الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العيد الرابع لثورة يناير

خليل كلفت

2014 / 12 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



ثورة يناير عيد ومأتم. وفى القضايا الاجتماعية يكون العيد عند البعض مأتما عند البعض الآخر. ودائما تكون المصالح الاجتماعية المتعارضة هى السرّ وراء تعارُض المواقف إزاء الثورة. هى عيد سعيد عند من قاموا بالثورة ومأتم عند من وقفوا ضدها.
وفى البداية كان الجميع، جميع أصحاب المصالح المتعارضة، يكيلون المديح للثورة، وكانوا جميعا ينددون بنظام مبارك واستبداده وفساده. وبطبيعة الحال فإن تأييد الجميع للثورة كان مريبًا إذ إننا لسنا إزاء غزو من الفضاء الخارجى ليكون على الجميع أن يهبُّوا لمقاومته. بل كانت الثورة فى حد ذاتها أقوى دليل على صراع اجتماعى وسياسى بين قسمين من المجتمع المصرى.
ويعنى هذا الإجماع بين مصالح متعارضة، وصل تعارُضها إلى حدّ ثورة قسم من المجتمع ضد قسم آخر، أن ما جمع الجميع حول هذا الموقف المؤيد للثورة والمعادى لنظام مبارك هو أنه كان مفتاح الجميع إلى الفاعلية السياسية. فلا أحد يستطيع مواصلة الثورة دون تأييد الثورة، ولا أحد يستطيع العمل على تصفية الثورة دون اتخاذ نفس هذا الموقف.
وكان تأييد قسم من المجتمع للثورة يعنى نضاله لتحقيق أهداف الشعب من الثورة ضد القسم الآخر؛ على حين أن موقف القسم الآخر كان يعنى أن تأييد الثورة موقف لا مناص منه لإقامة جسر بين الشعب والحكام يسمح لهم باستدراجه لتوجيه ثورته فى قنوات تصفية الثورة. ولأن الثورة تستدعى الثورة المضادة بالضرورة فقد كان التعارُض ماثلا فى صميم المجتمع وبالتالى فى صميم الصراع بين الثورة والثورة المضادة، غير أن مصلحة الحكام الجدد كانت تُحتِّم عليهم أن يتنصلوا من هذا التعارُض مؤقتا هاتفين مع الجميع فى نَفَسٍ واحد "إيد واحده"!
وبهذا بدا فى البداية وفى لحظات لاحقة أن الحكام والمحكومين جميعا يقفون صفا واحدا ضد استغلال واستبداد مبارك وأنهم سيعملون معا على محاسبة نظامه ورجاله. وكانت هذه لحظة تبرُّؤ الجميع لأسباب متعارضة من مبارك وعصابته. وسرعان ما بدأ يتضح أنه لا مفرّ من الصدام بين الثورة والحكام الجدد. وتعاقبت موجات لثورة يناير ضدهم كانت كبراها موجة 30 يونيو 2013 التى أيدت قيام الجيش فى 3 يوليو بالإطاحة بالحكم الإخوانى الذى كان يسير بخطًى حثيثة على الطريق إلى الدولة الدينية الإخوانية. وبحكم مقتضيات مصالح لا سبيل إلى التوفيق بينها انهار الصف الواحد الذى استظلَّ به الجميع أحيانا وحل محله انقسام جديد. وكانت مخاوف الثوار تتركز حول سرقة الثورة واتجهت الاتهامات إلى الإخوان المسلمين تارة وإلى الجيش تارة أخرى، راغبين فى تفادى الدولة الدينية والديكتاتورية العسكرية على السواء.
ولم يكن الثوار على دراية كافية بطبيعة المجتمع الطبقى ولا بطبيعة وحدود الثورات الشعبية رغم أنهم ثاروا ضد نظام مبارك واستمروا بالثورة ضده معتقدين أن الثورات تحقق العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة للشعوب، غير مدركين أن الثورة مغامرة كبرى قد تحقق قليلا أو كثيرا من المكاسب إلا أنها تنطوى على مخاطر مفزعة.
وبالطبع فإن الثورات تنفجر عندما تتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والسياسية للشعوب، ولا أحد يمكن أن ينصح الشعوب بأن تنأى عن الثورة. والحقيقة أن الشعوب لا يمكن إلا أن تنفجر فى ثورات حتى لو علمت أن المكاسب ستكون قليلة وأن الأخطار ستكون كبيرة حيث يغدو من المستحيل أن تستمر الحياة على حالها.
وتثور الشعوب غير أن عفوية حركتها لا تسمح لها بأن تنفذ إلى جوهر المجتمع وإلى جوهر وأبعاد الصراع الذى تأتى به الثورة لا محالة، ولا يمكن بالطبع أن تدرك الشعوب أن تغيير حياتها بصورة عميقة جذرية ليس مهمة مثل هذه الثورات الشعبية بل هى مهمة التحوُّل الاجتماعى-السياسى الذى ينقل المجتمع الطبقى إلى مجتمع يخلو من الطبقات الاجتماعية.
وتماما مثلما تنبع الثورات الشعبية من بؤس الطبقات الشعبية، تنبع من نفس المنبع جماعات الأصولية الدينية التى تكون منذ البداية جماعات دينية إرهابية تعمل على إقامة الدولة الدينية التى تتصور أنها ستملأ الأرض عدلا بعد أن امتلأت جورا. وما دام بؤس الشعب قائما فإنه سيظل فى وقت واحد منبع الثورات ومنبع جماعات الأصولية الإسلامية. ولا فكاك من الثورات من جانب والأصولية من جانب آخر إلا بالقضاء على هذا المنبع، غير أن الرأسمالية التابعة العالم-الثالثية لا تستطيع القضاء على الفقر وهو منبع الثورات ومنبع الأصوليات.
ومع توجيه ضربة قاصمة إلى مشروع الدولة الدينية، قفز فى وجوه الثوار شبح الديكتاتورية العسكرية؛ ما دام الحكم للجيش. واستحكم عداء الثوار للدولة والجيش والديكتاتورية العسكرية ودخلوا فى معركة مستميتة ضد الديكتاتورية العسكرية مع أنه لا توجد فى العالم دولة لا تحكمها الديكتاتورية العسكرية ولا تقضى عليها سوى ثورة فى سبيل مجتمع لاطبقى.
وقد أدخل غياب مفاهيم واضحة لحدود الثورات الشعبية ولطبيعة المجتمع الرأسمالى التابع، ثوارنا فى دوامة من الإحساس بالعجز والإحباط الناشئ عنه حتى عن تنظيم مقاومة فكرية حقيقية ضد الأوضاع الجديدة التى يرفضونها.
غير أن ثورتنا الشعبية كانت من أنجح الثورات الشعبية فى بلدان ثورات "الربيع العربى" وفى تاريخ الثورات بوجه عام. وكان هذا بفضل عوامل ظرفية إلى جانب دينامية الثورة الشعبية ذاتها. فقد تفادت ثورتنا حربا أهلية طاحنة، واستطاعت توجيه ضربة قاصمة إلى مشروع الدولة الدينية، إلى جانب التسييس الواسع النطاق للشعب، وقطع خطوة كبرى فى سبيل تحرُّر المرأة بفضل مشاركتها الحاسمة فى الثورة، وصار الباب مفتوحا أمام نضال الثوار فى سبيل ديمقراطية شعبية من أسفل، متخلصين من إحباط لا مبرِّر له، وفخورين بما حققوه، وسوف يخرجون بهذه النتيجة من أبسط استقراء علمى لمصير الثورات الشعبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السياسة الفرنسية تدخل على خط الاحتجاجات الطلابية


.. روسيا تزيد تسليح قواتها ردا على الدعم الغربي لكييف | #غرفة_ا




.. طهران.. مفاوضات سرية لشراء 300 طن من اليورانيوم | #غرفة_الأخ


.. الرياض تسعى للفصل بين التطبيع والاتفاق مع واشنطن | #غرفة_الأ




.. قراءة عسكرية.. صور خاصة للجزيرة تظهر رصد حزب الله مواقع الجي