا بدا ذلك. ترى ما الذي يدعونا إلى تشبيه المالكي بالأضحية المقدسة, بالأب, بالهبة التي وهبتها الإلهة؟ وهل كان زعيماً روحياً أو حاول أن يكون؟ ولماذا حمل الذنب وحدة أو حملٌوه له؟ لكن قبل ذلك كيف جاء المالكي إلى السلطة؟.
تسلم المالكي الحكم عام 2005 بانتخابات حملت بصمة طائفية وقومية بامتياز، في وقتها لم يدرج أسمة على لائحة المرشحين لمنصب رئيس الوزراء لكن "التوافقيات" والترضيات" و"الاتفاقات" هي التي جاءت به إلى سدة الحكم لمدة أربع سنوات, تلتها انتخابات تكميلية للمشروع الطائفي - القومي وبها أعيد انتخابه -أو هكذا صار- لأربع سنوات أخرى. اعتبره البعض بأنه خادم "المذهب" ورجل المرجعية المخلص, فيما قال عنه آخرون بأنه أعاد للدولة هيبتها وقوتها "صولة الفرسان", ووصفه البعض بأنه هو الذي ارجع العراق إلى حضن "الامة العربية" معيداً بذلك صفته القومية "قمة بغداد", فكان "كاريزما" أو أراد أن يحول نفسه من سلطة سياسية داخل نظام جمهوري برلماني إلى ملك -تداخل السلطة بالمقدس- حتى المفردات التي كان يصف بها بعض أعضاء حكومته كانت دينية -أي مقدسة- "مثل ألحجي". قام بتأسيس قوه عسكرية خاصة تابعه له تمتثل لأوامره مباشرةً, وقد ضمن ولاء قيادة المؤسسة الأمنية بشقيها -الدفاع والداخلية- واستحوذ على كل المناصب الأمنية الحساسة, لقد كون لنفسه هاله من التقديس, حارما بذلك جميع من كان له شأن في صعوده من أي منصب.
كان المجتمع أبان فترة حكمه يمر بحالة من الفوضى -إلى الآن- فكان نقده أو التعرض له يعتبر خيانة, مضفياً قدسيه عليه -حتى علقت صوره في بعض الوزارات والدوائر الحكومية- وإضفاء هذه القداسة هي لخشية المجتمع من العودة إلى الفوضى والعبث, لأن في ذلك انهيار وموت لهذا المجتمع, فتمسكوا وتشبثوا به جاعلين منه رمزاً لهم, وفي ذلك تعبير عن تبعية وطاعة لا محدودة, فكان نقد السلطة يعتبر نقداً مدنساً. لقد كان المالكي شخصاً مقبولاً عند جميع القوى السياسية خاصة داخل تحالفه، وكان يعتبر خط احمر للذي يفكر بإقالته أو عزله, لقد كان مقبولاً داخلياً وخارجياً, وجميع القوى السياسية مستفيدة من بقائه في الحكم, فموازنة إقليم كردستان تسير بدون أية عراقيل, وشيوخ عشائر المنطقة الغربية إصابتهم التخمة، ورؤساء الأذرع للتحالف "الوطني" حصصهم كاملة وتامة, حتى القوى المسلحة تمتعوا بامتيازات وحصانة لم تمنح للأمريكيين, بالإضافة إلى ذلك فلا محاكمة لسارق أو ملاحقة لفاسد. أذن ما الذي جرى؟ يقال أن (التغيرات تمس مصالح) فالرجل أنقلب على كل مؤيديه خلال السنتين الأخيرتين من فترة حكمه, وبدأ يهدد ويتوعد, ما حفز تلك القوى إلى صياغة النتيجة التالية: كمخرج ضروري للازمة التي وقعت فيها كل القوى وخوفهم على عمليتهم السياسية صار لزاماً على القوة الرئيسية التي بيدها تشكيل الحكومة أن تقدم بديلاً للمالكي -أي تضحي به- وتأتي بآخر, فخوف التحالف من التفكك -بعد أن هدد بعض أجزاءه بالخروج منه- هذا الخوف دفعه إلى تقديم أضحيته ليتلافى الانهيار ويحافظ على "الهبة" التي منحت له "الحكومة". التي لا يستطيع أن يفرط بها.
أن الأب الجديد سوف لن يحل المشاكل كلها, بل سيكتفي بإصلاحات هنا وهناك، وبالتالي سيعاد تمثيل المشهد مرةً أخرى. أن اختزال الفشل السياسي في شخص واحد وإيهام المجتمع بأن في تغير هذا الشخص سيعم الخير والأمن والسلام لهو ضحك على الذقون كما يقال. أخيرا هي كانت محاولة لفهم ما جرى من وجهة نظر أخرى نتمنى ان يقال عنها (لا بأس بها).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك


.. إسرائيل -مستعدة- لتأجيل اجتياح رفح بحال التوصل -لاتفاق أسرى-




.. محمود عباس يطالب بوقف القتال وتزويد غزة بالمساعدات| #عاجل


.. ماكرون يدعو إلى نقاش حول الدفاع الأوروبي يشمل السلاح النووي




.. مسؤولون في الخارجية الأميركية يشككون في انتهاك إسرائيل للقان