الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رأس المال والتفاوت العالمي

محمد خضر خزعلي

2014 / 12 / 30
السياسة والعلاقات الدولية


ينطلق الباحث الفرنسي الشاب توماس بيكتي استاذ الاقتصاد السياسي في مدرسة باريس للاقتصاد _وهو باحث ليس ماركسيا ، لكنه مناهض لديناميات الرأسمالية _من فرضية مفادها :ان الاقتصاد بشكل عام في ضل النظام الرأسمالي العالمي حاليا سيؤدي الى ازمات اقتصادية ، والازمات الاقتصادية ستؤدي بدورها الى حروب ، وازمات سياسية ، وانهيار دول ...الخ.
كيف ذلك؟
يفترض بيكيتي ان الليبرالية الاقتصادية التي ترى بأن التنافسية ، والاقتصاد الحر ، والسوق المنفلت من اي قيود سيؤدي في النهاية الى نمو اقتصادي يشمل الجميع ، لأن قانون التساقط الذي يفترض ان معدلات الاستفادة من النمو الاقتصادي تتناسب عكسيا مع معدل حجم الدخل ، وهنا فإن الهوة بين الفقراء والاغنياء ستتقلص مع مرور الزمن .
فكما قال ادم سميث:"ان في سعي الافراد الى تحقيق مصالحهم الخاصة ، تعزيز دون قصد منهم للمصلحة العامة" ، لكن ابحاث توماس بيكيتي في كتابه رأس المال للقرن الواحد والعشرين الصادر عام 2013 بالنسخة الفرنسية والمترجم الى الانجليزية عام 2014 يثبت عكس المقولة السابقة ، ويذهب من خلال دراسته الى ان الاغنياء سيزدادون غنى والفقراء سيزدادون فقرا.
النقطة الثانية لفرضية توماس بيكيتي والمرتبطة عضويا بالفرضية الاولى هي:ان ازدياد الاغنياء غنى والفقراء فقرا ليس قضية ومشكلة في العدالة التوزيعية للثروة فقط ، انما هي مشكلة انتاج بالضرورة ، ويركز توماس على مشكلة الانتاج الناتجة عن عدم العدالة التوزيعية للثروة ، ويتوقع انهيار النظام الرأسمالي في المستقبل القريب بسبب مشكلة الانتاج.
كيف ستؤدي مشكلة الانتاج الى انهيار النظام؟:
يوضح توماس بيكيتي ان النظام الرأسمالي العالمي قائم اساسا على تصريف ما ينتجه من خدمات وسلع ، لتكتمل الدورة الاقتصادية ويعود الربح والنفع على الجميع ، لكن الاتجاه المتزايد لتركيز الثروة بيد القلة واتساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء ستؤدي حتما الى مشكلة في الانتاج ، لان هناك علاقة طردية بين ارتفاع الفجوة بين الاغنياء والفقراء وارتفاع عدم القدرة الشرائية للمجتمع ، فالقدرة الشرائية تتجه نحو الانخفاض مع مرور الزمن ، بينما القادر على الشراء هي شريحة القلة الاثرياء الذين يزدادون ثراء ، ينما المستهلكين المتبقيين وهم الاكثر بدرجات شاسعة سيصل بهم الامر الى فقدان اي قوة شرائية للمنتجات ، وهنا ، فإن هذا الامر يعني ببساطة ...الكساد ، اي فائض في الانتاج وغائض في الاستهلاك.
كيف يثبت توماس بيكيتي نظريته؟:
بالاستناد الى تحليل الاتجاه التاريخي ، قام توماس بيكيتي بدراسة وتحليل احصاءات عدم عدالة التوزيع في الثروة في 26 دولة من دول العالم ، و على مدار ثلاثة قرون ، من القرن الثامن عشر وحتى القرن الحالي ، يتبين له : ان الفجوة بين الفقراء والاغنياء تزداد مع مرور الزمن وبتسارع مستمر ، والسبب الرئيسي في هذه الفجوة هو : أن معدل ربحية رأس المال يزداد دائما وبلا سقف محدد عن معدل نمو الانتاج ، الامر الذي يسير باتجاه تركيز الثروة بيد الاغنياء الذين لم يكسبوا هذه الثروة بجهد او عمل ، وانما ورثوها عكس المستهلكين الذي لا يملكون الا قوة العمل.
ولو اخذنا مثالا على اتجاه اتساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء تاريخيا سنجد انه في عام 1820 كانت النسبة هي 1:3 ، لكن في عام 1913 كانت النسبة هي 1:11 ، اما في عام 1950 كانت النسبة 1:35 ، وفي عام 1973 كانت النسبة هي 1:44 ، وفي عام 1992 كانت النسبة هي 1:72 ، وهذا يدل على ان الاتجاه التاريخي لاتساع الفجوة هو لصالح زيادة غنى الاغنياء وتركيز الثروة بيدهم ، بينما الفقراء يزدادون عددا وتقل الثروة بين ايدهم.
ويرى توماس بيكيتي ان نسبة ما يملكه الاغنياء في العالم كانت في فترة سابقة 80% من الثروة العالمية ، ويقدر عددهم 20% من سكان العالم ، بينما لكل سكان العالم المتبقيين ونسبتهم 80% يملكون 20% من الثروة العالمية ، بينما معدل الحالي يتناقص بشكل متسارع ليصل الى 10% من سكان العالم يملكون 80% من الثروة العالمية ، بينما بقية سكان العالم البالغة نسبتهم 90% يملكون 20% من الثروة العالمية ، وستتغير هذه النسب الى ان تصل 2% من سكان العالم وهم الاغنياء سيملكون من الثروة العالمية ما مقداره 80% ، وبقية سكان العالم البالغة نسبتهم 98% سيملكون ما مقداره 20% من الثروة العالمية.
ومما يدلل على ان الازمات ستتلاحق ، الامر الذي سيؤدي الى انهيار النظام الرأسمالي العالمي هو ان الفترات الزمنية بين الازمة والازمة الاخرى تتسارع وتتقلص المسافة بين الازمتين ، فبين ازمة الكساد الكبير عام 1929-1930 وحتى ازمة النفط عام 1973 اربعين عاما ، بينما في 25 عاما الاخيرة ومن عقد التسعينيات في القرن العشرين فقد شهد العالم 5 ازمات اقتصادية ، عام 1992 في اوروبا ، 1997 في اسيا ، 1999 في روسيا والارجنيتين ، 2001 في الولايات المتحدة خلال انهيار اسهم الشركات العقارية ، ثم الازمة العالمية عام 2007/2008.
وهنا ، فإن توماس بينيكيتي يذهب للقول ان النظام الرأسمالي آيل للانهيار في المستقبل القريب الى المستقبل المتوسط ، بسبب اتساع الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون ، حتى ان دول الرفاه لا تستطيع ان تقلل من الفجوة رغم التدخل الحكومي لتقليل من نسبتها ، ومن ناحية اخرى ، ان حدة الازمات تكون اكثر حدة من الازمة التي تسبقها ، وان الفارق الزمني بين الازمة والاخرى هو تقلص ، ولا يرى حلا للخروج من هذه المعضلة الا من خلال قيام كل دول العالم بعدد من الاجراءات ، هي:
لتجنب عدم المساوة في توزيع الثروة عالميا ، وحفاظا على مبادئ السوق الحر ، وبالتالي تجنب مشكلة الانتاج ، لابد للدول الا ان تقوم بما يلي:
1-قيام تكتلات سياسية اقليمية من قبل الدول الوطنية كخطوة اولى للتصدي لتغول ديناميات الاقتصاد العالمي.
2-ضرورة اتفاق الدول الوطنية المتكتلة اقليما مع الدول الاخرى في اقاليم اخرى على ضرورة فرض ضريبة تصاعدية على الثروة العالمية.
3-فرض ضريبة تصاعدية على الثروة ، اي زيادة الضريبة بزيادة الثروة تمكن الدول من تجنب الدوامة المستمرة من عدم عدالة توزيع الثروة.
وخلاصة الامر ، لتجنب مشكلة الانتاج الناتجة عن عدم عدالة توزيعية الامر الذي سيؤدي الى انهيار النظام الرأسمالي لابد لدول من اتخاذ الاجراءات الضرورية للحد من عدالة التوزيع عالميا ، ولا تتم هذه الخطوة الا من خلال قيام تكتلات اقليمية بين الدول الوطنية ، لان الدولة لوحدها لا تقدر على مواجهة هذه المشكلة لوحدها ، اذ لا بد من التنسيق بينها بين الدول الاخرى ، وتجدر الاشارة الى ان توماس بينيكيتي ليس ماركسيا ، ولا يدعو الى تغير ثوري للنظام الرأسمالي ، بل يدعو الى اصلاحه وضرورة تجنب التناقضات المتأصلة داخل الرأسمالية ، لخير البشرية العام ، ويرى الباحث ان فكرته الاساسية هي تطوير للأفكار الماركسية التقليدية خصوصا فكرة ماركس عن قوانين اللاتناسب ، وتدني معدل الربح ، وتراكم رأس المال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية


.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس




.. قبالة مقر البرلمان.. الشرطة الألمانية تفض بالقوة مخيما للمتض


.. مسؤولة إسرائيلية تصف أغلب شهداء غزة بالإرهابيين




.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في