الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوكب بعقوبي يرحل سريعاً

صلاح وهابي

2014 / 12 / 30
مقابلات و حوارات


أعذرني تأخرت عن الركب الى مثواك الاخير، ففي الصدر غصة و في العين دمعة و في الفم مرارة، اخٌ و صديق و معلم.
كنت اسبقه كل عيد مهنئاً و لكن هذا العيد سبقني بالتهنئة فشعرت بالحرج، و كأنه ادرك العيد الاخير بيننا.
يغمرني الفرح و هو يطل بطلعته البهية بين يوم و اخر لمحلي، اتصل به ان تأخر لعدة ايام خوفاً مما يخبئه القدر، كل لقاء كان يشد على يدي بقوة و اشد عليها فتسري داخلنا حرارةً لتذيب ما اثلجه الزمن الرديء.
حالما يجلس يبدأ بما سمعه و يعرفه من النكات، و هي مقدمة ذكية و طرية للدخول في الحوار المتشعب، فكثيراً ما نختلف و قليلاً ما نتفق. فالعالم يعمل على وحدة المتناقضات.
فهو موسوعي و متحدث مفوه و سيل لا يتوقف يسعفه خزين ضخم من القراءات المتنوعة، و ذاكرة متوقدة و قد حفظ من مختارات عيون الشعر القديم و الحديث، فلذا لم يُبق لك غير مساحة ضيقة تلعب فيها، فهو كاتب و مسرحي و شاعر مرهف.
ارتبط استاذ ثامر بأخي حسن بصداقة ربما كانت اعمق من صداقته بي، فكثير ما كان يحدثني عنه بحب و اعجاب، و يذكرني بنكاته و يردد ما قاله: ((لم يستفد من ثورة 14 ثموز غير ثامر مطر)) و يعقب ابو انعام ((و الله صحيح انا الوحيد من بعقوبة الذي حصل على زمالة دراسية من قبل الاتحاد العام لطلبة العراق عام 1959 لدراسة الاقتصاد السياسي في المانيا الديمقراطية لمدة 4 سنوات و امتدت الى 6 سنوات، و الاخوة الشيوعيون "شافو الضيم" مطاردة و سجن و تعذيب. "صدك يكول")).
من المفارقات ان يأتي من بغداد صديق العمر منذر الديري، و الذي لم يراه لأكثر من 20 سنة، يزوره في بيته ظهراً ليغادرنا ابو انعام صباح اليوم التالي. أ هي صدفة ام توارد خواطر بطريقة باروسايكولوجية ؟
مساء ذلك اليوم زرناه انا و استاذ نوري و ابو معتز، كان متعباً دون ان يظهر انه سيغادرنا صباحاً، بيقينا معه ما يقارب الساعة و ذكر ((سلمت استاذ ظاهر شوكت قبلكم قصيدة رثاء طلبت منه نشرها)) و بدء يتحدث على عادته كعالم اثار ينبش الماضي عن الطريقة التي جُمع فيها القران و لـ 4 مرات، و ما تخلل ذلك من اختلاف و اشكاليات من زمن ابن مسعود الى عائشة فعثمان و اخيرا الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق و الاخير الذي بين ايدينا. بحيث لم يعطِ فرصة للمداخلة، فتوقف برهة و دخلت بالسؤال : استاذ انك متعب. و امضينا الساعة في قضايا ليست عراقية، أما كان الأولى ان نتحدث عما يحيق بنا من اخطار و قتل و خراب ؟ و دورنا في محاربة هذه الاخطار، أ ما يكفي ان نسحب الماضي و نلوكه دماً و قيحاً و تخلفاً ؟
كلما همهمنا بالمغادرة كان يطلب منا البقاء (بعد وكت) و كأنه يشعر انها المرة الاخيرة للقائنا، قبلناه و تمنينا له العمر الطويل و لم يدر في خلدنا ستكون القبلة الاخيرة. و قبل خروجنا زاره الاستاذ سعدي جسام عرب و عائلته، اثناءها التقطت لنا انعام و عدي سعدي صور جماعية نشرت في تلك الليلة على الفيس بوك و علق عليها كثير من الاصدقاء.
و قبل خروجنا كانت تلح علينا ابنته ان لا نتأخر عليه، و لكن هو من تأخر علينا.
في الساعة الثامنة و النصف من صباح اليوم التالي و انا اهم بفتح المحل و اذا بفائز كرادي يقول :
دريت ؟
قلت : ماذا ؟
قال : استاذ ثامر فارق الحياة.
فسقطت المفاتيح من يدي و قلت البارحة كنا معه و لم يقل انه سيغادرنا صباحاً، لماذا هذه العجلة يا زهرة بعقوبة ؟ ثكلتك امك. أ تدري أن الارض بدأت تضيق بنا اليوم انت و قبلك صديقنا محيي الدين زنكنة و قبله نجاح حمدوش و عدنان كفشي و هشام هاتف و محمود حسن الزبيدي و كريم جواد و محمد عباس الزبيدي و ابو صوفيا و محمد الشبلي و ثامر فليح و مصطفى الديو و جمع من الزهور.
نم قرير العين فالحياة لا تقاس بطولها، بل بإغناء لحاظاتها. و انت خير من اغنيتها.
و لما قرأت هذه المرثية للأستاذ ظاهر شوكت قال : (اضف هذا البيت)
غدرت يا موت كم افنيت من عدد بمن اصبت و كم اسكت من لجبِ*

-----------------------------
*كثرة اصوات الابطال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و