الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النسق لمعرفي وسرديات النص في كتاب الاغاني لابي فرج الاصفهاني

علاء هاشم مناف

2014 / 12 / 30
الادب والفن











دراسة نقدية حداثية
(1433هـ ـ 2012م)

النَسق المعرفي وتقنيات السرد
في كتاب الأغاني
لأبي فرج الأصفهاني

الجزء الأول
دراسة نقدية حداثية
هذبه
إبن واصل الحموي
المتوفي سنة 697 هـ ـ 1297م

كلمة
إن العقل الجدلي التاريخي هو القانون الحقيقي للكلية المنطقية الذي نستنبط من خلاله وجود الأنسجة الاجتماعية والجدل الحقيقي الذي يحرك التاريخ ، والتراث العربي هو جزء من هذا التاريخ العقلي.



الإهداء
إلى أبي الطيب المتنبي
الضحية السيـــاسيــة
شعرياً...

المحتويات

المحتويات 1
المقــــــــــدمة 4
تمهيــــــد 6
النسق المعرفي وتقنيات السرد في كتاب الأغاني 6
من هو ابي الفرج الاصفهاني ؟ 7
من هو ابي الفرج الاصفهاني؟ 7
ولادته 7
فضل كتاب الأغاني 9
فضل كتاب الأغاني للجليس المؤنس له 9
أبو قطيفة عمر بن ابي معيط 12
معبد بن وهب 16
نسبه 16
عَمْرِ بن ابي رَبيعَة 17
نسبه 17
أخبار ابن سريح 24
نسبه 24
أخبار نُصَيبْ 26
أخبَار العَرجّي 28
أخبَار المجنُون 30
الألهام الشعري بين التقديس والجنون 39
أخبار عدي بن زيد 48
أخبَار الحُطيئة 52
اخبار ابن عائشة 62
نسبه 62
أخبار ابن أرطأة 66
أخبار إبن مَّيادَة 71
أخبار حُنَين 77
أخبار الغَريضْ 81
أخبار الحَكَم بنْ عَبْدَل 89
أخبار قَيسْ بن الخَطيم 93
أخَبار طُوَيسْ 100
أخَبار سَعيْد الدارميّ 105
أخَبار هِلالْ بن الأسْعَر المازني 108
أخَبار عُروة بنَ الوَرْد 112
أخَبار ذيّ الأصْبع العدَواني 118
غريض بن المؤل 124
أخَبار وَرَقة بنَ نَوْفَل 126
أخَبار زَيد بن عَمْرُو 128
أخَبار بَشّار بن برد 132
أخَبار يَزيد حَوَراء 152
أخَبار عَكاشة العَمى 154
ذِكْرُ الحاَدِرة 156
أخبَار إبن مِسْحَج 158
أخبَار إبن المَوْلى 161
أخبَار عَطَرَّد 163
أخبَار الحارثِ بِنْ خالد المخزُوّمي 166
أخبَار الأَبْجَر 171
أخبَار مُوسى شَهَواتْ 173
أخبَار أبي العَتَاهِيَة 175
أخبَار فَريْدة 189
أخبَار أُمية بن أبي الصَّلتْ 192
أخبَارُ حَسانَ بْن ثابِتْ 199
غَزْوَة بَدْر 208
المَعَرَكَـــــــــــــــــــــــة 212
أخبَار الأحْوَص 215
أخبَار الدَلالْ 218
أخبَار طُرَيْح 221
أخَبار أبي سَعيد (مَوْلَى فائِدْ) 225
أخَبارَ مَقتَلَ بني أُميَّة 229
تقول الحكائية: 232
خَبَر حَميْد بن ثَوْر 233
أخَبارَ فُلَيح بْنَ العَوْراء 233
أخَبارَ إبْنَ هَرْمَة 233
أخَبارَ يونُسَ الكاتب وأبنُ رُهَيْمة 233
أخَبارَ إسماعيل بن يَسَار النَّسائي 233
أخَبارَ النابِغَة الجَعْديّ 233
ذكْر حَرب البَسُوس 233
العملية التداولية للحدث الحكائي 233
مراجع الجزء الأول 233



تتميز

هذه الدراسة بنقلة نوعية تتعلق بالتقنية للنسق المعرفي وقد توجت بالتمثيل للنص.. ومعرفة قوانين التجريب المتعلقة بالنص الشعري أو النثري. وكان مشروع الكتابة منذ البداية يتجه إلى التنظيم الميداني لكتابة هذا البحث الذي يضع مبانيه بالكشف عن أسرار هذه الموسوعة وما حملته من أستكشافات لحركة النصوص وما يحيط بها من أشكاليات اختلافية وصولاً إلى روحها الذاتية ـ والموضوعية وتواصلاً مع روحها التراثية عبر أصطلاح "البنية ـ الثقافية" لهذه الأنساق المعرفية وهي ترتبط بعظمة هذا الاستنتاج الداخلي وخطوطه المنظورة. فكان العمل يتضمن خطة بنائية تتعلق بالدارسة الفكرية والحسية لهذه الموسوعة وما حملته من تركيبات حداثية من ناحية التصور التجريدي الذي اعتمدنا عليه في التواصل مع الوقائع البنائية وقد حاولنا أن نصل إلى مفهوم المعادلة البنائية في نسق المعرفة وتقنيات السرد لهذه النصوص من خلال وصف البنية لهذه النصوص والاجابة على ما يقتضيه السؤال وبشكل موضوعي أثناء عملية التحليل والتوليد داخل منهجية الوحدات المكونة لهذه النصوص، وفرز قوانين صياغتها متبعين منهج التحليل وكذلك التأويل، وفق ما تقتضيه حالة التميز في النص وإلى طبيعته المزدوجة.
وفي حينها وجدت جانباً مهماً أخذ يظهر بشكل جلي وقد تمثل بالقدرة على الأمساك بهذه التصورات حتى أصبحت قدر الحالة الذهنية والقانونية وهي تخرج تباعاً لتثير قضية دلالية تتصل بالجانب "الجدلي التاريخي" والمتعلق بموضوعية "الاثر الادبي" فأخذنا كل شاعر على "انفراد" أو كل حادثة على "انفراد" وناقشنا عموم مرتكزاتهما النصية من حيث أرتباطها بالبنية الأدبية العامة أو ما يتشكل منها من تركيبات البنية الدلالية أو بقيمة الموضوع المراد مناقشته وقد توصلنا إلى أمر..هو أن صاحب كتاب الأغاني "ابو الفرج الاصفهاني" لم يذكر"ابي الطيب المتنبي" في هذه الموسوعة الأدبية، واكتشفنا من خلال ذلك وأثناء البحث والتمحيص هو أن موضوع المتنبي ـ وأشكالاته وتدعياته فيما يتعلق بعلاقته بسيف الدولة والحاتمي وصاحب كتاب الأغاني أخذ أبعادا سياسية وعليه قمنا بوضعه بكتاب مستقل "أطلقنا عليه ـ حفريات الأنساق الابستيمولوجية في شعر ابي الطيب المتنبي ـ" وقد أضفنا شخصية المتنبي في هذه الدراسة النقدية وناقشناها داخل هذه المنظومة التي أطلقنا عليها ) النسق المعرفي وتقنيات السرد في كتاب الاغاني(.
من ناحية البناء الإسلوبي فقد إنبنّت الدراسة على أسلوب تحليل الحدث وفق منطق تنظيري وقد سرى هذا الأسلوب على جزئي هذه الدراسة وكما يلي:
⦁-;- الأسلوب التنظيري كما قلنا.
⦁-;- استحداث مصطلح جديد أخترناه ليناسب هذه الدراسة وهو اصطلاح أطلقنا عليه "مهذب الأغاني" استناداً إلى تهذيب الحموي لهذه الموسوعة واختصرها بستة أجزاء وهذا الاصطلاح أرتبط ببنية الحدث ذات القيمة البنائية.
⦁-;- أعتمادنا على مراجع حديثة ـ وقديمة لنوازن عملية الكشف والاستشهاد وكان أسلوب البحث أسلوباً تنظيرياً يواكب رؤية الحدث ودراسة خواص هذه النصوص وفق تعدد بنية التركيب اللّغوية لهذه النصوص وطرق مناقشتها وفق رؤية جمالية تتعلق بحرية التأويل وبالرجوع إلى التحليل البنائي وفق أدراك يتعلق بطبيعة وبنية هذه النصوص. من هنا كان مبدأ التحليل والتأويل وهو الكشف لما يحتويه النص من آثار تمسك بالمعاني النقدية ومنظورها التاريخي وتأكيد العملية الاختلافية داخل منهجية المعنى.
الدكتـور
علاء هاشم مناف آل حيدر
مدينة الحلة











النسق المعرفي وتقنيات السرد في كتاب الأغاني
يعتبر
المنطق الجوهري الذي تأسست عليه تقنيات السرد وأنساقها المعرفية، هي البداية الرئيسية لتبلور علم نص سردي يوحّد الأنجازات العلمية والفكرية والمعرفية في أطار تفكير منهجّي يوحّد المنظومة الفكرية للعلوم الإنسانية بعد أن دشنّت عصراً تاريخياً طويلاً ((Diachronique)) وبهذا فقد تعلّقت.. مظاهر وصيرورات كانت قد تعاقبت في تشكيل أصول النشأة الأولى، ومن ثم حالات التطور التي أعقبت ذلك ثم حالات التدهور والأنهيار وما تمخّض عن ذلك من تراكمات لتكوين خلاصة تؤكد حالات الكشف المنهجية ومستوى تغايرها في سياقاتها التي أنتجتها. ونحن في هذا الثبات للأشياء وفي لحظة الثبات والتغيّر الحاصلين في هذه السياقات ومن خلال حسم الكثير من المفاهيم المعرفية والسردية وحالات التصّور التي أبقت عليها العلوم المعاصرة، وأهمية هذه المعارف من تطوّر النسق المعرفي الذي ينتج إدراكات يمكن أن تشكّل تأريخاً للسرد في حالة هذا التمركز من المعارف والذي أختزنه كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني والذي هذبه "ابن واصل الحموي" المتوفي سنة 697 هجرية (1297ميلادية) وهو أي الكتاب: يكاد يكون تصويبا لرصد أخبار العرب ومجمّع لفضائلهم وأخبارهم المتواترة، ونحن في هذا الموضوع نحاول أن نضع شيئا من المنهجية في هذا البحث من خلال إبراز النسق المعرفي بتوليداته المتفاعلة مع خواص السرد ونواظم الأنساق وقوانينها، وهذا يأتي في باب تقنيات السرد.
وقد طوّر أبي الفرج الأصفهاني الخيال الأبداعي في زمانه وأعطاه بعداً أجتماعياً وفكرياً وجمالياً، فقد مثلّ ابي الفرج الاصفهاني مرحلة التفكير الأولى في تقنيات السرد عند العرب وأرجاعه إلى نسقه المعرفي في تلك الفترة من القرون الأولى الهجرية.
إن عماد التفكير عند الاصفهاني هو إنه: إنتهى بهذا الميراث في حلقاته الأولى إلى رؤية تفصيلّية في فعل الصياغة لنسق سرد يهتم بصياغة الأخبار وعبر مفاهيم تهتم بأنطباع خاص بالتحليل والتعليل والتصوير لحدث.




من هو ابي الفرج الاصفهاني؟
هو
علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي القرشي. وكان مع أمويّته متشيعاً.
ولادته
ولد سنة أربع وثمانين ومائتين وتوفي في ذي الحجة سنة ست وخمسين وثلاثمائة ، وكان عمره نحو أثنتين وسبعين سنة. وكان عالماً بأيام الناس والأنساب والسير، شاعراً محسناً. وقد تميز برؤية الأخبار والآداب، وله مصنفات كثيرة منها:
⦁-;- كتاب الأغاني.
⦁-;- مقاتل الطالبيين.
⦁-;- أخبار الأماء الشواعر.
⦁-;- الحانات .
⦁-;- الديارات.
⦁-;- آداب الغرباء.
⦁-;- نسب بني شيبان.
⦁-;- أيام العرب.
⦁-;- نسب بني تغلب.
⦁-;- نسب المهالبة.
⦁-;- نسب بني كيلان.
⦁-;- كتاب القيان.
⦁-;- كتاب الغلمان المغنيين .
⦁-;- مجرد الأغاني.
وغير ذلك من المصفنافت الجميلة. وُذكر إنه جمع كتاب الأغاني الكبير في (خمسين سنة) وكتب به نسخة واحدة . وأهداها إلى سيف الدولة بن حمدان فأجازه بألف دينار ولمّا بلغ ذلك الصاحب أبا القاسم بن عباد، قال: لقد قصّر سيف الدولة وإنه ليستأهل أضعافها إذا كان كتابه موشحاً بالمحاسن المنتخبة والفِقَر الغريبة.






فضل كتاب الأغاني للجليس المؤنس له
⦁-;- فهو للزاهد فكاهة وعبرة.
⦁-;- وللعالم مادة وزيادة.
⦁-;- وللكاتب والمتأدب بضاعة وتجارة.
⦁-;- وللبطل رجولة وشجاعة.
⦁-;- وللمتُظّرف رياضة وصناعة.
⦁-;- وللملك طيبة ولذاذة.().
ولكن
الخلق في مجال الأحساس بعمليات التغيير هو ما يتعلّق بالمستوى الثقافي المتطور ونوعية التعميّم الفكري وتباين الوضوح من خلال منطق جدلي تأريخي. وكان لعملية الأحساس بالتغيير تنطلق من الأخذ بالمفاهيم العامة والتقاليد الواقعية من منحى متعدّد الأشكال ومتباين المستويات الثقافية.
إننا نمضي بأهتمام في دراسة كتاب الأغاني وأخباره وتطوراته وعقباتها.. والظواهر الناتجة عنها والتي تنقلب احياناً ولحقب زمنية متباينة ومتداخلة. وطويلة بشكل تحليلي. وهي تروي بطريقة تحليل كمية سردية تبادلية يتخللّها نسق المتغيرّات والمناخ السياسي والاقتصادي وتقلبّاته الفكرية والسسيولوجية من خلال ملابسة لتقنيات ذهنية عالية وأستمرارها في رصف الحوادث وإيقاعاتها داخل مفاصل حركة التاريخ.
ولعّل النموذج الأرقى منزلة في السرد والأشد قيمة دلالية في طبيعته الحدث الأدبي الذي ينقسم في معجم (الاصفهاني) إلى تصوير لأحكام خبرية تتعلّق بحياة العرب، وإذا كان كتاب (الاغاني) منعطفاُ لنموذج كان قد أتصل بالعرف الاجتماعي والتي تضمّنها الحكم في الصيغة السردية: يقول أن الأغاني هو حقيقة تعبيرية تكاملت في موقف ونظرة عامة تعلقّت بالذوق والمقدرة المتميزة وبعد في التفسير والتعليل وتقييم هذا التدرج في النسق السردي لكي يتخذّ موقفاً متأصلاً في قواعدية منهجية، ويمكن أن نضع مخصاً لتأمل ذوق الكاتب وبقسط من التأني الذي يُصار ويخلص إلى قاعدة تأليفية تتركب بأشكالية أختلافية للفحص. فالذي حصل من تطور في خواص الأحساس بالتغييّر في طبيعة هندسة النص السردي ومقاييسه الاختلافية التي صورها كتاب "الاغاني" بأعتباره تطوراً وحدثاً ومفارقة متباعدة تنشد الوضوح في أنموذج السرد بسياقات نسقية معرفية.
فالمجتمع في هذا الأمر: هو الإضافة إلى معرفتنا شيء وذلك هو الذي تم تصويره وتصورّه في تفكيك المعنى السياقي وبأحكام منهجية من خلال خواص إخبارية وموضوعات شعرية وشاعرية تتعلق بالأقوام والأزمات المختلفة، هذه الأعمال البشرية هي السياق والنسق والوسيلة التي حققّها "الاصفهاني" بطبيعة الأسهاب والأيجاز أحياناً وفي خصائص تجريبية محاولاً تقديمها بملاحظات وتناظرات ملحوظة وبخائص تعبيرية تستمد قراءتها من حياة أجتماعية مفعمة بالعاطفة والقيم والمثل والجدّة والصبر والوضوح . ولشدّما زاد "الاصفهاني" عن بعض ما شمله وأشتمله هذا النسق من هذه المعادلة في الكتابة وهو الدفاع عن الأسراق في هذه العقلانية وبعّدت مواقف وجهود فكرية تعتبر عن أنتماء الكاتب والجامع لخواص الكتابة الفنية .
إننا أمام مقدار من الأيجاب والمعادل الفكري الذي من أساسياته المنطقية هو التعبيّر عن أشدّ عاطفة ووعي فكري وتعلّق بالمعنى والاستعارة للخطاب التأملي المتعدد الأوجه داخل حلقة الخطاب الأدبي وتفاصيله السردية وأنساقه المعرفية ، وبهذا المعنى تطابق "الأصفهاني" مع حلقات وخواص عصره الذهنية حسب التنّوع والحسّاسية المطلقة التي تتعلّق بالتنوع والتعقد والتغيّر. فكان لتباين هذه التعاقبات بعد أن تجاوزت الأسلوبية المتباينة في السرد وهي تشكل أشكالية المواضيع التأريخية.
إن خواص "الأسلبة التاريخية" كانت قد تعددت مستوياتها في تحليل الأحداث، وتحقق هذا من خلال الأتصال الذي حدث على نحو أكثر من صعيد وفي الدعامات عمقاً معرفياً حيث أزدحمت المثالب واتسعت وشاعت.. النمطية السردية وأخذت الأنماط التاريخية ودورها بالتصّدع . وإن الأساس في هذا المبنى أنكشف بوضوح حين تعلق الأمر بدراسة الكتاب الشعري العربي ونثره وإن هذا المعنى هو قياس المفاخرة في محاور الأضطراب الذي حصل ويحصل نتيجة الاتصال بالعمق الطبيعي للحدث وما تمخّض عنه من أصاله وثيقة وحاجات ملحة ومهام إدراكية عميقة بالنسبة إلى زمنية شعرية تعتمد صياغات في المفاضلة بين نصّ شعري وآخر أو بين مفردة شعرية وأخرى أو وفق إطلاق أحكام شعرية تتعلّق بترجيح شاعر على شاعر آخر، هذه الأمور من خواص النقد الانطباعي، ونحن بهذا الاتجاه نؤكد أقطاب الأسهاب والأيجاز في خصائص التعبير الشعري في كتاب الأغاني وبعض ما جاء في نسيج هذا الكتاب من وقائع والطريقة المثلى في جنّي ثمار القيم العاطفية وتحقيق الحدّ والوضوح في ما اشتمله كتاب الأغاني من ضرورات فنية وحافز دقيق من العقلانية في الكثير من هذا الجهد الثّر.
وفي عدّة مواقف ولنبين بأن أهتمام الأصفهاني كان منصباً ومنصرفاً إلى تحقيق رؤية منطقية في إيجاد معادلة شعرية تعبر عن خاصية جمالية تؤسس لكل العصور السالفة وهي نتيجة فكرية متفق عليها سلفاً من الناحية الادبية.
وإننا نضع هذه الملاحظات لكي نبني وحدات دقيقة من الوفرة في ميدان الخطاب الشعري لأطلاق عنان هذه الوحدات والتأكيد على التحليلات في أشكالية تلازم هذه التشكيلات الخطابية للشعر وللنثر والسرد وتقنياته الحديثة وأنساقه المعرفية المتطورة ، وبهذه الطريقة يتم تعيين الوحدات الدقيقة للنص الشعري وطريقة الأحساس في تصور كنه الخيال وحقيقته.
وحين نتبين أن في قلب هذه الشعرية من الشعر وفي قلب هذه الاستعارات في اللغة العربية يتأكد هذا من وراء المعاني، فهو يتعلق بهيئة طبيعة أجرائية تؤكد أن هذا المبحث هو جزء رئيسي من مباحث الفكر الفلسفي عند العرب، وحينما يتعلق الأمر بأخبار "ابي قطيفة" وهو جزء من لواحق في النصوص الأدبية والتأريخية ففي هذا المعترك النصي ونحن نميز الخطاب الذاتي والذي يتعلّق بالخطاب الشعري هذا الموضوع ينقلنا إلى معنى هذا النص وعلاقته المنطقية داخل اللغة.






فصاحب كتاب "الاغاني" يقول عنه في نسبه إنه:
هو
عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط وإنه يرجع نسبه إلى قبائل قريش، وان هذا الموضوع هو حالة رابطة بين حلقات الوعي الاجتماعي وإشكالاته التاريخية والخطاب الاجتماعي هذا يتحرك ليشمل الكتاب كلّه وهذا ما نطلق عليه أسم "الفاعلية السيكولوجية" التي توثّق تفاصيل المعنى وإحالته إلى فاعلية كبيرة .. لتنتقل بعد ذلك بين حلقات اللغة وحلقات المجتمع. هذا الموضوع يؤكد كل معايير المطابقة في هذه الأنساب أو في معنى الخطاب الشعري المرتهن بحالته الاجتماعية الخاصة عبر المطابقة والاستعارة ():
أقول لغلمتي شدوا ركابي
أجاوز بطن مكة في سواد()

فما لي حين أقطع ذات عرق
إلى ابن الكاهلية من معاد()

سيبعد بيننا نصَّ المطايا
وتعليق الأداوي والمزادِ

أرى الحاجات عند أبي خبيب
نكدن ولا أميَّةَ في البلادِ()

من الأعياص أو من آلِ حرْب
أغرَّ كغرّهِ الفرسِ الجوادِ

في هذا الأتصال بالوعي الشعري الاستعاري والفلسفي يؤكده جوهر الوعي الذاتي في مراحله الأولى والتي تضع الفرد في حالة جمعية من حلقاته الاجتماعية ونياته الفكرية والسسيولوجية، والتعريف هنا هو تعريف وعي الذات من الناحية الكتابية باعتباره وعياً كامناً في نصهّ، والتحوّل الذي حصل من الداخل وهي الأشكالية الدقيقة بالعلاقة السيكولوجية والوعي الجمعي والمفهوم الكتابي، وهذه الاشكالية تنطلق من نقطتين: الأولى تتعلّق بالمنطق الشفوي في نظر باري M.Barry وعند لورد A.Lord وكذلك في الفرع الأخر عند أونج W.Ong وعند هافلوك E.Havelock .أما النقطة الثانية فتتعلق بمنهج دريدا J.Derrida وهو التفكيك في الكتابة وهذا هو الأشكال في منهجه الوعي الكتابي.
والانطلاق في هذا الموضوع هو الاسبقية للأصوات والكلام على منهجية الكتابة، أما فيما يتعلّق بفكرة الحضارة الغربية ومنذ أفلاطون باعتبار أن حضور التاريخ يتجسّد من الناحية المظهرية في ميتافيزيقا الحضور وباعتبار أن الحقائق وهذا معنى أخر للحضور في الوعي الحقيقي على حساب منهجية الوعي الخطي أو الكتابي/ باعتبار أن الزمن الشفوي والكتابي قد تقاسما وعي الحقيقة عبر منطق الوعي التاريخي().
وكأَشكال يقوم على عمليات الأقرار والتداول الذي يفضي إلى فهم الحرية على أنها أختيار لمركز منظور وأستباق للمسؤولية وأعترافاً بفعل الحرية المسبوق بانطلاقة أستجواب لما يدور في الأصل التجذيري للإنسان، وحين يقبل أبو بكر فيقول: " أتقتلون رجلاً أن يقول ربّي الله!" وأمّا النظر فكان إذا تلى رسول الله (ص) على قريش القرآن قال: إن ما يأتيكم به محمداً أساطير الأوليّن ويقوم فيحدثهم بأخبار ملوك الفرس وغيرهم.
ولمّا قُدَّمَ عقبة بن أبي معيط للقتل قال: يا مُحمد، أنا خاصةً من قريش؟ قال: نعم، قال: فمن للصبية بعدي؟ قال: النار. فلذلك سُمي بنو أبي مُعيط: "صبية النارِِ".
وقال عمرو بن شبَّه: " قُتِل النضّر بالأثيل"()، ولمّا قُتِل النضّر قالت أخته()، قتيلة بنت الحارث ترثيه():
يا راكباً إن الأثيل مظنة
من صبح خامسة وأنت موفقُ

بلغ() به ميتاً بأن() تحيةً
ما إن تزال بها النجائب تخفقُ

مني إليك وعبرة مسفوحة
حادت بوادرها() وأخرى تخنقُ

هل يسمعن() النضرُ إن ناديته
إن كان يسمع هالك لا ينطقُ

ظلت سيوف بني أبيه تنوشه
لله أرحام هناك تشققُ

صبرا() يقاد إلى المنية متعباً
رسف() المقّيد وهو عانٍ موثقُ

وتحقيقاً لعظمة الرؤية الفكرية للإنسان وبأختلافها الكامل مع الأدراك الذي حصل بفعل الحريّة وثقل المعنى وأنفراد التفكير يظهر التساوق في عملية القتل المبررّة (لقتل النضّر بالأثيل) فمع أنفراج المعنى ببواطن التفكير الذي اكتفى بتوضيح هذا الاشكال بعد أن توسعّت رقعة الحريّةِ بمقتل (النضّر) يظهر لنا معنى خواص الأستباق في الأختلاف الذي وضحّه (أبو بكر) وفق مبدأ أختلافي أخلاقيّ يسير نحو وعي الأثبات لحقيقة الحرية الفردية وأشكاليتها والاعتراف للماضي الدفين المحمّل بالأختلاف، بأن هذه الأندفاعات مشحونة بالأستذكارات والتأمّل المفعم بالمرارة داخل ندم يقابله تحديد في مشروع يجنّب وعي المراحل التاريخية القادمة، ومن ثمّ تجنيد الماضي كأستعادة لكثافة موصولة بأندفاعات ذاتية عاتيةن ولكن من المستقبل إلى حقيقة وعي الحرية يظهر السببية الكلّية (للأنا الصاعدة) بعيدة عن الفعل الفردي وهي تبتعد في حدود المشهد النظري والعملي ، وكان للنص ردود فعله بسبب ظهور الفعل المحددّ عند (أبو بكر) وهذه سببيّة تكتنز التحول نحو المشروع الخفي للنص وما يخفيه الوازع الفكري والعقائدي في كيفية التسليم (للأنا) والانقطاع إلى الذاكرة الفكرية الفردية دون الفعل النسبي الجمعي البسيط.
إننا أمام مدخل معقد (الأنا) من خلال هذه الرؤية التي تظهر فعل الاستقامة بعيداً عن مبدأ التكاملية في وعي النص الديني وبعيداً عن ملابسات الموضوع الرئيسي: نقول أن الفجوة التي حصلت في اشكاليات الأختلاف هي ليست جديدة أو حاضرة جدّتها، ومن واجب الحدث التاريخي أن يستبين وجود المعنى من خلال وجوده الجوهري، ووعيه الذي كان متصلاً بفعل (الأنا) والاشكاليات المتعلّقة بالماضي القبلي وأختلافاته في فهم منطق الحريّة.
إننا في هذا الشد الذي يطرحه المضمون الدقيق للماضي ومستقبل الأفعال واللاجدوى وللأفعال المحضة داخل حقيقة منطق الحرية الذي يطرح بياناً وأستبياناً عن الصعود إلى الهاوية وجدوى طريق الحرية والرمز له بالدم. بقي أن نقول شيئا ونحن أمام حقائق مماثلة في أطار المعنى المتعدد الأوجه في حلقاته الوجودية، بأختصار نقول: أن الحلقات البشرية هي حلقات تأخذ بالأتساع من اجل فعل أشياء تتعلّق بالمعنى والوجود لتصل إلى كينونة تربط بين الذات والموضوع في أعلى خطاب تأملّي يحقق للدلالة معنى داخل الخطابات الشعرية، من جانب آخر يؤكد الفعل الفلسفي في ردم الفراغات التي تحدث في المعاني المتعددة، وهنا تأتي المماثلة كما يحددها أرسطو وهي الوسيط الذي يجمع طردياته في أيقونة واحدة وهي تنتمي لخطاب واحد يتركب من معنيين ومن منظومة لغوية واحدة تجمع كل الأبيات الشعرية في رثاء (النظر) من قبل بنت الحارث ، فالمماثلة تأتي متجسمّة في فعل النموذج الشعري والألتباس لا يختلف في إظهار المعنى حيث تأتي الشروط الضرورية لذلك المنهج الأستعاري (للزمكان).. المحددّين فهو يتعلّق بمنهج الشعرية وترتيب المقولات المتعلّقة بالمنظومة الوجودية للنص لفعل وظيفة الأسناد البلاغي الذي يتعدى هوامش النظرية لينطلق إلى الفعل الفكري الذي يصارح الأشياء الخفية للنصّ الشعري، وبالمقابل آلية المعاني التي أفرزها النص وهي تأتي بفعل تاريخي واشكال لغوي متجرد من شروطه وتحوّلاته لأنه يشترط وجوده بفعل تحقيق الفكره وأظهار الأستدلال المنطقي بجانبه المطلق لما يحتويه من مطابقة للمقولات اللغوية والفكرية ، فالأسناد الفعلي يقوم على عملية التفكير الفلسفي وعلى النحو الوجودي الذي يسهم من خلال فعل اللغة في أنتاج معان عديدة بفعل كنه النواظم الفلسفية في معنى الوجود. ورغم أن النص الشعري قد يكون مباشراً أحياناً لكنه يتمثل المحاور المتعددة وماهياتها ومقوماتها وجوهر تركيباتها وتنظيماتها ودرجة الأختيار التي تختلف من بيت إلى بيت ولكن يبقى جوهر النصّ الشعري محمول أسنادي بدلالة اللفظ والتجذير والمعنى للنص الشعري. نقول: أن خواص التجذير للنص يركبها المعنى من الناحية الفلسفية بفعل الكينونة اللغوية وإن فعل التركيب هذا يؤدي إلى خلاصة في الدلالة وبالمعنى الموضوعي من خلال آصرة وجودية ترتب حقيقة معنى اللفظ وأرتباطه بالدلالة، وفي كل الأحوال فأن المبحث اللغوي يستوفي خصاله من أشكالية المنطق الفلسفي وتكون النتيجة بالمماثلة بين : فلسفة النص وأشكالية المعنى وهما حجر الزاوية في هذه المماثلة الطردية في اللغة.





نسبه
هو
مَعْبد بن وهب . وقيل: أبن قطنيّ ، مولى العاص أبن وابصة المخزومي، وقيل: بل مولى معاوية بن أبي سفيان.
كان ابوه أسود وكان هو خلاسيّاً، مديد القامة أحول. وقد مات مَعْبداً في أيام الوليد بن يزيد بدمشق فأختفى صوته ثم أخرج نعشه إلى سلامة القسّ جارية يريد بني عبد الملك وقد أضرب الناس عنه ينظرون إليها وهي أخذة بعمود السرير وهي تندب أبي وتقول:
قد لَعمَري بتُّ ليلي
كأخي الدّاء الوجيعِ

ونجّي الهَّمَ منيّ
باتَ أدنى من ضجيعِ

كلمّا أبصرتُ وَجعاً
خالياً فأضت دموعي

وكان مَعبدُ أحسن الناس غناءاً وأجودهم صنعة وهو فحل الُمغنين وإمام أهل المدينة في الغناء.()
إن الأمكان النصي في الظاهر مُحِدث، أمّا في باطنه فهو معرفّي ينحو منحى التصريح في سياق المبحث المشار إليه، والخطاب الشعري مهنة الجارية هو متسع ومحدود في آنٍ معاً وبالتالي يمتلك رؤية تحتوي على مفهوم سسيولوجي وعلى خواص بالتعبير.
فالتموضع بهذا الاتساق والأتساع يأخذ مظهر التفكيك والتناصي ولعلّ ما نجد في المطرب معبداً في سعة في تركيبته الفنية ـ باعتباره أفضل المغنيين في أهل المدينة. فموضوعه الأقصى هو متسّع في عملية التنوّع وخبرة في مزاوجة الألحان وهذه العملية هي تحقيق أولى لما ينسجه الفعل الدرامي في المزج بين معنى الغناء ومعنى الرثاء من قبل الجارية فالتوليد في المعنى جاء على لسان الجارية والفكرة أصلا هي فكرة (معبد) وعليه دعونا موضوعهما موضوعاً يعود بالفكرة إلى التوليد التعبيري في شخصية "معبد" الغنائية . والموضوع المناقش الآن هو شيء معّد ضمن خلاصة لها علاقة بخطاب يحمل علاقة متعادلة من الناحية السيكولوجية.


نسبه
وأسم
ابي ربيعة: حُذَيفَة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظه بن مُرةّ بن لؤي بن غالب. ويُكنّى عمر: أبا الخطاب. وكان ابو ربيعة جدّه مسمى ذا الرُّمحيني، سمّي بذلك لطوله. كان يقال: كأنّه يمشي على رمحين() يقول عبد الله بن الزعبرّي:
ألآ للهِ قومُ و
لَدت أختُ بني سهمِ

هشامُ وابو عبد
مناف مِدَرة() الخصمِ

وذو الرُّمحين أشباكَ
من القوة والحزمِ

فهذان يذودانِ
وذا عنْ كثبٍ يرمي

أُسودٌ تزدَهي() الأقرا
نَ منّاعون للهضم()

يتضحّ أن التعبير في دلالة النص الشعري يعطي بعض صيغ جديدة في العلاقة من النص والمعنى والعلامة وأن الفكرة الرئيسية لهذه العلامة تتضمّن الفكرة الواردة في النص لأن الرمح يعتبر موضوعاً يغطي المعنى في النص، فإذا كان النص الشعري يعبّر عن تجريد في حلقاته الأولى عند (ابي ربيعة) فالانموذج في العلامة الثانية يؤكد فواصل الدلالة في موضوع المخصوص من المعاني المتداخلة في هذه العلامات.
من هنا يبرز الاعتقاد في أطاره المحسوس والملموس بأن هذا المعطي من النّص أخذ خصائصه باستحالة الأشياء المادية الملموسة (وهو الرمح) عبر تفاصيل العمود الشعري من خلال اللغة لذلك أن كل ما يعنينا هو أن الموضوع يكون في حالة تنوع وإجراء يغطي خواص المعنى والمعنى باعتباره منظومة اختيار للنص الشعري تُفصح عن أختيارات ملموسة وذلك بالاستناد إلى نظرية في الدلالة لتخرج مدلولاً يعبّر عن فضاءات النصّ الشعري وهذا ما نجده عند (العَّرجي) في حق (جوان بن عمر بن أبي ربيعة). يقول (العرجّي):
شَهيدي (جُوَانُ) على حُبّها
أليس بعدلٍ عليها جُوانُ

ويذكر أن (جوان) هذا جاء إلى العرجي وقال:
يا هذا، ما لي ولك تُشهرني في شعرك حتى أشهدتني على صاحبتك هذه! متى كنتُ أشهدُ في مثل هذا! وكان أمراً صالحاً.
وذُكِر إن عمر بن أبي ربيعة وُلِد في الليلة التي قُتِلَ فيها عمر بن الخطاب.
إن المماثلة في السرد من الناحية اللغوية في هذه السيرة الذاتية للشاعر عمر بن ابي ربيعة باعتباره يؤكد معنى تاريخياً في استقامة الشعر العذري والمماثلة في هذا الأمر هي العلاقة التي تؤكد عملية المشابهة في النصوص النثرية والسردية العربية في جميع كتب التراث العربي، ونحن في هذا الموضوع نؤكد التماثل في هذه العلاقة لخواص التحليل الذي يتعلّق بالمباشرة في الصياغات السردية التاريخية في رواية: ثم أقبل بن عباس على أبي ربيعة فقال: أنشدنا فأنشدهُ:
تَشُطّ غداً دارُ جيرانِنا

ثم سكت. فقال بن عباس
وللدّارُ بعد غدٍ أبْعَدُ

فقال له عمر: كذلك قلتُ: أصلحك الله ـ أسمعتهُ؟ قال: لا، ولكن كذلك ينبغي.
مادار بين ابن عباس وعمر في المسجد بحضور (نافع بن الازرق) حسب الرواية بأن بن عباس قد أختار التواصل في المماثلة أو في وعي النص الشعري بأعتبار أن العرب يتحدثون بأشياءهم وبأختيارات المطابقة جوهرياً وهي سُنّة معروفة عند العرب وهذا الترتيب في الاختيارات يعود إلى مقولات تعتمد الأسس في صياغة المعاني الشعرية، رغم أن زيارة عمر بن أبي ربيعة إلى المسجد كانت زيارة غير محسوبة لكنّها أثمرت خواصاً تتعلّق بتشابك المماثلة في القواسم المشتركة التي جمعت بين الاثنين: هو الشعر فمستوى الاحالة هو مستوى ضمنياً في طبيعة العربي وأشكالاته الاختلافية القائمة على التقابل الطردي في مفهوم الوعي الشعري وحلقاته الاجتماعية المتعالقة ضمن إطار النص.
قيل: وكانت العرب تقر لقريش بالتقدم في كل شي عليها إلا في الشعر، فأنها كانت لا تقرّ لها به، حتى كان عمر بن أبي ربيعة ، فأقَّرت لها الشعراء بالشعر أيضاً، ولم تنازعها شيئاً. وقال نصيب : عمر بن ابي ربيعة أوصفنا لربات الحجال. وقال سليمان بن عبد الملك لعمر بن أبي ربيعة: ما يمنعك من مدحِنا؟ قال: إني لا أمدح الرجال، إنما أمدح النساء، وذكر أن عمر بن أبي ربيعة عاش ثمانين سنة فتك منها أربعين سنة، ونسك أربعين.
إن العالم الممكن عند بن أبي ربيعة يَعُد مجسّاً تحددّه خواص الحرفة الشعرية وبأعتباره موضوعاً مخصوصاً يتعلّق بوحدات المعاني في قانون عمر بن ابي ربيعة . وعليه يعتبر: عمر بن ابي ربيعة شاعر قريش وهو شيء من هذا القبيل لأنه أوشك على تحقيق أعالي الموضوعات في الحدث الشعري وهو التحديد المباشر للموضوع كما مثلته العلاقة بين القبيلة والحدث الشعري لأن عمر بن أبي ربيعة شاعر النساء وهو أستيضاح للصلة بين الموروث بين الشعر في القبيلة القرشية وبين العلاقة الأعم في محور النّص الشعري. والحادثة التي تقع في موضوع النص السردي هو أن عمر بن ابي ربيعة كان يطوف بالكعبة عندما شاهد امرأة جميلة كما يقول صاحب الأغاني فأعجب بها فحاول التقرب منها ولمرّات عديدة فلم يفلح حتى تمثلت تلك المرأة الجميلة بقول النابغة:
تَعدوُ الذئاب على من لا كلاب له

وتتقي صولة المستنفر الحامي

ولمّا حُدّث المنصور بهذا الحديث قال: وددتُ أنه لم تبق فتاة من قريش إلا سمعت بهذا الحدث، نقول: في مفهوم المنطق التعبيري للشعر ينبغي التلازم للنظر في مفهوم الصورة الشعرية والموضوع الذي يتعلّق بالهيكل التعبيري للبيت الشعري: وما دام المدلول الأساسي هو المرجعية لتلك العلاقة التي تربط النص الشعري بمعناه وعلاقته في حين نحن نعرف أن الموضوع الشعري: هو تعيين التركيبة العامة للنص من خلال الرؤية الشعرية للنص وهو السبب الذي وضعنا له منطق الشيء الاساسي في لغة المدلول الشعري، وإن الجملة الشعرية هي التي توقد هذا الاسناد في التعاطي بالنص ليكون فاعلاً في صياغته وكونه يعييد هذه الصفة إلى العملية التكوينية في فكرة الموضوع المرأد طرحه وتكوين الاسانيد التي تضع عموميته في ميزان الشعرية والصياغة للعبارة من الناحية المنطقية وهذا ما جدا بالمرأة الجميلة أن تتمثل ببيت للنابغة للوقوف حول موضوع عمر بن أبي ربيعة. وقيل أن عمر بن أبي ربيعة شب بزينب بنت موسى أخت قدامة بن موسى الجمحي، فممّا قال فيها:
تَصابى القلبُ وأذّكرا
صِباهُ ولم يكن ظَهَرا

لزينب إذ تجدُّ لنا
صفاءً لم يكن كدرَا

أليست بالتي قالتْ
لمولاة لها ظُهرا

أشيري بالسلام لهُ
إذا ما نحْونا نظرا

وقولي في ملاطفة
ذ لزينب نوّلي عمرا

فهزّت عِطْفها عجباً
وقالت منْ بذا أَمِرا

أهذا سحرُك النسوا
ن قدْ خبرنني الخبرا()

إن أسناد الموضوع الشعري بطريقة الغزل وهو من الاسنادات التي تبين الملائمة لحالة البناء الموضوعي في أسس سسيولوجية، وتمثل الدلالة التزامنية لمدلول طردي يتكون بمدلول أجتماعي وهنا يتحقق موضوع العلة الكفيلة التي تشير إلى عملية التواشج العاطفي بتقنية الشعر وهو خصوص مبدأ العلة العاطفي، فكان الشاعر عمر بن أبي ربيعة هو حالة الأثبات لحالة الأدراك الحسّي على مستوى الوعي السيكولوجي ومدلوله: هو طبيعة الفكرة الغزلية التي أنطلق منها سسيولوجياً لموضوع يسمح به في تقديرات وتحولاّت وفق متطلبات افتراضية لكي تتحقق صورة مفادها تتعلّق بالأسانيد الخاصة من ناحية العبارات التي أوجزها الشاعر لأنها منطلق هذه السمات ويُروي على غير هذا الروي، هكذا:
لقد أرسلتُ جاريتي
وقُلتُ لها خذي حَذَرَكْ

وقولي في مُلاطفةً
لزينبَ: نوِّلي عُمَرَكْ

فهزّت رأسَها عجباً
وقالت: مَن بذا أُمِرَكْ

أهذا خَدْعُك النسوا
ن قد خبَّرنني خَبرك

ويتضح ذلك في عدة من الاثباتات داخل هذه النصوص باعتبارها أدراكاً سردّياً يُفصح عن شعرية عمر بن ابي ربيعة وهذا أساس من طبيعة الفكرة التي تفصح عن الاحالة الموضعية وأشكالية الدعوة التي تناولها المعنى بقصدية سسيولوجية متعارف عليها وبمضامين يظهر تشابهها للمدلول اللغوي في أعلى مكوناته الأدراكية في سياق الغزل، وقال أيضا في زينب:
يَا مَنْ لقلب مُتيمُ كلفٍ
يَهذي نجودٍ مليحة() النَّظر

تمشي الُهوينى إذا مََشَتْ() فُضُلاَ
فهي كمِثل العُسْلوج() في()الشجَّر
ِ
مازال طرفي يحارُ إذْ برزتْ()
حتى رأيت النقصان في بصري

أبصرتها ليلة ونسوتها
يمشين بين المقام والحجَر

بيضاً حِساناً فرائداً() قطفاً
يمشين هوناً كمشية البقر

قدْ فُزن بالحُسن والجمال معاً
وفُزْنَ رِسْلاً() بالدّل والخَفَرِ

يُنصِتن يوماً لها إذا نطقتْ
كيما يُشرَّفنها على البشر

قالت لترب لها تحدَّثُها
لِنُفسِدنَّ الطواف في عمر()

إن الاختلاف في مفاصل النص الشعري من الناحية الموضوعية يعطينا الأساس الدلالي والتعبير المتولد داخل المقاطع: فأين أبي ربيعة هو الذهن الشارح في المسألة التعبيرية وفي نطاق البلاغة النظرية في (تمشي الهوينى) باعتبار أن المفردة تعالج مسألة تنظيرية في البلاغة بمعنى صدق العلاقة في النص وأساس الفكرة داخل النص الشعري.
وقيل أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك قال لاصحابه ذات ليلة: أي بيت قالته العرب أغزل؟ فقال بعضهم: قول جميل:
يموت الهوى منّي إذا مالقيُتها




ويحى إذا فارقتُها فَيعوُدُ

وقال آخر: قول عمر بن أبي ربيعة :
كأنني حين أمسي لا تكلُمني

ذوُ بُغية يبتغي ما ليس موْجودا

فقال الوليد: حَسْبك والله بهذا.
وذكر أبو الحارث، مولى هاشم بن الوليد بن المغيرة، قال:
شهدّت عمر بن ابي ربيعة وجميل بن عبد الله بن المعمّر العذري وقد أجتمعا بالابطح فأنشد جميل قصيدته التي يقول فيها:
لَقدْ فَرِحَ الواشون أن صَرَمتْ حبلى
بثينة أو أبْدتْ لنا جانب البُخْلِ

يقولون مَهلاً يا جميلُ وإنني
لأُقسَم مالي عن بثينة مِنْ مَهْل

ومن هذه القصيدة:
خليّلي فيما عشتما هل سمعتما

قتيلا بكى من حبِّ قاتله قبلي

أبيتُ مع الهُلاّك()ضيفا لأهلها
وأهلي قريب موسِعون أولو فضلِ

أفقْ أيها القلب اللجوج عند الجهل
وَدَعْ عنك جُمْلاً لا سبيل إلى حُمْلِ

فلو تركتْ عقلي معي ما طلبتها
ولكنْ طلابيها() لما فات من عقلي()

وإذا عدنا إلى الوعي الشفهي والوعي الكتابي: نستطيع أن نتصور أن عمر بن أبي ربيعة كان يمتلك وعيا شفوياً بموضوعية تعبيرية شكلية فهو يتخذ مختلف المتقاربات في النص الشعري وهي وجهات متباينة أحياناً لأنها تمثل وعياً إمكانياً يتحدد بمدلول تعبيري من ناحية هندسة النص وبتعبير أنطباعي يتقاطع مع هندسة النص التعبيري، ثم يأتي التعبير العام في سياقه كونه يستعمل الرمز العقلي في موضوعه المباشر وبشكل تقني، وعمر بن ابي ربيعة قد أستخلص حجّة تستمد مقوماتها من حقائق اجتماعية يغلب عليها التعبير السرد اليومي للحياة العربية بشكل عام والشعرية بشكل خاص وعليه كان الموضوع الأرحب في ذلك هو استخلاص المعنى المتحقق في الحياة العذرية الشعرية العربية (ولنا عودة أخرى مع عمر بن ابي ربيعة في الصفحات القادمة).
ولكن ابي نؤاس داهمنا على هذا الخط العذري باستخلاص حجة مستمدة من حركة المدلول الارحب للنص الشعري في طياته وهو المفهوم الأرحب في هذا الغزل من وجهة نظر شعرية تنتج منطقاً يوّضح الأمكانيات في صنع التعبير لقضية تتعلّق بالمعنى، وحتى يكون المدلول القانوني في هندسة النص قابلاً للتأويل في مستقبل العبارة وأستنتاجاتها الضرورية والتي تتضمن مقدمات حول خاصة النص في قصيدة أبي نؤاس (لا تبكي ليلى).
لا تَبْكِ ليلى، ولا تطرَبْ إلى هند
وأشْربْ على الوردِ من حمراء كالورد

كأساً إذا أنحدرتْ في خلق شاربها
أجْدَتْهُ حُمْرتها في العين والخد

فالخمرُ ياقوته، والكأس لؤلؤه
من كفّ جارية ممشوقة القدِ

تسقيك من عينها خمراً، ومن يدها
خمراً، فمالك من سكرني من يد

لي نشوتان ، وللندمان واحدةٌ
شيءٌ خصصت به من بينهم وحدى()

ةفي هذا الخطاب الشعري ينقلنا أبي نؤاس إلى الامكانية الدقيقة في تأكيد الحقيقة الاستهلالية لمرحلة كتابية معرفية تتحول إلى مخزون في ذاكرة الوعي الخمري المتمثل بأنسجة تختزن الأمكان الموضوعي في ذاكرة تتناول خاصية النصوص الشعرية المتقدمّة التي تلتزم (الأنطباع التجريدي) خارج تبعية الواقع التابع إلى منهجيات تتمركز فيها خطابات مباشرة مقصورة عمليا في التكرس والهيمنة الابوية سواء الاصولية أو التبعية المتمركزة بحضارة الغير، فالتساهمية في هذا التحقيق الضمني بالقياس إلى خفايا التأويل والوعي المباشر وعلاقة كل هذا بالأساس الضمني الذي يبرز معالم الصورة الشعرية وبنمط أدراكي يؤسس حركة حيوية للنص الشعري بعيداً عن الأنانية ويكون النص منفتحاً على منعطفات تعني التعريف محالة التصديق المنطقي بوصفها تحمل المفردة البلاغية، وكذلك تستغرق في كلية كاملة ومعرفية في التشديد على الوعي المفهومي للنص الشعري بجسه وسياقه في مجاله وهي السمة الجوهرية التي تعمقّت بهذا النص، وهذا هو مقدار الحيوية في التشكيل الواقعي المحسوس والقابل للأتساع من خلال التراكم الجوهري والواقعي والتجذيري والنوعي . وبهذا المعنى تكون المفردة اللغوية مفهوماً قصدياً يتسع لمفاهيم الجمال التي خزّنها النص الشعري.




نسبه
هو
عُبيد بن سريج، ويُكنى أبا يحيى مولى بن نوفل بن عبد مناف وقيل مولى بني الحارث بن عبد المطلب. وقيل : مولى بن بيث....الخ.
سكنه:مكة. وكان آدم وأحمد ظاهر الدم سُناطاً() وفي عينيه قَبَلٌ() ولماّ بلغ خمساً وثمانين سنة. وكان أكثر ما يُرى مقنعاً . وكان منقطعاً إلى (عبد الله بن جعفر) وقيل كان مخنثاً أحول أعمش، يُلقب (وجه الباب) وكان لا يُغنّي إلاّ مقنعاً ، يسيل القناع عن وجهه، وكان احسن الناس غناءً . يُغني مرتجلاً ، ويوقع بقضيب وغنى في زمن عثمان بن عفان. ومات في خلافة هشام بن عبد الملك وقيل بل مات بعد قتل الوليد بن يزيد . وقيل أن أباه كان تُركياً . وقيل : أنه كان يضرب بالعود ومات بالجذام. وقيل: أنه أول من ضََرَبَ بالعود على الغناء العربي بمكة وذلك أنه رآه مع العجم الذين أقدمهم ابن الزبير لبناء الكعبة. وأمّه مولاة لآل المطلب ؛ يُقال لها: رائقة ، وقيل: هي هند أخت رائقة.
وكان ابن سريح بعد وفاة عبد الله بن جعفر قد انقطع إلى الحكم بن المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطبْ أحد بني مخزوم. وكان في سادة قريش ووجوهها. وقيل: أصل الغناء أربعة نفر: مكيّان ومدنيان والمكيان: ابن سريح وابن محرز والمدنيان معبد ومالك: ويقال: انه أندفع يغني من شعر جرير:
إن الذيّن غدوُا بَّليك غادروا
وشلاً بعينيك لا يزالوا معينا()

غيّضن من عبراتهن وقلن لي
ماذا لقيت من الهوى ولقينا()

من منظور يأتي بالمفارقة اللغوية تتحدد خواص الإنسان من ناحية التركيب الفسلجي وعلاقته بالحياة، والقيمة السردية في أخبار بن شريح يعني جانب المفارقة في الحياة الفنية، والجانب المهم في ذلك حصراً الذات الفنية وما تمخّضت عنها الحياة من تصوير تصديقي يعي تلك المرحلة الفنية في الحياة العربية. فالسرد في تشكيلته وأنساقه المعرفية يكوّن لنا صورة فنية وجذرية تشكل عن مستقراً في عملية الاستبدال في إطار نظام من الوعي الفني، باعتبار أن الجانب الأساسي في ذلك هو تحرر الفرد من الأبوة المنسوبة إلى خلاصة واحدة من شخصية الموت وهي قد تكون منسوبة إلى حالة فردية واحدة أو إلى مجموعة من الأموات في شخصية واحدة، وكان لابن شريح المغني المكيَّ الذي تمكن من تفسير الوعي الجمعي الغنائي في مكة في تلك الفترة وهذه خاصية وحدت سمات عديدة وعامة وأفرد مدلولات دقيقة لوعي تلك المرحلة التاريخية من الناحية الفنية: حيث أزدهر الشعر والغناء والرقص وهنا أدى بدوره إلى أزدهار الوعي النقدي الفني في أثبات حقيقة الغناء العربي من خلال أنساق النّص الشعري المموسقة فنياً.



هو

نصيب بن رباح مولى عبد العزيز بن مروان وكان لبعض العرب من بني كنانة السكان يودّان . و(الدّان) هذه: هي التي تقع بين مكة والمدينة وإياها يُعني (نُصيب) وقيل أشتراه (عبد العزيز) منهم. وقيل: بل كانوا أعتقوه فأشترى (عبد العزيز) ولاءه منهم. وقيل: بل كاتب مواليه فأدّى عنه مكاتبته. وقيل: كان (نصيب) من (قضاعة) وكانت أمه سوداء، فوقع عليها فحبلتْ بـ (نُصيبْ) فوثب عليه عمه بعد وفاة أبيه، فباعه من (عبد العزيز) وكان شاعراً فحلاً فصيحاً مقدما في النسيب والمديح ولم يكن له خطّ في الهجاء. وكان عفيفاً . وقيل: أنه لم ينسب قط إلا بأمراته . ذُكر عن (نصيب) أنه قال: قلتُ الشعر وأنا شاب فأعجبني قولي: فمدح (عبد العزيز بن مروان):
سَرَى الهمُّ تُثنيني إليك طلائعه
بمِصْر وبالحوف إعترتني روائعهُ

وباتَ وسادي ساعِدٌ قلّ لحمه
عن العظم حتى كادَ تبدو أشاجعُه()

وذكرتُ فيها الغيثَ فقلتُ:
وكمْ دونَ ذاك العارفي البارق الذي

لهُ أشتقْتُ من وجه أسيلَ مدامِعُه

تمشي به أخفاء بكرٍ ومَذْحج

وأفناءُ عَمْرو وهو خِصْبٌ قرابعه

فكلّ مسيل من تهامة طيِّبٌ

دميث الرُّيا تسقي البحار دوافِعه

أعني على برقٍ أريك وميضه

تضيء دجُنّات الظلام لوامعه

إذا أكتحلت عينا محب بضوئه
تجافت به حتى الصباح مضاجعه

هنيئا لأمّ البختري الروى به

وإن أنتهج الحبلُ الذي أن قاطعه

ومازلتُ حتى قلتُ إني لخالعٌ
ولأئي من قولى نمتني فوارعه

ومانِحُ قوم أن منهم مودّتي
ومتَّخذٌ مولاكَ مولى فتابعُه

ويذكر لنا صاحب الأغاني إعجاب الأمير بشعره حتى دعاه فدخل حتى أذِن له أن ينشد الشعر فأنشد ، فأعجبه شعره.
إن الاختيارات المتمثلة قد تتكّون في نمير الشعر ولكنّ الانتقاء حصل في هذا الباب ويظل الاختيار في حقيقته يتعلّق بخواص السرد الغني مع الاحتفاظ بخواص الشعر والعلاقة تنتقل في أخبار (نَصيب): من مستوى المبنى الأرادي والأحالة في خواص التأسيس الفني القائم على وقائع قابلة للبرهنة بأتجاه تطبيق الوعي النظري للسرد وتحليل الوقائع التي حصلت للشاعر وهو يجوب الآفاق للتحررّ من العبودّية وذلك في مدحه لـ (عبد العزيز بن مروان) . وهذا هو التحديث في العلّة النصية وما يرافقها من منطق يؤكد الكينونة والتبصر. وعلاقتهما بالوجود العقلي وعلاقة كل هذا بالأنساق الشعري بأعتبارها الفكرة المدركة لخواص النصّ.
فإذا كان الفكر يتمحور حول السمع والبصر، والفكر يتم أدراكه بالسماع وهذا غير الادراك بالرؤيا، وإذا أكدّت هاتان الخاصيتان في شخصية الأمير عبد العزيز بن مروان وهو يسمع نصيب وهو ينشد الشعر، إذاً في هذه الحالة تكاملت الرؤيا الفكرية عند عبد العزيز بن مروان فأصبحت التشكيلة رؤية أستعارية وهذان حصل بالفعل فيما تحقق من معانًٍٍ بين (السمع والبصر)().
ومن ثم انتقالهما إلى خواص أدراكية محسوسة، ولكن (هايدجر) من جانبه يوضح هذا الأشكال في ما يسمى (الفكر ـ السمع ـ والألمام بالأذن والبصر ، وهما مختلفان عند الاستجابات الحسية)، وتتضمن كل هذه السمات حالات جديدة تتعلّق بالتأويل للنصوص السردّية التراثية وما حقيقته من أستهلالية في تصديق مجموعة من الأغراض في مفهوم المفردة الشعرية والنثرية وهي قضية تبرهن مبدأ التأويل النصي وطاقته التفاعلية وهي تتساوى في خواص الايضاح في التعبير وهي الوسيلة الحركية داخل خواص الوعي وعبر العلامة القائمة على الموضوع وهندسة البلاغة وصورته التي تمثل منحنيات عديدة في أتساع مفهوم التعبير وعلاقته بمسارات التحديد النصي المترادف في هذا الموضوع وهو الذي يُقاس فيه خواص المنطق الشعري وأستعادته للمنظومات الشعرية وإنساقها ومراميها النظرية وما يحدثه التحديث للنص في مفاصله الأولية.
من هنا تبدأ المسافة المروّية في النثر والشعر في إطار السرد وهذا من تصوره وما صوره كتاب الأغاني في أكثر رواياته التاريخية والفكرية والادبية وما يكتنفه من معنى داخل هذا الاجراء، وهي مسافة تكونت بتركيبة خاصة بهذا العلم وإن الفكرة كما يقال كانت نتيجة حققتها خواصّ ذهينة مرتبطة بمرحلتها التاريخية القائمة على الحدث الشعري والنثري السردي القائم على الاصالة.




هو
عبد الله بن عمرو بن عمرو بن عثمان بن عفان بن ابي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمّ عفان وجميع بن أبي العاص آمنة بنت عبد العُزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي. وأم عثمان أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وأسمها البيضاء أم حكيم بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، عمّة رسول الله (ص) وهي وعبد الله وابو طالب أخوة لأب وأم، وأم عمرو بن عثمان أم ابان بنت جُندُب الدٌّوسمية وأمّ العرجي آمنة بنت سعيد بن عثمان وأمها أم ولد. وإنما لقب العرجيّ لأنه كان يسكن عَرْجَ الطائف.(). وقيل: بل سمي بذلك (لماءِ كان له بالعَرْج) .
وكان من شعراء قريش، ومن شَهِرَ بالغزل منها، ونحى نحو ابن ابي ربيعة في ذلك وشبه به وأجاد أو كان مشغوفاً باللهو والصيد حريصاً عليهما، قليل المحاشاة لأحد فيها وذُكِرَ أنه كان من الفرسان المعدودين مع مسلمة بن عبد الملك بارض الروم، وقيل: أنه باع أموالاً عظيمة وأطعم عنها في سبيل الله حتى نفذ كل ذلك.وقال العرجّي في أمراة من بني حبيب بطن من بني نصر بن معاوية يقال لها عاتكة زوجة طريح بن إسماعيل الثقفي الشاعر:
يا دار عاتكة التي بالأزهَّرِ

أوْ فَوْقه بقفا الكثيب الأحْمَرِ

لم ألق أهلكٌ بعد عام لقيتهم
يا ليت أن لقاءهم لم يُقَدر

بفناء بيتك وابن شعب حاضِرٌ
في سامر عطر وليل مقمر

مستشعرين ملاحفا هرويّة
بالزّعفران صباغها والعصفر

فتلازما عند الفراق صبابة
أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر

كثيراً ما يتعلق الامر بين الشاعر بالذات والاخر باعتبار أن هناك ربطاً ضمنيا بينهما بفعل الكتابة، إضافة إلى كل هذا فإن الوعي الموضوعي للشاعر رغم هواجسه اللدنة أو المرنة أحياناً فأنه يشكل صورة متطورة لعلاقة الذات أو الشاعر مع الآخر وبشكل موضوعي وهذا واضح عند فرويد أو لاكان ، وعند البحث في هذا الموضوع الشعري وعلاقة (العرّجي) الشاعر المتشبب بالنساء فهو من جانب لا يختلف عن سابقيه من الشعراء ولكن لكل شاعر خواصه في بناء القصيدة ولكن من الملاحظ: أن العرجيّ يمتلك صياغة ومتانة في نسج النص الشعري وقابليته في شد فعاليّة النص وصنع مفاهيم متجددة وهذا يعود إلى خواصه الجمالية في الصورة الشعرية.
ولكن على العموم أن انساقه الشعرية وبناءه المتين من خلال الانتقال في المعاني الحرفية إلى المعاني المجازية وهذا جزء أساسي في منظومة العرجيّ في الشعر.
بقي أن نقول أن المعنى في أغلب قصائده يشدّه الإظهار والصياغة التقليدية والانطلاق في حقائق المكان إلى معين محسوس إلى إشكال روحي عبر المجاز، وهذه خواص تتحقق بالصياغات الشعرية عن طريق الثنائية في النصوص الشعرية، وهو الانتقال الموضوعي داخل المعنى عبر النسق الشعري ثم يأتي الانتقال ثانية إلى مستوى آخر من الوعي خاصة في خواص المعاني المتشكلة من النص الشعري.يقول العرجي:
أقول لصاحبّي ومثلُ ما بي


شكاهُ المرء ذو الوجد الأليم


إلى الأخوين مثلهما إذا ما
تأوَّبه يُؤرَّقهُ الهموم

لحيني والبلاء لقيت ظهراً
بأعلى النقع أَخََت َبنى تميم

فلما أن رأتْ عيناي منها
أسيل الخدِّ في خلقٍ تميم

وعيني جؤذر خرق وثغرا
كلون الأقحوان وجيد ريم

حنا أترابها دوني عليها
حنو العائدات على السَّقيم()

فالمحاولات التي يبدأها العرجّي كلها تبدأ بالمفهوم الشعري والاستعارة البشرية، والسر الدفين في ايصال المعنى وفق حالة إستقرائية محكومة بخواص الصيرورة لتضع حالة النص الشعري بإمكانية منطقية إضافة إلى الخواص المرجعية بالحضور الشعري لأن العرجّي يضع مرجعياته في خانة الخواص المعرفية بالشعر عند العرب ولذلك جاء شعره شعراً تجذيرياً ذو خواص يكتنفها وجود الحضور المنطقي داخل الأنساق الشعرية.




مِنَ
الناس منْ أثبت وجوده ومِن الناس من لم يثبت، فأما المثبتون فمنهم من قال: أسْمه مَهْديّ ومنهم من قال: أسمه بن قيس، وهم الأكثرون. وهو بن الملوّح بن مُزاحِمْ بن قيس بن عدي بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وقيل: هو قيس بن معاذ أحمد بني نُوير بن عامر بن عقيل. وقيل: أحد بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. قالوا: وممّأ يدّل على أنّه أسمه قيس قول ليلى صاحبته:
ألا ليت شعري والخطوب كثيرةٌ
متى رحْل قيس مستقل فراجعُ

وقال الاصمعي وقد سئل عنه: لم يكن مجنوناً ولكن كانت به لوثة كلوثة أبي حية النميري وروى المنكرون أخباراً تدّل على أنه لم تكن له حقيقة، من ذلك ما روى ابن دأب()قال: قلت لرجل من بني عامر: أتعرف المجنون وتروي شعره؟ قال: أو قد فرغنا من شعر العقلاء حتى نروي أشعار المجانين! أنهم لكثير، قلت: ليس هؤلاء أعني إنما أعني مجنون بني عامر الذي قتله العشق. فقال : هيهات! أن بني عامر أغلظ أكباداً من ذلك! إنما يكون هذا في هذه اليمانية الضعاف قلوبها، السخيفة عقولها ، الصَّعلة رؤوسها فإما نزار فلا. وروي عن الاصمعي أنه كان يقول (رجلان ما عرفا في الدنيا قط إلا بالاسم: مجنون بني عامر وأبن القرية فأنهما وضعهما الرواة.
وابن القِريَّة: هو أيوب بن زيد بن قيس. والقِرَّية: أمه، كان لساناً خطيباً، وقتله الحجّاج لأتهامه بالميل إلى ابن الاشعث. (المصدر: وفيات الاعيان لابن خلكان).
إن عملية اللّبس في هذا الموضوع السردي التاريخي ينقلنا إلى حقيقة النتائج التي تضع سيطرة التصور أو نزعة التصوّر الضمني في الاذهان لتتطابق مع أهمية الصورة الواقعية في الحياة ومادام المجنون كان هو درجة الألتباس وما تحقق من فهم في هذا الموضوع نقول:
إن ما في الأذهان كبير وخطير وقديم وارسخ وواسع ويكتسب في حالة الزمكان في النصّ سعة ومقدرة وعليه فالمشروعية الشعرية هي الصنعة التي تعبّر عن خواص الفرد الشاعر في موضوع الفكرة العامة للشعر أو النثر ، يحدث دائما في العمليات الذهنية خاصية عامة معبر عن الجزئية وهي نواة الكلية المطلقة، وإنه مبدأ العلّة يشير إلى الخاصية التي تحيط بالنص.. وخصوصاَ مبدأ التصور لخواص النصّ وإننا لمتأكدون من وجود عقل بفعل الكينونة ، هذه الفكرة هي التي تبرهن على الاجابة في أن الرغبة الجامحة تؤدي إلى خلق النص المركزي الذي يحوّل الرؤية والصورة إلى مرتسم جديد يتمركز في صيغة خطاب نثري على شكل سيرة بحيث يتحوّل هذا الاخراج إلى حقيقة أو خطاب لأنّه هو كذلك فلا شيء أثبت من واقع وحقيقة النص على ضوء تقنية الخطاب السردي، وقول حقائق كثيرة على أشكالية تحليل النص الشعري والتعرف على هويته ، وقد يكون هذا الموضوع شائكاً فعلاً ـ لأن الشاعر المجنون يعرف ببنيه دقيقة في النص الشعري والنص يحتوي على حجج وأسانيد ثم بعد ذلك يغيب هذا التعريف للنص وكأن لا أحد قال هذا الشعر، وتغيب هذه السمات البارزة للنص باطلاق أفتراضي يقتضيه الحال المخصص دون الرجوع إلى تأريخه القائل وشكلية الوعي للنص الذي تضمن حقائق دقيقة من العاطفة وهذه الحقيقة أصبحت من المسائل التي أختلف فيها، وهذا الأختلاف في تقديري يتعلّق بالوعي الشفوي والوعي الكتابي، وهي التي تؤكد تأريخية النص وثقافة الشاعر وتواصله في الحياة الاجتماعية. ونحن في هذا الموضوع لا نفصل فصلاَ تاماً بين الثقافتين للشعراء أو لكاتبي النصوص الشعرية ولكن تتضمن هذه المسألة الخطرة لتثبت حقيقة النصّ واختلافه من حالة الوعي الشفوي إلى الوعي الكتابي.. هذه الحقيقة تم أثباتها بين شاعرين مثل: بشار بن برد وابي العلاء المعري . والثقافة الشعرية لكل منهما وأرتباطهما بالواقع سسيولوجياً باعتبار أن الذات التي تفصح عن حقيقتها الأنسان من خلال النص الشعري، هذا الموضوع العويص كان في محّل جدل تاريخي (في سقراط صاحب الثقافة الشفوية إلى أفلاطون الذي حوّر تلك المحاورات كتابيا)() إذاَ: نحن نصل إلى حتمية تاريخية في أن الشاعر المجنون حقيقة موجودة من ناحية بناء النص الشعري على لسانه من حفظ شعره وعلى مدرسة الرواة الذي حفظوا لهذا الشاعر ودونوا أشعاره كتابياً.
وروى من أثبته: أن أباه الملّوح مات قبل اختلاطه أي قبل فساد عقله فعقر على قبره ناقته وقال:
عَقَرْتُ على قبر الملَّوح ناقتي

بذي السَّرح لما أن جفاهُ الاقاربُ


وقلتُ لها كوني عقيراً فأنني


غدا راجلُ أمشي وبالأمس راكب

فلآ يبعدنك الله يابن مزاحم
فكلُّ بكأس الموت لابدَّ شاربُ

إن النحو السردي في النص الشعري يعبر عن تاريخية النص الداخلي ويعبر هذا النحو من البناء للنص الشعري تمركزاً حول الذات وشهادة أكيدة على خواص الخطاب الشعري رغم ذاتيته المباشرة، ولكن بالمقابل فقد عبّر النصّ عن بناءه الفني المتين وهذا راجع إلى الارث الخطابي في الشعر العربي وسيكولوجية المتطورة وفق صياغات الحدث الشعري.
وذكر أن (ليلى) صاحبته ، بنت مهدي بن سعد بن مهدي بن ربيعة بن الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صَعْصَعة، وفيها يقول المجنون:
أخَذَتْ محاسن كلِّ ما
ضَنَّتْ محاسنه بحسنه

كاد الغزالُ يكوُنُها
لولا الشوى() ونشوز قرْنه

بعض الخصائص الفنية التي ميزّت (المجنون) باعتباره تضمن تلقائية في نسج العبارة ونسج الدلالة وتلخيصهما في سياقهما العرفي، والحقيقة أن هذا الموضوع يكاد يشمل الشعراء العذريين بشكل عام وما أنجزه (المجنون) من علاقة بين الموضوع الشعري وتقنية السرد الداخلي للنص والحساب الدلالي الكافي في إجراء العبارة ومكمنها في الخطاب الشعري، ولكن على العموم فإن رحلة الاصرار على حلقة المكمن الجنوني في الشعر العربي وما يروي الاصمعي: سألت أعرابياً: منْ بني عامر بن صعصعة عن المجنون العامري ، قال: عن أيهمّو تسألني؟ فقد كان فينا جماعة رموا بالجنون، فعن ايهمّو تسأل؟ فقلتُ: عن الذي كان يشبّب (بليلى) . فقال: كلهّم كان يشبب بليلى ، قلت: فأنشدني لبعضهم ؟ فأنشدني لمزاحم بن حارث المجنون.
ألا أيُّها القلب الذي لجَّ هائماً
بليلى وليد الم تقطّع تمائمُهُ

أفقْ فقد أفاق العاشقون وَقَد أنى
لك اليوم أن تلقى طبيباً تلائمهُ

إضافة إلى كل ما تقدّم فقد أصبح من الواضح أن ما انجزه المجنون في إشكال في المنهج الشعري يُعد من المحاور الرئيسية في مناقشة النصّ الشعري،(والمجنون) يشمل كلّ الذين ساهموا في بناء الشعري الغزلي المتمرد الذي لا يتطابق تشكيله النصي مع اللفظ ومدلوله من ناحية التركيبة الفنية في النص الشعري، فأصبح الأمكان في الطيف الدلالي لا يطابق المعنى وكذلك لا يتقيد بخواص الأنساق التعبيّرية كما هو الحاصل في هذا البيت:
ألا أيُّها القلب الذي لجَّ هائماً
بليلى وليد ولم تقطّع تمائمُهُ

وأنّ العودة للطفولة بهذا المعنى لا يتطابق مع دلالة المعنى (بالتمائم) وعليه فالشعر عبارة عن صياغة تركيبية بين فكرة ولفظة تتساوى في جملة كلّ منها من حيث الاستقلالية المطلقة وهي محصلة عبارة متكاملة بذاتها وذكر الرواة المثبتون أخبار المجنون أنه كان يهوى ليلى بن مهدي التي تقدم ذكر نسبها وتكنى أم مالك وهما حينئذ صبيان فقلق كل واحد منهما صاحبه وهما يرعيان مواشي أهلهما فلم يزالا كذلك حتى كبرا فحجبت عنه فقال في ذلك:
تعلقّت ليلى وهي ذاتُ ذوابة
ص ولمْ يبدو للأتراب من ثديها حجمُ

صغيرين نرْعى البَهْم ياليت أننا
إلى اليوم لم نكبر ولم تكبرُ البهْم

يبدوا أن الخطاب الشعري أخذ حجم الانتخاب السياقي السسيولوجي وعلاقته الافتراضية وبوعي أسطوري برزت سمات الوعي الجمعي للعاشقين وهي إشارة إلى الإمكان لسجى الخطاب الشعري في موضوع تصوّري يرتكن إلى موضوع الذات في شعرية المجنون.
وقيل لما شُهر أمر المجنون وليلى وتناشد الناس الشعر الذي عمله فيها خطبها وبذل لها خمسين ناقة حمراء، وخطبها ورد بن محمد العقيلي وبذل لها عشرا من الأبل وراعيها. فقال أهلوها: نحن مخيوروها بينكما ، فمن أختارت تزوجته، فدخلوا إليها وقالوا: لئِن لم تختاري وَرْدا لنمثلّن بك. فقال المجنون:
ألا ياليل إنْ ملكت فينا
خيارك فانظري أين الخيارُ

ًولا تستبدلي منيّ دنيّا
ولا برمَّا إذا حُبَّ القُتار()

يُهرول في الصفير إذا رآه
وتعجزه الملمات الكبار

فمثلُ تأيم منه نكاحٌ
ومثل تحوّل ممنه افتقارُ

إن الفعل التصوري حول موقع وإشكالية الذات الشعرية من السرد التاريخي تأتي متتابعة بالنسبة إلى المجنون حين عرف أن ليلى أختارت غيره هذا التصور يبدأ بالممارسة الذهنية بأعطاءها وحدة زمكانية مطلقة حين وضع الوحدة الشعرية في مقدمة الحلقة التاريخية وحين تكون الذات تعي عملية الفعل تكون شاهدة على لزومية فعل البنية في النص الشعري بأعتبارها شبكة متداخلة من العلاقات المبنية على فاعلية يؤكد وجودها السيكولوجي الأشمل بفاعلية ذاتية وبمحركات موضوعية تتلاشى بفعل وقت الممارسة السيكولوجية حتى تأخذ مساحة واسعة بسياقات الفعل الذاتي المباشر وهذا ما تأكد عند المجنون من ان نشاطه الذهني بقي يحوي النشاط الذاتي المغلق على نفسه وبعيدا عن النسق المعرفي المتجرد الذي شله الشاعر امرؤ القيسي وابو محجن الثقفي الذي استمر بشرب الخمر رغم تحريمها وكذلك الحطيئة رغم متانة شعره وقوة إيحائه في بناء المنظومة الدلالية للنسق الشعري لكنه فاسد اليدين ويروى أنه حين حضرته المنيّة قيل له: أوصي ـ قال: أبلغوا أهل ضابى أنه شاعر يقول:
لكل جديد لذة غير أنني
رأيت جديد الموت غيرَ لذيذ()

والذي حصل غير طريق الانطولوجيا: هو ان الذات بقيت سجينة الوعي الموضوعي في لجنة ضيقة أما الطرق الاخرى التي تتعلق ببنيوية الذات وتحولها إلى استعارة وهذا ما حدا بـ(ريكور) حتى أشاع انتقاده لهذا الأشكال ووصفه بأنه (كانتية بلا ذات)()نرجع إلى الحكاية من البداية فيقال: أن ليلى اختارت وَرْدا فتزوجته على كره منها. وذكر ان سبب أختلاط عقل المجنون هو أن ليلا أنشدته في خلوة:
كِلانا مظهر للناس بغضاً
وكلّ عند صاحبه مكينَ

وأسرار الملاحظ ليس تخفى
وقد تعزى بذي اللحظ العيون

فخَّر مغشياً عليه ثم أفاق فاقداَ عقله.()
وبهذا المنظار السيكولوجي تكون المعاينة في فعل الحكاية هو ما يراد قوله في حقيقة المتغيرات والتطورات التي حصلت في النص السردي وما بلغه اللاتناسب في ذكر الحدث للمجنون باعتباره إنسان قد تسامى في تعريف النّص الشعري. حيث خرق المنظور المتناهي في النص الشعري وهذا هو مكمن اللاتناسب في عملية الفصل والوصل. فالسعادة بالنسبة إلى (المجنون)، هي الخرق المتعالي والمتناهي في فعل الاشياء والتطلع الأشمل لحقيقة هذا الخرق الإنساني المتجرد باعتباره نزعة آلية كليّة تضع الشاعر المجنون في أنطلاقة سيكولوجية تضع المفهوم التأملي للمعاني في سعادة مقبولة بالنسبة للشاعر باعتباره حلم لا ينقطع وباعتباره قبولاً موضوعياً للحياة وهو بالتالي إنقطاع تأملي توجده المصادفة، والحياة لا تصبح مَرْضيّة إلا باجتماع (اللذّة) ومبدأ (الملكة) والرغبة والطاقة التي تسابق في مطلق الوجود. والسعادة بالنسبة للشاعر (المجنون) هي اختزال موضوعي يظهر لب المعاني في فكرة التحليل للعمل الشعري وهي التي تتعلّق بالتنوع الفردي وخواصه الذاتية وحقيقة ما توصل إليه الوعي الذي يعمل على أبراز التخييل الجامع والذي يطيل من راحة النهاية للشاعر. فالسعادة بالنسبة للمشاعر المجنون هي التناهي ، والتناهي في إدراك العالم هو الموضوع شعرياً وهو موقف يوضح الفكرة عن حالتي الذات والموضوع في ابعاد اللامتناهي باعتبارها تجريبية جديدة تؤكد حقيقة الفكرة عن العالم والفكرة التي يدركها الشاعر المجنون ويفهمها بشكل اوسع (مما تختبره كما يقول ديكارت عن حقيقة الأرادة).
وإن ما قامت به (ليلى) من أنشاد للشعر في خلوته ساعده على تنامي صنيعة المتناهي في منظومة التفكير الارادي بحالته الطبيعية وهي التي وجدّت الأسلوب الشعري في القيمة التشريحية وأنعكاس هذا كله في استحالة المعنى إلى تصدي التعبيرات، فالمعاني التي نطقت بها (ليلى) كانت تأكيدا لحالة التفكير الحرّ..وملاحظة الجوانب التي أستخلصت أمكانيات الأفعال وحقيقة المشاعر العاطفية عند المجنون، ونستخلص من كل ذلك أن هذه المعاني كانت تعبيراً عن مضامين سيكولوجية أنعكست في أفعال هذا الشاعر الحساس والتي عبرت عن شخصيته الكاملة ومن خلال تلك الحدود الموضوعية والذاتية الممكنة.
وقيل أن أهل (المجنون) خرجوا به إلى وادي (القرى) وهو مكان بين الشام والمدينة قبل توحشه لتماروا خوفا عليه من أن يضيع ويهلك ، فمروّا في طريقهم (بجبلي نعمان) وهو وادً بين مكة والطائف فقال له بعض فتيان الحيّ: هذان جبلا نعمان وقد كانت (ليلى) تنزل بهما. قال: فأي الرياح يأتي من ناحيتهما؟ قالوا: الصبا ، قال: فوالله لا أريم هذا الموضوع حتى تهب الصبا، فأقام ، ومضوا واحتاروا لأنفسهم ثم أتوا عليه فأقاموا ثلاثة أيام حتى هبت ريح الصبَّا ، ثم أنطلق معهم فأنشا بقول:
أيا جبليْ نعْمان باللهِ خلَّيا
سبيل الصبَّا يخْلُصْ إليَّ نسيمها

أجدْ برْدها أو تشفِ مني حرارةً
على كبد لم يبق إلا صميمها

فأنِّ الصبا ريحٌ إذا ما تنسمتْ
على نفس مهموم تجلّت همومها

رغم أن مجنون ليلى تحمّد وتعبّد بالمكان الذي مرّت به ليلى حتى أنتظر أياماً لتهب ريح الصبّا عندها تيقن مجنون ليلى أن ليلى أفقا لا ينتهي في هذا العالم المحاصَر به ويذهب المجنون بأن الآنية الإنسانية هي (الفهم الأبدي نحو مستقبل يحاول استمكانه أو الأمساك به رغم كل التفاصيل اليومية الدقيقة والتي تنحو منحى الأتاحة الضمنية وعلاقة هذه الآنية بمتاهة وماهيّة التطلّع نحو إمكان موضوعي يراه الشاعر وبشكل جلي) . والمكان قد اضفى مشروعية البقاء خارج الأمكان الذاتي وهذا يذكرنا بـ (جميل بثينة) بالحبيبة (بأعتبارها) تأكيداَ للوجود ذاته.
يقول جميل بثينة:
رفعت عند الدنيا المنى ، غير ودها

فما أسأل الدنيا ولا أستزيدها

ويقول:
فما غابِ عند عيني خيالك لحظة
ولازال عنها والخيال يزول

ويقول :
أقلب طرفي في السماء لعّله
يوافق طرفي طرفها حين ينظُرُ()

إن التوافق الحاصل بين مجنون ليلى وجميل بثينة حول خاصية الحبّ العذري الذي تحول إلى وجود في كنه هذه الحياة باعتباره شيء منفتح الحدود ومعبّر وحافز للانفتاح على منظور إنسانيّ كبير وبالتالي هو وفاء كمعنى أخلاقي عايشه الشاعر بصدق وعبر عنه بمعنى جماليّ في فصّ شعري أكد الاستقامة والفضيلة وأبتعد عن أشكاليات قد تضع الإنسان في حيز ضيق ومؤذ أحياناً للآخرين ، فالشاعران كانا قد عبرا عن جذرّية جوهرية تثبت حقيقة أن الآنية الأنسانية ، ماهي إلا تعبير عن ثبات في الموقف الإنساني والسردي للنص باعتبار ( أن النص الشعري هو خلاصة سردية لحقيقة إنسانية تعبّر عن صورته الذاتية المتحركة والمتماسكة أحياناً وإن إشكالية هذا الموضوع المتماسك يولد حالة من البقاء لأدراك حقيقة مستوى فعل النص الشعري من الناحية السردية لخواص تعبر عن التفاصيل الدقيقة لشخصية الشاعر الموجودة داخل حركية النص الشعري والتالي هي خلاصة لهوتية الموضوعية وما حققته من تفكير منطقي يدخل في تفاصيل عمليات النسق المعرفي داخل الخطاب الشعري.
(وجيل بثينة) قال شعرا يبدأ بنطقة الذات الفعلية وفي المطابقة بين سردية النص الشعري والتعبير عن الهوية العذرية وبالأطلاق للمرأة بأعتبارها الحبيبة المتواجدة وجوديا وعلى نحو يبرهن به الشاعر هذه القدسية للحبيبة.
يقول جميل بثينة:
لقد لامني فيها أخ ذو قرابة
حبيب إليه في نصيحته رشدي

فقال: أفق حتى متى أنت هائم
بثينة فيها لا تقيد ولا تبدي

فقلت له: فيها قضى الله ما ترى
عليّ، وهل فيما قضى الله من ردِّ

فإن يك رشداً حبّها أو غواية
فقد جئته، ما كان منّي على عمد

فقد جدّ ميثاق الآله بحبها
وما للذّي لا يتقي الله من عهد

تعلّق روحي روحها قبل خلقنا
ومن بعد ما كنا نطافاً وفي المهد


فزادكما زدنا، فأصبح نامياً
وليس إذا مِتنا بمنتقضِ العهد

ولكنّه باقي على كل حالة
وزائرنا في ظلمة القبر واللحد()

حين طرح جميل بثينة البنية الشعرية التي تتعلق بشبكة المطابقة والطريقة السردية للنص الشعري، وما يكتنفه من أشكالية تتعلق (بزمكان النص الشعري) وعلاقته بهذه التقاليد السردية الذاتية والوجود الجمعي للآخرين. وجميل بثينة حرّك منحنيات اجتماعية وانعطافات تكمل هذه الأفعال المتعلقة بثلاث مراحل تتعلق بمستقبل النص الشعري وبكل نقلاته المنطقية التي تتساوى وخواص التراث الشعري العربي وحاضره السردي وفعل الذات فيه والمطابقة التي أصبحت حقيقة تتعلق بإشكاليات الشعراء العذريين الذي تساقوا في وجود هذا العالم الشائك، كذلك هو تفكير لما قاله نيتشه وهوسرل وهيدغر عن خواص هذه الموضوعية للأرض والإنسان باعتبارهما الأيقاع الأسطوري لوجود هذا العالم().
فالأساس الوجودي للأرض والإنسان هو الأساس والأسس التأريخية وللمنطق الوضعي، ونحن حين نتجرّد ونخفي ما يُجرّد وجودنا فأننا نتحوّل إلى زمانية مبهمة ببعد آخر يتجلّى داخل المنظومة الوجودية وبهذا تكون قد تحللنا عن كل قوانين الوعي الوجودي الذي حققناه بتأريخية هذا الكوكب العذري والذي ينقلنا نحوه سواء (عمر بن أبي ربيعة أو مجنون ليلى أو جميل بثينة).
بقي أن نقول أن السلسلة اللامتناهية التي ننتقل إليها بواسطة الفعل الشعري وحركة التحوّل والتطور في أنساق التجربة الشعرية والتي تعبّر عن مكمن الشاعر الذي تمردّ على كلّ خواص المنطق الحياتي وتجربته الشمولية في الفعل الدلالي وتكوين المتناهي من الخواص السردية في الخطاب الشعري، وتبقى الصورة الشعرية هي الفعل البيّن في تكوين المعاني داخل أنسجة النصوص الشعرية ويبقى الشاعر هو الفيصل في تحقيق كل هذه المعادلات داخل النصوص الشعرية.
ويذكّرنا عمر بن أبي ربيعة بهذه الأبيات التي يغلب عليها المنطق العقلي:
طالَ ليلي وأعتادني اليوم سُقمُ
وأصابت مقاتل القلب نُعْمُ

مَرَّة الوجهِ والشَّمائلِ والجو
هر تكليمُها لَمِنْ نالَ غُنْمُ

وحديث بمثله تنزَلُ العُصْـ
ـمُ رخيم يشوب ذلك حلْمُ

هكذا وَصْف ما بدا لي منها
ليس لي بالذي تغيّب عِلْمُ

إنْ تجودي أو تبخلي فبحَمدٍ
ليس فيما أتيته لك ذَمُّ()

إن البنى الشعرية في خواص مفهوم الكتابة يطلق عليها البرهان الأول أو (الكتابة الأولى crchi – trace) أو ما يُعرف بالأثر القديم من الناحية السيكولوجية (الأثر القديم proto writing ) أو الكتابة القديمة.()
هذا الموضوع هو إشارة إلى عمليات اللاوعي السيكولوجي ، فأثر الكتابة يعني أستكمال لأدراك حسي دقيق وذاكرة تعيد خواص البنية الشعرية وهي إدراك لعملية سابقة وأفتراض لمعنى يسبق الأدراك في حلقته الأولى، هذه النظرية المعاصرة تعني وجود خاصية لغوية أو شعرية كافية في ذهن كل إنسان، وعليه فإن الشاعر قد أمسك هذه الطاقة الفطرية وأسهب في موضوع سيكولوجي عقلّي مبني على أسس لغوية وفطرية تتمحور حول الكتابة والشعر أو البنية الشعرية وهي أثر لغوي قديم تحقق بالفعل المجرد من خلال الوجود الكامل، لأن اللغة وبشكل عام واللغة الشعرية بشكل خاص هي ليست لغة تعبر عن وسيلة في تواصل عمليات الكتابة وفي شتى المستويات والمفاهيم وهي ليست صيغة للتواصل أو تحقيق منهجية الوعي الفكري، بل أن اللغة تعتبر آصرة فكرية وعلمية وهي إداة للبحث العلمي في إطار مؤسسات فكرية وأجتماعية علمية، وتعبير الشاعر المبدع هو تعبير علمي دقيق بهذه الوسيلة ووفق شعور يرتكز على أولوية الوعي الكتابي وخواصه العلمية والفلسفية والشاعر عمر بن أبي ربيعة بهذه الأبيات يؤكد الطابع العقلي في خواص الكتابة الشعرية، فاللغة هي أداة الوصل والتواصل في المعادلات الموضوعية في أنسجة الكتابة وخواص المعاني التي انتجتها مادّيا غير اللغة.
الألهام الشعري بين التقديس والجنون
تبقى قضية الأبداع هي حجر الزاوية وعلى كل المستويات الثقافية والأدبية ومنها الشعر، والعلاقة التي تربط الشعر والجنون في الأدب العربي بشكل خاص (فهي صفة يتحكم ويحتكم إليها المبدع بشكل مطلق والشاعر حصراً ، فهي من الناحية التاريخية كانت تتعلّق بالعلاقة بين الشعر وآلهة اليونان) والجنون الشعري (Poetic madness)()مصطلح غربّي معاصر، وكل هذا الموضوع هو ما يتعلق بالابداع الشعري، وعلاقة اللغة بالشعر والوعي الكتابي كما قلنا قبل قليل هو أساس هذه الموضوعية وأساس الأبداع سواء على مستوى اللغة أو الشعر، وكان أصطلاح (العروس) في الشعر اليوناني وما تمخض بشكله المعكوس في نظرية الجنون في الشعر العربي القديم وأشكالية التحوّل في طابعه الشيطاني أو الجنوني قبل الإسلام إلى حلقاته الأنثوية التصوفيّة بعد الإسلام ويقع هذا حصراً في (مجنون ليلى) وهو كذلك لا يعنى أنه أنتهى بعد الإسلام أو أنتهى الجنون الشعري بعد الإسلام. والجنون في النظرية الشعرية بحالتها الموضوعية لا ترتبط بحلقتها الغربية في الأدب بل بأشكال يتعلّق بالنظرية الغربية التي تقول: إن الإلهام الشعري يرتبط بالتقدّيس وترتبط العبقرية بالجنون فقد فرّق إفلاطون بين الجنون نتيجة مرض فسيولوجي، ومن جهة أخرى يقول: سقراط (إن أبرز نفحاتنا تأتي إلينا عن طريق الجنون والجنون بالنسبة لنا حالة مقدسة) وبالمقابل فالنظرية الغربية لم تتطرق إلى الحالة الشيطانية وتطورت على هذا الأساس حتى أنفصلت عن حالة التقديس في شعر الرومانسيين وتمّ التركيز على الوعي في الشعر المكثف سواء في الحلم أو الخيال، حدث هذا أواخر القرن التاسع عشر على يد فرويد . أما على مستوى الشعر العربي فكانت أفعال الشيطان هي تمتلك الشعراء العرب ومنهم من تصور أن شيطانه ذكر أمّأ تصوره للشاعر الآخر أن شيطانه أنثى وهي حالة تتصل بالجن أو بالأنثى وهي عملية تتصل بحالات الابداع الشعري ومنهم من حقق في هذا الموضوع العويص وهي إشارة إلى عروس الشعر وتتعلق (بهومر وهيشيود) هذان الاسمان يكادان يكونا مُبهمين() من ناحية التأسيس التاريخي وهذا ما أشره هالغلوك بكتابه عروس الشعر فكان لمؤلفي الألياذة والاوديسة دور كبير في هذا الموضوع والتي تنسب إلى عروس الشعر والتي دعاها هومر والتي تعني الالياذة وتنشد الادويسة فهي تنسب إلى عروس البحر وبالتالي فهي تلقين للآلهة، هذا الموضوع هو الذي ينتقل بالفكرة من الشعر الجنوني إلى الشعر العلمي وتصور هذا الموضوع بعد أكتشاف الكتابة.
أما ما حصل في الشعر العربي فشيء مختلف، فكان للشيطان دور كبير في هذا الموضوع ومنهم من نظر إلى شيطانه باعتباره ذكر ومنهم من اعتبره أنثى من جانب آخر فإذا كان شعر ذي الرمة يحمل العنصر الجمالي في النص الشعري فإنه شعر عمر بن ابي ربيعة كان يحمل العنصرين (العذري والجنسي) .
إما جميل بثينة فقد تميز بالجانب السيكولوجي وعند دراسته شعر ذي الرمّة نلاحظ أنه تميز بالمجاز والصورة كما هو الحال عند أمرئ القيس. ففي شعر ذي الرمة نلاحظ المسألة التوكيدية والتي تقول من أن الشعر مرحلة تجمع الحلقات الموضوعية والذاتية في هذا الكون وهو تملس أساس في عمليات الأبداع لا مجرّد قول أو تفسير لأشكاليات الحياة المتطورة وشعره يعد تعبيراً رئيسياً عن حركة الأشياء داخل الحياة الاجتماعية ومنها السيكولوجية بشكل خاص، وتحقيقاً لمنعطفات ومعانٍ جديدة في الشعر العربي، وشعر ذي الرمّة يعتبر مرحلة تجذيرية وتجريبية وانتقالية بين اللغة الشعرية المتركبة في هذه العناصر والمشاهد والمجازات أي من التقليد إلى التجديد من الأشكاليات البدوية إلى الحضرية ولهذا يُعد ذي الرمّة أشكال جديد في حركة الشعر العربي ويقدم لنا عمر بن ابي ربيعة شعرا قيماً (جديدة في معناه وصورته مستلة من الشعر العربي ) وهو ما يتعلق بخاصيته التعبير وما يتسامى بصورة المرأة وعلاقتها بالرجل والتي يعارضها ويناقضها المجتمع في تلك الغيرة إلاّ أن عمراً استطاع أن يقول شيئاً جديداً في شعره وبكل صراحة ودون خوفاً.
وقيل: أن عمر بن ابي ربيعة والحارث بن خالد وابا ربيعة المصُطلقّي ورجلاً من بني مخزوم خرجوا يشيعون بعض خلفاء بن امية فلما انصرفوا نزلوا بشرِف فلاّح لهم بَرْق:
فقال الحارث: فهلمّوا نصف البرّقَ .
فقال أبو ربيعة
أرقتُ لبرق آخر الليّل لامعٍ
جرى من سناهُ ذو الربيّ فينابعُ

فقال الحارث:
أرقتُ له ليل التمامِ دونه
مهامِه موماه وأرضٌ بلاقعُ

فقال المخزومي:
يُضيء عضاه الشوّك حتى كأنّه
مصابيحُ أو فجرٌ من الصُّبح ساطِعُ

فقال عمر:
أيا ربِّ لا ألو المودَّة جاهداً
لأسماءِ فاصنع بي الذي أنت صانعُ()

من خلال ما تقدّم يظهر لنا بوضوح أن السمات التي احياها عمر بن ابي ربيعة هي السمات والصفات التي تعبر عن اوصاف خالصة المعاني الشعرية والشاعرية إضافة إلى حسها الجمالي باعتبارها إطلاقة وبناءً حسياً أيقاعياً لنص شعري خفيف يلبي سياق شفّاف يظهر ذوق القارئ، ولهذا كثرت في شعره حركة الاوزان الخفيفة وأصبحت جزء رئيسياً من تركيبة لغوية دارجة على السنة الناس من جانب آخر فقد أسس نصه الشعري إيقاعاً إباحياً مفضوحاً في تاريخ الشعر العربي وهو في هذه الحال ليس جديداً فقد سبقه في ذلك أمرؤ القيس في تقديس الشهوة الجنسية والنظرة الاباحية، وفي هذه الحال قد خرجا عن المألوف الأجتماعي واعتبرا أن شعرهن ثورة على كل قديم في الحياة الاجتماعية دون خجل، فالانطلاقة الشعرية لعمر بن ابي ربيعة وقبله أمرو القيس هي: أنطلاقة ضد المقدس المتخلف وضد حكم المجتمع القديم وضد القبيلة ومع المدينة والمدنية وكان شعرهم يقوم على إنطلاقة حقيقية للأشياء وضد التخلف الاجتماعي والكراهية بين شرائح المجتمع العربي في تلك الفترة التاريخية.
فجاءت قصائدهم تفيض بالحياة الواعية وبالمدنية الواعدة وأن الشعور بهذا التطور من ناحية الموقف من الحياة الاجتماعية في تلك الفترة من الحياة العربية يعطينا برهاناً أكيداً، (بأن العقل العربي قد تجاوز الراهن من العلاقة التي تربط المرأة بالرجل وخوف العربي من المقدس وهو المحرّم الذي أصبح عائقاً في تطور الحياة بشكلها الطبيعي).
فجاء شعر عمر بن ابي ربيعة وقبله كما قلنا أمرؤ القيس هو النقلة الطبيعية والنوعية في مناهج الشعر العربي وكان شعر عمر بن ابي ربيعة هو الطاقة الجدية في منهجية التعبير عن الحياة الجنسية العربية من حيث البناء الفني في القصيدة أو الصورة داخل فضاء النص الشعري، وشعره كان معياراً للمطابقة بين منهجه الشعري وخواص الحياة العربية وما قام به عمر بن ابي ربيعة من تجاوز لتلك القيم والمعايير الاخلاقية وهي الخلاصة التي حملت الكثير من الأشكالات وتحولاتها.
والذي تحقق بآصرة الزمان الفعلي، هو الأصرار على إثبات هوية النص الشعري وتبعثرها بين الزمان والتشتت، ولكي تبقى خواص السرد في النص الشعري متماسكة بتماسك آصرة الصورة الذاتية التي تتحرك وفق أشكاليات السرد. فبالنسبة إلى المجنون يتم تحقيق هذه الأشكالية بتماسك خاصية البقاء في زمكان الوعي والذي يعبر عن أشكالية الهوية لأنها توجد في بوتقة السّرد فهي تتحول بتحول عمليات التمحّور والوضوح والتي يكتنفها إلاسهاب أحيانا لخواص تتعلّق بمقومات الشخصية.
والمجنون في حبكته الشعرية يحاول بناء الهوية الشعرية من خلال ديناميّة تتحرك داخل وجود الشخصية الشعرية وهذا الموضوع ينقلنا إلى الفرق بين أنطولوجيا (ريكور) وانطولوجيا (هيدغر) والمنهجية الانطولوجية عند ريكور تتحدد بالخواص الزمكانية في النظرية الشعرية. وتعتبر الذات في هذا الموضوع هي حالة من الشبكة المتقاطعة في علاقتها بالآخرين وهي كذلك ليست البداية في الموضوع وهي الذات أو الفردية المتطابقة في الآخر، بل هي الطرف الثاني في الموضوع.
ولقد كان (المجنون) هو البداية في منهجيته الشعرية وفي تأكيد هويته السردية وهو قائم بذاته وكذلك أشكالية مفهومه المتعلق بمنطق الزمان في إطار خواص من التقاليد اللغوية المحسوبة والتي يوضحها السرد والخواص التي تتعلّق بهذه الذاتية وهي ليست الوجود في ذاته أو من خلال ذاته بل هي الوجود عبر الآخرين (من خلال فهم الآخرين لخواص الحالة السردّية في الزمان والتي لا تعبّر عن حالة إنقطاع في صياغة الأفعال الماضية والحاضرة والمستقبلية) والتي يوضحها لنا المجنون من خلال التراث الشعري والسردي في حاضره فهي النماذج الدقيقة في التقاليد الشعرية التي تسبق حالة الذات الفعلية في قضايا: مثل حالة الوجود الزماني التي تتعلق بتحليلها إلى الآخر وللذات لأنهما حالات تطابقية متلازمة لخاصية الانطولوجيا المتعلقة بسردّية الشعر. وقيل لما أختلط عقل (المجنون) وترك الطعام والشراب ، مضت (أمه) إلى (ليلى) فقالت لها:
إنّ قيساً قد ذهب حبكِ بعقله وترك المطعم والمشرب: ، فلو جئت وقتاً لرجوت أن يثوب إليه بعض عقله، فقالت (ليلى): أما نهاراً فلا، لأني لا آمن قوم على نفسي، ولكن ليلا. فأتته ليلاًَ فقالت له: يا قيس ، إن أمك تزعمُ أنك جننت من أجلي وتركت المطعم والمشرب، فأتق الله وابقِ على نفسك ، فبكى وأنشا يقول:
قالتْ: جننت، على رأسي ـ فقلتُ لها:
الحُبُّ أعظم مما بالمجانين

ألحبُّ ليس يفيق الدهّرَ صاحبه
وإنما يُصرع المجنون في الحين



قال: فبكت معه، وتحدثا حتى كاد الصبح يشعر، ثم ودعّته وأنصرفت، فكان آخر عهد بها.
ومن قوله في جنونه:
يسمَّونني المجنون حينَ يروْنني
نعمْ بي من ليلى الغداةَ جنونُ

ليالي يُزهى بي شبابٌ وشِرَّةٌ
وإذ بي من خفض المعيشة لينُ

وقيل: بل سُميّ المجنون بقوله:
وإنيّ لمجنونٌ بليلى مؤكّّلٌ
ولستُ عزوفاً عن هواها ولآ جلدُ

إذا ذٌ كرِتْ ليلى بكيت صَبابةً
لتذكارها حتى يُبّلُّ البكا الخّدُ

وقيل بقوله:
وبي من هوى ليلى الذيّ لو أبثُّهُ
جماعة أعدائي بكت لي عيُونُها

أرى النفَّس عن ليلى أبت أنْ تطيعني
فقد جُنّ من وجدٍ بليلى جُنونُها

وقيل بقوله:
يقول أناسٌ علَّ مجنونَ عامرٍ
يرُوم سُلّواً قلت أنيَّ لما بيا

وقد لامني في حبِّ ليلى قرابتي
أخي وأبن عمي وأن خالي وخاليا

يقولون ليلى أهلُ بين عداوةٍ
بنفسي ليلى من عدوٍّ ومآليا

إن المجنون كان يرى أن الوجود باعتباره أصالة، فهو صوب حالة الموت وهذا هو الذي يحدد الأسس الخفية لموضوع تاريخية النص الشعري وهو الذي يتعلّق بالنظرية الهيدغرية حول الآنية الوجودية ، وجاء ردّ ريكور وهو خلاف ما قاله هيدغر من أن هيدغر لا يوازن بين الوجود وبعده الاجتماعي. ولكن (المجنون) كان يوضح في صلاحياته السردّية للشعر من أن زمنية الوعي الشعري هو تصور دقيق لحالة الوجود الاجتماعي باتجاه واقع الموت المعلق في شعره. وكان هيدغر بين المرحلة الزمانية في واقعها السردي لأن الزمانية باعتبارها هي وجود مرتبط بحالات الآخرين السيكولوجية وكلّ ما حصل هو أن الآخرين أوصلوا تجارتهم من خلال القضية السردية، ويأتي زمن التفاعلات في نظر ريكور وهو الزمن المتفاعل في أشكالية الشخصيات وكذلك أشكالية الزمكان والحلقة الثانية تتكون من أيجاز الزمن السردي) في النص الشعري داخلياً وخارجياً باعتباره زمنا للوجود في الآخرين، وكان التحليل عند هيدغر في التاريخية الموصلة يعتمد على حالات في الأسبقية لملامح المصير التي يتعلّق بالشعر ووجوده من خلال المجنون الشاعر باتجاه حلقات الموت.
ويناقش ريكور هذا الموضوع الذي يتعلق بالشعرية والجنون عبر تصور هيدغري فالسردية حين خروجها عن نمطية الصراع الأبدي بوجه حالة الموت فهي التي تضع لمساتها من التأمل الإنساني وبالزمن الذاتي وفي أفق آخر غير حالة الموت هذه ثم التحقق من مشكلة الأتصال لا بالموجودات الحية وحسب بل بالحالات المعاصرة والسابقة لهذه الحالات اللاحقة لها.. وإن ما يستهوينا من نواظم شعرية ونثرية سردّية وسردية شعرية فهي تتعلق بالماضي وكونها مشبعة بحالاتها الوجودية ، وتعتبر الزمانية التاريخية في نظر ريكور شيء يتعلّق بالذات الفردية الشعرية وفي حالة المجنون باعتبارها شيء واحد يتعلّق بالوجود بشكل مطلق في هذا العالم باعتبار أن زمانية المجنون تتعلّق بزمانية العالم الجمعي في حالة الآخرين وباعتبار أنها الزمانية العميقة التي تحقّق حالاتها في خواص موقف المجنون من حالة الموت والابدية القدرية ، فالحلقات التواصلية لموضوع مرجعية الزمنية التي تعمق مضمون النص الشعري والحلقة الثانية هي التي تتعلق بالبنية الزمانية وهي حجر الزاوية في حلقات المرجعية وكذلك الاجابة الشافية التي يحددها التخييل السوسيولوجي ومن ثم تأتي تاريخية النصّ الشعري لتكوّن موجوداً وجودياً بحالته الفردية وبنقلة إنسانية في ذلك النص الشعري للمجنون وهو التفكير بوجود عالم بجمعه ويجمع الآخرين معه وفق منهجية تأويلية ودلالية، يقول المجنون:
ألا ما بليلى لا تُرى عند مضجعي
بليل ولا يجري بذلك طائر

بلى إن بحجم الطير تجري إذا جرت
بليلى ولكن مالذلك زاجرُ

أزالتْ عن العهد الذي كان بيننا
بذي الايك أم قد غيَّرتها المقادرُ

فوالله ما في القرب لي منك راحة
ولا البُعد يسليني ولا أنا صابرُ

ووالله أخاطرُما أدري بأيّة جيلة
وأيّ مرام أو خِطارٍ أخاطِرُ

وتالله إن الدهر في ذات بيننا
تمليَّ لها في كلّ حال لجائرُ

فلو كنتِ إذْ أزمعت هجري تركتني
جميع القوى والعقل مني وافرُ

وقد أصبح الودَّ الذي كان بيننا
أماني نفس والمؤمل حائر

لعمري لقد رَنقّتِ() يا أمَّ مالكٍ
حياتي وساقني إليك المقادرُ()

عالماً مممكناً وممّلا كشف عنه الجنون خاصة عند حالة الذات ومع الآخرين، وتلتقي في هذا النص الشعري عدة محاور تأويلية في أنثروبولوجيا الفلسفة والتي تتجاور مع محور الابستيمولوجيا الشعرية وهي التي تتواصل مع آنثروبولوجيا الفلسفة.
فحالة التصور التي بدأها المجنون مع الذات ثم الآخر في حالة ذوبان الازمنة داخل صورة سوسيولوجية تشير إلى حقيقة الواقع بل يتحقق هذا فعلا بخواص الخيال وواقعية الأشياء التي تمثلهّا هذه الوقائع التخيلية وهي تبرهن في نسيجها الشعري بأنها أكثر من الحالة الواقعية وأشياءها لتتمثل وتمثل بالعمل الخيالي باعتباره عملاً متكاملاً يكشف في نصّه عن وقائع وملامح جوهرية في بنية تتركز فيها الاخيلة الشعرية التي تفسّر حالة الوجود الجمعي من خلال النصوص السردية التي لا تعبر عن تفسير أنطولوجيا تأويلي بل وجود يتكشف في النصوص السردية الشعرية وهي ليست مبحثاً في الخواص السيكولوجية الباطنية في النص بل بوصف النصّ تفسيرا سوسيولوجيا وسيكولوجياً للوجود في عالم متغير يعرضه النص الشعري بلسان مجنون ليلى.
إن الوجوب في تفسير وتأويل النص هو العالم المقترح والمتغير والذي يمكن أن يتحول إلى حقيقة بأمكانية التخييل ونحن في هذا نوضح إشكالية المنهج الشعري عند المجنون من خلال الحلقات الثنائية في الفلسفة الهيدغرية بأعتبارها منطقاً تأويلياً( تحوي الوجود والزمان عبر حلقة السرد) فالحلقة المفرغة للوجود الشعري تأتي في منزلة الوجود الكامل حيث يتحول النص الشعري من هالة شعرية إلى حلقة معرفية في عالم الوجود الشعري وهذا بدوره يؤكد الشروح والتأويلات السردّية التي تعلّقت بالنص. فالتجربة الشعرية لمجنون ليلى تعطي أفقا تجريبياً يتوجه إلى حركة الواقع الاجتماعي ليكتسب صياغات في الصورة الشعرية تنتقل (في خواص الحدث الشعري) في منظومة سردية توضح أفق المعاني في أحوال النص وعلاقته بالآخر وهو المتلقي.
من هنا تبدأ عمليات التأويل بشكل مباشر ولكن النص الذي أمامنا هو نص تجريبي لمجنون ليلى ينتقل بقنوات سيكولوجية إشكالية يعيشها الشاعر من ناحية وعي النوع الفكري باعتباره ينقل الحدث بشكل أجتماعي ليبدأ النص مرحلة جديدة من ناحية سيرة المفتوح بعد أن كان مغلقاً في تجريبية الشاعر وفي هذا تكون التحويلية السردية أخذت مجالها السوسيولوجية بمحور سيكولوجي يضع اللبنات الأولى في إشكالية النص الشعري إجتماعياً، فهو معطى عام بالمعنى الواضح والمتصاعد للنص، والنص يضع الواقع أما حقيقة تصريحية بعالم يحبو ليكتمل بالمواجهة من قبل الشاعر وبوجود المتلقي لكي تكتمل التجربة في عملية الفعل الجمعي الواعي، وبهذا يكون النص الشعري قد تحوّل إلى فعل تجذيري من الناحية الفعلية والموضوعية.
قال:
ثم سنحت له ضبيةٌ فوثب يعدو خلفها حتى غاب عني، وأنصرفتُ وعدّتُ من غد فطلبته فلم أجده، وجاءت أمرأة تصنع له طعاماً إلى الطعام فوجدته بحاله. فلمّا كان في اليوم الثالث غدوت وجاء أُهله معي فطلبناه يومنا، فلم نجده، وغدونا في اليوم الرابع، نستقري أثره، حتى وجدناه في وادٍ كثير الحجارة خشن وهو ميث بين تلك الحجارة. فأحتمله أهله فغسلوه وكفنوه ودفنوه.
وذكر أنه لما قلَّبوه وجودوا خرقة فيها مكتوب:
ألا أيّها الشيخ الذي ما بنا يرضى
شَقيتَ ولا هُنيت من عيشك الخَفضَا

شقيت كما أشقيتني وتركتني
أهيمُ مع الهُلاّك لا أطعم الغمضا

كأن فؤادي في مخالب طائر
إذا ذكرت ليلى يشدّ به قبضا

كأن فجاج الأرض حلقة خاتمٍ
عليَّ فما تزداد طولاً ولا عرْضا()

فالنص الشعري يفصح بوضوح من أن السمات الاولية للنص خالصة، فالأحساس بالمعنى ينطلق من حواس جليّة تتصل ببنيان ذهني للنصّ، حيث يتشكل من خلال هذه الأبيات محور تعبيري يوضح معنى أولى لمداخلات في الأحكام حيث تندرج بجوهره نوع من التصديق المنطقي بعد أن أنقضى الوطر الأخير للمجنون وهو الذي يبرهن عن حجة تضع هذه العلامات في حالة من التصوّر الدقيق للنص فهي المميزات التي تصف حالة المدلول اللغوي بأنتسابه للنص الذي ينم عن أشكالية استدلالية (تبرهن على ظرف زمكاني) يعمل وفق الأداء للنص وبمنظومة تعني بخصائص اللفظ وتنضوي تحت أحكام مفهومي للنص وهو تحوّل يضع الصورة الشعرية في المقام الأول: بعد أن خرجت النساء نادبات باكيات.. حيث كانت هذه الملحمة هي موت جمالي للقبيلة وموت للأبوة النصيّة الشعرية، ولكن الذي حصل أن الأبوة النصية الشعرية أمتلكها المجنون لوحده وتجلّى بها فلسفياً على الجمع الاجتماعي فأصبح النص الشعري للمجنون فكراً واقعياً وتقدما في النص السيميائي بأعتباره حلقة متقدمة توضح العلامة والعلاقة التي أكتنفت النص الشعري وإشكاله الموضوعي، وعلى ضوء هذه الصورة مبدأ تبادل الوعي الموضوعي ومتوالياته في خصائص السرد ليصبح النص حلقة سردية معاشة في داخل النص الشعري وحيث تبدأ خواص الحياة من خلال الامكان المتعلّق بالنص الشعري وأعتبار النص الشعري السردي واقعاً معاشاً يتركّب من حلقات منطق النظرية المعرفية والتي تخلص إلى نتيجة منطقية هي أن النصّ الشعري عند المجنون يعتبر حلقة من المخيال الذي يخصص تفاصيل المعنى إلى حكايات اجتماعية تحتاج إلى تناول وتأويلات لتوضيح هوية المعنى السردي داخل النص الشعري بأعتباره مشروعاً أنفصالياً لحلقات كبرى في التأويل والحكاية وشروح تختفى من خلال تشخيص المصير الاجتماعي عبر التصوّر الفلسفي المتعلّق بهوية النص الشعري الذاتي والذي عبر عنه مجنون ليلى بإشكال موضوعي يعتمد الاجمال في الذات انطولوجياً حيث يصور حلقات التاريخ داخل تخوم تلك الخيام العربية. والموضوع الذي يأخذ شكله المباشر من خلا النص الشعري..ونرى الأسهاب والأبهام والذي يتبدى هاهنا يكوّن الاستحالة في صواب الامكان في المعنى والأدراك الذي يأخذ شكل الحيازة: السيكولوجية يعاود موضوعه من خلال التكوين المتعاكس أجتماعياً بصورة الاشياء المتعاكسة وهي تخلص إلى خطوة متطورة في الدلالة والبلاغة التنظيرية وبالاعتماد على خواص المفهوم المتداول الذي يتحرك من خلال مفهوم تعبيري يحدد عكوس المنهاج النهائي للنص الشعري، والذي يعيننا من هذه الاشكالية في تحليل النص الشعري للمجنون هو: أعلان الوجهة الوحيدة والحقيقية والتي تعني تفصيل الرؤيا والدلالة التي تتخذ شكل العلائقية في القواعد لحالات معالمها تكون واضحة.
فالنص الشعري عند المجنون ينتمي إلى مظاهر الوعي الخارجي في سعيه للتعبير عن حكم الطبيعة للاشياء التي تتحكم بمعالم النص الشعري عبر قواسم الاشتراك المتكونة في الموضوع الحيوي( ومستقبل العلامة ومستوى ومقدار خاصية الموضوع وطبيعة العلاقة التي تميزه من خلال علاقته بالموضوع الذي سبق وأن حددناه من خلال النص الشعري).




هو
عدي بن زيد بن حمّاد بن زيد بن أيوب بن محروف بن عامر بن عُصيَّة ابن أمرئ القيس بن زيد مناة بن تميم بن مُرِّ بن أدِّ بن طابخة بن الياس بن مًضر ابن نزار بن مَعدّ بن عدنان. وكان أيوب هذا أوّل من سمّي من العرب أيوب. وعديّ هذا شاعر فصيح من الجاهلية. وكان نصرانياً، وكذلك أبوه وأهله وليس معدوداً من الفحول وهو قرويّ قد أخذوا عليه أشياء عيبَ بها، وكان الاصمعي وأبو عبيدة يقولان: عدي بن زيد في الشعراء بمنزلة سُهيل في النُّجوم يُعارضها ولا يجري معها، وكذلك عندهم أمية بن ابي الصلت ومثلهما عندهم من الاسلاميين: الكميتْ والطرماح. ويذكر أن عديّ بن زيد بعد وفاة أبيه تركه في ديوان كسرى ، فرغب أهل الحيرة إلى عدي ورهبّوه فلم يزل بالمدائن في ديوان كسرى يؤذن له عليه في الخاصة وهو معجب به قريب منه، وأبوه زيد بن حمّاد يومئذ (حّر) إلاّ أن ذكر عدي قد أرتفع وخمل ذكرُ أبيه فكان عديّ إذا دخل إلى المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة قام جميع من عنده حتى يقعد عدي (فَعَلا) له بذلك صوت عظم فكان إذا اراد المقام بالحيرة في منزله مع أبيه واهله أستأذن كسرى فأقام فيهم الشهر والشهرين وأكثر وأقل ثمّ أن كسرى أرسل عّدي بن زيد إلى ملك الروم مهدّية من طرف ما عنده فلمّا أتاه عدي بها أكرمه وحمله إلى أعماله على البريد ليريه سعت ملكه. وكذلك كانوا يصنعون.
ومن ثم وقع عدي بدمشق وقال فيها شعراً..مما قاله بالشّام، وهو أول شعر قاله:
رُبَّ دار بأسفل الجزع من دُو
مَة أشهى إلي من جَيْروُن()

وندامى لا يفرحون بما نا
لوا ولا يتقون صرف المنون

قد سقيت الشمول في دار بشر
قهوة مرّةً بماء سخين

يقول عديّ بن زيد في هند بنت النعمان الاصفر:
يا خليّلي يسرا التعسيرا
ثمُّ روحا فهجرا تهجيرا

عرجابي على ديار لهند
ليس أن عجتما المطيّ كثيرا

وكانت هند هذه من أجمل النساء وأمها مارية الكندية.. وحبّها لعدي بن زيد، ولكن عدي أحب هند وأحبته وعن علاقة مارية بعدي بن زيد وحين أدخلها حانوت خمار الحيرة ووقع عليها ثم جاءت إلى هند وأخبرتها أنها تريد أن يلتقيها حين واعدته في ظهر القصر.. إلى اخر القصة بعد أن قتله النعمان.. ثم هربت وحبست نفسها في الدير المعروف بدير هند في ظاهر الحيرة.
وقيل: أنها رهبت بعد ثلاث سنين من تزويجه بها ومنعته نفسها واحتبست في الدير حتى ماتت. ويذكر أن رفاتها في الإسلام في خلافة معاوية بن ابي سفيان وكان المغيرة بن شعبة والياً على الكوفة، وحين مر المغيرة بدير هند هذه ودخل عليها ليخطبها قالت له: والصليبَ، لو علمت في خصلة من جمال أو شباب رغبتك فيّ لاجبتك. ولكن أردّت أن تقول في المواسم: ملكتُ مملكة النعمان بن المنذر ونكحت أبنته، فبحق معبودك! هذا أردت؟ قال: أي والله . قالت: فلا سبيل إليه. فقام المغيرة بن شعبة وأنصرف وقال فيها:
أدركتِ ما منيَّت نفسي خالياً
للّه دَرَّك يا بنة النُّعمان

فلقد رددت على المغيرة ذهنه
إن الملوك نقيّة الأذهان

يا هندُ حسبكِ قد صدقت فامسكي

فالصّدقُ خير مقالة الإنسانِ

إن رؤية الاصفهاني تقوم على نظرية الاستقطاب بين حالتين دقيقتين تشتركان في فحوى الخطاب الموضوعي للنص الشعري والسرد النثري بخواص تتعلّق بعمليات التناظر وبتركيز تلازم يتحوّل إلى حلقة أنصهار متداخلة وباستقلالية تحقق منهجاً فكرياً يؤكد النقيض الجدلي التاريخي في حالة الرواية والشعر.
إن عملية التوليف والمشاهدة بحلقات وأواصر حين يبلغها النص الشعري والنثري داخل عمليات التجديد وتجاذر التناقص وتحويله إلى حلقات من التطور الموضوعي في أعلى درجات من التفاهم والتعالق الذي يبني داخل طرديّة جدلية حين يكون التأويل أحد نتائجها ويعني أن الوجهة التي تعنينا في هذه القضية هي:
الأحكام التي تؤسس حلقة وجودية تعكس وجود أستقرار أساسي ورئيسي للأشياء كما هو الحال عند هيجل. فالعلاقة الموضوعية في هذا الأطار تعني تحقيق صفات تستوعب خاصية التعبير وطبيعة الأشياء المستحكمة والتي تؤكد أستقلاليتها وبموضوعية تعود إلى طبيعة الفكرة وكيفية التعرّف على إطلاقية العلامة وخواصها التصريفية في موضوع الحكم الذي ينبغي الحصول على أعلى درجة من الحساسية في موضوع الأشكال الشعري والأشكال السردي. وعلى هذا الأساس تعد العلامة هي الصفة الفعلية للحدث وبتفاعل محسوس لنموذج يؤكد فكرة المدلول الارجاعي بأعتباره واقع حقيقي للتعبير النهائي ومحصلته التي تصاغ وفق تأسيس يوجب مماثلة الوعي الموضوعي وفق تعبير للعلامة يشكل حجر الزاوية في تشكيل منعطفات السرد المعرفي وحلقاته الشعرية المتكونة في سلسلة من الانساق وأعرافها الجدلية، وعليه فإن أخبار عدي بن زيد توضح أمكانية الحصول على العلاقة من خلال وعي النسق الشعري والسردي وما ينبغي فعله عبر هذه الدراسة التي تؤكد الاشكالية في أنتاج الوعي الملموس وحصوله على القناعات والخبرة الحسية التي تتكون عبر موضوعية العلامة وأشكالاتها السيكولوجية في البناء اللغوي ومرجعياته وتعالقاته في هذا الانتظام الكوني وموقع (مارية) وبنتها (هند) هي محصلة لأشكالية نصية نثرية في كتاب الاغاني بأعتبار أن موضوعها هو عبارة عن نظام يؤسس على منطلقات تشريعية وميراث مكتسب حلقاته النهائية من خواص السردية تكوّن صياغات مباشرة غاية في الأظهار وهي التعبير النهائي في ميراث الحكم الذاتي وطريقة حقيقية في تحصيل المنطق الحسّي وهي الطريقة التي تعين موضوعها الحيوي في تراتبية تقوم بتقسيم التعبيرات وفق متواليات ممكنة ومنتظمة كونها عمليات تؤسس نواظم لتشتمل بمقتضاها على جوهيرية تجذيرية وحقيقة تؤشر موضوعاً يمتلك رؤيا في تغليب نتائج هذه المحصلات وتعارضاتها الظاهرية من منطوق الدلالة القصدية والتي تحوي هذا التقهقر السيميائي وفق دلالة توّضح إحالة هذا الموضوع الحيوي وإن منطوق هذه العلامة يؤكد صلته ذات الايقاع الملموس بإطار هذه الطريقة التي تحقّق الصلة المتطابقة ، وإن العلامة هي شبكة تحقق صلة للعلاقة والمباشرة في الحالة الموضوعية، وحالة الموضوعات في أنتاج العلامة، وهذه العلاقة هي التي تؤكد موضوعاتها المباشرة.
وكان المغيرة في شعبة هو مُعطٍ محدِث لمدلول يحوي موضوع الاختلاف وعلاقته هو موضوع العلامة بأعتبارها الأداة الحيوية في أشكالية الحلقة السردية للنص، وهو الأشكال الذي يعبّر عن وصف حالة الموضوع ولجوئه إلى أعتبارات في الاختيار لمواضيع تقتضي صفة التشكيل في إطاره الحيوي ووجهتها لسيميائية وهي التي تشكّل موضوعاً ممكنا في تحقيق منعطف ملموس ليكون وجهة أنطولوجية وهو موضوع لخيرة ممكنة، وإن ترهب هند يعطي أعتباراً مفهومياً يتشكل في إنطلاقه دلالية وهي بمثابة أنعطافه سيميائية تداولية في فروعها المعرفية وهي كذلك وجه اختلافي يتعلّق بالأثر الذي تحدثه العلامات في هذا السياق.
إن هذه الرؤية التداولية تكون أداة لخاصية المجال التاويلي وسعته للتوصل إلى منطق نظري يعيد هذه الصورة السيميائية وبتمثيل واع ومتوالٍ قد يكشف واقعية نصيّة في إعلان تلك العلامات وإحالتها إلى موضوع ذات دلالة ملموسة في عالم محدود تؤكده مظاهر تفكيرية وقائعية تداولية ، وموضوع هند ثانية وهي تهوى زرقاء اليمامة وهي أول امرأة أصبّت أمرأة في العراق فقلما يتحدّث النص النثري عن شيء من هذا النوع وهي أنتظامات تتعلق بقضية سيكولوجية تصور واقعاً محسوساً حصل في النصّ فصار لزاماً أن يتحول منطق النص إلى مدلول يعبر عن أعلى قوانين التعبير النهائي حيث أصبحت العلامة في هذا الموضوع هي تعبير عن أنتاجية جديدة في المعادلة الكونية للنص وإن النظرة الذاتية إلى هذه العلامة بأعتبارها أصبحت قاعدة تحاول أن تنمو عبر خواص تتعلّق بالفعل المرئي والمشاهدة للمنظومات السردية واستخلاص حقيقة لخلاصة منطقية تعبّر عن حقيقة حيّة في الحياة اللغوية. وإن الصياغات التعبير في ذلك هو أن نضع مفهوماً جديداً لحلقات النصّ ومفهوم الجملة بأعتبارها علامة في الخاصية المنطقية على النحو الذي تحقق فيه إشكال العلامة في حالة المقارنة التعبيرية التي تخص الحافز وتقنياته السيكولوجية وشروط الفعل المناوب وتداولاته الواقعية.






وأسمه جَرْول بن أوس بن مالك بن جؤيَّة بن مخزم بن مالك بن غالب أبن قطيفة بن عبس بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان ابن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان. وهو من فحول الشعراء ومتقدميهم ومن فصحائهم، متصّرف في جميع فنون الشعر من المدح والهجاء والفخر والنسيب مجيد في ذلك كله.
لقد كان (الحطيئة) سفيهاً وشريراً ونسبه متدافع بين قبائل العرب، وكان ينتمي لكل واحدة منها إذا غضب على الاخرى.
وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، فأسلم ثم أرتّد وقال في ذلك:
أطعنا رسول الله إذ كان بيننا
فيالعباد الله مالابي بكر

أيورثها بكراً إذا مات بعده
وتلك لعمرُ الله قاصمة الظهر

ويكنى الحطيئة أباذا ملكية . وإنما لقب (الحطيئة) لقصره وقربه من الارض، وقيل: بل لأنه ضَرط ضَرْطة بين قوم ، فقيل له: ما هذا؟ فقال: إنّما هي حُطيئة(). فسمي (الحطيئة).
وقد ولد لأمه تُسمّى (الضّراء) كانت لأوس بن مالك العيسي ونشأ الحطيئة في حجره مغموراً في نسبه وزاد في أضطرابه وقلقه ضعف جسمه وقبح وجهه() عندما كان الناس ينظرون إليه، ولم يكن شجاعاً ليرد هوان ما وقع عليه من مفارقة أو نحو ذلك من موقف ولعّل في قبحه هذا مكنّه من قول (الشعر الهجائي) وعندما تيقظتّ موهبته وقريحته الشعرية (لَزِمَ ـ زهير بن ابي سلمى) يعلّمه أحكام صنعة الشعر مثلما كان يعلم ابنه كعباً.
وذكر أنه كان يدّعي أنه ابن عمرو بن علقمة، أحد بني [الحارث بن ] سدُوس . وتارة كان ينتمي إلى ذُهل بن ثعلبة وذكر ابي الكلبي أنه كان مغمور النسب، وأنه من أولاد الزِّنا الذين شرفُوا.
وأن أكثر شعر الحطيئة يتعلّق بالمديح والهجاء. ثم ستطرّد الأصمعي (كان الحطيئة جشعاً سؤولاً ملحفاً دَنيء النفس كثير الشر قليل الخير بخيلاً قبيح المنظر رنِّ الهيئة مغمور النسب فاسد الدين وما تشاء أن تقول في شاعر من عيب إلاّ وجدته فيه وقلمّا تجد ذلك في شعره).()
ويذكر أنه كان يمدح سادة القبائُل في شعره منذ نشأ في الجاهلية وكان يحرّض واحدهم على الآخر ونراه يقف في صّف عُينة ابن حصن حين أختلف مع ابن عمّه زبّان في سيار وكذلك نراه يقف مع علقمه بن عُلاثة عندما أختلف مع عامر بن طفيل() وكان غيره يقف هذا الموقف من المختلفين، فقد كان الاعشى ولبيد يقفان في صّف عامر وحادثته مع الزبرقان بن بدر معروفة وهي التي شوهته، فقد لقيه في عهد عمر بن الخطاب يروم المدينة. وكان على صدقات قومه، فلمّا دلّه على بيته حيث زوجته وعشيرته فنزل في أهله ففزع بنوا أنف النّاقة إذ كانوا ينافسون عشيرة الزبرقان فقاموا بإفساد هذه العلاقة الوديّة بينه وبين زوج الزبرقان وما كان لبني انف الناقة فسحبوا (الحطيئة) نجوهم وأكرموه وبدأ الحطيئة يثني عليهم وهاجيا الزبرقان:
دعِ المكارم لا ترحل لِبُغيتها
وأقعد فأنّك انت الطاعُم الكاسي

وأشتكاه (الزِّبرقان) إلى عمر بن الخطاب فحكمّ حسّان بن ثابت في ذلك الأمر، فلمّا حكم حسّان بأنه هجاه، حبسه. وكتب الخطيئة شعراً يستعطفه:
ماذا تقولً لأفراخٍ بذي مرَخٍ
زُغبُ الحواصلِ لا ماءٌ ولا شجرُ

غادرْت كاسبهم قعر مظلمةٍ
فأغفر هداك مليك النسا يا عمرُ

أنتَ الإمام الذي من بعد صاحبه

ألقت إليك مقاليد النُّهى البشر

لم يؤثروكَ بها إذْ قدمّوك لها
لكن لأنفسهم كانت بك الاثرُ

فأمنن على صبية بالرمّل مسكنهم
بين الاباطح تغشاهم بها القرر

أهلي فداؤك كم بيني وبينهُمُ
من عرْض داوية تعمى بها الخبر()

وتزوّج (الكلّبُ بن الكُنَيسْ النهّشليّ) أمَّ الحطيئة، فقال فيها الحطيئة يهجوها :
تنحَّيْ فأجلسي مني بعيداً
أراحَ الله منك العالمينا

أُغرْبالاً إذا أستُودعْت سراً
وكانوناً على المتَحدَّثينا

حياتُكِ ما عَلمِتُ حياة سوءٍ
وموتكِ قد يسُرُّ الصالحينا

وسألها يوماً: من أبوه؟ فَخَلطتْ عليه فقال:
تقول لي الضّراءُ لست بواحدٍ
ولا أثنين فأنظُر كيف شرِك أولئكا

وأنت أمرؤٌ تبغي أباً قد ضَلَلْته
هَبِلْتَ، ألمّا تستفق من ضلالكا

وُذكر أنه ألتمس يوماً إنساناً يهجوه فلم يجده، وضاق عليه ذلك. فأنشأ يقول:
أَبتْ شفتاي اليوم ألاّ تكلمّا
بشّر فما أدري لَمِن أنا قائله

وعندما لم يجد أحداً يردّ عليه أو يرى إنساناً تطلع في بركة فرأى وجهه فقال:
أرى لي وجهاً قبَّح الله خلقهُ
فقبّح من وجه وقُبِّح حامِله

ثم أن الحطيئة أكثر من التساؤل في الشعر وإنحطاط الهمّة فيه والألحاق حتى مقت وذلَّ أهله إلى أن حُرِم السائل وعُدِم المسؤول.
إلا بقايا من أناس بهم
إلى سبيل المكرومات يهتدى

ومثلُ هذا بعينه عرض الفرزدق مع الحطيئة، فالحطيئة، قال له وقد سمعه ينشد شعراً أعجبه: أنجدّت أمّك؟ قال: أنجد أبي!! ونظم ذلك جرير، ونعاهُ عليه، وأدّعى أنه صحيح فقال:
كانَ الحطيئة جاز أمك مرّة
والله يعلمُ شأنَ ذاك الجار

من ثمَّ أنت إلى الزناءِ بعلّةٍ
بأشر شيخٍ في جميع نزارِ

لا تفخرنّ بغالبٍ ومحمدٍ
وأفخر بقبْس كل يوم فخارِ

وكان يزعم ان الحطيئة جاور لينة بنت قرطة فأعجبته فراودها فوقع عليها وزوجها أخوها العلاء غالباً أبا الفرزدق وقد تبين حملها فولدت الفرزدق على فراشه.()
يكتسب النصّ الشعري عند الحطيئة بعداً حقيقياً وواقعياً بصياغة لغوية تؤكد تعبيراً مفهوماً بأرتكاز المعاني المنطقية والفنية، والصورة الشعرية هي بمثابة علامة لتعبيرات منطقية متوالية وعلى نحو الحالة المقرونة بوعي الحوافز وشروط الفعل المخصوص بفعل تداوليته في تدبير حقل التشابه في عمليات التأويل.
وحين يتعلق الأمر بصلته السردية وحلقة التكوين الرئيسية عند حقيقة التواشج بين ولادة النص الشعري وموته المؤقت يتبين في: أن المماثلة تبقى في حالة تساؤل عن معضلة التغيير التي تحدث للنص أثناء استحضار الماضي السيكولوجي ومعرفة خواص الشاعر والحطيئة هو استحضار تاريخي لحقيقة منطقية تمضي دائماً إلى الأختراق وفق إشكال يعطي معنى بيولوجي لحقيقة التكوين من الناحية الفسيولوجية أي أن الطباق الذي يحصل بشكل متفردّ في الحالة التكوينية للإنسان الشاعر الذي بدأ من نقطة الحسّ الفسلجي وأنطلق بسيكولوجية الشرد وفق فعل منقوص التعميم في نواظم المعادلة التكوينية وسلسلة الافعال المتكدرّة في النص الشعري وصورة التماثل التي توصف بإعادة هيكلة الشاعر من ناحية الفعل الذي يستجيب لعلاقة تحقق صيغة من الوعي الفردي لكي تستجيب هذه الرؤيا من خلال منطق واحقية العلامة ودورة جديدة لقانون يوضح بتأويلية للعلاقة من خلال منشأ تأويلي للنصّ عند الحطيئة.
وقوة المسار عنده عالية جداً من خلال التناهي وربط حالة المعرفة والنسق السردي وفعل مدلوله والاستجابة المتشاكلة في النص من خلال صوت الدلالة ومن خلال التحليل التأويلي للنص وحلقاته البنائية والسوسيولوجية، إننا نستطيع أن نطور مفهوم الحلقة المنطقية الحدثية ونوجه إعتمادنا على عنوان الوحدات الدالة للنص وإشكالية عناصرها وحدودها الموضوعية البينة بأكتسابها القيمة داخل أمكانية الكل الجمعي وبمجاله الدلالي الذي يؤشر نفس المستوى في حلقات التداعي المنطقية والتقابل المعرفي والتشابه النسقي السردي الذي يتجاوز هذا التضاد وقيمة المعرفة الترادفية والتي تتمركز في معاجم الكشف الموضعي، فالمجال الدلالي يحقق للنص إمكانية معرفية في التصور الذاتي والموضوعي من خلال الخاصية البنائية في إختيار وسيلة التواصل لمعرفة الحالة الاختلافية للنصّ وتشخيص الأبنية الدلالية من خلال حِدّة النص الشعري عند الحطيئة.
ولمّا أن مدحتُ القوم قلتُم
هجوَ ولا يحلُّ لك الهجاءُ
ذ
ألم أكُ مسلماً فيكون بيني
وبينكمُ المودّة والأخاءُ

ولم أشتمُ لكم حسباً ولكن
حَدوتُ بحيث يُستمعُ الحُداء

فالحطيئة تصل بالانموذج الدلالي في مدح مبني انف الناقة وحين سمعه قوم الزبّرقان اعتبروا أن هذا ذماً لهم حين مدح خصومهم، ولكن من الناحية الموضوعية تشكل وحدات الابنية الدلالية يتم تحديد هذه المستويات المحاور في مدح الوليد بن عقبة ثم يمدح بعده سعيد بن العاص الذي خلف الوليد بعد ولايته على الكوفة وهو يبني نصه الشعري بنموذج زهير بن سلمى ـ فكان يقول شعرا حوْليّا وكان ممن كانوا يؤتون في شعرهم ومراجعته عدة مرات ليعيدون فيه النظر، وكانت مدائحه لا تقّل مستوى عن مدائح زهير.
وإذا أردنا أن نحددّ أشكالية الهدف الجوهري في شعر الحطيئة من الناحية البنائية يستيطع أن ندرك أن المنطق التكويني للنص الشعري عند الحطيئة يأخذ طريقة بروز القوانين وقيامه بوظيفة البنية وهي تعطي في نهاية المطاف صورة شعرية تسمح بفهم النص وادراك أشكاليات تكويناته وطريقة أنصهاره داخل أدراكات تشغيلية بخواص تتناول البنية وطريقة التفكيك للنص وتركيبه تحقق الموقف الحاسم مـن خلال هذا النشاط البنائي وقوله في بني انف الناقة.
بسوسن أُحلاماً بعيداً أناتها
وإن غضبوا جاء الحفيظةُ والجدُّ

أولأك قومٌ إن بنوْا أحسنوا البنى
وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوّا

وقال معرضاً الزبرقان وعشيرته:
قومٌ هُمْ الأنفُ والاذنابُ غيرهمُُ
وَمَنْ يسوِّي بأنف الناقة الذّنَبا

وفي هذا نرى ما توصل إليه الحطيئة في نهج في الهجاء وما تحققّ له من تمّثلُ بهذه الأدوات التحليلية لكي يصل في نهاية الأمر إلى حالة المذهب المتطابق مع زهير بن أبي سلمى والذي فلسف قصيدة الحطيئة لأشتماله على نواظم من الأنساق وهي تشكل تجذيراً متشاكلاً للنص وعبر مفهوم نظري في البنائية النصية وهذه التجربة الحطيئية هي تجريبية شعرية صوتية بتخيل وتصور ذهني يتشكل بجوهرية في النشاط النسقي البنائي الذي يتناول الواقع ليفككه ويحللّه ثم يقوم بأعادة تركيبه.
ويبدو في بداية الأمر إنه يتعلّق بأمر لا يعني شيء في خواصه ولكن الحقيقة إن طريقة التشكيل البنائي للنص الشعري عند الحطيئة هي طريقة تشكيل تعني بالمعنى في تشكيل الصورة الشعرية وتؤكد القيمة الفنية للنص من خلال التأمل الأبداعي والبنائي باعتبار أن النص الشعري للحطيئة هو تمثيل منطقي لمناهج التحليل السوسيولوجي في تركيباته الموضوعية والذاتية ففي لقاء مع سعيد بن العاص في المدينة، كان جالساً فذهب الشرطة ليقيمونه ، فأبى أن يقوم، وحانت من سعيد إلتفاته، فقال: دعو الرجل، فتركوه وخاضوا في أحاديث العرب وأشعارها مليا فقال لهم: الحطيئة: (والله ما اصبتم جيّد الشعر ولا شاعر العرب ، فقال له سعيد بن العاص: أفتعرف من ذلك شيئا؟ قال: نعم. قال: مَن أشعرُ العرب؟ قال الذي يقول:
لا أعُدُّ الاقتار عُدْماً ولكن
فقدُ من قد رزئتُه الأُعدامُ

وأنشدها حتى أى على آخرها، فقال: مَن يقولها؟ قال: أبو دُواد الأيادي، قال: ثم من؟ قال: الذي يقول:
أدرِكْ بما شئت فقد يدرك بالـْ
تَجهْلِ وقد يخدعُ الأريبُ

ثم أنشدها حتى فرع منها، قال: ومن يقولها؟ قال: عبيد بن الآبرص قال: ثمّ من؟ قال: والله لحسبك بي عند رهية أو رغبة، إذا رفعت إحدى رجلي على الاخرى ثم عويت عواء الفصيل الصادي في إثر القوافي. قال: وَمَن أنت؟ فقال: الحطيئة . فرحّب به سعيد. ثم قال: أسأتْ بكتماننا نفسك منذ الليلة. ووصل وكساه.
ويبدو من أن هذه الوجهة للحطيئة في التعبير عن صلته بالحلقة التداولية التي تحيط بسعيد بن العاص والحوافر السيكولوجية في التعرف إلى فعل العبارة في النص الشعري الذي يشتمل على كليّة الوعي في الحافز وفعل العبارة في الحوار الذي دار بينه وبين سعيد بن العاص في المدينة وما توصل إليه الحطيئة من فعل تواصلّي حقق من خلاله الإضافة في فعل الأرتباط وصياغة المنهج السياسي بالنسبة لسعيد بن العاص والوجهة الحدسية التي تشكلّت بالمعنى في البحث عن الخواص الاجتماعية في تداول النصوص الشعرية وأمكانياتها في توضيح عملية الاشتغال للنصّ داخل خواص وبنى التضميارات الاستدلالية ومسلمّاتها التي تعني ما تعنيه في أختيار المواقف والوجهات التأويلية للنص من خلال الخطاب الشعري والذي حفّز سعيد بن العاص لكي يسأل الراوي عن أخبار الشعر ومنْ الذي قال هذا البيت أو هذه الآبيات وهي تمثل الأمكان الجمالي في الحدث الشعري. والواقع أن الحطيئة ينتمي إلى جوهرية الاستجابة التي يسميّها جيلفرد الأنتاج التباعدي وهذا موضوع قد شاع وانتشر بفعل حالة الربط العلمية (بين التفكير الابتكاري والتفكير التباعدي) وهذه العلاقة هي خاصية مرنة في (الطلاقة والأصالة) وفي تفاصيل التفكير التباعدي وتشكيله الذي يتعلّق بالتفكير الابتكاري.()
ومن خلال كل هذا سنتوصل إلى بنائية تركيبية تؤكد خواص التنافر في التركيبات والخواص الأجتماعية الأخرى. وتشكل هذه المتعاكسات من تركيبات تقع بين الحدث والعارض وهذه الحالة متعددة الآشكال مكتملة الوظيفة في نواحي السرد باعتباره يؤشر أحداثاً متعددّة وعرضية.
من هنا فأن الحدث في أكثر من وعي سردي يعتبر اوسع رقعة من هذا الذي يوافقه النص الشعري وما يسهم به في الأنطلاقة في العمليات السردية، وهو على العموم يعتبر مؤشرا يتصاعد وكذلك يتعاقب كتعافب الأحداث السيكولوجية، والعوارض في أشكالياتها التفصيلية ومكوناتها لا تقل إشكالية عن سماتها القصدية. والحلقة المفقودة في ذلك هي المصادقة العلمية لأنها واجهات ومواجهات لخواص فاعلية ودفينة، والحطيئة يمثل وعي الصراع السيكولوجي والسوسيولوجي في الوسائل المتعددة موقفاً بأن الوصول إلى المنطقة الحسّاسة أو الغاية تقع على المنعطف الفكري لأنه يتضمّن الكلية الكامنة في عمليات التوافق الحسي الذي يوحّد هذا التضارب السيكولوجي بينه وبين سعيد بن العاص في متابعة قصة هذا التوافق ونتيجة توقعاته بعد أن أكرمه في نهاية هذه الفعالية التركيبية لأنها أعتمدت خواص العقل وخاصّية دقيقة في الحسّ من المتنافرات، بمعنى آخر أن عمقاً آخر صعد بأتجاه المعنى الذي تواصل مع الحدث الشعري وَحَدّ زمانية الأحكام البنائية بين الحطيئة من جهة وسعيد بن العاص من جهة أخرى.
يقول الحطيئة ، وذلك في بعده عن الأكثار وحصره الأختصار في هذه الابيات:
تزور فتىً يُعطي على االحمدِ مالهُ
وَمن يُعطِ أثمان المكارم يُحمدِ

تزور فتى يعطي على الحمد ماله
ويعلمٌ أن المرءَ غيرُ مخلّد

يرى البُخلَ لا يبقى على المرء مالهُ
ويعلمُ أن المرء غيرُ مخلَّدَ()

وقال ابو صفوان الاحوزي:
ما من أحد إلا لو أشاء ان اجد في شعره مطعناً لوجدته إلا الحطيئة وانشد إسحاق الموصلّي قول الحطيئة:
وفتيان صدقٍ من عَديّ عليهم
صفائُح بصرى عُلّقت بالقواتقِ

إذا ما دعوا لم يسألوا من دعاهم
ولم يمسكوا فوق القلوب الخوانق

وطاروا إلى الجرد العتاق فالجموا
وشدُّوا على أوساطهم بالمناطق

أولئك آباءُ الغريب وغاثةُ الصــ
ـريح مأوى المرْملين الاّرادقِ()

في شعر الحطيئة بوجه عام هناك تماسك في البنية والنسق من ناحية تحقيق شيء من تشكيل هذا التعالق في منطق الدلالة، ويظهر هذا من (ابيستمولوجيا السرد) داخل النص الشعري، هناك صنيعة تطبيقية تعددّية في عمليات التواصل داخل الخطاب الشعري وهذا الموضوع يعد مشروعا لمغامرة تطبيقية توحد صياغات السرد من خلال المماثلة التي تفصح عن شيء معرفي عميق يوحد المستوى العقلاني في الأشكالية البنائية واللغوية كما هو الحال في البيت الاول.
هذا الترابط يؤدي إلى مستوى من التعالق يماثل بموجبه مستوى الخطاب الشعري، وهذا الموضوع يذكرنا بمستوى التحديث في البنية الشعرية. هذه المؤشرات المتتالية توضح الانموذج الفكري الخفي الذي يخفيه الحطيئة حيث يظهره عبر الربط بين شدة هذا التماسك السطحي الواضح في ثنايا الابيات كما هو الحال في البيت الثالث.
من هنا تكون المتواليات في الشدة والجذب في التجذير للنص الشعري هو احد الاسباب في إيضاح صفات الدلالة بالاستناد إلى النمذجة النصية ومكانتها من قوة الجذب في صياغة النصّ الشعري الحديث والذي يمثل (سُّنة) بالنسبة للحطيئة وهو المحايث اللغوي بالأشكالية التركيبية للنص الشعري باعتبار ان النواظم في الخواص الشعرية عند الحطيئة تتحول إلى إمكان معرفي وسردي يعج بالاحداث وتداخلاتها سواء من ناحية تشكيل المعنى في النص الشعري أو من ناحية البناء للنص وهو الذي ينطوي على ما يتضمنه قانون التحولاّت والتأويل في إشكالية السرد في الخطاب الشعري الذي يحتوي على التواصل بهذه العناصر التي يؤكدهما الخطاب الشعري، وذكر أن عمر (رض) لمّا أطلق الحطيئة أراد أن يؤكد عليه الحجّة، فأشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم، فقال الحطيئة:
وأخذتُ أطراف الكلام فلم تدَع
شتماً يضرُّ ولا محديحاً ينفعُ

وقمتيني عرض اللئيم فلم يخفْ
ذمِّي وأصبح آمنا لا يفزعُ

وقيل لما حضرت الحطيئة الوفاة أجتمع اليه قومه، وقالوا: يا أبا مليكة أوصِ، فقال: ويل للشعر من راوية السّوء، قالوا: أوصِ رحمك الله يا حُطيُّ، قال من الذي يقول:
إذا أنبض()الرّامون عنها ترنمتْ
ترنم ثكلى أوجعتها الجنائزُ!()

قالوا: الشّماخ، فقال: ابلغوا غطفان أنه أشعر العرب. قالوا: ويحك! أهذه وصيّة! اوصِ. قال: أُبلغوا أهل ضابي أنه شاعر حيث يقول:
لكلّ جديد لذّةٌ غير أنني
رأيتُ جديد الموت غيرَ لذيذِ

فقالوا: أوصِ، ويحك بما ينفعكَ فقال: أبلغوا أهل أمرئ القيس أنه أشعر العرب حيث يقول:
فيالك من ليل كأنّ نجُومهُ
بكلُّ صغارِ الفَتْلِ شُدّتْ بذبلِ()

إن العملية التداولية في شعر الحطيئة هي وثيقة الصلة بحلقة التلّفظ في بنيتها الدلالية فيما يتعلّق بموضوع (مرتسم المناصّة وصيغة المسلمات) التي تتعلّق بموضوع (الفعل الدلالي) والتأويل في النص الشعري، وإن البناء في خواص هذه التعبيرات يعطينا شبكة من النصوص والمعاني لتصوير الحوافز بأفعال وعبارات تتعلق بتشكيل من هذه الغايات المتواصلة، إضافة إلى الوجهة الحدسية في عملية التشكيل الهرمي للنص وتداولاته الامكانية والممكنة حيث يتم االاشتغال على هذه الحلقة بموجب (فعل التأويل وأمكانياته الدقيقة) ويأتي في الطرف الآخر (التضميرات وهي التي تتواصل مع حالات من الوعود الاستدلالية وكذلك المسلمات في اختيار الحدود المعرفية والوجهات التي تتعلق بالنص وحلقات التأويل من الناحية الاجمالية في النسق الخطابي والذي يطلق عليه بيرس (عالم الخطاب) والذي أصبح حقيقة واضحة وهو الذي يمثل الحلقة المناسبة في الاشكال الدلالي والذي يقع في (مبتدأ حالات الأمكان المنطقية بمجمل النسق الاجمالي حتى لكي يتم الأستخدام الدقيق لتلك الأمكانيات الموسوعية المجذرّة والمفعلّة في فعلها داخل حلقات الاختزال والتشذيب لتكون واضحة في هذه الجنيات من الأبيات..والحطيئة من هذه الابيات اختزل الكثير من الغثيان ليؤكد أن الاستثمار في هذه المنظومة التداولية هو المفتاح الرئيسي للولوج إلى حقيقة النصّ من خلال هذا التأويل النصيّ (فالقضية الحدسية) في شعر الحطيئة تدلّ على الأمكان المعرفي في أختزاله للخطاب الشعري من خلال المعنى وتبيين حصانة التضميرات النصّية التي أتى بها الحطيئة في أجمل تشكيل للألزام في تاريخ الخطاب الشعري وهو الذي يقول:
الشعرُ صعب وطويل سُلمَّه
إذا أرتقى فيه الذي لا يعلمه

زلّت به إلى الحضيض قدمه
يريدُ أن يُعربهُ فيعجمَه

ثم استدرك قائلاً:
قد كنتُ احياناً شديد المعتمدْ
وكنتُ ذا غربْ على الخصم الالّدْ

فوردتْ نفسي وما كادت تردْ()

والملاحظ أن في شعر الحطيئة عند أختزاله للكثير من تلك الجزئيات إلى درجة أن يتحل النص إلى أصرة يشدّ بعضه بعضاً ويغذي المنبع مصبّه وهو المبحث الرئيسي في آلية الوعي التقديري للصياغة الأسلوبية للنص من الناحية اللغوية، وبسبب هذا النشاط السيكولوجي للخطيئة وما أنتجه وحفظه لأشعار العرب يأتي التصاعد في هذه الاشكالية العلمية والتجلّي اللساني والسيكولوجي ليمثل القيمة التعبيرية في أنتاج واستلهام النصوص والاهتمام بها وترشيحها باعتبارها مدا تصاعدياً تسامياً يؤرخ حالة وحاجة هذا السياق المعرفي في استخدام المرسل في الخطاب الشعري والمتشكل معرفياً والمنتج نسقياً.
قالوا: فهل من شيء تعهد فيه غير هذا؟ قال: نعم، تحملونني على أتان وتتركونني راكبها حى أموت، فأن الكريم لا يموت على فراشه، والأتان مركبٌ لم يمُتْ عليه كريمٌ قطّ. فحملوه على أتان وجعلوا يذهبون به ويجيئون وهو عليها حتى مات، وهو يقول:
لا أحدٌ ألأم من حُطيّة
هجا بنيه وهجا المرّيةْ

من لوُمه مات على فرّيّةْ()

ويذكر كارل بروكلمان في كتابه (تاريخ الادب العربي) أن الحطيئة مات سنة (30 هـ/650م)() وهكذا يتأكد فعل (النص الشعري) عند الحطيئة (موضوعيا) ليصبح منعطفاً للحقيقة اللسانية التي حققتها نصوصه الشعرية، ويبقى المنشأ في مرجعية الحطيئة ورموزه السيكولوجية المباشرة (فعلاً) يصوّر به حقيقة المرسل من الكلمات في أجمل تجريبية شعرية حققها، الحطيئة بتلك المكونات الجدلية والمختزلة.



نسبه
هو محمّد، ويكنى: أبا جعفر. ولم يكُنْ يُعرف له أب..وإنما نسب إلى أمّه، وهو يزعم ان أسم أبيه جعفر. وليس يعرف ذلك. وأُمهّ عائشة مولاة لكثير بن الصلّت الكندي. حليف قريش. وقيل: إنها تولاه لاآل المطلب بن وداعة السَّهميّ.
وأخذ الغناء عن معبد ومالك ، ولم يموتا حتى ساواهما ، على تقديمه لهما واعترافه بفضلهما. وكان أحسن الناس صوتاً، وكان ابتداؤه بالغناء أحسن ابتداء، حتى قيل: لو كان أوّل غنائه مثل آخره لقُدِم على ابن سُرج.
وكان سّيُ الخُلقِ، إذا قال له إنسان: تغنًّ، قال: لمثلي يُقال هذا ! وإن قال إنسان، وقد أبتدأ الغناء: أحسنت! قال: لمثلي يقال: أحسنت! ثمّ يسكت. فكان قليلاً ما ينتفع به.
وحين غنّى غنوة تحت تهديد الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب والعبدان اللذان كانا في رفقة الحسن، فأندفع بن عائشة وكان أول ما أبتدأ به صوتا له وهو يقول:
ألا للّه درُّك مِن
فتى قوم، إذا رهبوا

وقالوا: من فتى للحر
ب، يرقبنا ويرتقبُ

فكنت فتاهمُ فيها
إذا تُدعى لها تَثِبُ

ثم لم يسكت حتى غنى مائة صوت. فيقال: إن الناس لم يسمعوا من ابن عائشة أكثر ممّا سمعوا ذلك اليوم، وكان آخر ما غنّى:
قُلْ للمنازل بالظّهرانِ قد حانا
أنْ تنطقي وتُجيني القول تبيانا

قالتْ ومن أنتَ قل لي قلت ذو شففٍ
هجتِ له من دواعي الشوق أحزانا

ثمّ بعدها توافدت الناس لاستماعه ثم أثنوا على حسن صورته ثمّ أنصرفوا حوله يزفونه إلى المدينة زّفا، كما يصفه صاحب كتاب الاغاني.()
إن النص السردي، عندما يتحول إلى تفصيل الاصرة الحكائية لكي تحرر أشياء ملزمة داخل مواضيع السرد خصوصاً الجمل الصوتية المعبرة عن رسالة في حقيقة التعبير الغنائي، فالنص السردي في الحكائية الذي يطرح موضوعاً يتعلق بمعنى الغناء الذي يلجأ إلى سلسلة من الخواص النحوية والشعرية في سبيل إيقاظ الوعي الشعري بأتجاه الصوت المعني.
بالحقيقة التبادلية في سياق الجمل الشعرية وما تنظوي عليه من إشكالية ، لأنه (أبن عائشة) (استجاب لحقيقة الشرط المتعلّق بالغناء وما أنطوت عليه حقيقة التأويل وفق أمكانية نصية تفصح عن الكثير من تفاصيل الفعل اللساني).
فغناء ابن عائشة هذا: قد وضع مدلولاً نصياً يعبر عن ظلّ موضوعي كامل التقاسيم تعلّقت تعريفاته جمهرة الناس التي أتت من بعيد لسماع هذا الصوت، وهي تتلقى الأندفاعات الحسية نحو مشاعية أذهلت هذه الجموع البشرية وهي تعبير متناهي في تأويل الفعل الغنائي إلى حقيقة فنيّة جماهيرية عبرّت عنها هذه الجموع وذلك لتناهي التأويل في حقيقة الفعل الاسطوري للناس وهي تعبّر عن أعجابها الفني بأبن عائشة وهذا ما حرص عليه الاسودان بالمقابل وتهديدهما ابن عائشة بأمر من الحسن حتى نفي.
إذاً فأنّ النص السردي في الحكائية يعطينا ظاهرة غنائية مثلّها أبن عائشة وهو نموذج تعبيري في الغناء، وقد عمل ابن عائشة على تفصيل المضمون الغنائي لكي يكتسب رسالة تظهر حالة تعاضدية بينه وبين تلك الجماهير الفقيرة التي حملته وشجعته وأدخلته في حركتها المشتركة التي تقاسمت الوعي الفني بينها وبين المغني في أمكانية عززّت الوعي الخطابي في الغناء ليكون محايثاً منطقياً يوضح متانة النص الشعري وعلاقته بالصوت الذي تعاقبت عليه هذه القواعدية المحايثية حتى تشكلت القرارات التأويلية في النصوص الغنائية ولتقرر أن حصلية كل هذا الاشكال: هو مصداقية الأواصر الفنية التي آلت إلى تشكيل هذه الأواصر والاستجابات التحققية لعوالم الأبداع وعلى كل هذه المستويات التي وردت في هذه النصوص.
ولمّا غنى أبن عائشة هذه الأبيات من الشعر الغنائي اندفع الناس مهولين من هذا الصوت وحيث يصف صاحب الأغاني هذه الحادثة الفنية، قال: (فحُبِس الناس واضطربت المحامل ومدت الابل أعناتها) وكأننا في مشهد سينمائي حتى طرب الناس وتولد استعمال جديد للوعّي الفني، ويعبر عن هذا المشهد صاحب الأغاني بأن: الفتنة كادت أن تقع. فأتى به هشام بن عبد الملك ، فقال له: يا عدو الله: أردّت أن تفتن الناس! قال: فأمسك عنه وكان تياهاً. فقال له هشام : أرفق متيهكَ ، فقال : حقّ لمن كانت هذه مقدرته على القلوب أن يكون تيّاهاً. فضحك منه وخلّي سبيله.
فالآبيات التي غنّأها أبي عائشة هي:
جَرَتْ سُخاً فقلت لها أجيزي
نوى مشمولة فمتى اللقاءُ

بنفسي منْ تذكرَّة سقامٌ
أعانيه، وتطلبُهُ عناءُ

يحمل هذا النص الشعري الغنائي فضاءا واسعة مكسوة بحنّاء متبلورة بقصدية محورية تضع المعنى في تلقائية يمثلها الوعي النصيّ في أشد بلوغه وذروة تلك الحذلقة وذروة الاهتمام السيكولوجي وقواعده التحادثية المتطابقة مع ذروة الوعي الجماهيري المحتشد الذي غلُبت عليه العاطفة الجياشة، وهذا هو الايقاف المتبادل للاحادية المحورية عند حدود التحقيق المنهجي للنص الغنائي.
وحكى صاحب ستر الوليد بن يزيد بن عبد الملك، قال: رأيت بن عائشة عنده وقد غنّاه:
إنيّ رأيتُ صبيحة النفر
حورا نفين عزيمة الصبّر

مثل الكواكب في مطالعها
بعد العشاءِ أطعن بالبدّرِ

وخرجتُ أبغي الأجر محتسباً
فرجعت موفوراً من الوِزرِ

فطرب الوليد حتى كفر وألحدّ وقال: يا غلام، اسقنا بالسماء الرابعة، وكان الغناء يعمل فيه عملاً ضل عنه من بعده، ثم قال له: أحسنت والله يا أميري! أعد بحق عبد شمس ، فأعاد. ثم قال أعد بحق أميّة. فأعاد. ثم قال: أعد بحق فلان، ، حتى بلغ من الملوك نفسه، فقال: أعد بحياتي. فأعاد. قال: فقام إليه فأكب عليه. فلم يبق عضو من اعضائه الاّ قبله، وأهوى إلى هَنِه فجعل ابن عائشة يضّم فخذيه عليه. فقال: والله العظيم لا تريم حتى أقبله فأبداه له فقبل رأس ذكره ثم نزع ثيابه فألقاها عليه، ولقى مجرداً إلى أن أنوه بمثلها، ووهب له الف دينار وحمله على بغلةٍ، وقال: إركبها بأبي أنت وانصرِفْ، فقد تركتني على مثل المغلي من حرارة غنائك.وقيل: خرج ابن عائشة من عند الوليد بن يزيد وقد غنّاه:
أبعدكَ معقلاً أرجو وحصْناً
قد أعيِِتنْي المعاقِلُ والحصونُ

فأطربه وأمر له بثلاثين ألف درهم.()
حين نباشر هنا في إحالة هذه النصوص سواء السردية الحكائية أو الشعرية الغنائية بناءً على العطاءات التي قدمتها من تلك الفترة التاريخية من حياة العرب وهي تؤكد الانفتاح على حدود التوقع المباشر في العمليات السردية أو الحكائية خاصة بأعتبار أن النصوص الشعرية الغنائية هي ملموسات تواصيلة تبرهن على عمق الوعي النظري في طاقته التواصلية والتفصيلية التي ميزت شروط الدلالة التطابقية بين هذه النصوص من ناحية التواصل التفصيلي بأعتبار ان الحكاية أو السرد في هذا المبنى يعني اعبتاره حلقة تجذيرية وتجريبية تقع في حلقة التاريخ المتكون أصلاً بعمومّيات التجربة وإطاره في الأنموذج التواصلي في شخصية ابن عائشة وتواصله المنظور وسياقه في الأعلان عن مُرسِل شعري غنائي يؤكد سياقات نسقية تدرك حقيقة هذه الرموز وما آلت إليه أنساق القواعد اللحنية ورموز الشعر الغنائي التي وحدتّها خواص الغناء واللحن في تلك الفترة .
وقد مثل الوليد بن يزيد أنموذجاً في التواصل بأعتباره الملتقى في سياق المنهجية الشعرية الغنائية وما توصل إليه من شدّ عاطفي يوضح كفاية ظرفية متنوعة الطاقات والأدراكات التي التبست على ابن عائشة وهو يشدّه شدّا في سبيل
أدراك مراميه السيكولوجية مصوّراً هذا في ذلك البيت الشعري قبل رحيله عن منتجع الوليد بن يزيد بن عبدالملك.



هـو عبد الرحمن بن أرْطأة، وقيل: عبد الرحمن بن سيحان بن أرطأة بن سيحان ابن عمرو بن نجيد بن سعد بن لاحب بن ربيعة بن شكم بن عبد الله بن عوْف بن زيد بن بكر بن عميْر بن عليّ بن جسر بن محارب بن خَصَفَة بن قيس بن عيلان بن مُضر بن نزار بن معد بن حسان وشُكم بن عبد الله أول حجازي ساد قومه وأفردهم رأسا بنفسه. وكانوا جيراناً في هوازن. وأل سيحان حلفاء حرب بن أمية بن عبد شمس، وبمنزلة بعضهم عندهم خاصّة، وعند سائر بني أمية عامّة.
وكان عبد الرحمن بن أرطأة شاعراً مُقلاً إسلامياً، ليس من الفحول المشهورين، ولكنه كان يقول في الشراب والغزل والفخر ومدْح أحلافه من بني أمية، وهو احد المعاقرين للشراب والمحدودين فيه. وكان مع بني أمية كواحد منهم، إلاّ أن أختصاصه بآل ابي سفيان وآل عثمان خاصة كان أكثر. وخصوصة الوليد في عثمان ومؤانسته إياه أزيد من خصوصه بسائرهم لأنهما كان يتنادمان على الشراب هذه الابيات التي انفتح بها ابو الفرج الاصفهاني أخباره ابن أرطاة وهي ابيات مغنّاة:
بأبي الوليد، وأم نفسي ، كلمّا
بدّت النجومُ وذَرّ مرنُ الشارقِ

كم عنده من نائل، وسماحة
وشمائل ميمونة وخلائقِ

وكرامة للمعتفين إذا اعتفوا
في ماله حقاً، ووعد صادقِ

أثوى، فأكرمَ في الثواءِ، وقضيت
حاجاتنا، من عند أروع باسقِ

لما أتيناه، أتينا ماحد الـْ
أخلاق، سباقاً لقوم، سابقِ

قال الوليد يدي لكم رهنْ بما
حاولتم، من صامت ، أو ناطق

فإلى الوليد إليه حنت ناقتي
تهْوى بمغبر المتون شمالقِ

حنّتْ إلى برقٍ، فقلت بها: قري
بعض الحنين، فأن شجوك سائقي

لا تبعدنّ إداوةٌ مطروحة
كانت قديما للشراب العاتق

إن تَصبحي، لا شيء فيك، فربّما
أترْعْتِ من كأس تلدّ لمذائق

إن التعاضد في هذه النصوص، توضح إشكالية إمكانية في التوصيل إلى حالة من افق التأويل بخاصرة المعنى المتجرد من بياناته، وأن الحال أشكل على الوليد بن عتبه مع ما حصل من تعزيز لسانه في النص الشعري الوارد أعلاه، وما تمخض هذا الاشكال من تكرار في الارتحال من المعاني الشخصية.
نقول: أن ابن سيحان تواصل في تفصيل التواصل اللفظي باستناده إلى حقيقة تصريح في المعاني من خلال النشاط السيميائي لمعنى النص الشعري وعلاقته في تكامل النص السردي أو الحكائي، من هنا تتكامل الصورة في نسق العلامات حتى ليتضح العديد من الصلات بالنص الذي دونه معاويه في كتابه الأميري، هذا الذي وجهه الى الوليد لكي يعتذر لأبن سيحان، وهذا الأمر أشكل في التعريف عن خاصية التأويل وما تمخض ذلك عند تعاضد للنص والتفصيل الذي لخص هذه التعيينات بألية تكوينيه أرتبطت بمصير هذا الأشكال التأويلي وتعبيراته التكوينيه بأعتبارها لازمه نصيه تعني الانجاز الشعري في أستراتيجية تعطي هامشاً مشخصاً يتصرف الى حقيقة الصوره السرديه أو النصيه التي أختَلفَ فيها على نحو أمكن هذا الأنموذج من ملائمة فعل الحدس ومراميه التفصيليه في إشكال ( الوليد مع أبن سيحان ). وهنا يتصاعد التركيز السردي على التحول في العلاقه بين الحكايه التي جمعت سيحان والوليد من جهه وأل سفيان من جهة أخرى والمنادمه لهم من جهة ثانيه. إن قضية السرد الوارده والتي تضفي إعادة دقيقه للمخطط الذي مكن الفعاليه السرديه والتي تحققت في عملية الأشكال التراثي الذي تم بوصف ( المخطط السردي schema)().
أننا في هذا الموضوع: قد شخصنا المتعين بالطريقه المماثله عند معاويه في كتابه الأميري، فقد توجب علينا بحث هذه الأيحاءات وصلاتها الفعليه من خلال العلاقه التي جمعت الوليد سيحان ورد معاويه على يزيد وإجراء المقاربه في موقعها الذي أصاب التصور بذلك الأستخلاص المتقارب الذ يلجأ الى شرحه النص سواء الشعري أو السردي الحكائي. يقول أبن سَيْحان:
وإني أْمرؤُ أُنمّى إلى أفْضل الورى
عديداً إذا أرفضّتْ عصا المُتحلّفِ

إلى نَضْدٍ من عبد شمسٍ كأنهّم
هِضابُ أَجَا أركانُها لم تَقَصَفِ

ميامينُ يَرْضَوْنَ الكِفايةَ إن كُفوا
ويكْفُون ماوُلوا بغير تكّلُفِ

غِطارفةٌ ساسُوا البلادُ فأَحِسنوا
سياستها حتىّ أقرت لِمُرْدِفِ

فَمَنْ يكُ مُؤسِراً يُمْشَ فَضلُهُ
ومَن يكُ منهم مُعْسِراً يتعففِ

وإن تُبْسَطِ أُّكنعمى لهم يَبْسطوا بها
أكفّاً سِباطاً نَغمُها غيرَ مُقْرَفِ

وإن تُزْوَ عنهم لا يَضِجُوّا ، وتُلفهم
قليلي التشّكي عندها والتكلُّفِ

إذا أْنصَرَفُوا للحقّ يوماً تصرَّفوا
إذا الجاهلُ الحَيْران لم يتصّرفِ

سَمَوْا فَعَلَوْا فوقَ البريّةَ كلّها
ببُنيانِ عالٍ مِنْ مُينفٍ ومُشْرِفِ

إن أستخلاص النص الانف الذكر والذي يوضح حقيقة سوسيولوجيه أشمل في المديح وإشكالية تصديقيه تمنح هذه اللواحق في المفردات معرفه أدق في صياغة الرموز ومعرفتها في هذه النصوص الشعريه وهي مضامين تؤكد السليم بأن مجموع تلك الكفايات التي تعلقت بالمضامين والتي يرجع إليها التكوين الأشكالي وتعاضداته المنهجيه من اجل التأويل في هذه النصوص الشعريه لتلائم فعل التكوين المنهجي في النص السردي.
إن عدة وسائط كانت هي الخيار في هذا التشريع المتعلق بالايضاح النقدي كونه بالغ في صياغة الصوره الأنموذج رغم الاشكالات في الأشاره وهي تفضي الى المخاطبه بعيداً عن حالة الخوض في هكذا أنموذج في القرآن للنصوص السرديه أو الشعريه، ويبقى إبن سَيْحان هو الذي يوضب تلك المراتب أو الاستجابه لها من خلال نصه الشعري، فآل عبد شمس هي تفصيل في المديح، وشهرتهم لاحت الافاق لأنهم نتائج افرزها واقع الأماره العربيه وواقع العقلانيه العربيه التي حققت مقاطع في الصوت في أشد حاله من العاطفه وارق من حالة الاسفاف في ثنايا القصيده أعلاه.
إبن سَيحْان يعظ أبن عم له على شرب الخمر حيث يقول:
دَع أْبنَ سريعٍ شُرْبَ ما ماتَ مرةً
وخُذها سُلافاً حَيِّةٌ مُزةَّ الطَّعْمِ

تَدَعْكَ على ملكِ أبن ساسانَ والياً
إذا حَرَّمتْ قُراؤنا حَلَب الكَرْم

فشتّان بين الحيّ والمَيْتَ فأعْتَزِم
على مُزّة صَهْبَاء رَاوُوقها يَهْمِي

فأنّ سَرِيعاً كان اوصى بحُبّها
بنيه وعَميّ جاوز الله عن عَمّي

ألا رُبَّ يومٍ قد شهدتُ بني أبي
عليها إلى أن غابَ تاليةُ النجّمِ

حَسَوْها صلاةَ العَصْرِ والشمسُ حَيَّةُ
وتُدار عليهم بالصَّغير وبالضَّخْم

فماتوا وعاشُوا والمُدامةُ بينهم
مُشَعْشَعَةُ كالنجّم توصف بالوهْمِ

هكذا تيح هذا النص الشعري: لكي يعترض أن سَيْحان إن الأنموذج الذي يعمد الى تحقيقه هو أنموذج التأسيس الخمري حيث يعظ أبن عم له، هي أن الخمره في أدراك مرامي هذه الأسلوبيه في بناء النص وهي توقظ الادراك ولتقول أن الذي مثل محتوى العناصر الدقيقه في النص الشعري هو التعاضد في أستخدام التركيبات البينيه في إشكالية تعطي النص تفصيلاً موضعياً في الأختيارات وهذا ما شهده البناء الهرمي للنصوص الشعريه وعلى الدوام.
وهذه النصوص معده بشكل أمكاني لأخذ دورها الزماني في الحدث الشعري ....
وبالتالي هي التي تضع المرتسمات والترسيمات الأمكانيه لنصوص تفعل فعلها في وعي الحلقه للسوسيولوجيه. ويذكرنا في هذا المقام أبي نؤاس بأفصاحه عن الخمر جهاراً في قصيدته : إشْرَبِ الخمُر جهاراً.
تلتُ لما وَضَحَ الصّبْ
ـــــحُ ، فأَوْرى وأْستَنَارا

وتولى تابع ُ النجــــ
ـــــــــمِ إلى الأُنْقِ فَفَارا

ورايتُ الديّك قد صا
حَ لدى الصُّبْحِ مِرارا

لأبي بشر خليلي
أينما ولى وسارا

هذه الخمرُ ؛ جهاراً
فأشْرَبَنْها ، لا سِرَارا

لاكَنْ يكْني عنِ الأمـــــــــ
ـــرِ إذا ماخافَ عارَا ()

ويرتقي السلم الشعري ونسقه في تأمل المعنى الذي طاف في ثنايا النص وليؤكد بنيةَ تشربت بالأنموذج الذي صور الترسيمه في أفتراضات ومفارقات أبي بؤاس بالنسبه للخمره وهي مواضيع تؤول بأمكانية وفرت متعه لا متناهيه في ثنايا النص فهي لا تصادر أنموذج القاريء إنما تحقق وجوداً كامناً في النص وبمدى أشكالية اختلافية يبرمجها أبي نؤاس في عطاءه الشعري وتتبعه المتدرج والمتهدج عبر تلوينات وتكوينات تؤكد المستوى الحدسي للنص وهو لايلبث أن يعود الى وحداته التكوينيه السيكولوجيه متوحده في هذه الأشكاليه الخمريه.
إن الحاله التداوليه من هذه الترسيمات تعطينا وضعاً دقيقاً لسلسلة متناهيه في الحس لحادث شعري محتمل في أمكانية أجتماعيه يُفصح عنها بشكل تعبيري ومعاصر ليعطي معنى كبيراً في دلالته بوجود الموضوع الشعري وهي الأسباب نفسها التي توحد الدلاله، وإن المعنى يؤكد موضوعيته من خلال الحس الدلالي في القصيده وهي الشفره في تتبع تلك المسارات وزعزعت بعض إشكالاتها التعبيريه الغائبه أحياناً عند خط المسار.
فالأمتداد في فضاء القصيده العموديه يُعطينا الغرض الموضوعي الحاضر بحضور الذاتي إضافه الى شكلية النص وسياقاته في فهم وإفهام القصيده من خلال هذه المحاور ومواضيعها وفي ضوء ذلك الفهم يتحدد وضوح الفكره الرئيسيه في القصيده.
والحلقه الثانيه هي الحلقه المتخصصه بالسياق العام في تحديد أشكالية المفرده والمعنى المتركب في النص الشعري، هذا الحضور الموضوعي يؤكد لنا الصيغه النهائيه في تماسك النص الشعري من خلال العناصر اللغويه والدلاليه وأسباب وقوع الحدث الشعري داخل القصيده، فالحضور والوضوح مسألتان تتعلقان بطبيعة الولاده الشعريه وحضور الفعل الحدسي وطبيعة حجم المواضيع التي يتناولها النص من خلال الهاجس وبفرضيه شعريه حاضره تحدد الانسجام بين هذه التعالقات، في حاضرة أجتماعيه يسودها المنطق السوسيولوجي وسياقات (الحضور المحايث) في اللغه والمنطق الدلالي والبينة الفنية والأيقاع في مبنى القصيده.


وإسمه الرَّمَاح بْنَ أبْرَدْ بن ثَريان بن سُراقه بن حَرمله. وقيل: ثَريان إبن سُراقه بن قيس بن سَلْمى بن ظالم بن جَذيمه بن يَرْبوع بن غَيْظ بن مُّره بن عَوْف بن سَعْد بن ذُبْيان بن بَغيض بن رَيث بن زيد بن غَطفان بن سَعْد بن قيس بن عَيلان بن مُضَر بن نزار بن معّد بن عدنان.
وأمه مَيّادهَ، أُم ولَدٍ بَرْبّرية. وقيل صَقْلَييّهَ. ويكنى أبا شَرْحبيل.
وقيل: أبا شَرَاحِيل
وقيل: كانت أمّه فارسيّه. وفي ذلك يقول:
أنا أبن أبي سَلمى وَجّدي ظَالِمُ
وأُميّ حَصَانٌ أَخْلَصتْها الأَعَاجِمُ

أليس غلامٌ بين كِسْرى وظالمٍ
بأكرمِ مَنْ نيطت عليه التمائِمُ ()

وقال يفخر بها:
أَنا أبْنُ ميّادهَ تَهْوى نُجُبي
صَلْتُ الحبين حَسَنُ مُرَكَّبي

تَرفعُني أُميّ ويَنْميني أبي
فوقَ السَّحاب ودُوَينَ الكوكبِ ()

وقال أيضاً يفخر بنسب أبيه في العرب ونسب أمه في العجم:
لَوْ أنّ جميعَ الناسِ كانوا بتَلةٍ
وجئتُ بجديّ ظالمٍ وأبن ظالمِ

لظّلت رقابُ الناسِ خاضِعةً لنا
سُجوداً على أقدامِنا بالجَماجمِ

أليس غلامُ بني كسرى وظالمٍ
بأكرم من نِيطَت عليه التمائمِ

وقد تقدم ذكر هذا البيت الأخير.وسمع الفرزدق البيتين الاولين فقال لراوتيه أضُممهما إليك. وجعل مكان (ظالم) (دراما) وأدعاهما. وذلك بمحضر أبن مّياده، فلم يُنكر عليه().
إن ماهو متحقق في النصوص الأدبيه من الشعر القديم ينحو منحى الأستعراض لمنظور يتكون توافقه الأجتماعي الذي يضع النص الشعري في حالة من التصاعد والتداخل حتى يصل الى أفضل وأرقى حالته السيكولوجيه.
فالأنموذج الشعري وتحليله التأريخي يؤكد هذه المغامره في تغليب الحدث الشعري بحوادث تنطوي على مجسات مثيره للعجب في تفاصيل يثيرها النص وفق صياغة المغامرات السوسيولوجيه حاشداً ذلك في تلافيف هذه النصوص التي يثيرها حكم التحقيق في المنظومات التي هي أكثر ممارسه ونهجاً في وضوح الأسلوب وحضوره الموضوعي، والغوص الى أعماق الوعي الأجتماعي وسياقه الموضوعي وحضوره الذي يزيل الأشكاليات الغامضه. فأبن مياده (سياقاً شعرياً) يتشكل بوعي يتجاوز خاصة الرفض الأجتماعي والأنتقال الى محور التجريب السياقي في النص الشعري والأنغلاق على خاصية الفخر كما هو واضح في الأبيات الشعريه أعلاه.
وكان أبن مياده أَحْمَرَ سَبْطاً، عظيم الخَلْق، طويل اللحيّه، لَبّاساً عَطِراً، وكان فصيحاً يُحتَّجُ بِشِعْرهُ. وهو مخضرم الدولتين: الأمويه والعباسيه. مَدح من بني أُميه الوليد بن يزيد، وعبد الواحد سُليمان بن عبد الملك، ومدح من بني العّباس أبا جعفر المنصور، وجعفر بن سُليمان بن عليّ بن عبد الله بن العباس، وكان ينسب بأمّ جحدر بنت حسان المُريه، أحدى نساء بني جَذيمه. فحلف أبوها ليخرجنها الى رجل من غير عشيرته ولا يُزوجها بنجد. فَقَدمَ عليه رجل من أهل الشام، فزوجه أياها فلقى عليها أبن مياده شدّة. فلما خرج بها زوجها الى بلاده أندفع أبن مياده يقول:
ألا لَيْتَ شعْري هَلْ الى أُمّ جَحْدَرٍ
سبيلُ ، فأما الصّبرُ عنها فلا صَبْرا

إذا نزلت بُصرى تَرَاخى قِزَارُها
وأغلقُ بَوّابانِ مِنْ دُنها قِصْرا

فلو كان نَذْرُ مُدِيناً أُمَّ جُحْدَر
إلىَّ ، لَقَدْ أوجَبَتُ في عُنُقي نَدْرا

إن المنهج السردي للتشكيل الحديث في ألية الحكاية المنفتحه على أبعاد خارجيه تعتبر طريقه يسع تفصيلها لحدث يتعلق بتشكيل التعاضد النصي ونشاطه الحر الذي يبدأ بالكيفيه السياقيه والوضوح في العباره بطريقه سرديه تكشف الطريق للنص الشعري لكي يأخذ قراره الأزلي في المعنى السيكولوجي.
فالحدث السردي يرفعه النص الشعري لإبن مياده ويُتيح له مجال القراءه في سعة دمير النص من ناحية أطلاق تأويله بمسار غير متناهٍ، وهذه العمليه تعطينا تحصيلاً منفتحاً على مغزى النص الشعري، ويقتضي أمتداد حلقته وترسيمه حسب النموذج التداولي للنصوص، لأنه ينهض على فرضيه منظمه بحلقة تنشد الحس المشترك في السرد الحكائي أو سرد النص الشعري بشكل حرفي، هذا الموضوع تقرر حدوده هذه النمذجة للنصوص وتحقيق مغامره تأويله.....
للحدود المشتركه بخاصية التعبير وهي صيغة للأدراك المتحول نحو الدلاله الجوهريه.
وأستطاع أبن مياده خوض غمار هذا الحدث في أستراتيجية دقيقه وببصيره جاده جاهداً في ذلك بلوغ الخواص الأمكانيه في جهد يوضح كلية العملية التأويلية للنص من خلال(أُمّ جَحْدَر)..فهي ولادة النص في حالته الأمكانيه وبذكرنا بالتمكين المتبادل في النص السردي: إن الأسباب التي دعته هذه الرحله مع (أم جحدر) هو تفصيل الحد في عملية الأستخدام لحركة (التخييل) في الأشكال المنبه في نص مفتوح على خواص النص الذي غُلقَ نظراً لحالة التأسيس ووحدة الألتباس النظري وصياغات أمكانية في (متعة النص) كما يصورها رولان بارت، ولتوضيح هذا الأشكال في النص الشعري عند أبن مياده نقول: ان الأستخدام للنص هو تحقيق غاية في نفس النص ومتعه سيكولوجيه تؤكد وجود المتعه في النص عبر التحفيز في الأستخدام لأكثر من طريقه للتعبير عن حرية أكثر للنص، بأعتبار ان النص الشعري في هذه الحلقه يعتبر ممكناً أستراتيجياَ يجدد الأيقاع في الأنموذج الأكثر قدره على فعل التطبيق من خلال كلام أمرأه أخيها لأم جحدر يزجرها لأبن مياده في كلامها: ويحَك يارَّياح أين تذهب؟ فقلت إليكم. فقالت: وما تريد؟ قد والله زُوجت أُمّ جحدر البارَحِه. حين توجه الى تلك السُرادقات فجلس اليه فأنشدته وحدثته، وعدت إليه أياماً، ثم أنه أحتملها فذهب بها، نقول إن في هذا التطبيق للنص يعتبر (شراتيج) في تدبير القدره على أستخدام النصوص الشعريه أستخداماً مركزياً ومثيراً للقراءات التي تنتج نصاً يقوم على حلقه جدليه وأختلافاً في الكشف عن أمكانياته السرديه.
يقول أبن مياده:
أَجارتنا إنّ الخُطوبَ تَنوبُ
علينا وبعض الأمنين تصيبُ

أجارتنا لستُ الغداةَ ببارحٍ
ولكن مقيمٌ ما أقام عَسِيبُ

فأن تسأليني هل صَبَرْتَ فأنني
صَبورٌ على ريب الزمان صَلِيبُ

جَرى بأْنبتات الحَبْل مِن أُمّ جَحدرٍ
ظِباءٌ وطيرٌ بالفِراقِ نَعُوبُ

فقالت : حرامٌ أن يُرى بَعَد هذه
جَميعَعْنِ جَميعَنْ إلأ أنْ يُلَمَّ غَريبُ

أَجارتنا صَبْراً فيارُبَّ هالكٍ
تقطعُ من وجدٍ عليه قلُوبُ

من الوجهه السيمائيه: يعتبر التعقيد الذي حصل في أشكالية هذا الأبيات من ناحيه متابعه المسار التداولي وخواصه في الحقا الدلالي يعتبر طابعه الذي تناقض مع هذه العمليات النظريه للنص حيث كانت إشكاليات التأويل لهذا النص الشعري غير متناهيه من ناحية صياغة الخطاب الشعري وأستخدامه في حدود الأمكانيه الشعريه على أن تكون هذه الحدود حدوداَ حره في التعريف لمسار الخطاب الشعري من خلال تشجيع حلقة التوسع النظري عند أبن مياده في أختيار (الحلقه السيمائيه التي تؤكد التأويل للنص) وذلك بأستخدام (الأنغلاق) على أم جحدر والانفتاح على الأنموذج بقصد تعضيد قيمته القصديه.
وحين ألتقي زوج أم جحدر في الشام فقال لأبن مياده ((مالك لاتغسل ثيابك هذه؟! أرسل بها الى دار تغسل )).. الى أخر الحكايه حين كلمته أم جحدر من وراء الباب فقالت: ويحك يارماح قد كنت أحسب أنك عاقلاَ! أما ترى أمراً قد حيل دونه وقد طابت أنفسنا عنه؟ إنصرف إلى عشيرتك فأني أستحي لك من هذا المقام فأنصرفت وأنا أقول:
عَسى أَنْ مَحَجْنا أن نَرى أَم جَحدْرٍ
ويجمَعُنا مِن نَخْلتينْ طريقُ

وتصطك أعضادُ المَطيِّ وبَيْنَنا
حديثُ مُسَرٌّ دونَ كلِّ رفيقُ

والبيتان الاولان من الأبيات البائيه، أغار أبن مياده على معيينهما وهو بيت قاله أمرؤ القيس بأنقره وهو:
أجارتنا إنّ الخطوب تَنوبُ
وإنيّ مقيمٌ ما أقامَ عَيبُ

والبيت الثالث من نفس القصيده لشاعر من شعراء الجاهليه أغار عليه أبن مياده فسرقه برمته ونقله نقلاً.
ومما قاله أبن مياده بأم جحدر ويغنى فيه:
ألا يالقومي للهَوى والتذكُّرِ
عين قَذَى إنسانها أُمُّ جَحْدَرِ

فلم تَرَ عيني مثلَ قلبي لم يَطِرْ
ولا كضلوعٍ فوقه لم تُكسَرِ

إن رحلة أبن مياده مع ام جحدر تعطينا مساراً من صياغات النصوص السرديه الجميله سيما نموذج الامكان القصدي في النص، فالقراءه للنصوص الشعريه والسرديه الحكائيه تؤكد لنا نموذجاً أوحداً في هذه العلاقه المتعامده حسياً والتي تصب في النهايه في المتواليات الزمنيه، وفي حلقات التواصل متجلى المرسل الدقيق في الوظيفه المرجعيه: بأعتبار أن أبن مياده قد جرب حلقة التجريب النصي في أم جحدر وبفاعلية تجريبيه في فعل التلفظ وهي المعالجه السوسيولوجيه في حلقات النص. وهذا الامكان يحدث حين تتوفر المعلومات الدقيقه في ثنايا النص. وحين ننظر الى نصوص أبن مياده تعتبر حاضرة القصيده في هذه النصوص على انها تعتمد على فعل النص سيكولوجياً ، ويعتبر النص هو حالة فعليه تتمحور حول حلقه دورانيه فاعله، وفي هذه الحاله يتم التعرف على مواقع الدفاع في حلقات اللفظ. والأغاره المستمره من قبل أبن مياده على بيت قاله إمرؤ القيس، كل هذا يعطينا دليلاً تجريبياً فاعلياً غريباً سواء في حركة اللفظ أو الأغاره على شعراء أخرين، وهذه الصوره حاضره في نصوص أبن مياده الشعريه.
وبالمقابل فأن الحلقه التجريبيه للنصوص تعتبر ماده تعاضديه تستخدم معطيات أستراتيجيه في النصوص المضغوطة وبروح الفعل التجريبي وتعتمد الأنموذج في فعل العمليات النصيه لأستخدام صورة ونمذجه تؤكد فعل العمليات التعاضديه في نصوص أبن مياده الشعريه. وإن الخلاصه في الصوره الأنموذج وفعل التلفظ يعطينا هيئة لفظ متينه رغم الأتساع في الحلقات التجريبيه والمعلومات الأختلافيه في أشكالية المبنى للنصوص الشعريه حين يقول:
فَو الله ما أدرى أَزيَدتْ مَلاحةٌ
وحُسْناً على النِّسوان أمْ ليس لي عَقْلُ

تساهَمَ ثوباها ففي الدّرع رَأدة
وفي المِرْطِ لغاوانِ رِدْفُهما عَبْلُ

ونحن نرى كيف يبني أبن مياده نصوصه الشعريه في صورة تحتوي أساساً فنياً في إنعطافه موضوعيه تكفل هذا التحديد وتقرر الأحقاق والأطلاق في المقاصد الأسناديه ذات الدلاله السوسيولوجيه المعبأه بفعل النص والمفعله من الناحيه الأشراقيه لهذا المقصد التجريبي، والتركيز على أشياء محدده يقررها أستدعاء الحركه العاطفيه في اللجوء الى حلقة تعبيريه دقيقه ومحسوسه في توحيد مسلك الطريق الذس ركز عليه أبن مياده في تفاصيل المعنى ووعي الصورة الشعرية العامة والشاملة.
إن تأثير القصديه في النصوص الشعريه عند إبن ميادة يعتمد الصورة الشعرية المتعاضده مقصدها النصي والذي تضمن السياق القصدي لفعل التمييز والأيحاء التعبيري حول مركزية الأسناد الدلالي وتبعية العملية الأختلافية في نصوصه الشعريه.
وتوفي أبن مياده في (صدر خلافة المنصور) وقد كان مدحه ثم لم يَغْدِ إليه ولا أنشده لما بلغه من قلة رغبته في مدائح الشعراء.
والشعر الذي فيه الغناء بأبن مياده وافتتح فيه أبو الفرج أخباره هو:
ياخليلي هجّرا كي تَروحا
هِجتُما للرّواح قلباً قريحا

إن تُرينا لتعلما سِّر سُعْدي
تجداني بسّرِ سُعْدى شحيحا

إنّ سُعْدى لمُنيةُ المُتمنيّ
جَمَعت عِفّةً ووجهاً صبيحا

كلمتني وذاك مانِلتُ منها
إن سُعْدى ترى الكلامَ رَبيحا

إن خاصية التجربه الشعريه والحكائيه عند أبن مياده تعتبر متطلبات طبيعيه تضمنها الأطلاق في خصائص التجربه التي حاول أبن مياده تقديمها في أعنف مغامره سوسيولوجيه وتشابهاً وتشابكاً في فعل التناظر التجريبي المفعم بالقراءه الذهنيه في ما أشتمله قول الشعر في أنصراف تام لأيجاد المعادل الموضوعي لموضوعية الشعر والسرد الحكائي، ويعتبر أبن مياده مرسِلٌ متكلمٌ لنصوص شعريه وسرديه حكائيه، ولكن في نهاية الأمر يعتبر أُرموزه محدوده لغايات ثقافيه تتشكل من عدة معارف بالنصوص وبأفتراضيه تحقق تواصلاً أوسع في حقيقة التداول في إشكالية لافته للأنتباه وأستجواب لنموذج شعري تواصلي في الأختصار والمرامي وهو يستدعي أن يكون فعلاً شعرياً متوازناً حسب رؤيا المنهج المقصود، وفي دلالية تؤكد الصياغات التعاضديه، وإبن مياده أُنموذج سوسيولوجي شعري سردي تجريبي يكثف فرضية الأراده ذات المقاصد السيكولوجيه التي تستند الى الوعي التجريبي.



وهو حُنين بن بَلَوع الحيريُّ، وقد أُختلف في نسبه، فقيل أنه من العبادييّن وقيل: أنه من بني الحارث بن كَعْب، وقيل: أنه من قوم بقوا من جَدِيس وطسْم، فنزلوا في بني الحارث بن كعب فعُدّوا فيهم. ويكنى أبا كعب، وكان شاعراَ مغنياً فحلاً من فحول المغنين. وله صنعة فاضله متقدمه. وكان يسكن الحيرة ويكري الجمال، وكان نصرانياً، ومنزله بها، وهو القائل:

أنا حُنَينٌ ومنزلي النَّجَفُ
وما نديمي إلاّ الفَتَى القَصِفُ ()

أقرعُ بالكأسِ ثَغرَ باطيةٍ ()
مُترَعةٍ ثارةً وأغترِفُ

من قهوةٍ باكرَ التجارُ بها
بيتَ يهودٍ قرَارُها الخَزَفُ

والعيشُ غَصُّ ومنزلي خَصِبٌ
لم تَغْذني شِقْوَةٌ ولا عنُفُ ()

إن العمليه التداوليه لأشكالية النص هذه، هو أستخدام نبرة الأيقاع لتقييم شفرة الحدث المتواتر في المكان والزمان وأبراز خواص الصوت المتغاير في نسيج فعل النص الشعري كما في البيتين الاوليين وبالتالي المواجهه في صوت الفاعل المتجانس في حسه والمتفاعل في مؤثراته التعبيريه وهي ترتبط بمشكلات الحدث والدقه في خواص المضمون وبشكل مباشر. فالمضمون يأتي مباشراً وذلك لتواصل التغيير في المواقف وهذا يعني تغييراً في خواص الصياغه، ويستخدم الخطاب في هذه الأبيات بشكل مباشر وبتقصد على الايجاز في المحتوى ويتمثل بالحد في الحدث الخطابي، فيصبح الشاعر شخصاً حاضراً في حلقة الأشكال وحلقة الصياغه في التعبيرات والعلامات والتكرار في أستعمال الفعل الخطابي في تراوح القول في النص بأعتباره منظوراً داخلياً يتعلق بمعنى النص وفعالية الحدث.
فالأبنيه الشعريه تسمح بفتح المداخل والمخارج في النص بشكل مباشر كما هو الحال في البيتين الثالث والرابع إضافه الى تحديث عدة من التراكيب في الأثبات ويعني هذا التحديد (التميز في خاصية الأصوات وأتجاهاتها التداوليه كما هو الحال في الأبيات الأربعه في أثبات علامات التنصيص الشعري ).
وذكر انه حج هشام بن عبد الملك بن مروان وعديله الأبرش الكلبي، فوقف له حنين بظهر الكوفه ومعه عود وزائر له وعليه قُلَنْسيه طويله فلما مر به هشام عرض له، فقال من هذا؟ فقيل: حنين، فأمر به هشام فحمل في محمل على جملٍ وعديله زامره وسير به أمامه وهو يتغنى:
أمِنْ سَلْمى بظهر الكو
فةِ الأياتُ والطَلَّلُ

يلوحُ كما تلوحُ على
جُفون الصَّيقل () الخِللُ

إن المقصد السيكولوجي الذي لاح في هذه الأبيات الغنائيه وهي تستند الى مبعث تجريبي لدى حنين لكي يخوض في هذا التمايز السيكولوجي المرسل التجريبي والذي أدرك مضامين التشريع وتفصيل خواص المنطق الدلالي وتعاضده النصي وهو يوضح تأويلاً دلالياً يتجاوز النص الشعري، والأبيات أعلاه يظهرها النص من الناحية التفعيليه لبعضها في المركزيه البنائيه والفاعليه لتجاوز هذا المشهد السينمائي في السرد واللقاء الذي تم بين هشام بن عبد الملك بن مروان في ظهر الكوفه هذا المشهد السينمائي في السرد يأتي في مطلق الرؤيه لكي يتجاوز الحكايه العاديه للسرد، ونحن نستخلص نموذجاً نصياً غنائياً يقضي بوجود فعل للنص التجريبي وفاعل لتجريبه التفكير في النصوص الشعريه الغنائيه، وقيل: بل غنى:
صَاح هل أَبصرت بالخَبْـــــ
ــــــــيتَنْ مِنْ أسماءَ نَارا

مُوهِناً شُبّتْ لِعَيْنَيْـــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــك وَلَمْ تُوقَدْ نَهارا

كتلالي البَرْق في المُز
نِ إذا البرقُ أسْتطارا

أذكرتْني الوصل من سُعْـــــــــ
ــــــــدى وأياّماً قِصَارا ()

يعتبر المشهد الغنائي الذي تفرد به حنين لكي يضع نموذجاً شعرياً غنائياً يتجاوز طبيعة التحولات في المشهد الشعري الغنائي سواء من ناحية التشكيل اللغوي أو الجوانب الشعريه وهي التي تدخل في طور اللحق حين يتم تظافر الأشكال الجماليه التي تحولت إلى فعل تجريبي خصب من خلال اللحن والغناء .
والشعريه المتاحه في النص وسياق المبحث الشعري، وبهذا يبدو أن الحديث عن هذه الخاصيه الشعريه الغنائيه هي خلاصة لفعل خطابي شعري غنائي يدخر خواص روح النص من خلال كنه الأصوات واللحن في هذه الأبيات الشعريه الغنائيه، وعلى هذا الأساس يتم تأسيس فعلاً غنائياً.... ينتقل من فعل اللغه الى المركب الشعري الى خواص الشعريه الجماليه الى ملمح في بلاغة النص الشعري الغنائي وهم ينسبون الى فناء الفن الوظيفي، وهذه الخاصيه الأبداعيه تنحصر في أخر المطاف في محاكاة الخواص الرومانتيكيه عبر اللغه في الفعل الفني.
وقيل: كان المغنون في عصر حنين (أربعه).
هو وحده في العراق وثلاثه في الحجاز هم: إبن سريج، الغريض ومَعْبَد وكان يبلغهم إن حنيناً قد غنى هذا الشعر:
هَلاّ بكَيْتَ على الشباب الذاهب
وكفَفْتَ عن ذمّ المشيب الأئِبِ

هذا ورُّبَ مسوقين () سَقيتُهم
من خمر بابلَ لَذةَ لِشاربِ

بكَروا علي بسُحرةٍ فصَبَحْتهم
من ذات كوبٍ مِثلَ قَصب الحالبِ

بزُجاجةٍ ملء اليَديْنِ كأنّها
قِنديلُ فِصْحٍ في كنيسةِ راهب




من هذه الابيات ينطلق إنعكاس نصي يوضح شعريه غنائيه تشرح مفهوماً تجريبياً لتشكيل النص(texte)() وفق حاله من الصفه العامه لتحدد أشكاليه في خواص المماثله المتمركزه في انماطه المتعينه، ولكن الموضوع الذي نحن بصدده يتجاوز هذه المقاربات في الحدث النصي، غير أن تركيزنا يتم على مفهوم الصوت في هذه النصوص الغنائيه وأبراز التحديدات المتعلقه باللغه والمعنى وإيضاح الحاله المركبه من خلال اللحن وهي تتشابك لتصل الى صيغه متعالقه ومتشاكله من خلال هذا السياق (الأستمولوجي).
اننا نرى النص الشعري وهو أكثر الحالات تشابكاً من ناحية التشكيل والأحتواء على عدة محاور أساسيه في ظاهر النص الشعري الغنائي والذي يقبل عملية التوزيع وفق الأصول اللغويه والنحويه واللحنيه والتركيبيه الجديده عندما يصبح النص عملية أنتاجيه في أنماط الغناء. فالأبيات الاربعه التي غناها حنيناً أخذت بالنظام اللحني وتحددت بالأنماط الشعريه المختلفه وخصوصاً النظام اللحني الذي هيمن على النص ووضعه في سياقه الفني، فألتقى النظام التركيبي للنص مع الممارسه المتماثله في خواص الصوت داخل النص وكذلك صوت المغني فألتقى الفضاءان ليكونا فضاءً تناصياً في تركيب النص الشعري وتركيبة الأذن الموسيقيه، وهكذا أحدثت وحدة التركيبه النصيه الشعريه ووحدة التركيبه اللحنيه في بوتقه واحده.
فمات حنيناً في الحجاز بعد أن زار أصدقاءه الفنانين:
⦁-;- أبن سريج
⦁-;- والغَريض
⦁-;- ومَعْبَد. فقال له أبن سريج: إذا كان لك من الشرف والمرؤه مثل مولاتي سكينه بنت الحسين عطفنا إليك. فقال: مالي من ذلك شيء. وعدلوا الى منزل سكينه، فأذنت للناس إذناً عاماً ، فغصت الدار بهم وصعدوا فوق السطح وأمرت لهم بالأطعمه فأكلوا، ثم سألوا حُنيناً يغنيهم صوته الذي أوله
(( هلا بَكيْتَ على الشباب الذاهبِ))
فغناهم حنيناً وكان من أحسن الاصوات، فأزدحم الناس على السطح وكثروا ليسمعوا، فسقط الرواق على من تحته فسلموا جميعاً وأخرجوا أصحاء ومات حنيناً تحت الهدم وكان عمره مائة سنه وسبع سنين، ونحن في هذا الموضوع السردي نستخرج بنى دلاليه عميقه والتي تظهر على سطح النص بأعتبار إن النص السردي الوارد أعلاه هو تشكيل تعلق بحدث تأريخي ومبنى شعرياً غنائياً قدرت فاعليته بالتفصيل والتشكيل والتكامل.









وأسْمه عبد الملك، وكنيته أبو زيد، وقيل: أبو مروان وهو مولى العَبلات، وكان مُوَّلداً من مولَّدي البربر.
ومَوْلياته: الثريا صاحبة عمر بن أبي ربيعه، وأخواتها الرُّضّيا، وقُريبه وأم عثمان، بنات علي بن عبد الله بن الحارث بن أُميه الأصغر بن عبد شمس أبن عبد مناف.
وإنما لقب الغريض لأنه كان طري الوجه غض الشباب حَسَن المنظر.
والغريض: الطري من كل شيء، وكان يضرب بالعود وينقر بالدف ويوقع بالقضييب. وكان قبل ان يغني خياطاً.
وأخذ الغناء عن أبن سريج في أول الأمر، فلما رأى أبن سريح حَذقَه وطبْعه وظَرْفهِ وحلاوة منطقه خشى أن يأخذ غناءه فينقلب عليه عند الناس ويفوقه بحسن وجهه، فحسده. فأعتل عليه وشكاه الى قولياته وهن كن دفعنه اليه ليعلمه الغناء. وجعل يتجنى عليه ثم أطرحه. وشكا ذلك الى قولياته وعرفهن غرض أبن سريح في تنحيته أياه عن نفسه وإنه حسده على تقدمه. فقلن له: هل لك أن نسمعك نَوحنا على قتلانا فتأخذه وتغني عليه؟ قال: نعم، فأفعلن، فأسمعنه المراثي، فأحتذاها وخرج غناءه عليها كالمراثي. وكان ينوح مع ذلك فيدخل المأتم وتضرب دونه الحُجُب. ثم ينوح فَيفتَن كل من يسمعه. ولما كثر غناءه أشتهاه الناس، وعدلوا إليه لما كان فيه من الشجا، فكان لا يغني أبن سريح صوتاً إلا عارضه فيه فغنى فيه لحناً أخر. فلما رأى أبن سريح موقع الغريض أشتد عليه. فغنى الأرمال والاهزاج فأشتهاها الناس! فقال له الغَريض: يا أبا يحيى، قصدت الغناء وحذفته. فقال: نعم يامخنث، حيث جعلت تنوح على أبيك وأمك.
وذكر أن أميراً من أمراء مكه أمر بأخراج المغنين بالحَرَم. فأجتمع مَعْبَد وأبن سريح والغَريض وقالوا: هَلّم فيك على أهل مكه. فلما كان في الليله التي عزم بهم على النفي في غدها، أجتمعوا على أبن قُبيس، وكان معبد قد زارهم، فبدأ معبد فتغنى:
أيَرْبَيّ مِن أعلى مَعَدّ هُديتما
أجدَّا البُكا إن التفُّرقَ باكرُ

فما مُكْثُنا دام الجميلُ عليكما
بَثَهْلان إلاّ أن تُزَمّ الأباعرُ


في بلوغ هذا النواح في الشعر يكون النص أنتج أنموذجاً نحوياً تركيبياً يؤكد دلالته من خلال المنطق التداولي والتأول المحتمل في النص الشعري المركب بأشكالية مشروعة التكوين الخاص في النواح ليسعى إلى أثبات ثنائية في الأثبات من خلال أستيضاح التمثيل النسقي أو عقدة التواصل التكويني في التمثيل الغنائي ((فمعبد)) باشر هذا الايقاع في النواح لأن أمير مكه أراد أخراج كل المغنين من الحرم المكي وإن حدود هذا الاحتمال في النصوص السرديه الوارده أعلاه هي من خلاصات التمثيل التحليلي لنص يُقرِن وصنف هذه الامكانات المتوفرة من الناحيه السيميائية في سياق أقترن المماثله في شأن هذه النصوص السرديه أو الحكائيه السرديه التي أستندت الى تحليلات في الموائمه في التطبيق الأعم والأشمل من النصوص السرديه ومن خلال هذا التجاوز التحليلي للنصوص أعتمدنا النموذج الأمثل في النواح .
وبعد أن تأوه أهل مكه أندفع (( الغَريض )) فغنى:
أيُّها الرائِحُ المجُّد أبتكارا
قد قضى من تهامة الأَوطارا

مَن يكُنْ قلبُه الغداة خلّياً
ففؤادي بالخْيف أمسى مُعَارا

ليت ذا الحجّ كان حتماً علينا
كل شهرينِ حِجّةً وأعْتمارا


فأرتفع البكاء والنحيب. وأندفع أبن سريج فتغنى:
جَدّدي الوصلَ ياقريبُ وجودي
لُمحّبٍ فراقه قد ألَّما

ليس بين الحياة والموت إلاّ
أن يردُّوا جمالَهم فتُزَماّ ()


فأرتفع الصراخ من الدور بالويل والحرب، فأجتمع الناس الى الامير وأستعفوه من نعيهم، فأعفاهم.
في هذا المشهد الشعري السينمي، يباشر النص بالارتفاع الى مستوى الأخراج النصي في الصوت والتركيب اللغوي النحوي الأطلاقي حيث تسامى النص وتسامى معه اهل مكه في هذا المشهد التصوري من أطلاق للنقاشات والأقتراحات. فالنص تركب مرة أخرى من الناحيه السيكولوجيه وفعل فعله التكويني والسيطره على مستويات سيكولوجيه وعقليه فأصاب كل التكوينات، فأكتمل المنهج السياقي في تعاطي النص مع مستوى التوليدات والأستعارات اللغويه وقوة الشد ((السوسيولوجي)) أعطانا النص منهجاً تعبيراً جديداً لصدى تكوينيه ((الأستمولوجيه)) ومفهوم تأويله في الأنجاز الخطابي وأنعكاس المراحل التكوينيه في ديناميتة التأويليه وموضوعية الأنتاج في النص الذي تشكل بفعل المسار التكويني وأشكالية مستوى النص وترسيمه (المشروع النظري) الذي يتحكم الى الحلقات التعاضديه في موضوعة النص الشعري المغنى وأحتواءه على أنموذج المستويات النصيه والتي كان قد أقترحها (بيتوفي) لنظريته(Teswest) والذي جعل المرتسم في إطار هذه النظريه يتشكل بمقاربات من نظريات أخرى (ولاسيما ما يتعلق بصلته بـ أغراميس وفاندايك()). هذه الأشكاليه تؤكد النموذج الشعري الغنائي وإدارة المسار التكويني له عبر التمثيل في الصوره الشعريه والشعوريه والمشاهد السينميه.
وذكر أن جارية علي بن جعفر غنته ذات يوم:
ليَس بين الرحيل والبَيْن إلاّ
أن يردّوا جمالهم فتُزَما

فطرب علي بن جعفر وصاح: سبحان الله العظيم! ألا يُوكُون قرِبْةً()! إلا يَشُدّوُنَ محملا! ألا يُعلَّقُون سُفْره! ألا يُسلِّمون على جار! هذه والله العجله!.
إن تقديم هذا النوع من النماذج وهي تندرج في أبتكار يتعلق بالدليل الشعري وتجريبيته الغنائيه وميدانه السري والتغير الذي يحصل في قطبي عملية التغيير في منطق شعرية النص المتغاير الذي يحصل في هذا الطور الأنتاجي للنص السردي والى سياق وتساوق المعاني التي تضع القوانين النصيه في قواعد وقوالب وتركيبات تفعل فعلها الكبير بنفس تلك القوانين وبالصوره الأولى في طرب علي بن جعفر لكي يتشكل في الطرف الثاني وهو النص الشعري الغنائي في البيت الأنف الذكر، وينعكس هذا بدور جديد يؤكد نمطاً شعرياً جديداً وصياغة عامه وجديده في تشكيل الخطابين السردي والشعري كما هو الحال مع سكينه بنت الحسين عليهما السلام حين حجت فدخل إليها أبن سريج والغَريض، وقد أستعار أبن سُريج حُلّة لأمراة من قريش فلبسها فقال لها أبن سريج: ياسيدتي، أني صنعت صوتاً وحسنته وتنوقت فيه وخبأته لك في حَريرة في دُرْج مملوءٍ مسكاً، فناز عينه هذا الفاسق يعني الغَريض، فأردنا أن نتحاكم إليك فيه، فأينا قمته تقدم، قالت: هاته. فغناها:
عُوجي علينا رَبّةَ الهّودج
إنك إلا تفعلي تَحْرجي

ويبقى التحكم في القواعد الفنيه في تأصيل الحدث الخطابي وإنعكاساته في نمذجه حقيقيه للنص من ناحية توفر العوامل المتغيره في السرد، ويبقى نطاق العربيه الشعريه هو التواصل مع خواص السرد المتعلق بمنظومة الوعي الشعري. وهنا يكون التكرار هو الهاجس في تلافيف تلك الحكايات والمروّيات حيث يكون التكوين المتاح في هذه العمليات هو تجريبيه النص الشعري وعلاقته بتلك الحكائية التي تتعلق بتجريبية العمل الأبدي بشكل عام.
فعملية الأبتكار بقيت ثابته في مواضعها وفي علاقتها وهذا ماحصل في لقاء المغنين مع سكينه بنت الحسين() والمتغير الرئيسي الأبتكار في هذا الموضوع هو المتغير الشعري في إطار شد تأريخي متطور، وما يحصل لإبن سريج في المرأة التجريبيه الثانيه: حين أعاد أبن سريج البيت الشعري الأنف الذكر ثم أعاده ((الغَريض)) فقالت: ما أشبهكما إلا بالؤلؤ والياقوت في أعناق الجواري الحسان، لا يُدْرى أيهما أحسن.
وهذا الموقف حصل مع عائشة بنت طلحه بن عبيد الله حين جاءتها الثُريا وأخواتها ونسائن من أهل مكه القرشيات وغيرهن، وكان الغَريض ممن جاء، فدخل النسوه فأمرت لهن بكسوه وألطاف كانت قد أتخذتها لمن جائها فجعلت تخرج كل واحده ومعها جاريتها ومعها ما أمرت لها به عائشه بنت طلحه والغَريض بالباب فقال الغَريض: فأين نصيبي من عائشه؟ فقلن له: أغفلناك وذهبت عن قلوبنا، فكانت ردت فعله أن بدأ يغني بشعر جميل بثنيه:
تذكرتُ ليلي والفؤاد عميدُ
وَشَطَّتْ فواها والمزارُ بعيدُ

فقالت: ويلكم هذا مولى القبلات بالباب يذكر بنفسه، هاتوه فدخل فلما رأته ضحكت وقالت: لم أعلم مكانك، ثم دعت له بأشياء أمرت له بها، ثم قالت له: إن غنيتني صوتاً في نفسي لك كذا وكذا، لشيء سمعته فغناها في شعر كثير:
ومازلتُ من ليلى لَدُن طرّ شاربي
الى اليوم أُخفي حُبَّها وأُداجِنُ

وأحملُ في ليلى لقومٍ ضغينةً
وتُحمل في لَيلى عليّ الضغائنُ ()

ويتكرر المشهد السردي نفسه في صياغات تراثيه متغيره في أشكالية أبداعيه حياتية أختلافيه تحدد مستوى الخيال الحكائي بطريقة لتدب فيها الحياة في أطار رؤية موضوعيه تعيد تشكيل العمليات التوفيقيه والغرض من هذه الصياغات النصيه لكي تشكل عند القاريء شروطاً موضوعيه لهذه الحياة وأمكانية تفصل محتوى الوعي السردي ومعناه التوافقي في إنبثاق الصيغ الدلاليه، وبإمكانية تعيد شطر المعنى وسياقه في تفصيل محتوى المعنى لتكون العمليه التفكيكيه للسرد هي الأطار الحاسم في منهجية النص التجريبي وأفقه المتطور في صياغة النص التجريبي والتركيز على الحلقه المفتوحه في الشعريه لتعطي في المقابل خاصية السرد المفتوح والمغلق في الوقت نفسه وهذا يعطي بالنتيجه خواص الفعل الموضوعي في النص والتحقق وتطور ملموس في أفق التجريبيه للنص وإنصهارها في خواص التجذير والجوهر وأطاره التعاضدي الملحوظ وهو الذي يوضح المسار التكويني حتى يكون أنموذجاً لمكونات الأثنين ((الشعريه والسرد موضوعياً)) ويأتي النص الشعري ليوضح أبعاداً في مستوى معنى النص الشعري وروابطه التبادليه القائمه على تراتبية من الأنطلاق والتجلي التعبيري في تفعيل هذا المشهد في النص. من جهة أخرى فأن النصيه تأخذ مستويات عديده وتكون مرجعيتها تساوي الأعتقاد السائد والمعنى السسيولوجي وعلاقته التكامليه من الناحيه الأستمولوجيه والسيكولوجيه وهنا يأتي دور التكامليه في الأفعال سواء على مستوى الوعي والرؤيه الشعريه ومستوى تسجيل مستوى حدث الحكايه السرديه.
وهذا الموضوع يحدث بتركيز كبير في حكائية مَعَبْد مع الغَريض: وحكى مَعَبْد قال: خرجت الى مكة في طلب لقاء الغَريض، وقد بلغني حُسن غنائه في لحن:
وَما أنسَ مِ الأشياء لا أنسَ شادناً
بمكةَ مكحولاً أسيلاً مدامعُهْ

وقد كان بلغني أنه أول لحن صنعه، (وإن الجن منعته أن يغنيه لأنه فتن طائفة منهم، فأنتقلوا عن مكة من اجل حسنه) فلما قدمت مكة فسألت عنه فدللت على منزله، فأتيته، فقرعت الباب فما كلمني أحد ........ حتى أخر الحكايه.
أخذ معبداً يطرق الباب فلم يرد عليه أحد، فأندفع يغني لحنه في شعر جميل بثينه:
علقتُ الهوى منها وليداً فلم يزل
الى اليوم يتمنى حبُّها ويزيدُ

فوالله ما سمعت حركة الباب فقلت: بَطل سحِري() لضعف غنائي عنده، فما شعرت إلا بصائح يصيح: يامَعَبْد المغني، إفهم وتلق عني شعر جميل الذي تغنى فيه ياشقي البخت، وغنى:
وما أنسَ مِ الأشياء لا أنسَ قولَها
وقد قرَّبت نضوى أمِصْر تريدُ

ولا قولَها لولا العيونُ التي ترى
أتيتُك فأعذْري فَدَتَكَ جُدودُ

خليّلي ما أُخفي من الوجد باطِن
ودمعي بما قلتُ الغداة شَهيدُ

يقولونَ جَاهِدْ يا جميلُ بغزوةٍ
وأي جهادٍ غيرهّن أُريدُ

لكلّ حديثٍ عندهّن بشاشةٌ
وكلُّ قتيل بينهّنُ شهيدُ ()

فأراد الأنصراف الى المدينة راجعاً (والقول لمعبد): فلما كنت غير بعيد إذا بصائح يصيح بي: يا مَعَبْد إنتظر أكلمك، فرجعت فقال لي: إن الغَريض يدعوك، فأسرعت فرحاً، فدنوت من الباب فقال لي: أتحب الدخول؟ فقلت: وهل إلى ذلك من سبيل؟ فقرع الباب ففتح، فقال لي: أدخل ولا تطل الجلوس، فدخلت فأذا الشمس طالعه في بيت، فسلمت فرد السلام، فقال أجلس، فجلست فأذا أنبل الناس وجهاً وخَلقاً وخُلقاً فقال: يا مَعَبْد، كيف طرأت() الى مكه؟ قلت: جعلت فداك! فكيف عرفتني؟ قال: بصوتك، قلت: وكيف وأنت لم تسمعه قط؟ قال: لما غنيته عرفتك به وقلت: إن كان مَعَبْد في الدنيا فهذا، فقلت جُعلت فداك! فكيف أجبتني بقولك:
(( وما أنسَ مِ الأشياءِ لا أنسَ قولَها ))()
إن التميز في النصوص يعتبر خروجاً في نطاق الوعي النظري، وأستكشافاً لأفاق أرحب، وإن عملية الأختلاف في خواص هذه النماذج من النصوص: ذلك إن السرد هو الجمله الشرطيه في حكائية تنسج حدثاً تعبيراً في نطاق (منهج التحليل النظري للنصوص الشعريه في حدودها القصوى) لكي تتطابق مع خواص المنهج البنيوي في السرد.
ورحلة مَعَبْد الى الغَريض، تعتبر خاصيه فريده لأفعال قليله نسجها النص السردي، وتعتبر طفره في خواص الدلالات المكانيه، وتتسأل الحكايه في مجرى هذه الأحداث والتي نجملها بأن هذه الأحداث تعتبر مجرى الاحداث، يصفها السرد في إطار قضيه من القضايا الكبرى، حتى كأننا نعتبرها حكايه من الخرافه، فقيم هذه الرحله الكبيره (لمَعَبْد ألى الغَريض) تعتبر أشكالية فنيه كبيره واخلاص أدبي لمفهوم الفن الصادق في الغناء، وتعتبر كذلك رحلة مَعَبْد للغَريض هي رحلة في أطار التجلي، وتعتبر تناهٍ في حدوث الفعل للنص الشعري ودعوه للتعاضد لحدوث الفعل، وامتزاج حدوده السرديه للحكايه، فالمرسل إليه في حالته الاولى يكون من جانبه دعوه للتلابس والتعاضد لأن: كلاًّ من الأثنين (مَعَبْد – الغَريض) يعتبران فعالية كبيره في تفعيل النصوص الشعريه لجميل بثينه، فالفعل النصي حدث في المقاطع الشعريه المذكوره انفاً والغرض من ذلك هو ابراز العمل الفني الصادق بأعتباره أنموذجاً لنصوص تندرج في إطار الخاصيه المقترحه سيكولوجياً. وكذلك الفعل السردي للحكايه هو نموذج يبين الممكن من توسيع حلقات النص بأطاره السردي ويعتبر غايه الممكنات التي تضمنها النص والتي يتضمنها هذا الحكم من شروع النص في تكوينه وأعني في ذلك الامكانيه من التحليل في هذا المضمار هو أن نمسك بالمدلول في القراءه وطريقة التعبير في الامكانيه التي عبر عنها (مَعَبْد) في رحلته للبحث عن (الغَريض)، هذه الرحله في خواصها هو ما نعبر عنه (بقضايا السرد من اجل الحياة) وهذا ما حققه مَعَبْداً ولهذا لابد من الوصول الى حلقة التوازن في تشكيل هذه الحياة عَبْرَ (الغَريض) وما أعنيه هو نتاج هذه الرحله من الناحيه السيميائية كانت أكثر نتاجاً في أختيار الصيغ النظريه من خلال حلقات النصوص السرديه والشعريه والتي تفصح عن التحليلات والتفصيلات التي تهدف في نهاية الأمر الى تفكيك الوعي المنهجي من خلال ما نرمي إليه في هذا البناء الدلالي للنص، وطرح سلسلة من النقاشات في صياغة نظريه تدفع بالنصوص السرديه والشعريه والفكريه والسكولوجيه الى نسق دقيق في القواعد اللسانيه أو مستوى متعين من التقنين المتفرد لأن هذه النصوص فيها ((التجلي السيكولوجي والفني)) وهما يأخذان مضموناً دقيقاً قابلاً للتفعيل بحكم مرجعية سسيولوجيه تحمل أعتبارات مضمونيه لعلاقة في التمفصلات التعبيريه الى وضوح في المضامين خاصه في شعر جميل بثينه الغزلي وهما المغنيان الكبيران اللذان باشرا في التعبير عنه بالألحان، وفي المقاصد المرسله وبمفردات تؤكد على الجانب الأيحائي في النص، وما حققه هذا النص الشعري لجميل بثينه هو الذي جمع الأثنين (مَعَبْد والغَريض) إضافه الى طريقة اللحن المتصاعده والقويه من الناحيه الاجماليه. وكان لهذا الأجمال في تلك النصوص، سواء من ناحية السرد أو من ناحية المبنى الشعري، فنقول: يمكن أن نفهم خاصية الشمول في هذا المبنى أبتداءً في اللقاء بينهما وأنتهاءً بالتميز في البناء، وهي عناصر مهمه تتعلق في أثبات حقيقة الأمر من إن هذه النصوص هي قوانين خاضعه لفعل المنظومه الشعريه والسرديه بشكلها المتركب في شكليات أختلافيه متراكبه ومتراكمه من الناحيه السيكولوجيه وهي تضفي على الحدث صفات مركزيه تميزه بهذا الأعتبار من السياقات في بناء النصوص السرديه أو الشعريه في ظروف تبرز اللفظ لكي ياخذ دوره في الغناء وعلاقة كل هذه المواضيع بمفهوم البنيه السرديه وعلاقتها بالتلفظ الشفاهي. ويعتبر هذا الموضوع خاضعاً إلى محور التأويل الصوتي حيث يشتغل المرء على منظومة موسيقيه تقيه الوخزات اللفظيه أوالتمظهر في الحلقه الصوتيه في نصه الأجمالي وفي بنيته المركبه المتعددة المستويات.
وتوفي ((الغَريض)) وهو يُغَنّ في خلافة عمر بن عبد العزيز، أو سليمان بن عبد الملك (وقد رجح أبو الفرج هذا الثاني ).




وهو الحَكَم بن عَبْدَل بن جَبَلَه بن عَمرو بن ثَعْلَبه بن عِقَال بن بَلال أبن سَعْد بن حِبال بن نصر بن غَاضِره بن مالِك بن ثَعْلَبه بن دُودان بن أسد أبن خُزَيمه بن مُدْركة بن اليأس بن مُضَر بن مَعّد بن عَدْنان.
شاعر متقدم في طبقته ،هجاء،خبيث اللسان، من شعراء الدولة الامويه ومنشؤه بالكوفة. وكان اعرجا، احدبا، وكان لا تفارقه العصا. فترك الوقوف بأبواب الملوك وكان يكتب حاجته على عصاه فيبعثُ بها مع رُسُله، ولا يحُبسُ له رسول، ولا تؤخر له حاجة. وفي ذلك يقول يحيى بن نوفل:
عَصَا حكم في الداّر أوّل داخلٍ
ونحنُ على الأبوابِ نُقصى ونُحْجَبُ

وكانتْ عَصَا موسى لِفرْعونَ أيةً
وهذي لَعَمْرُ الله أدهى وأعجبُ

تُطاع ولا تُقصى ، ويُحِذَرُ سُخْطُها
ويُرِغبُ في المرضاةِ منها وتُرْهبُ ()

إن التجلي الخطي على العصا يعطي أنطباعاً عاماً بأن العصا هي التي تشكل المحور الرئيسي للشاعر أبن عَبْدَل وهي القضيه المباشره في عملية التواصل والتوصيل، وهي التي مهدت لهذه الأبيات التعريفيه. ولذلك شاعت هذه الأبيات بالكوفه كما يقول أبي الفرج الأصفهاني، وضَحِك الناس منها، فكان الشاعر
أبن عَبْدَل يقول ليحيى: يا أبن الزانيه! ما أرَدْتَ من عصاي حتى تركتها ضُحكه: فأجتنب أن يكتب عليها كما كان يفعل، وكاتب الناس بحوائجه في الرقاع.
وقيل:
وَلي الشرطه بالكوفه رجلٌ أعرج ، ثم ولي الأماره أخر أعرج، وخرج أبن عَبْدَل وكان أعرج ، فلقي سائلاً أعرج، وتعّرضَ للأمير يسأله، فقال أبنُ عَبْدَل للسائل:
ألقِ العَصَا وَدَعِ التخامُعَ () وَ ألْتَمِسْ
عَمَلاً ، فهذي دَوْلَةُ العُوْجانِ

لأميرنا وأميرُ شُرْطتنا معاً
يا قْومنا لكليهما رِجلانِ

فأذا يكونُ أميرُنا ووزيرُه ()
وأنا فرابِعُنا إذاً () شَيطانِ ()

إن ماهية التهكم الشعري هذه تتركب بالصوره الشعريه والتلفظ الذي يوازن الحدث (بفعل لساني) ساخر، وهي عبارة عن فلسفه أجتماعيه ساخره من الأخرين، ولذلك ندرك إن الحركه الملازمه لفعل الكلام هو المجرى المعكوس شعرياً.
ويأتي التأويل في النص الشعري بصورته الأجتماعيه حتى تلتقي مع ما يقتضيه النص الشعري من حاجات بينيه، وعليه فأن الحركه في النص الشعري تنتهي في تصويب الحدث على نحو يؤدي بأرجارع الصوره الشعريه الى المرسل الأول قبل عملية الأنعكاس في الأخرين، وهي الفعل الأرجاعي في النص يقتضيه الافتراض في أستثمار المعنى في النص.
وقيل: دعا أبو المُهاجر الحَكَم بن عَبْدَل ليشرب عنده، وله جاريه تغني، فغنت، فقال أبن عَبْدَل:
يا أبا المُهاجر قد أردتَ كرامتي
فَأَهنْتني وضَرَرْتني لَوْ تَعلمُ

عِنَد التّي لَوْمَسَّ جلدي جلدَها
ذ يوماً بقيتُ مُخلّداً لا أَهْرَمُ

أوكنتُ في أعلى جَهّنمَ بُقْعَةً
فرأيتها بَرَدَتْ عليّ جهّنمُ ()

فجعل أبو المُهاجر يضحك ويقول: ويحك! والله لو كان إليها سبيل لوهبتها لك، لكن لي منها وَلَد.
إن الصوره الشعريه في هكذا أنموذج من النص الشعري الذي يؤكد تفصيل إشكالية النص وقراءته بهذه الطريقه، والأقرار من الناحيه الفنيه بأن الشاعر وضع عبارة باشر بموجبها تأصيل حالة الأنموذج الفني بصورته اللسانيه القاذعه وهو يترجم (ز مكاناً) غير متعادل من ناحية الأحاطه بالموضوع الذي هو بصدده من الناحيه الفنيه، ويبقى فعل التلفظ في النص الشعري هو السياق في تركيب النسق في هذه الأبيات الأنفة الذكر.
والشاعر بن عَبْدَل أراد أن يحسن الأحاطه بموضوع يتعلق بجاريه، وهي النموذج الفني في ألية هذا التحليل وهي عبارات تؤكد العوده الى أنساقه السيميائية وبألسنة عن حالة المألوف.
وقيل: لمّا ظَفر عبدُ الله بن الزُّبير بن العوّام بالعراق وأخرج منها عُمّال بني اُمُية، خرج ابنُ عَبْدل معهم الى الشام، وكان فيمن يدخلُ على عبد الملك بن مروان ويسمر معه ، فقال لعبد الملك بن مروان ليلة:
ياليتَ شعري وَليْتٌ رُبّما نَعَعَتْ
هل أَبْصَّرِن بني العَواّم قد شُمِلُوا

بالذّل والأَسر والتشريد أنَهَمُّ
على البَّرية حَتفٌ حيثُما نَزَلوا

أم هل أراكَ بأكنافِ العراقِ وَقَدْ
ذلَّت لِعِزّكَ أقوامٌ وقد نَكَلُوا ()

في بلاغة هذا الخطاب الشعري نلاحظ إن هناك تداوليه في التحليل وهي إشارة الى العلاوه في الموقف المتغير من الناحيه الأجرائيه وهو يستخلص حلقة أرتباط الوحدات الجزئيه بالكلية وفي تأمل دقيق على مستوى الوعي الفكري فيما يختص بالجمله الشعريه وهي تتخذ الطابع السياسي والتقديم الفعلي الذي ينحصر في إطار مفهوم البنيه من الناحيه الفنيه كما هو الحال في البيتين الأول والثاني، ويستمر هذا المنوال في فضاء النص لأحالته الى الظروف وهي تقتضي النموذج وتفصيله بصوره مضمره على صعيد المضامين.وأبن عَبْدَل يتحدث في هذه الأبيات عن أختيارات وأختبارات تتعلق بعّمال بني أمّيه وماحدث من إشكالات مع عبد الله بن الزيد، وما مطلوب من أقرار في هذا الموضوع نقول: أن هذه الأبيات وغيرها تضع الحاله السياسيه في مقدمة الملفوظ والمعلوم من الشعر، فهي تأخذ أبعاداً ((ز مكانيةً)) في حسن الاحاطه بحلقات الموضوع حين يتم التحقيق الفعلي للمرسل والتجلي البنائي للأضمار في المضمون، عندها تعود الانساق (السيميائيه) الى تناحها الألسني وتبدأ رحلة النص الشعري في السرد التأريخي لكي يصل الى عملية التفعيل الوارده في هذه الأبيات والذي حصل في النص الشعري موضوعياً، هو وعي النص للمرحله التأريخيه ومارافقها من حدث وهذا واضح في الأبيات الشعريه الأنفة الذكر.وقيل: أجتمع الشعراء عند الحجاج بن يوسف الثقفي، وفيهم أبن عَبْدَل، فقالوا: أنما شعر أبن عَبْدَل كُلّه هُجْر وسَخْف، فقال له: سمعت قولهم فأسمع منيّ، قال: هات، فأنشد قولَه:
وإني لأسْتَغني فما أبْطرُ الغِنَى
وأعرِضُ مَيْسُوري لِمَنْ يَبْتَغي قَرْضِي

وأُعيرُ أحياناً فَتَشْتّدُ عُسْرَ في
فأّدرِكُ مَيْسُورَ الغِنى ومَعي عِرْضي

حتى انتهى بقوله:
ولستُ بذي وجهين فيمن عرفته
ولا البخلُ فأعلم من سمائي ولا ارضي

فقال له الحجاج:
أحسنتَ! وفضّله في الجائزه عليهم بألف درهم.
يعتبر المنهج الشعري المنصوص عليه بخواصه السرديه، بأعتباره سلسله من تلك العمليات التي ذكرها (الحَكَم بن عَبْدَل) وهي تتلازم وفق محاور متجاوره وقياس ثقافي ضد التيار قام على نظام شعري لايعرف الا قواعده الخاصة وتصوره للبنية الشعرية تصويراً لايعي سوى تحديده لآبنية يتصورها أبنية تختص بالعمومية ولكن الذي حدث مع ابن عَبْدَل هو تكوين ووظيفة للبنية، واختلاف في التصّور عند أولئك الشعراء كما هو الحال في البيتين أعلاه، ثم يأتي النموذج الشعري القيمي والتجريبي والذي كون صورته الشعريه من(خلق) ذهني وليس خاصية تتعلق بالأشياء فهي الطريقه الأمثل في معالجة هذا الموضوع الذي لا ينطلي على الحجاج بن يوسف الثقفي فهي مبارزه على مستوى البنية والوجود في خواص شعريه وبطريقه أفضل في نسج هذا الانموذج من الشعر، فالبنيه موجوده في العمل السردي (السسيولوجي) والفكري والسياسي، وهذا التصور هو اقرب إلى حالة التمثيل لحالة هذا النموذج الأشكالي وفق دراسته المستفيضه لحقيقة الواقع السياسي والفكري أنبثق من الشيء نفسه وكان الأصرار على هذا الأتساع لمخارج النص الشعري ومداخله يعطي حقيقة هو أن الحجاج كان خطيباً ومثقفاً، ولا تنطلي عليه هذه التفاصيل التي تثير شيئاً من الحساسيه أتجاه شاعر مثل (الحَكَم بن عَبْدَل) وعليه كان التصميم الذي طرحه الشاعر هو منظور في منطق النيه الأدبيه (الشعر حصراً) لإدراكه ظاهرة خصائصها التي تتمثل بالتركيب وعمليات التواصل مع الاخرين في إثبات حقيقة إن الشعر موهبه، وتميز صارم تتحد نتائجه بالتوليد المتحقق بالصياغه والماده الدقيقه والمزدوجه في تشكيلات اللغه والصورة والأستعاره والأيقاع والموضوع المتصل بالظاهره الصوتيه الداخليه في النص الشعري، والتصورات الذهنيه والدلاليه وبكل عناصرها الموضوعيه المتشكله أصلاً بحاله أختلافيه في تركيب البنيه الشعريه للنص().






هو قَيسْ بن الخَطيم بن عديّ بن عمرو بن سُودني ظَفَر، ويكنى أبا زيد، وكان أبوه قُتِل وهو صغير، قتله رجل من بني حارثة بن الحارث، يقال له مالك، قتله غيلة، وكان عديّ أبة الخَطم قبل ذلك قتله رجل من عبد القيس. فلما بلغ قيسُ بن الخَطيم وعرف أخبار قومه وموضع ثأره، لم يزل يَلْتمس غِرَّة من قاتل أبيه وجده في المواسم حتى ظفر بقال أبيه بيثرب فقتله، وظفر بقاتل جده بذي المجاز() فلما أصابه وَجَده في ركب عظيم من قومه ولم يكن معه إلا رَهْط من الأوس. فخرج حتى أتى حُذَيْفة بن بَدْر الغَزَاريّ فأستنجده فلم يُنجده. فأتى خًداش بن زُهير فنهض معه ببني عامر حتى أتوا قاتل عديّ، فأذا هو واقف على راحلة في السوق، فطعنه قيسٌ بحربه فقتله، فأراده رَهْطُ الرجل، فمالت بنو عامر دونه. فقال قيس بن الخَطيم ذلك:
ثأرتُ عدياً والخطيمَ فَلَمْ أُضِعْ
ولاية أشياخٍ جُعِلْتُ إزاءَها

ضربتُ بذي الزرَّيَّن () رِبقَة مالكٍ
فأبْتُ بنفسٍ قد أصبتُ شِفاءَها

وسامَحني () فيها إبْن عمُرو بن عامرٍ
خِدَاشٌ فأدى نِعْمة وأفاءَها

طَعَنْتُ أبن عبد القيسِ طَعْنةَ ثائِرٍ
لها نَفذٌ لولا الشُّعاع () أضاءَها

من الواضح أن المنظومه الحكائيه بأسلوب التركيب المكتوبه في النصوص السرديه ونحن في هذه المناقشه: في سلسله من العمليات المتعلقه بأشارية نهائيه، وفي قيم صدفيه تضمن علاقه تواصليه مع الحدث في إشكالية (الزمكان) السردي وحساباته في شخصيات محدوده ذات خواص وخصائص معينه تتعلق على تصعيد الحدث بشكل درامي وإتمام حلقة من الأفعال، وعلى شيء من ذلك نجد واقع الحكايه: أزاء فرد يريد أن ينفذ أفعالاً في سياق يتعلق بالثأر لأبيه وجده وهو قيس بن الخَطيم فكومة التراب التي وضعتها أمه عند الباب وعليها أحجاراً لتقول لقيس هذا قبر أبيك وجدك وكان الخوف عليه من الهلاك لأنه في مطلع شبابه هذاالموضوع هو: إشغال لقرائن مرجعيه، في حين ان النص السردي وضع قرار التفعيليه النهائي بالنسبه الى (الخَطيم) وأمه، وهما عالم محدود لا يتناسب مع عالم واقعي أخر تمثل (بالقتله) وقبائلهم، هذا العالم المحدود أختياره في هذا الموضوع خاص وقليل، وهذا واضح من خلال حركة الحدث من بداية الحكايه وبداية البحث عن (القتله) من قبل (قيس بن الخَطيم) فالتسليم بهذا الأمر يعد فعل جدير بأن يحقق خواص من المعلومه السرديه في النص الحكائي ، فقد كان (الخَطيم) شاباً، شديدَ الساعدين، قويّ الشكيمه .. هذا الحدث أكتشف في سياقات تفعيليه للحدث في الحكايه، غير أن هناك أختلافات في خاصية الحدث تتمثل بالبحث والقلق الذي أصاب (الخَطيم) حين وضع قائمهُ على الأرض وذُبابَهُ() بين ثدييه، ثم قال لأمهّ: أخبريني من قتل أبي وجدي؟
هذا الموضوع يعطينا شد في إشكالية النص بأن (الخَطيم) ينوي الأنتقام لأبيه وجده وهذا هو التشكيل الجديد في الحدث الحكائي، غير أن (الخَطيم) يُسارع إلى وضع الحدث هذا في موضع تصديقيّ يؤكد سياق التعرف على عملية الفعل الحكائي واللساني. وفي الوقت نفسه (وهي أُمّه) التي يحاول (الخَطيم) أختبارها فقالت له: فأما كما يموت الناس وهذان قبرهما)) ص308 مهذب الأغاني. وهذا الموضوع يشدنا الى قرائن أخرى على مستوى أشكالية البنى الخطابيه في السرد ونحن نحاول أن نفضي إلى أن نتعرف على نمط الفعل اللساني الذي يهّم (الخَطيم) بالتعرف عليه أو أختباره، وكان هذا الأشكال هو منطق الحذر في الحكاية، وهو العنوان الرئيسي في النسج السردي في حكائية مقتل أب وجّد (الخَطيم)، فأن هي الداله على (الزمان) في الحكايه، فيثبت (الخَطيم) في هذا السياق السردي أنه المقصد في إثبات الحقيقه في ((الزمكان)) في هذا الأثر النصي، وبحثه عن رجل من قوم (خِداش بن الزهير) الذي قتل جده. أما جدُّك فقتله رجل من بني عمرو بن عامر بن ربيعه بن عامر بن صَعْصَعَه ((الحكايه)) إن المقصد من هذه الحكايه: هو أن الأدوات النصيه للسرد جديره بالأخذ بتحقيق عباره تعود إلى تشكيل خطابي خفي يدور داخل هذه الحكايه، وتحديد مستوى البنى الخطابيه في هذه النصوص السرديه والتأكيد على أنماط العمل اللساني في المعالجه للحدث الذي تشكل بالبنيه النصيه وحتى نهاية الحكايه في فعل (الخَطيم) من القتله، وفي هذا حقق (قيس بن الخَطيم) وحدة الزمكان في وحدة الشخصيات التي تظهر ثم تختفي الى الحلقه الأدنى من هذا الموضوع الى وجود شخصيات محورية مثل (أُم الخَطيم) الى وجود شخوص أخرين زائدون وغير فاعلين في الحدث الحكائي، وأبو الفرج الأصفهاني يروي هذه الحكايه بأسلوب أنطباعي ميكانيكي وشيء من قبيل هذا الحدث في كتاب الأغاني وبطرق مختلفه.
وفي الأبيات الشعريه المارة الذكر، والتي قالها (قيس بن الخَطيم) فهي: تعبّر عن الواقعه بشكل جليّ وتعطي محوراً خطابياً في النص الشعري من لغة ليتجلى فيها الموضوع والمعنى موضوعياً.
وهذا أيضاً تقليد للأحداث حصلت في الحكايات العربيه وفي كتاب الأغاني بالذات وغيره من كتب التراث العربي.
ورَوى (أنس أبن مالك) أنه قال: جلسَ رسول الله (ص) في مجلسٍ ليس فيه إلا خزرجيُّ ثم أستنشدهم قصيدة (قيس بن الخَظيم):
أتعرفُ رَسْماً كأطّراد المذاهب()
لَعْمَره وَحْشاً غير موقِفِ راكبِ

فأنشده بعضهم إياها، فلما بلغ إلى قوله:
أُجالدهم يَومَ الحديقةِ حاسِراً
كأنَّ يدي بالسِّيف مخراقُ ()لاعب

فألتفت إليهم رسول الله (ص) فقال: هل كان كما ذكر؟ فَشَهِد له ثابت بن قَيس بن شَماس وقال: والذي بعثك بالحق يارسول الله، لقد خرج إلينا يوم سابع عُرسَهُ، عليه غِلالةٌ ومَلحَفَةٌ مُوَّرسه()، فجالدنا كما ذكر().
في هذين البيتين تتكشف لنا قوة تفعيل الحدث الشعري، وكشفه للدلاله الأساسيه وهي تنطوي على متانة في المفرده الشعريه، وقوة في الأسترسال والأيصال، وحالات في الأيقاف في اللغه ، وتجاوب في المعنى داخل البيت الشعري، وتفصيل للمحورين (الثابت والزمني) وفق شبكة العلاقه اللغويه التي تنطلق في حلقتين أختلافييتين يرشحهما مستوى من التقابل يقوم على إشكال يعتمد الخاصيه اللغويه في الزمان بأعتباره خطاً مستقيماً حيث تتابع العناصر وتالفها بعضها مع بعضها الاخر وتتشكل في سلسله من الوعي في السياق وملاحظة في قوة التركيب البنائي لكي يكتسب قيمه فنيه تشكل سياق المعاني في النص الشعري .
وهذه الابيات: هي خلاصة (سسيولوجيه) وفعل مزدوج في الصوت أو الفكره أو في العلاقه الفارقه التي تتأسس حولها مداخل ومخارج القصيده .
وكل ماحصل: هو أن وعي الوظيفه الخلافيه للنص الشعري أسسّ الاطلاق في المنظومه الشعريه والهيكل الشعري والعلامات فكان التمهيد هو العلامات والأشارات في محاور القصيده بشكل عام.
قَدِمَ النابغةُ الذَّبياني المدينه، فتقدم (قيس بن الخَطيم) فجلس بين يديه، وذلك بعد أن انشد (النابغةُ) قصيدةً له، وقال: ألا رجلٌ ينشد؟ ثم أنشده قيس:
( أتعرفُ رسماً كأطّراد المذاهبِ )
حتى فرغ منها، فقال: أنت أشعر الناس يا أبن اخي، قال حسان بن ثابت: فَدَخلني منه، وإنيّ في ذلك لأجد قوة في نفسي عليها، ثم تقدّمتُ فجلستُ بين يديه فقال: أنْشِد، فو الله إنك شاعر قبل أن تتكلَمّ، وكان يعرفني من قبل ذلك، فأنشدتّهُ، فقال: أنت أشعر الناس.
وقيل: كان (قيس بن الخَطيم) مقرون الحاجبين، أدْعَجَ العينّين، أحمر الشفتين، براّق الثّنايا، ما رأته حَلِيلة رجُلٍ قَطُّ إلاّ ذَهبَ عقلُها().
إن إشكالية الخيال الابداعي، والفكره التي تضع الشاعر في زمنية وجوديه متشابكه الاوصال في معترك (الخيال والزمنيه) وحين يتأمل (الخَطيم) على ضوء أصطفائه الشعري وفلسفته في الحياة والمحاوله الدقيقه في الإجابه على كل تلك الأسئله الملحّه من خلال الأمكان الشعري الذي وصفه في الصف الأمامي. وحين واجه تلك المتوازيات الشعريه داخل النصوص الأخرى أمثال (النابغه الذبياني وحسان بن ثابت) ووصفوه بأنه أشعر الناس. كل هذا الأستثناء فتح الحدود في فلسفته الشعريه لكي تعود عملية التأمل من خلال النص الشعري وتجربته في سياقات (الزمكان) وخياله الابداعي ومركزيته في إعطاء اللغه صفة الأبوه والتواضيع والامكانيه بصياغات أبداعيه، وطريقته في المقابله بينه وبين منظريّ الشعر أمثال (النابغه، حسان أو الخنساء) عندما طلب منها (حسّان) أن تهجي (الخَظيم) ورفضت لأسباب عديده لم تفصح عنها فكان التأمل هو الفيصل الذي وضعه بين كبار فلاسفة الشعر، فجاء بفلسفة أراده شعريه جديده من ناحية حدود التامل وصياغة المعنى وحدود الأختيار من خلال المعيار الأبداعي وهو المعيار العقلي الذي قد يعي شروطه التأريخيه المتعلقه بالوحده المنتظمه في القصيده. ومرة أخرى يكتب المعنى في تجمع الوحدات داخل هندسة النص الشعري ليوضح (قيس بن الخَيظم) معنى تأريخية القصيده وبناءها المنهجي الذي لم يخرج به عن مدرسة الشعر الجاهلي وبداية العصر الاسلامي.
وكان لشعره (يومَ الرّبيع()) أثراً فاعلاً، حيث النزاع والحرب بين (الأوس والخزرج) حروبٌ لم يكن يومٌ من أيّامها أعظم من يوم بُعاث() وفيه يقول قيس بن الخَظيم:
( أُجالدهم يومَ الحديقه ....... البيت )
وإنما كانوا من غيره من الأيام يَترامْون بالحجارَه، ويتضاربون بالخشب، ومن تلك الأيام اليوم الذي يقال له (يوم الربّيع) وفي هذا اليوم يقول (قيس) الأبيات التي فيها الغناء، وهي التي أفتتح بها أبو الفرج أخبار (قيس) وهي:
أَجدَّ بَعْمَرة غُنيانُها
فَتَهْجُرَ ، أم شأنُنا () شانُها

فأن تُمْس شَطَّتْ () بها دارُها
وباحَ لك اليومَ هِجْرانُها

فَما روضةٌ من رياضِ القَطا
كأَنَّ المصابيح حَوْذَانُها ()

بأَحْسنَ فيها ولا مُزنةٌ
دَلُوحٌ () تَكشَّفَ إدْجانُها

وَعَمْرةُ من سَرَواتِ النِسّاءِ تنفحُ بالمّسكِ() أرْدانُها().
إن القواعد الأرجاعيه التي تعطي النص الشعري المحيط الكلي وادواته الأشاريه والتكرار في حلقات الصوره وفضاءاتها، وإن مستوى الجمله الشعريه قد تسامت من الناحيه الأجرائيه وهي تشترك في مدارات نمطيه واضحه وتتخلص بالفاعليه من حيث التدوينات السياقيه والدخول في نسق يّميز حقيقة الوعي النصي والذي يتكون من أشكاليات تتكرر فيها الصوره الشعريه والقوالب في الأبيات السالفه الذكر تعطينا (أستمولوجياً) تمثيليه ورجوعيه الى الأستخدامات التي صاغت هذه الصور وفق تأثيرات شعريه تتعلقّ بمراحلها التأريخيه والأبيات تؤكد فرعيتها في معدلات التأويل.
وقيس بن الخطيم يعتني بالأشكال والتشكيل البلاغي دون التعبيري، والذي ينتهي إلى التقليد والتدوين الذهني للموسوعات الشعريه وتعريفاتها للمجاز والتراكيب الفعليه والأسميه ذات الدلاله التي تؤكد حتى تبعية الأسلوب الشعري سواء على مستوى الجمله الشعريه أو الصوره، وحتى الجهود الأستدلاليه لا تعطي أي حدث يشار إليه، بل كل ما هنالك (( هناك جهود تنظيريه في صياغة الأبيات الشعريه)).
وتبقى حدود النص الشعري وفعاليته عند (قيس بن الخَطيم) هي حدد ذكوريه رجوعيه في الأستخدمات، وتقع في عصر تأريخي محدد الذكوره ومُرسَلْ، ونسيجه الشعري يريد أن يروي حكاية أو واقعه يشرع فيها قواعد الفرع في النصوص الشعريه بدون توزع فصول هذه الحكايه.
وقد بقي (الخظيم) يدور حول تبعية المناسبات، وعندما كان ذلك اليوم ((للأوس على الخزرج))فقد أفتخر به (قيس)وحين ذكر (عَمْرهَ) وهي عَمْرَه بن صامت بن خالد زوجة حسان بن ثابت، بالمقابل فقد ذكر (حسان بن ثابت) مروره بليلى بنت الخَطيم، أخت قيس حين ألتقاها وقيس أخوها بمكه حين خرجوا يطلبون الحِلْفَ في قريش فقال لها حسّان: إظْعَني فألْحَقي بالحيّ فقد ظَعَتُوا، وليت شعري: ما خَلَّفكِ؟ وما شأنُكِ؟ أقلَّ ناصِرُك؟ أم راثَ() رافِدُك؟ فلم تُكلّمه وشتمتهُ نساؤها فذكرها في شعره (يوم الرّبيع) الذي يقول فيه حسّان:
لقد هاجَ نفسَك شجانُها
وعاودَ اليومَ () أديانُها

تَذكّرتَ ليلى وأنىّ بها
إذا قُطعِّتْ منكَ () أقرانُها

ومَجَّلَ في الداّر غِرْبانُها
وخَفَّ في الدّار سُكاّنُها


وغَيَّرها مُعْصرات الرِّياح
وسَحُّ الجَنُوبِ وتَهْتَانُها

مَهَاةٌ مِنَ العينَ تمشي بها
وتَتبَعُها ثَمَّ غِزْلانها

وققتُ عليها فساءلتُها
وقد ظَفَرَ الحيُّ : ماشأنها ؟

فَعَّيتْ ، وجاوبني دونَها
بما راحَ قلبيَ ، أعوانُها ! ()

تعتبر هذه القصيده أسنخلاصاً تلقائياً فرضه (الزمكان) فقد أستجوب به (حسان بن ثابت) وقد أستُخلص بصوره تلقائيه دون جهد أستدلالي، ذلك لأن الحدث الذي أُشير إليه في القصيده يقع في حدود العباره المذكوره لكي يؤكد تأريخية هذه القصيده وأحداثها الواقعيه، وإن الشاعر أراد أن يروي حكاية يقصد بها حاله ترميزيه وسياقاً يوضح قواعد إرجاعيه (يعّرف) فيها بالمرأة وهي (ليلى بن الخَظيم) أخت قيس بن الخَظيم، ليصبح الترميز عنواناً لهذه القصيده، وعنواناً للصوره البلاغيه بأعلانٍ مضمونيّ للحدث الشعري، وإرجاعه للصياغه بأعلى مستواياتها الشعريه في قواعد النوع.
ويتابع ((حسان بن ثابت)) في هذه القصيده بـ((ليلى)) وهي الرمز النصي ويدرك أن بمقدوره أن يضع قاعده أسلوبيه في خواص النص الشعري المرموز وفق قاعده أسلوبيه في التنصيص التأريخي للشعريه ومن ثم تفعيل قاعدتها في قول التعبير وشد النص إلى حلقة أرحَب في الاشكاليه التداوليه والتبادليه في رمز عَمَره عندما ذكرها ((قيس بن الخَطيم)) وهي زوجة حسان بن ثابت وتبقى ضروب التجلي واقعه في المقصد النصي وضروريات الحدث الشعري لكي يكون ذا قصيده أختلافيه وأستدلال يستدعي أمكانيات السياق الشعري وصياغة مفهوم جديد للحدث الشعري، ويبقى هذا السيناريو هو الترميز في النص الشعري وفق تجريبيه ومفهوم يوضح موضوع وسائل التأويل في النص الشعري وموجبات التجذير الجوهريه والتي تتعلق بالصوره في كلا الحالتين وخاصه في أبيات ((حسان بن ثابت)) وعلى هذاالمنوال تكون الانجازات المعرفيه في النصوص الشعريه وهي تبدأ بموجبات (السسيولوجيا) والغزل شأن الوحدات (البنيويه) وشأن الأشياء (السكولوجيه) الخفيه وهذا ما أضمره حسان في ليلى أخت قيس أو ما أضمره قيس بن الخَطيم في عَمره زوجة حسّان. وفي كلا المعنيين والحدثيين نقول: إن ماحدث وما حصل في قوة الحكايه السرديه كونها تؤشر مرحلة أدراك دقيق للنص الشعري، وتفصيله بأتجاه الأقرار بالبنى النصيه وعلاقتها بالحدث الحكائي ومتانة النص الشعري من خلال قوة صورته الشعريه وقوة لغته ومجازه وتأويله وترميزه وتوريته وإيقاعه، وهذا هو الأختيار في صياغة نص شعري يتعلق بقوة الحكايه والسرد المتقارب مع نصه الشعري ومماثله وكفايته التناصيه ((بين الشعرية والحكائية والسردية)).
وقُتِلَ (قيس بن الخَظيم) بعد أن تآمرت عليه قبيلة الخزرج، وكان مقتله قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم إلى المدينه .







هو: عيسى بن عبد الله، وكنيته أبو عيد المُنعم، وغيرها المخنَّثون فجعلوها أبا عبد النِعّيم، وهو مولى بني مخزوم، وطُوس: لقبٌ غَلب عليه.
وهو أول من غنى بالعربيه في المدينه، وأول من ألقى الخَنَث عليه، وكان أحول طويلاً وكان لا يضْرب بالعود وإنما ينقُر بالدّف، وكان ظريفاً عالماً بأمر المدينه وعارفاً بأنسابها، وكان يُتقّى للسانه!.
وذُكر أنه وُلِد يوم توفي رسول الله (ص)، وفُطِمَ يوم توفي أبو بكر الصديق (رض) وخُتِن يو قُتِل عُمر بن الخطاب (رض) وزُوج يو قُتِل عثمان وَوُلِد له يوم قُتِل عليّ (ع) وقيل: وُلِد له يوم مات الحسن بن علي عليهما السلام.
ورُوي عنه أنه قال : كانت أمي تمشي بين نساء الامصار بالنميمه. وقيل أول غناء غناه:
كيف يأتي من بعيدٍ
وهو يُخفيهِ القريبُ

نازحٌ بالشام عَنّا
وهو مَلِسالٌ هَبُوبُ
ُ
قد برانيّ الحبُّ حتّى
كِدْتُ مِن وَجْدي أَذُوبُ

فسُّمي بالذائبِ لذلك.
هذا التعقب للسيره المتواتره في كتاب الأغاني: تكاد تطبعه بطابع المشهد من التنويع الأدبي حتى ينبغي أن تدخل هذه الحصريات في مقومات تتابعيه بأشكال متناهيه من حيث دخول بعض المقومات وخواص مقاماتها من حيث الترسميات على أنماط التحليل في (الشخصية الذات) وهي تصل في نهاية المطاف إلى تحديد مجموعة من الديكورات المتباينه ويبدو من هذا التعدد في عملية الأكتمال من وصوف للشخصيه تعطينا مَيْلاً لمتابعة الأسناد الوصفي في الشخصيه وكأنها توسطيه لخيال يعطي بداية لنسج سرديّ خفي على شكل سيره يقدمه العقل الباطن في حالة حدس فنيّ وهذا التوسط يشكل حجر الزاويه (أستمولوجيا كتاب الأغاني) وطُويس المغني والناقر على الدف يعتبر وظيفة تخطيطيه النسبيه:
{Schematizing} تُناقش بقياس الخيال المنطقي وفق إطار فني بوصفه وسيله للتعبير عن هذا التوسط في طبيعة الكتابة، وهكذا نستطيع أن نبلور هذه القضيه النقديه وفق قياسات الوظيفه الخياليه الترميزيه()((Symbolizing)) في تشكيلة النظريه (الريكوريه) من خلال حلقة الرسوم وترسيم الشخصيات وفق رمزيه معرفه لحلقة التأريخ الأدبي.
وفي هذه الحلقه الشعريه في هذه الأبيات أعلاه تتأكد مفاهيم الوعي الأبداعي في هذه الأبيات الشعريه الغنائيه وهي تخضع لترسيمات زمانيه بخواص ذاتيه صرفه مع بداية في حلقات الوصل التعجبيه (وهي تصور فكرة خيال الشاعر) وبصوت المغني طويس لكي يقول شيئاً يتعلق بحقيقة الغناء في تلك الفتره.
وضمن إطار عملية السرد للحكايه، يُذكر أن هيت المُخنَّث قال لعبد الله بن أبي أُميه المَخزومي وهو أخو سَلَمَه زوج النبي محمد (ص) وكان حينها صلى الله عليه وأله وسلم يُحاصر الطائف: إن فتح الله عليكم الطائف فَسَلِ النبي (ص) باديةَ بِنْتَ غَيْلان بن سَلَمَه أبن مُعَلَّب فأنها هيفاء شَموع() بَخْلاءَ، إن تكلمت غنت، وإن قامت تثنت، تُقبل بأربعٍ وتدبر بثمانٍ() مع ثغرٍ كأنه الأقحوان، وبين رجليها كالأناء المُكفَأ، كما قال قيس بن الخَطيم:
تَفترقُ الطرفَ وهْيَ لاهِيَةٌ
كأنما شَفَّ وَجْهَهَا نُزُفُ ()

بين شُكُول النسّاء خِلقَهُا
قَصْدٌ ، فلا جَبْلةٌ ولا قَضَفُ ()

هذه المهام تجعلنا نؤسس معرفه شعريه ذات أسناد معرفي، وبموضوعية إمكانية تصور إعادة إنتاج المنطق الشعري وفق تصورات تعطي للخيال منطقاً علمياً يصور المعاني تغطيه الصوره الشعريه وبتجريبيه توثق الحدث الشعري بكل إشكالاته وأبيات أبن الخَطيم تعبر عن جمالية معرفيه في سيره ذاتيه تدمج الوعي الأبداعي الذهني، وبالحسن السيكولجي، وبحلقته المعرفيه، وبرمزية تدمج كل هذا الخيال، والصوره الشعريه والسيره الذاتيه (الطُويس) لكي تعطينا غياباً واقعياً في أصرة الخيال ليهتم التدقيق في إشكالية التحليل الأرتكازي وأمكاناته التصويريه والتصوريه، والتي أستمدت تجربتها من أختلافية في التطبيق وأمكانيه في الوضوح، وتحقيقاً في مقولة التمظهر المتطابق، والتوسط في إشكالية الحساسيه وفي إنتاج الخيال الأبداعي.
ويبقى من الثابت أن العمليات الكليه للبناء السردي والشعري يتحرك بالكيفيه الأنطباقيه وبتجريبيه الملمح والذي هو (وحدة التجربه الذاتيه الطويس والتجربه الشعريه للخَطيم).
وكان (طُويس) ولِعاً بالشعر الذي قالته (الأوس والخزرج) في حروبهم، وكان يريد بذلك الأغراء بينهم، فقل مجلسٌ أجتمع فيه هذان الحيان، فغنى فيه (طُويس) إلا وقع فيه شيء، فنهي عن ذلك، فقال: والله لاتركتُ الغِناء بشعر الأنصار حتى تُوَّسِدوني في التراب وذلك لكثرة تولع القوم به، وكان يبدي السراء ويخفي الضمائر()، فكان القوم يتشاءمون به و وكان يُستحسن غناؤه ولايُصبر عن حديثه، فغنى يوماً بشعر قيس بن الخَظيم حتى بلغ قوله:
أَبْلِغْ بني جَحْجَبَى وقومَهمُ
خَطْمَةَ ، أناّ وراءَهم أُنُفُ

فتكلّموا وأنصرفوا.
وجرت بينهم دماء، وأنصرف (طُويس) من عندهم سَليماً لم يُكلَّم ولم يُقَل له شيء.
هكذا تكتمل الصوره السرديه في حكاية (طُويس) فهي لا تلبث أن تتطابق بشكل ظاهري وتحقق إشكالية في الزمكان لأن (طُويساً) هو عباره عن أحتواء الوعي فنياً، وصورة لتصور (مُرسَل) يوضح تصميم تطابق الوعي الأبداعي في النص الشعري مع الأبداع الفني الذي يمثله (طُويس)، فالصوره التي أمامي في ضواحها التخطيطيه والصروره الوجوديه تعتمد على الأصغاء الزماني (Temporatizing)() ومفهوم التحول على المستوى التطابق والطباق الذي يتعلق بالمنطق التجريبي لتلك المقولات المتشكله أصلاً في تخطيطية تجريبيه وإشكاليه زمنيه تضع هذا الأشكال الخيالي داخل هذا الأطار (التخطو تجريبي)().
ويذكر أنه غنى في شعره عُروة بن الوَردْ في (سَلْمى) أمرأته الغفاريه، حيث رهنها على الشراب وهو:
سَقَوْني الخَمْر ثم تكنفّوني
ألا لله مِن كذِب وَزوُرِ

وقالوا لستَ بَعْد فِداءِ سُلمى
بِمُغنٍ مالديك ، ولافقيرِ

فَلاَ واللهِ لو مُلكّتُ أَمري
وَمَنْ لي بالتّدبُر في الأمُورِ

إذاً لَعَصيُتهم في حُبّ سَلْمَى
على ما كانَ من حَسَكِ () الصُّدور

فيا للناس كيف غُلِبْتُ أمري
على شيءٍ ، ويكرهُه ضَميري

في أبيات (عروة بن الورد) يقدم (طُويس) وصلة غنائيه يؤكد بها عبقريته الفنيه الأبداعيه من خلال تشكيلة (عروة بن الورد) الشعريه الأمر الذي أفضى إلى أكتمال الخيال الاتباعي في القصيده في قانون يوضح المنطق الحسيّ للشاعر رغم جنوحه نحو الصعلكه، وتمرده على الواقع الهزيل في تلك الفتره. والبحث عن اللذه في إطار عبقرية قانونيه (كما يوصفها كانط) في إنها تعطي للفن قوانينه() ويقدم (عروة بن الورد) اللذه بطريقه تفصح عن حكمة لتلك القوانين السسيولوجيه التي رفضها، والعمل الأبداعي والشعري منه بشكل خاص. يبدأ الفعل الأبداعي بهاجس الوعي ثم يتحقق الأبداع من خلال عملية الخلق الفني، حيث يتم التطابق في إطار يحقق تطابقاً حسياً وفنياً في الرغبه لأثبات العمليه الفنيه، وهذا الموضوع ينقلنا إلى نتيجة منطقيه في دخول العمليات التأويليه للنص من خلال الأبداع الفني وهذا ماحصل مع (الطويس) في غناءه بشعر (عروة بن الورد) .
ويبقى الوعي الأبداعي سواء على مستوى تشكيل النص الشعري أو التغني بهذا الشعر هو خلق قوانين تؤكد حتمية خواص الحقيقه وهي بالتالي تعبرعن فعاليات تستند في أحكامها الى الرؤيه الفعليه المتمثله بالصياغات التي تتعلق بالتناص الفني، وملائمة مختلف التركيبات التي تعمل على أبراز الحدث الفني بقصدية، وأحداث (المفاجأه) لتكون عنواناً فنياً مادام الأبداع هو الذي يُفنن هذه الحواريه الفنيه، وهذه الرؤيه هي: الفضاء الكبير الذي يستند إليه النص وقوانينه والمتمثل بالحدث والقصّ في إيجاد سبل كثيره وكبيره للولوج إلى مُعترك هذا الأختلاف .
وذُكر أنه كان في المدينه (مُخنَّث) يقال له (النفّاشيّ) فقيل (لمروان بن الحكم) إنه لايقرأ من أُم الكتاب شيئاً. فبعث إليه، وهو يومئذ والٍ على المدينه فأستقرأه أُمُّ الكتاب. فقال: والله مامعي من بناتها شيء فكيف أقرأُ أُمهم! فقال: أتهزأ لا أُمَّ لك! فأمر به، فقتل في موضع يُقال له: بَطِحَان() وقال: من جائني بمخنث فله عشرة دنانير. فأتي طُويسٌ وهو في بني الحارث أبن الخزرج من المدينه، وهو يُغني بشعر حسّان بن ثابت الأنصاري:
لقدْ هاجَ نفسكَ أشجانُها
ذذ وعاودَها اليوم أَدْيانُها

فأخُبر بمقالة (مروان) فقال: مافضلني الأمير عليهم بفضل حين جعل في وفيهم شيئاً واحداً! ثم خرج حتى نزل (السُوَّيداء)على ليلتين من المدينه في طريق الشام فلم يزل بها عُمْرَه ومات في خلافة (عبد الملك بن مروان) .


وهو من ولد سُوَيد بن زيد، وحِلْفهُ إلى بني نَوفَل بن مَناف، وكان من أيّام عمر بن عبد العزيز، وكان له أشعار ونواد وأصوات من الغناء، وكان من ظُرفاء أهل مكّه وهو القائل:
وَلمّا رأيتُك أوليتني الــــــــ
قَبيحَ وأبعدتَ عنيّ الجَميلاَ

تركتُ وِصالك في جانبٍ
وصادفتُ في الناسِ خِلاً بديلا

وقيل: قَدم تاجر من اهل الكوفه بخمرُ() فباعها وبَقيَت السود منها فلم تَنْفُقْ() وكان صديقاً (للدارميّ) فشكا ذلك إليه، وقد كان نَسَك وترك الغِناء والشعر، فقال له: لا تهتم بذلك فأني سأُنَفَّقُها() لك حتى يبيعها أجمع، ثم قال:
قُل لِلمّلِيحةَ بالخِمار الأسْودِ
ماذا فعلتِ براهبٍ مُتِعّبدِ

قد كان شَمّر للِصَّلاةِ ثيابَهُ
حتى وقفتِ له بباب المَسْجدَ

وغنى فيه أيضاً (سنان الكاتب) وشاع في الناس وقالوا: وقد فَتَك() الدارميّ ورجَع عن نُسكِه. فلم تبقَ في المدينة ظريفةٌ إلا أبتاعت خِماراً أسوِدَ ، حتى نفِذَ ماكان مع العراقيّ منها. فلما علم بذلك (الدارميّ) رجع إلى مسكنه ولزم المسجد () .
الشيء الذي ميز هذه الأبيات هو الشيء الفكري والحسيّ الذي تحول الى طاقه أبداعيه في الشعر، وهو الناسك الذي ميزته طاقة العقل لانه: يرى الأشياء على حقيقتها ولا تنفصل عن تفاصيل الطرق التقليديه التي تعود الناس أن يروها فيه وهذه الحقيقه (السكولوجيه) النادره والتي تعطي ضروباً من الوعي الجمعي، وأستطاع (سعيد الدارميّ) أن يقوم بالتركيز على القوه العقليه في النص الشعري وإحكام السيطره عليه من ناحية السيطره على خواص الذات والتحول إلى حاله تعبيربه سسيولوجيه، فحول المنعطفات التقليديه المتأصله إلى تفاصيل غير محدوده في إحراز هذا الصدق في التعبير عن خواص الفني الأدبي (والشعر حصراً). فالذي حصل هو: تصورطبيعة النظام الموروث عند العرب وهو الشعر بأعتباره ديوان العرب وإليه يرجع الفضل في تصريف الخِمار. والمورث يحكمنا وفق نظرة مليئه بالأمكانات الرومنطيقيه، وحتى تصبح مخلوقاً، فهي في حدودها الكلاسيكيه، فالقراءه الدقيقه لهذه الأبيات المذكوره سلفاً تعطينا التصور الدقيق لمقدرة الشاعر (سعيد الدارميّ) على قراءة الحياة الأجتماعيه عبر التشكيل الشعري الدقيق وعبر التقنيات في الصوره الشعريه وفي البناء الذي يتصل بالخصائص الدراميه والبنائيه، فالصوره الشعريه جاءت ممزوجه بالمبنى العضوي، والطريقه الناجحه التي يراها هي السبيل إلى التحرك نحو المعنى رغم إن الأسترسال في الصياغه قد أرتبط بالحدث الشعري مع ملامسه للحاله الفنيه ، اقصد عملية البناء من ناحية البنيه، وينقلنا صاحب كتاب (مهذب الأغاني) الى حقيقة أحساس الشاعر وهو يحلق في فضاءات الفكر والغوص في تلافيف النصّ الشعري لكي يقول شيئاً يعتقد أنه اشد الأشياء تناسباً، وهو يعود إلى الأصل أي إلى أصل البناء في القصيده العربيه الأولى من خلال المعنى والمعنى في القصيده العربيه هو: المزيج من الصوره والأيقاع والحدث والقناع حتى الغوص الى أعماق النصّ الشعري وما يحتويه من مفاهيم، وحيث تكون القصيده فاعله تكون قد تعمقت في أصول الوعي الجمعي كما في الأبيات الأنفة الذكر.
ثم يأتي السرد الفني ليتجاوز كل الأشياء الجامده وليحرك الأشياء الجديده، وهذا ما حصل في كتابة السيره في أخبار(سعيد الدارميّ) بأعتباره شاعراً تخطى الوظيفه التقليديه في الشعر خاصة من حيث أنه بدأ يعمل على إشعال الصياغات التظيديه وهذا ينقلنا الى المجوس في اللغه الرمزيه، وهذا خلاف (النُسك) عند سعيد الدارميّ وخلاف العقلانيه في منطق الخواص الشعريه أو السرديه. وكان (الدارميّ) شاعراً طريفاً وكانت مُتغنيات أهل مكه لا يطيبُ لهّن مُتنّزه إلاّ بـ(الدارميّ) حتى حملن عليه أن يجلب لهّن المسكَ بعد اللقاء وهن يَغَلْن() فقام وإكترى حماراً فَطاَر عليه إلى مكه وهو يقول:
أنا باللهِ ذي العزّ
وبالرّكُن وبالصّخرةْ

مِنَ اللاّئي يُرِدْنَ الطيـّ
ـــــــبَ في اليُسرةِ والعُسْرَة

وما أقوى على هذا
ولوكنتُ على البَصْرة ()

في سياق هذه الحكايه المروية تنحصر الحاله التخطيطيه، بتلك الصياغات التي تضع هذه الصوره السرديه في مفهوم الوظيفه والحدث السردي في مُتَغَنَّياتِ أهل مكّه وما حققن من إيجار في التطبيق الذي أدّى بدوره إلى أن يبسطن فكرة (كانط) بالصياغات التطبيقيه وهي تؤدي إلى إشكاليت في خلاصات (الزمكان) كما هو الحال عند (ريكور) ونحن في هذه المناقشة نضع تفرداً لحالة المرويات في السرد كون أن هذه العلاقه وهي علاقة إشكال (اللفظ والزمن) وهي محاولة دقيقه تتسم بالمتعلقات المتخصصه والمتكلفه في الأشكاليات السرديه في اللغه وهي إشاره إلى حلقة الغياب في الشعر، فالأبيات أعلاه تحدد خواص التجربه: بين الشاعر سعيد الدارميّ ومتغنيات أهل مكه وماحصل من تصور في كتابة هذه الأبيات بعد أن توضحت معالم التجربه وبالتجريبيه الشعريه حيث وضع (سعيد) كل حلقاته (السكولوجيه) و(الحسيه) وبتركيز لكي يتكمل بطبيعة (الوعي النقدي).
نحن نحدد سلفاً أشكالية البناء السردي والشعري من خلال حسم الأشكال للغوي والفني بشكل عام، ولكي يبقى المشكل العقلي: ذلك التحديد هو الذي أنتج الأبداع في حدود المفاهيم السيكولوجيه.
ومن شعره الذي فيه الغناء حيث أفتتح أبو الفرج به أخباره هو:
أفِقْ يادارميُّ فَقَدْ بُليتا
وإنكَ سوفَ تُوشكُ أنْ تَمُوتا

أراكَ تَزيدُ غَشْياً () كُلَّ يَوْمٍ
إذا ما قُلتَ إنّكَ قد بَريتا

وهكذا يكون الشعر بأعتباره رسماً يبدأ بالحسّ ثم ينتقل إلى التحذير في أنماط الصوره واللغه والمقومات الجوهريه في الوعي الأبداعي والفكره التي تعّج بالخيال السردي وزمكانية التعدديه يهتم بالانتقال إلى طبيعة الحكم الجمالي في النص الشعري.


هو هلال بن الأَسعر بن خالد بن الأرقم بن قُسَيْم بن سّيار بن رِزَام بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن أُدّ بن طابخه بن اليأس بن مَضَر بن نزار بن مَعّد بن عدنان. شاعر أسلاميّ من شعراد الدوله الامويه ، قال أبو الفرج: وأظنه قد أدرك الدوله العباسيه، وكان رجلاً شديداً عظيم الخلق، أكولاً معدوداً من الأكله، فارساً شُجاعاً عظيم الغناء في الحرب. وعَمرّ عُمراً طويلاً، ومات بعد بلايا عِظام مرتّ على رأسه.
وكان رجلاً من قومه من بني رِزام ، يقال له: المغيرة بن قَنّبر يَعوله ويفضل عليه ويحتمل ثقله وثِقل عياله فَهَلَك. فقال هِلالٌ يرثيه:
ألا لَيتَ المُغيرةَ كانَ حّياً
وأفنَى قبلهُ البامَس الغَفَاءُ

لِيَبْكِ على المغيرة كُلُّ خيلٍ
إذا أفنى عَرَئِكَها () اللّقاءُ

ويَبْكِ على المغيرة كلُّ جَيشٍ
تمورُ () لدى مَعَاركه الدّماءُ

لقد وارى جديدُ الأرضِ () منهُ
خِصالاً عَقْدُ عِصْمَتها الوفاءُ

فصبراً للنوائب إنْ ألَمْتّ
إذا ماضاقَ بالحَدَثِ الفَضَاءُ ()

هِزَبْرٌ تنجلي الغمراتُ عنهُ
نَقيُّ العِرْضّ هِمَتّهُ العلاءُ

إذا شَهِدَ الكريهةَ خاضَ منها
بحوراً لا تكَدّرها الدِّلاءُ

في عصر الدوله الامويه تمركز الشعر في مكه والمدينه، ولو أن المدينه فقدت في تلك الفتره أهميتها السياسيه وتحولت عنها الخلافه إلى الكوفه وخاصة في عهد الأامام علي بن ابي طالب (ع) وثم إلى دمشق منذ أن هيمن معاوية أبن أبي سفيان ولكنها بقيت محتفظه بتراثها الديني وبقيت المستقر الرئيسي للكثير من الطوائف والثراء الكبير بعد دخول العنصر الاجنبي لها ومن خلال الفتوحات وما جلبوه من الاموال والذهب حيث أزدهرت الحركه الأقتصادية في تلك الفتره التأريخيه، وبالمقابل أشتهرت مجالس الشعر والطرب نتيجة للبذخ والمداخيل الأقتصادية من الفتوحات() كما قلنا في البدايه، حيث فتحت الدور المخصصه للسماع والتي كان يَفُد عليها الشباب في المدينه كل يوم. وفي الدور المشهوره كانت (دار جميله) التي كانت تكتظ بالمغنيين والمغنيات، وإن أبو الفرج يسهب في هذا الموضوع().
لقد كان الغناء يأخذ شكله الجماعي بالجوقات الشعبيه()، والذي يغنينا في هذا الموضوع هو طبيعة الخيال الأبداعي ونسقه السردي في تلك الفتره باعتبار إن الحكايه تعيش وصفاً سردياً، وأبو الفرج الأصفهاني كوّن موضوعه: من نسيج وفهم سردي للحدث، وهو المتقدم دائماً في أسلوب الحكاية السرديه، وهو يعرض مسائل قانونيه في هذا النوع من السرد الادبي أو حركة المبنى في الحبكه لكي تكون منهجاً فنياً في مجال الأبداع في سرد جانب من الخيال الحقيقي في إطار جمالية تتخطى في مجملها المفاهيم وأشكاليات البحث أو التغير الذي لا يستند إلى محور فني قيميّ
وضمن هذا التصنيف في إختلاف الخيال الأبداعي نقول: إن حالة التمكن من تفصيل حلقه تحليليه عن موضوع يتعلق بالخيال الأبداعي وفق منهجيه تتقارب ومستويات المعاني في سياق السرد ولكل أوضاع المُرسل من النتائج، حيث تكون القراءه للنص الشعري وفق فاعلية يكون فيها النص الشعري الذي يحمل البذره الاختلافيه عند القراءه التأويليه في حين يتحدد الزمن بأعتباره موقف إضهار لمعنى المعقولية في فعل السرد ويأتي التفصيل في غشاء غامض يحيل هذا الأشتغال التخطيطي إلى أشكالية تعيد للسرد حركته الأبداعيه وفق منظار النص الشعري وتشعباته، وكان لزاماً علينا في بداية المناقشه لقدرة العقل الأبداعي ومنهجية الخيال وإشكالية الزمن أن نضع حدوداً تصور حركية الخفي من الأصوات داخل النص وداخل عمل المرسل له، ومن هنا يجوز أن نعمل على صياغة الوعي التصويري والتصوري للحكايه أولاً وللحبكه السرديه ثانياً، وللنص الشعري الملازم لكل هذه التشاكيل ثالثاً.
إضافة إلى التحليلات التي تتعلق بالتفسير وبمنهجية التطبيق، وعلى كل هذه المستويات المشار إليها إننا في هذه الأبيات الأنفه الذكر والتي ترثي (المغيرة بن قنبر) فهي أبيات تحددعمقاً أنتقالياً من المُرسل وهو صاحب النص والمُرسَل له وهو السامع أو المتلقيّ، والمتلقي قد يكون عمق المركزيه التي تنتقل من الخاص إلى العام أو من العام إلى الخاص وهي مركزية فلسفيه تتعلق بمفهوم (هيدغر) أو (كانط) أو بعلاقة الأثنين معاً. أو من أشكالية هيدغر وعلاقته بكانط في (المشكله الفيزيقيه).
إن هذه الأبيات هي سلم هذه العلاقة التجريبيه بين النص الشعري للمازني وعلاقته بالمغيره وكل الذي حصل هو مشكلة التأمل في النص الشعري وعلاقة كل هذا الموضوع بالفلسفة السرديه لنص الموضوع وصداه الذي بقي داخل هذه الأشكاليات وهذا الوجود في الزمن تكتبه فلسفة التصديق في المناقشه التي أجراها هيدغر وهي إشارة إلى عملية تتعلق بتصحيح ريكور لمشروع هيدغر وهي إشارة كذلك إلى موضوع يتشكل بتشكل تصحيحي لموضوع السرد يتعلق بمرحلة الدوله الاموية وما شكلته من (ملهاة) في المدن الأسلاميه وكذلك ما وضعته من حاله مدنيه في هذه المدن ولكن الجانب الرئيس في هذه القضيه هو السرد الذي أسهب فيه صاحب (الأغاني) في إستعراض يضم أشهر المغنيين والمغنيات ليس في المدينه حسب بل في مكه أيضاً والذي ضمّ حوالي عشرين مغنياً وترك الجانب الرئيسي في مسيرة السرد في حياة العرب المسلمين وعلاقتهم بفلسفة الوجود.
وهلال بن الأسعر المازني يؤكد بُنيه فكريه (أنسانيه) في حادثة في يوم قائظ عندما ناداه أثنان يطلبا منه ماءاً فحاول أن يسقيهما إلاّ أنهما أضمرا له امراً لأيذائه ولكنه أنتصر عليهم وأثبت أنه يمتلك حاله أنسانيه كريمه مع الاخرين() وإذا أردنا أن نتابع هذه المشكله أو الأشكال العاطفي عند العربي نرى أن سبب تاخره هو إمتلاك العاطفه له وإذا أردنا أن ننقاش هذا الموضوع: عندما أخذ هلالاً منهم عهداً بعدم إيذائه، نقول: إن حلقة التميز هذه هو العهد الذي يقطعه العربي سواء مع نفسه أو مع الأخرين، فالزمن عند العربي هو زمن متناه في حجمه، ولكن الشروط في إمكانية الوضع التجريبي يضع هذه التجريبيه من الشروط مع الأخرين في حلقه سيكولوجيه دقيقه ويعطينا جملاً تتعلق بالحس والعقل والخيال حتى تصبح التجربه بالنسبه إلى العربي تجربه عقليه كامله بالعهد ويأتي الحسّ أو الخيال وهو المحور الثاني أو الوظيفه التي تكمل الشرطين الاول: هو شرط الامكان في هذه التجربه، والثاني: أهمية الوعي المتجاوز في أفضلية التشكيل في العقل الخالص أو جوهر التجذير العقلي المنتسب إلى الحسّ والعاطفه.
والشعر الذي أفتتح به أبو الفرج الأصفهاني في أخباره هو:
يا رَبْعَ سَلمى لقد هَيّجَتَ لي طَرَباً
زدتَ الفؤادَ على علاّته وصَبَا

رَبعٌ تبدّل ممّن كان يسكَنُهُ
عُفْرَ الظّباءِ وظُلِماناً () به عُصَبا

يدلل على التخطيطيه العاطفيه التي يتمتع بها العربي وهو يستخلص أمكانية التجربه وشروط الانسنه الحسيه والعقليه التي غلبت عليه ليصبح الخيال درساً كبيراً مثلما هو شرط رئيسي من شروط المعاني في النص الشعري.
وحيث يصور الشاعر العربي خواصه فأنه يصور الرؤيه الفعليه القادره على أظهار الامور العاطفيه وحتى عملية الانتقام أو القتل فهي جزء من طبيعته العاطفيه لأنها هي المحور الرئيسي الذي يحدد أتجاهاته السيكولوجيه، إضافة إلى ذلك نستطيع أن نقول أن هذه العاطفه هي شديدة الجور حتى على الخيال السردي، فمن هذا الأشكال يتصور نمط وحقيقة الموقف التأويلي للنصوص بأعتبارها فيصل كبير في تكوين العقل العربي.


وهو عُروة بن الوَرْد بن زيد وقيل أبن عمرو بن زيد بن عبد الله بن ناشب أبن هَرِم بن لُدَيم بن عَوْذ بن غالب بن قُطْيعَه بن عَيْسى بن بغيض بن الريَّث أبن غَطَفان بن قيس بن عَيْلان بن مُضَر بن نِزار بن معّد بن عدنان.
شاعر من شعراء الجاهليه، وفارس من فرسانها وصُعلوك() من صعاليكها المعدودين المقدمين الاجواد. ويلقبُ عُورَة الصعاليك، لِجَمْعَهُ أياهم بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم، ولم يكن لهم معاشٌ ولا مَعْزَى، وقيل لُقِبَّ بذلك لقوله من أبيات:
وَللهِ صُعْلُوكٌ صَفيحةُ وجهِهِ
كضوءِ شِهابِ القابسِ المُتنِّورِ

وحُكي: إن عبد الملك بن مروان قال: مايَسُّرني أحدٌ من العرب لم يلدني أنه وَلَدني إلاّ عُروةَ الصَّعاليك بن الورد.
إن المقاربه بين أشكالية هذه العملية السرديه ونمط هذه المسيره الحياتيه التي عبر عنها عروة بن الورد بخواص فينومينولوجيه، وتعلق هذه الظاهراتيه بخواص المبحث الذي يتعلق بالوجود الانساني وفي إنماء النص انطلاقته المدركه حتى تكاد هذه المسيره تتحول إلى إنموذج يستوي في عدة مسارات لكي يحقق المستويات الدلاليه في التجذير الأعمق ومستوى البنيه التي تفصح عن إشكالية معمقه في تلافيف المعنى من خلال هذا السياق في النصوص السرديه يقول عروة بن الورد:
إني أمرؤُ ، عافي إنَائَي شرْكَةٌ
وأنتَ أمرؤٌ عافي إنائِكَ واحدُ

أتهزأُ مِنيّ أن سَمِنْتَ وأن ترى
بجسميَ قَسِقَّ الحقِّ والحَقُّ جاهدُ

أُفرّقُ جسمي في جُسومٍ كثيرة
وأحسُو قراحَ الماءِ والماءُ باردُ

إن مستويات المعاني في هذه النصوص الشعريه يعطينا سياقَ تمكن أوضاع المرسل إليه لكي يتعلق العام بالقراءه وسلوك الأنعطافه في المعنى الموضوعي عبر التاويل، حتى تتشكل في هذه النصوص رؤياً تشاهد عمليات التمكن الموضوعي وهو يتحول تدريجياً من خلال هذه التفاصيل إلى تحليل للوجود الأانساني وذلك بفهم الأنيه (Dasein ()) في أسمى نتائج في تحويل هذه الأشكاليه إلى عملية أستمولوجيه في حلقة التأويل ومن ثم الأرتفاع بمستوى القراءه وفق إطار من الاختلافيه والذي يعنينا من هذا هو أن عروة بن الورد قد أبتدأ بالمدركات الانسانيه حيث أستجوب خواص الدلاله وعبر عنها بخاصيه ترابطيه شكلت في نصوصه الشعريه حقلاً دلالياً إجمالياً بعد ان جمع حالات الأستحاله الانسانيه في أجمل نمطيه شعريه عبر عنها الشاعر بمألوف الخصائص السسيولوجيه مُسجلاً تفعيلاً تجريبياً لمرتكز نصيّ أفصح عن وجهه دلاليه مضمره، وتضمنت هذه النصوص الشعريه مغنطة جمعت كل الخصائص الجمعيه بمكوناتها وخواصها وتمايزها الذي عبر عنه هذا الشاعر بجماليه أخّاذه.
قال: عمر بن الخطاب عنه للحطيئه: كيف كنتم في حربكم؟ قال: كُنّا ألفَ حازم قال: وكيف؟ قال: كان فينا قيس بن زهير وكان حازماً، وكنا لا نَعصيه، وكنا نُقدِمُ بأقدام عَنتره ونأتمُّ بِشِعْر عروة بن الورد، وننقاد لأمر الربيع بن زياد وقال عبد الملك: مَن زعم إن حاتماً أسمحُ الناسِ فقد ظلم عروة بن الورد. وكان عبد الله بن جعفر يقول لمعّلم ولده: لاتُروِّهم قصيدة عروة بن الورد التي يقول فيها:
دعيني للغِنى أسعى فأنيِّ
رايتُ الناسَ شرُّهمُ الفقيرُ!

إن الخاصيه الموضوعيه التي يستند إليها السرد الحكائي، هي خاصية محذوفة سلفاً وهي مثبته ومستبعده الاطلاق، وإن الحدث في هذه الحكايه السرديه يعطينا حلقة من التصويب التعاضدي تشد الانتباه، وتنتقل من وفرة من الخصائص التي قد تخطيء بالامتياز من ناحية الوعي التجذيري وهي تؤكد البنى الأسلوبيه في الخطابات السرديه، وعلى ضوء هذه النظريه المتعلقه بالسرد البنائي، يأتي الزمكان ليشكل تقاطعاً في تشكيلية الأشياء، ولكن الوجود الأنساني في طبعه يتحرك وفق القدره الأبستمولوجيه لمعرفة هذا الترابط، وان ماحصل من تماسك في هذه الحكايه السرديه هو فتح الحساب مع ماضي الحكايه ولكنها تعتبر اللازمه الرئيسيه لأختلافات التراث السردي، وما أكده عمر بن الخطاب بأستفساره عن إشكالية الحرب وهو يوجه السؤال إلى الحطيئه (كيف كنتم في حربكم) فالجواب كان (كنّا ألف حازم) هذا يعني إن الازمه (الزمكانيه) تشكل الحلقه الدقيقه للجوهر الذي يتوسط (القص بين الأثنين) إلى أخر الحكايه ونأتم بشعر عروة بن الورد، وننقاد لأمر الربيع بن زياد وهنا يتحقق الأرتباط الفني بزمنيه سرديه (Time and narratire) كما أفصح عنه هايدغر() فالمتواليات: تعطينا مسحاً للمسار التناصي الحاصل في كلا الحالتين السرديتين من إن عروة بن الورد سبى أمرأةً فولدت له وكانت تَعيَّر (بالسَّباء ()) وهي سلمى الغفاريه حيث رهنها على الشراب وهو يقول في مطلع هذه القصيده بعد أن غناها (طويس المغني):
سَقَوْني الخَمر ثمّ تكنفوني
ألا للهِ من كَذِب وزورِ

وقالوا لستَ بعدَ فداءِ سلمى
بُمغْنٍ مالديك ولا فقيرِ!

إلى أخر الأبيات وبعد أن سقوه الخمر، فلما سكر طلبوا منه أن يغادي، وأغلوا له في الغداء، فأجاب، ولما صحا ندم، فشهد عليه بالغداء فلم يقدر على الأمتناع، فجاءت المرأه تثني عليه، فقالت: إنك والله ما عملتُ لضحوك مُقبلاً، كسوبٌ مُدبراً ترخي الأهل والجانب()، ما أعلم أمرأةً من العرب ألقت ستْرَها على بَعْلٍ خير منك أغَضَّ طرفاً، وأقل فُحشاً، واجودَ يداً، وأحمى الحقيقة فأستوص ببنيك خيراً، ثم فارقته. فتزوجها رجل من بني عمها، فأراد زوجها أن تثني عليه مثلما أثنت على عروة الصَّعاليك، فقالت له: لا تكلفني ذلك فأني إن قلتُ الحقَّ غَضِبت، ولا واللات والعُزّى لا أكذبُ، فقال: عزِمتُ عليك لَتأتينيِّ في مجلس قومي فَلَتُثنينَّ عليّ بما تعلمين، وخرج فجلس في يديّ القوم وجاءت، فرماها الناس بأبصارهم، فوقفت عليهم وقالت: أنعموا صباحاً، إن هذا عَزَم عليّ أن اثني عليه بما أعلم، ثم أقبلت عليه فقالت: والله إن شِمْلَتَكَ لألتحاف وإن شُربك لأشتفاف() وإنّك لتنام ليلةُ تخافُ وتَشبع ليلةً تُضاف، وما ترضي الأهل ولا الجانب ، ثم أنصرفت فلامه قومه وقالوا: ماكن أغفاك عن هذا القول منها! إننا نرى من خلال هذه الحكايه السرديه: أن بمقدور التشكيل النصي أن يتولد من خلال تاويل المتتاليات في حدود النصيه، وإن ندرك من جانب أختلافي أخر إن النص قد يتولد بقوة الممكنات الذاتيه والموضوعيه ليحقق تفاصيل مضمره ودقيقه وجوهريه من خلال أفتراضات تتاح للفعل السّردي أن يحقق منعطفاً لتفصيل المناطق التي تتناغم بالحس السّردي وعروة الصعاليك عندما عالجوه بالخمره حتى لاينكث عهده في الصباح فكان لهذا التناغم في الوجود الذاتي أصبح حقيقة بوصفه فهماً (لانيّة القوم) بأعتبار أن بنتهم هي العنوان في أصرة الاشكالية، وإن عروة يشكل حلقة الفهم في كينونة الوجود، وحتى يتخذ عروة قراره كان لابد من تعليقه بكنه الخمر، وهي الطريقه التي أغلقت كل الطرق للوصول إلى الحاله المتاحه، وهكذا كان الأمساك بعملية الفهم، والأمكان التي أتيحت لعروة بن الورد أن يقرر وأن يتخذ موقفاً في فهم أنية الحضور (الزمكاني) وخواصه الانسانيه، هذه العمليه التي أكملت وأكتملت بوجود لخطة التأمل والماهية في ذاتية العالم الذي يركز على الواقعيه (Befindlichkeit) وفق التفصيل المباشر().
وفي القسم الثاني من الحكايه: عندما طلب منها زوجها أن تثني عليه كما أثنت على عروة: فهي التي قسمت باللاة والعزى لاتكذب: فقالت الذي قالته في حق زوجها الثاني، وإن هذا القسم ينقلنا إلى موضوع الأسطوره الجاهليه للأوثان، عندما كان العرب يمرون في قلق دينيّ ودنيوي، وكان اكثر النسيج الاجتماعي العربي في الجاهليه وثني، فهم عبدة الاصنام والحجاره، هذه المعبودات هي رمز إلى الأعلى والأسمى بعد أن وصوفها في مصاف الأجرام السماويه حتى اصبحت هذه الحقيقه تشكل ميثولوجيا بالنسبه للعرب. ويقال إنه عندما مات (أدم) وضعوه احفاده في مغاره، وبدأت عملية التعظيم ، ويقال أن (عمرو بن الحي ) الكاهن تلبسه الجن وأستعجله المسير من (تهامة) ألى (جّده) عندها حمل الأصنام إلى مكه ثم دعا العرب إلى عبادتها، وهذه هي بداية عبداة الاصنام في الجزيره العربيه، هذه الحادثه شكلت نقطة التحول الأساسيه في تأريخ العرب الجاهليين، فبواسطة هذه الأشكال تم نقل هذا المجتمع الصحراوي من خلال هذه الأسطوره من مجتمع (أسماعيلي أبراهيمي موحد حنيف ألى مجتمع صنمي)() فالقسم الذي نطقت به زوجة عروة المسّبيه هو جزء من هذا الأشكال الملتبس. وقيل: كان عروة بن الورد أذا أصابت الناس سنةٌ شديده تركوا في دارهم المريض والكبير والضعيف، وكان عروة: يتكلف هؤلاء من دون الناسّ من عشيرته في الشده، فهو يتخذ لهم حظائر يؤويهم فيها حتى اذا أخصب الناس وألبثوا وذهبت السنه، ألحق كل إنسان باهله، فقال في ذلك في بعض سنين، وقد ضاقت حاله:
لعّل أرتيادي في البلاد وبُغيتي
وشّدي حيازيم المطّية بالرَّحْلِ

سَيَدْفعُني يوماُ إلى ربّ () هجمةٍ
يُدافعُ عنها بالعُقوق وبالبُخلِ

إليسَ ورائي أنْ أَدِبّ على العَصَا
فيشمت أعدائي ويَسْأمني أهلي ()

رهينةَ قَعْر البيت كُلَّ عَشيةً
يُطيف بيَ الولدانُ أهذح كالرَأْلِ ()

أقيمُوا بني لُبْنى صُدورَ ركابكمِ
فكًّل مَنايا القوم خيرٌ من الهَزْلِ

فأنكمُّ لن تبلغوا كلَّ هَّمتيَّ
ولا أربي حتى تَرَوْا مَنْبِتَ الأَثَلِ

إن حركة النص الفعليه تنتقل بموجودات الأبستمولوجيا ويخبرنا النص مدى أمكاناته التي تكرس الوعي الموضعي بكل تفاصيله وتبان حقيقة في هذا الممكن المتفاعل مع الحسّ وبأشيائه وجوباً بفعل الموجب المجرد بوصفه جوازاً للأنيه، فأشتغال النصّ يتحدد بزمكانيه مطلقه من حيث الوجود وأشتراطاته المتعلقه بالحاله الامكانيه المتحركه والمنفتحه وجودياً بفعل إشكالية الخطاب المتشكل داخل النص وعروة بن الورد هو الخروج عن منظومة (الزمكان) وهو الخارق بحدته في مجتمع القبيله وهي حجر الزاوية في اللامنتمي بأعتبار أن نصف الحقيقه تعطينا ظاهره جدليه في الصيروره وضرورة في النشوء الأنساني والأجتماعي وعروة بن الورد كان يتجه جماعيه ضد الفرديه، والذي حدد القوة الأنفجاريه في سسيولوجية المجتمع الجاهلي فلقد كان شاباً متمرداً ضد القهر، فجاء زمن (عروة) بأعتباره زمناً كابوسياً، غير أنه لم ينحصر في فرديه جماعيه، بل تجاوز حلقات المعضله فأصبح التوفيق في تفسير الحلقه السكولوجيه أجتماعياً، وبين المطلب الفردي المقيت، وتتحدث هذه الحكايه السرديه عن علاقة (عروة) بالفقراء الأخرين والعاجزين، فهو الذي يقوم بحماية هذه المجموعات العاجزه ويأويهم وينفق عليهم من ماله الذي جناه من الغزوات، وكذلك تتحدث الأبيات الشعريه عن الموضوع نفسه لأن (عروة) قد حلق في نصّه الشعري ليشرح هذه الأشكاليه من خلال علاقة ترتكز على إيقاع الأستدلال، وهو التلخيص الحقيقي للنص بوجود ووجوب الترتيبات في خاصيه مداريه تتعلق بمعطى أبستمولوجي يتركز داخل النص ليشكل مدلولاً خطابياً تجريبياً وتسجيلاً لدلالات لسانيه يعفيها التجريب عبر المعنى الذي يدرس صنف العلاقه داخل النصوص الشعريه والسرديه الحكائيه ويبقى الوعي في منطقه ومداره ودلالته وهو من أولى مستويات البنى الأسلوبيه في حركية النصوص.
ويقال كان: الشنفرى في حياته وهو من الشعراء الصعاليك متجاوزاً لتقاليد القبيله ومتمرداً، قَدِمَ إلى (مِنى) وصادف فيها (حَزَام بن جابر)، فقيل له: هذا الذي قتل أباك، فشد عليه الشنفرى فقتله ثم قال:
قتلتُ حَزَاماً مهّدياً بُمَلَبَّدِ
ببطن مِنىً وسط الحجيج المصّوتِ

يقول إني قتلتُ (حزاماً) في الحج في موضع التلبيد: وهو المكان الذي يُدهن فيه الشعر بالصمغ ليتلبد، هكذا يكون الموضع في التصويبات البيانيه، ودلالة نصّيه سجلت ذلك المدار السسيولوجي بحالات المماثله التي تحيل عملية الفهم حتى تتبين عملية التناغم الدقيقه من الناحيه الميثولوجيه، هذه الخاصيه تخبرنا بعلائقية وجوبيه، اما الترتيب الأنطولوجي فهو الذي يعلق مسألة الأمكان الموضوعي، وبهذا الأتجاه فقد مثل عروة بن الورد حلماً وردياً في سياقات ذلك المجتمع الجاهلي، وحتى نبدأ بتحليل الزمكانيه السرديه فأن دقة التحليل السيكولوجي لجمهرة هؤلاء الصعاليك ولـ(عروة) بالذات يعطينا لغة تحليليه منهجيه لمسيرة هذا الشاعر الكبير من الناحيه الأنطولوجيه في أنية متمرده تُعنى بحقيقة (الزمكان).
والشعر الذي فيه الغناء والذي أفتتح به أبو الفرج أخبار عروة هو:
وَخِلّ كنتُ عينَ الرُّشد منهُ
إذا نظرتْ ومسمَعاً سَميعاً

أطافَ بِغيهِ فعدلتُ عنهُ
وقلتُ لهُ أرى أمراً فظيعاً




هو حُرثان بن عمرو بن الحارث بن مُحِّرث بن ثَعلبه بن سّيار بن ربيعه أبن هُبيرة بن ثعلبه بن ظَرِب بن عمرو بن عبّاد بن يشكر بن عَدْوان بن عمرو أبن سعد بن قيس بن عَيلان بن مضر بن نِزار بن مَعّد بن عدنان.
أحد بني عَدْوان، وهم بطن من جَديله، شاعر فارس، من قُدامى الشعراء في الجاهليه وله غارات كثيره في العرب ووقائع مشهوره.
وكانت عَدْوان كثيرة العدد فرُئيَ أنهم نزلوا إلى ماءٍ فأحصَوْا فيه سبعين ألف غلامٍ أغرل() سوى من كان مختوناً لكثرة عددهم، ثم وقع بأسُهم بينهم فَتَفانَوْا، فقال ذو الاصبع:
عَذير الحَيَّ من عَدْوا
نِ كانوا حَيةَ () الأرضِ

بغى بعضهم بَعضاً
فلم يُبقوا على بعضِ

فقد صاروا أحاديثَ
برفعِ القولِ والخَفْضِ

فمنهم كانت السّادا
تُ ، والمُوفُونَ بالقَرْضِ

ومنهم من يُجَز الناّ
سَ بالسّنة والغَرْضِ

ومنهم حَلَمٌ يَقْضي
ولا يُنقضَ ما يَقضي ()


في هذه النصوص الشعريه يستقل ذي الأصبع العدواني في فهم همّ الامكان الموضعي في زمنية تستقل في المعنى عن طريق وجود هذه الانيه واشتراعها الذي حصل في تلافيف الوحده التواصليه بإتجاه الزمكان وهو العَدْوان والذي وحدته ذي الاصبع في خلاصيته التي عرض فيها هذا الأشكال في قصدية تواصليه مع معرفة سابقه بكنه النتائج التي عبر عنها يدغر: بوجود الانيه بأعتبارها علاقة من خلال بيان دقيق للهيمنه على النص وما احتواه من اشبقيه لفكرة الوعي الموضوعي والذات والذي دشنته شرنقة الممكن الفعلي في اسبقية تأويليه لوصف هذه المعاينه في النص الشعري والذي تحدد بـ(الأغرل) مثلما تواصل في أنترولوجيه هذه الشريحه الانسانيه التي تعلقت بفكرة الزمكان وحلقاته الفلسفيه وصياغاته في موقعه من هذه الهيمنه باتجاه أسبقية في الممكن التأويلي.
نحن الأن نناقش زمكاناً أمكانياً طرحته السرديه بأتجاه توفير أختلافيه لغويه تقوم على فهم انية التحليل من خلال فلسفة هايدغر ومعارضة ريكور لهذه الفلسفه بأعتبار أن المسأله السرديه في راي ريكور ركيكه عند هايدغر لانها لا تمتلك منهجيه في اللغه ونحن من هذه الأشكاليه نقول: إن النص الشعري أرتبط بمنهجية سسيولوجيه واعتمدت النص الشعري باعتباره أنعطافه في الشعريه اللغويه وهي خلاف ما طرحه ريكور وما طرحه قبله هايدغر في هذه الفلسفه النصيه والنظريه التأويليه، وإن المناقشه من خلال المنهجيه النصيه تستطيع أن نقول (أن التماسك في خلايا النص الشعري الذي طرحه ذي الأصبع العَدْواني يتعلق بمدار العقلانيه والصياغه التي تضع الحدود الإيجابيه للنص في سرد الحكايه من خلال النص الشعري) والحكايه هي عنوان تفكيري يحدد مدار هذه النمذجه الموضوعيه ووقائع وعناوين هذا المدار النصي بأسبقيه تحصل على نتائج تنتهي إلى مداخل الحسّ الأنساني في هذه الحكايه.
يكمن النوذج الذي ينتهي إلى إعادة النص إلى حالته الأولى في: فحص (الزمكان العدواني) الذي أحيا مدار النص والتعبير الذي أفصح عن النظريه السرديه في معنى إشكالية النص.
وعلى العموم فأن هذه الأساليب السرديه في (تخطيطية ذي الأصبع) تعطينا الأشكال الدقيق في صورة الزمكان الشخصيه وهي: التعبير عن الحسّ الأنساني من خلال هذه التأويليه وهي تتضح عبر التوفر في الحلقه الأجتماعيه وطريقة المعالجه لسسيولوجيا الوعي الجمعي الذي بدأه ذي الأصبع العَدواني في نصوصه الشعريه.
وذُكر أن: عبد الملك بن مروان لما قدم الكوفه بعد قتله (مصعب بن الزبير) جلس يَعترض أحياء العرب، فقام إليه معبد بن خالد الجَدَلَيْ، وكان قصيراً دميماً، قال معبد: فتقدم إليه رجلٌ منا حَسَنُ الهيئه، فنظر عبد الملك للرجل فقال: من أنت؟ فسكت الرجل ولم يقل شيئاً. فقلت مِن خلفه: نحن يا أمير المؤمنين مِن جَديله. فأقبل على الرجل وتركني، وقال مَن أيكّم ذو الأصبع؟ فقال الرجل: لا أدري، فقلت: كان عَدْوانياً. فأقبل على الرجل وتركني وقال: لِمَ سُميَّ ذا الأصبع؟ قال الرجل: لا أدري، فقلت: نهشته حيّةٌ في أصبعه فيَبَسَتْ، فأقبل على الرجل وتركني، وقال: وبِمَ كان يُسمى قبل ذلك؟ قال الرجل: لا أدري، قلت: كان يُسمى حُرْثان، فمال إلى الرجل وتركني، وقال: من أي عَدْوان كان؟ قلت: من خلقه: من بني ناجٍ الذي يقول فيهم الشاعر:
وأمّا بنوا ناجٍ فَلا تَذْكُرَنَّهم
وَلا تُتْبعَنْ عينيكَ ماكان هَالِكا

وإذا قلتُ معروفاً لأُصْلِحَ بينَهُم
يقولُ وَهَيْبٌ لا أُسالِمُ ذلِكا ()

في هذا البيان السردي الذي أتيح لعبد الملك بن مروان مناقشته في مدينة الكوفه بعد مقتل مصعب بن الزبير هذا المشهد الذي تشبع بالأندماج الدلالي في كل مشهد وفي كل حوار، هو مستوى معيناً من المعاني أو حلقه تشعبت بالتنظير الحواري وفق مدار سسيولوجي فالمدار(Topic()) في أبجديته الحواريه والتنظير هما تصوران يقومان على منهجية تتعلق (بالمنطق التداولي) والذي يعنينا من هذه الأشكاليه هو الحدث الذي تحول إلى حوار سينمي لأنه يؤكد المشاهد الحيه لهذا الحدث من خلال صورة حيه ومشاهد فنيه تتحرك من داخل المشهد السردي، وعبد الملك بن مروان يقوم بحركيه دقيقه يستدعي من خلالها كامل الحوارات والتحليلات الهايدغريه لهذه التأريخيه السرديه وهي التي تعتمد أسبقيه موجيه وهاجساً سيكولوجياً لعملية الصراع بعد مقتل مصعب بن الزبير.
إننا في هذه المناقشه نفتح تأملاً يسبق عملية أتخاذ القرار في القتل لنؤكد: إشكالية الأتصال والحوار السينمي ومشاهدة الأنتقادات الفنيه والأحتمالات التي تحولت إلى صياغات مداريه تصف الذات السكولوجيه المتحوله في شخصية عبد الملك بن مروان والنقلات الدقيقه في الحوارات السرديه التي أكدت هذه الزمنيه المتحوله.
ثم جاءت الأبيات لتوضح هذه الاختلافيه في منهج الحوار بوسائل تتعلق بتركيبة المحيط السيكولوجي الذي عناه عبد الملك في بَنوُ ناجٍ بعد أستفساره عنهم وتحمله هذه الأشكاليه والأستجواب الطويل في الأنتقال بالحركه أو بالحوار: أكسب هذه الحواريه تأويليه تدريجيه توضحت باللغه والأستفهامات، وهي تنقل التراث من (الحركه التقليديه) في السرد إلى(مشهد سردي سينميّ تطبيقي) يؤكد وعياً سسيولوجياً في تركيبة النص الشعري(بعد أن تخلص من أسر الوحدات الجزئيه وأنتقل إلى التامل الموضوعي والذاتي على مستوى البلاغه)لأن مفهوم(البنيه الشعريه) قد أرتبطت بشكل تجذيري في هذه الأبيات هي عملية فرز وألتقاط لمشاهد تصويريه تندرج تحت مسميات هذه (الأبنيه) سواء الكبرى منها أو الصغرى .
وذُكر أنه كان لـ(ذي الأصبع العَدْواني) أربعُ بنات وكُنّ يُخْطَبْنّ، فيعرض ذلك عليهن فيَسْتَحْينَ ولا يُزوِّجُهُنّ، وكانت أُمَهُنّ تقول: لوزوجتهنَ! فلا يفعل.
فخرجنَ ليلةً إلى مُتَحَّدثٍ لَهُنّ، فأستمع إليهنّ وهُنّ لا يَعْلَمْنّ فقُلنَ:
تعالَيْن نتمنى، ولْنَصْدُقْ، فقالت الكبرى:
ألا ليتَ زوجي مِنْ أُناسٍ ذوي غِنىً
حديثُ الشّباب طيّب الريّح والعِطْرِ

طبيبٌ بادواءِ النساءِ كانّهُ
خليفةُ جانٍ لا ينامُ على هُجْرِ

فَقُلْنَ لها: أنتِ تُحبيّنَ رجلاً ليس من قومك، فقالت الثانيه:
ألا هَلْ أراها مَرَّةَ وضَجيعُها
أشمُّ كَنَصْلِ السيفِ غيرُ مُبَلَّد

لَصُوقٌ بأكبادِ النساءِ وأصلُهُ
إذا ما أْنتمى ، مِن سِرِّ أهلي ومَحْتدي

فقُلنَ لها: أنتِ تُحبينّ رجلاً من قومِك، فقالت الثالثه:
ألا لَيتهُ يَمْلا الجفَافَ لِضَيْفهِ
لهُ جَفَنةٌ بها النِّيبُ () والجُزْرُ

لهُ حَلَماتُ الدّهَرِ () مِنْ غيرِ كَبْرَةٍ
شَينُ ، ولا الغاني ولا الضَّرِع () الغَمْرُ

فقلن لها: أنت تحبين رجلاً شَريفاً.
هذا المنهج في خاصية النظير في (القراءه السرديه) والذي هو: تعبير عن الخواص الدلاليه بأتساق عميق ومحكم كما عرفه غريماس في الممكنات للنظير في هذا الموضوع الدقيق والخطير هو تحقيق معرفي لحركة السرد وأختلافاته، وهو الذي يتجاوز جمل الألتباس في حلقة مدار التوصيل النصيّ وغريماس في هذا الموضوع الشائك، وصح أمثله متعدده عن حقيقة تخص حركة النص السردي وأركانه ومكوناته العلميه الدقيقه، وما حركه النص وهو يشرح حقيقة سيكولوجيه وسسيولوجيه حققتها قدره نصيه أجملت خواص بنات ذي الاصبع العَدْواني وطموحهاتهن في الزواج من رجال تميزوا بأيقاع دلالي يرتكز إلى معنى يطور حلقة الأندماج في حركية الواقع، وبنات العّدْواني الأربعه فمن سياق قرائي متسق أعطى أختلافيه فنيه في صياغات النص، فالأولى أختلفت عن الثانيه في إشكالية سيكولوجيه وسسيولوجيه والثانيه أختلفت عن الثالثه في إشكالية مختلفه عن الأثنين والثالثه أختلفت عن الرابعه في إطار هذه الأشكاليه والنظير في هذه الأشكاليه يعطينا (حركيه فنيه) وهو يعود إلى منطق غير متميز في تفاصيل التناسق الدلالي لأن: الأدماج الذي فصلته بنات العَدْواني في هذا المدار التقابلي يعد جدوله جديده في مجال التعريفات في صياغة هذه النصوص الشعريه حيث يتم تحقيق عدة مدارات في مجال وعي النظريه عند غريماس، وفي هذه الملاحظات تحققت نظائر دلاليه وصوتيه وعروضيه إضافه إلى الجانب الأسلوبي والألسني والبلاغي داخل حلقات النص سواء (من خلال المداخل أو المخارج) التي حددتها خواص تركيبيه وسرديه وإجرائيه وهذا ماتوضح من حالة أفتراضيه تؤكد (حركية النظير) وهي تهيمن على كل الحركات السيمائيه داخل النص، وتؤكد مدارات التماسك الفنيه من خلال (أجرائيه) فعليه لتركيبات النص، فالمناقله تمت من خلال هذا التماسك الاجرائي الذي حصل بفعل (منطق التجريب) في أختيارات (البنات) وصواب عملية التصور والتداوليه النسقيه التي وحدت هذه النظائر بدلالة هذا التداول ودقة شروط أجراءات النص عبر التحليل والتعريف والترسيم (الاجرائي) المتمثل بالأنبثاق (التمثيلي) و(التصور النسقي) الذي أحتوى أختلاقيه باطنيه عبرت عن أيقاع سيكولوجي للنصّ في مداخله ومخارجه.
وخَلي: أنه عمر ذو الأصبع عُمراً طويلاً حتى خَرَف وأُهْتر() فكان يُفرق ماله: فعزله أصهاره ولاموه، وأخذوا على يديه، فقال قصديته التي فيها هذه الأبيات:
أَهْلَكَنا الليلُ والنهارُ معاً
والدَّهرُ يَعدو مصمِّما جَذَعا ()

فليس فيما أصابني عَجَبٌ
إن كنتُ شَيْباً أنكرتُ أوصَلَعا

وكنتُ إذ رَوْنق الشباب به
ماء شبابي تخالهُ شرعا

والحيُّ فيه الفتاةُ ترمُقني
حتىّ مضى شاؤُ ذاك فأْنقَشَعا ()

إن درجة التامل لهذه الأبيات: توضح لنا أن عملية الصياغه الدقيقه لحركة الأشياء في الواقع الأجتماعي ليتحرك النص بخواص (زمكانيه) تعيد القص إلى حلقات التأريخ المبكر في قضية الوجود الانساني وإسهامات هذا الوجود الذي يحتل هامشاً في صياغات حركة الواقع وإشكالات ما يحيط بالأنسان من أفعال ذلك يعني: إن الجزء الكبير من مقومات هذه النظريه تضع خواص الخيال الشعري في أزمنه متعدد عن أنثربولوجيا سرديه داخل حلقات النص الشعري وبالمقابل نقرأ في النص: فلسفة التأويل بـ(صياغة) ذي الأصبع العَدْواني وهو يكتسب (توضيحاً لفضياً) بعبارة الأسكان في مقدمات النص الشعري ليعّد التفكير مصاغاً بأشكالية أنسانيه وتأويلاً يستند إلى منطق فكري عقلاني يفلسف النظريف الأنثربولوجيه وفق حدودها النهائيه.وبالمقابل فأن فحص هذه النصوص تعريفيه لازمة لسياق أوليّ (يُعرف) (منطق النص وأشكالاته العقليه والنحويه والصرفيه والسيكولوجيه) في (أختلافية أبداعيه) تؤكد مدار سياق النص في أدق تشخيص يدعو إلى (النظير) في (النتاج الدلالي) الذي أُستل من حلقات (هذا التأويل المتماسك) .



هو غريض بن السَّمؤل بن غريض بن عاديا اليهودي.
ذكره ابو الفرج شعراً يُغنىّ فيه، هو:
إرفع ضَعيفَكَ لا يَحُرئْكَ ضَعفُهُ
يوماً فُتدركَه العَواقِبُ قد نَمَا

يَجْزيكَ أو يُثني عليكَ ، وإنّ مَنْ
أَثنى عليكَ بما فعلتَ ، كمَنْ جَزَى

وقيل: أن هذا الشعر لأنبه سَعْيه، وقيل: إنه لزيد بن عمرو بن نُفَيل، وقيل: إنه لورقة بن نوفل، وقيل: لزُهير بن جَناب.
في هذه النصوص: ينطلق (النظير) الموصوف في حالة أستبداله تتعلق بمدلول متعدد، ومن الجلي أنّ (الفواصل الأستبدالية) وهي ترتبط بتناص يعلق الصوره التركيبيه بحلول هذا العزم: يتعين مسار القصد، وبإستقطاب يتخذ الدلاله الأصليه في حلقة تناظريه تتخذ الدلاله ويتبسط النص من خلال تدخل المدار في إنشاء الفرضيه الذاتيه التي صاغها الشاعر بتعاضديه تعني الأختلاف في الصياغات النصيه.
والبيتين كانت ترددهما (عائشه) زوج النبي (ص) عندما دخل النبي (ص) عليها والرواية لأبو الفرج بأسناده عند عائشه أنها قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم: وأنا أتمثّل بهذين البيتين، تعني البيتين اللذين لغريض، فقال النبي صلى الله عليه وأله وسلم: رُديّ عليّ قول اليهوديّ، قاتله الله! لقد أتاني جبريل برسالة من ربي: أيُما رجل صنعَ إلى أخيه صنيعةً فلم يجد له جَزاءً إلاّ الثناءَ عليه والدعُّاءَ له، فقد كافأهُ ().
من خلال هذه القواعيد السرديه، وفي هذه الجمل تتعلق بحركة التأريخ وتميز نبيته العميقه: نكاد نلحظ أن السبيل إلى معرفة خاصية هذا الألتباس الوارد في الفواصل الأستبداليه والنصوص الشعريه الوارده أعلاه.
نقول: ينبغي الأقرار بالفعل المتعلق بدخول اليهود إلى الحجاز ومقامهم بها كما يذكر ذلك أبي الفرج الأصفاني، ولكن الامر أولاً قد تعلق بخيار المدار الذي تقدم أنفاً في النص على لسان عائشه ورد النبي (ص) على الغريض، وكان الخطاب موجه إلى عائشه نقول: أبن الفعل الذي أستوى في الحدث الذي تركز في البيتين يكون إرجاعاً مشتركاً لمكنون الخيار (الأستبدالي) الذي يعلق بمعنى ما توصل إليه النص من فعل السرد في نظائره القائمه على الدلاله الأصليه، ويأتي مدار النصّ ليّوضح (الفرضيه التعاضديه) الارجاعيه التي تشترك بصياغة (المنطق السيامي).
أننا من خلال هذه (الأختلافات السرديه والنصيه الشعريه) تقتضي قراءة هذه النصوص وفق (منطق حكائي ثنائي) تتصل (بالنظير الخطابي لتبيان الحدث الكيفي) الذي تلابس بالتأويل حيث كان ينبغي إجراء حالات تشترك الأختيارات مع الأتصال بالبنيه النصيه وخواص الجمله التركيبيه التي وجه بها موسى بن عمران عليه السلام جيشاً إلى العماليق، وكانو قد طفَوْا وبلغت غاراتهم إلى الشام وامرهم إن ظَفِروا بهم أن يقتلوهم أجمعين.هذا الأختيار في إتخاذ هذا القرار التركيبي وهو إشكال ثنائي حصل بجملة من الاختيارات تقع في مدار النص وحلقاته المنسقه مقارنه بحالة التداول التي عمدنا على إضهارها في خواصها السياقيه من خلال (ترديد عائشه) أبيات الغَريض وهنا تأتي الفرضيه التداوليه في تشكيل البنيه في البيتين الأولين للغريض، والعوالم السرديه المتشكلة بشكل أختلافي.















هو ورقة بن نوفل بن أَسد بن عبد العزّى بن قصي بن كِلاَب. وأُمّه هِند بنت أبي كَبر بن قصُي بن كلاب ويقال (كثير) في بعض اصول الأغاني. وهو احد المعتزلين لعبادة الاوثان في الجاهلية، وكان قرأ الكتب وامتنع من أكل الذبائح للأوثان.
وقد روى عُروة بن الزبير أن: رسول الله صلى الله عيه واله وسلم سُئل عن ورقة أبن نوفل، فقال: لقد رأيته في المنام وكأن عليه ثياباً بيضاً فقد أظنُّ أن لو كان في النار لم أرَ عليه البياضَ. وروة عائشة (رض) أن خديجة بنت خويلد (رض) انطلقت بالنبي (ص) حتى أتت ورقة بن نوفل و هو ابن عمّها و كان تنّصر بالجاهلية وكتب الكتاب العبراني ( فيكتب بالعبرانية من الأنجيل ما يشاء ان يكتب) وكان شيخاً كبيراً قد عَميّ. فقالت له خديجة يا ابن عميّ، اسمع ما يقول ابنُ اخيك فقال ورقة: يا أبن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خبرُ ما رأى، فقال ورقة: هذا القاموس قاموس الذي انزله الله تعالى على موسى (ع)، يا ليتني فيها جَذَع()، يا ليتني اكون حياً أذ يخرجك قومك! فقال رسول الله (ص): أوَ مُخرجيّ هم؟ قال: نعم، لم يأتِي رجلٌ قطّ بما جئت ألا عودي، وأن يُدركني يومُك أنصرْكَ نصراً مؤزّراً، ثم لم ينشب ورقة أن مات().
أن المكون الرئيسي لعمليات التفكير التي حدثت في الانثروبولوجيا الانسانية يعطينا المنطق التفكيري لورقة بن نوفل بأعتباره هو الذي طرق الامكان في المعقولية الماضية وله الموقف الدقيق في التأويلة النصية بأعتباره استنتاجاً منطقيا للحرية في تلك الفترة وهو يطرق تأملاً تفصيلياً في ضوء اهتمامه الذي يتعلق بالخبره الفكريه وأساسياتها التامليه، وموقفه كذلك من الأمكانيه الأنسانيه بشكل عام وموضوعه يعتبر منظوراً خاصاً يتعلق بعمليات التفسير والتاويل والأراده في الشروع لأنه المقابل الرئيسي الذي يضع التحقيق لمجمل الأيضاحات التي يطرحها المشروع الديني والمتمثل بالمعرفه في بدء تكوين النظريه الدينيه وتصاميمها العمليه وكل أنسان يعتمد على الابستيمولوجيا في عمليات التحليل فمشروعه يتطابق مع حدود الوعي بالأشياء وبأمكاناتها الفكريه والسيكولوجيه بأعتبار أنه كانت له معرفة دقيقه بالعبرانيه ويكتب بها كلفه، ومن هنا جاء أختبار خديجه له بأعتباره أبن عمها عندما أنطلقت بالنبي محمد (ص) حتى أتت ورقه وعندما أبلغه النبي خبر ما رأى فقال له ورقه: هذا القاموس الذي أنزله الله تعالى على موسى، ياليتني فيها شاباً أو حدثاً، أي ليتني أكون حياً أذ يُخرجك قومك! فقال الرسول (ص) أوَ مُخرجي همْ قال: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عُودي وإن يُدركني يومُك أنصُركَ نصراً مؤزّراً.
نقول: أن هذه الحدود القدريه التي أفصح عنها ورقه للنبي (ص) تؤكد قدرة الأرتباط لهذا الرجل الموسوعي وعلاقته بالأشياء بفضل قدراته الأختزاليه التي تفرق بين الغث والسمين في عالم يشهد بداية الوقائع الكبرى في تأريخ الفكر الديني، والوقائع هذه قابله للنقاش في عالم ينتمي الى بنية تشكيليه أختلافيه تضع هذه المشروعات في أستباق سياق يعبر عن فعلية قصديه لتحقيق أسمى منطق فكري في صياغة التجريب التبادلي والتمكين في أحداث فعل أخلاقي لحريه إيمانيه تضع التأريخ في مساره العلمي والعملي.والخطاب الذي طرحه ورقة ابن نوفل يعطي إشكالاً تداولياً متعدد الترسيمات فالنص الخطابي يطلعنا عن أهم موضوعية في الرؤيا والمشاهد التي ظهرت للنبي (ص).
وما حدث من تطور في إشكال النص والبحث في منحنيات الأعجاز فهو البحث عن السمات المتعلقه بالنص وما تضمنه من مشاهد في الرؤيا ومباحث في الخيار لما توصل إليه النبي (ص) من خيارات ومن حسم وشيل لهذا الموضوع، ويعتبر هذا السياق السردي هو سياق معرفي يفصل ملامح هذه الحكايه السرديه ومعانيها الأستدلاليه في أرفع أنعطافه سيكولوجيه في بناء النص السردي كما رواها كتاب الأغاني.


هو زَيد بن عمرو بن نُفيل بن عبد العزّى بن رياح بن عبد الله بن قُرط بن رَزَاح بن عديّ بن كَعب بن لؤيّ بن غالب، وأمه جَيداء بنت خالد بن جابر بن ابي حبيب بن فَهم. وكانت جيداء هذه عند نُفيل بن عبد العزّى ، فولدت له الخطاب، ابا عمر بن الخطاب (رض) ثم مات عنها نفيل فتزوجت عُمَراً، فولدت له زيد بن عَمرو، وكان هذا نكاحاً ينكحه أهل الجاهليه، فكان الخطاب عم زيد واخاه لأمه.
وكان زيد أحد من أعتزل عبادة الاوثان وامتنع من أكل ذبائحهم، وكان يقول: يامعشر قريش: أيرسل الله قطر السماء، وينبت بَقل الأرض، ويخلق السائحة فترعى فيه وتذبحوها لغيره والله ما أعلم احداً على ظهر الأرض على دين أبراهيم غيري.
وكان أخوه الخطاب قد اخرجه من مكة هو وجماعة من قريش ومنعوه أن يدخلها حين فارق عبادة الاوثان، وكان أشدّهم أشدّهم عليه (الخطّاب).
وكان زيد أذا خلص إلى البيت أستقبله ثم قال: لبيّك حقّاً حقّاً، تَعبُّداً ورِقاً، البِرَّ أرجو لا الخال()، وهل مُهجِّرٌ() كمن قال: ثم يقول:
عُذت بمن عاذَ به إبراهيمُ
مستقبلُ الكعبة وهو قائمُ

يقولُ أنفي لك عانٍ راغِم
مهما تجُشَمُّني فأنيّ جَاشِمُ ()

في هذه الواقعه المرويه: يتحرك الزمن بأتجاه فعل الحركه التعبيريه للأشياء من خلال التحقق الفعلي(Actualization) وأشكالاته المحكميه(Odyssey)() في تفصيل النظير وفعله التجريبي ، ويقع هذا في شخصية (زيد بن عمرو) وفعله في أستحداث الاختلاف بفعل تأريخي يشهد (زيد بن عمرو) في أستطالته وأقراره السيكولوجي وحدوده التعبيريه بفعل الأمكان وكشف المكامن القدريه، وهذا هو جوهر عملية الرفض وإمتناعه عن اكل الذبائح وإعتزاله عبادة الأوثان.
هذا المكون الجوهري في فهم الأخر أعطى (زيد بن عمرو) التشكيل الذهني المركزي الذي عززه الأمكان في عملية النشوء وتحديد الجدوله الرئيسيه للوجود الأنساني، من هذا المنطق تصاعد المنهج الدلالي في التعبير عن المرويات بطريقه سرديه أجتماعيه ذات تشكيل سيكولوجي مطعم بثيوقراطيه جاهليه ترمز إلى حلقات التحديد في النصّ السردي وتفرده في إبراز الممكنات في تلافيف وجوديه توجه القوه الذاتيه وفعلها بأتجاه الاستقطاب والأيصال في التشريع للمرويات من خلال وعي النص السردي والمكانه الفعليه للنص الشعري الذي توضح عبر قوة السرد ومتانة النص الشعري في أسبقيه ميثولوجيه تصف الممكن من الحدث في البيتين الشعريين الأنفا الذكر وهو دليل وعي الممكنات في زمن مشروط بحكاية تؤكد شروط هذه السرود وتوضح مقولته نظرية النص الشعري الذي أنشغل بالأنثروبولوجيا الأنسانيه في (فلسفة تعتني بالمعنى للنصّ وتؤشر متانة التأويل الذي يصرح بمعنى الوجود الانساني ).
(فزيد بن عمرو) هو قراءة نصيه لوعي تأريخي مسرود، وهو تصور لنتاج في الأخيله الواقعيه بأعتبارها تاكيداً لهذه الواقعيه الحكائيه.
ويشير النص الشعري إلى الفعل التأويلي ومكانة الملمح المضمر داخل خفايا النص وكثافة ملامحه الجوهريه.
وقال زيد بن عمرو بن نُفيل:
عزلتُ الجنّ والجنان عنيّ
كذلك يفعل الجَلْد الصبُورُ

ولا الغُرى أَدينُ ولا أْنبيُها
ولا صَنميْ () بني غَنْم () أُديرُ

أَرِباً واحداً أم ألف رَبٍ
أدينُ إذا تُقَسُمَّتِ الأمورُ

ألَمْ تعلَمْ بأنّ الله أفنى
رجالاً : كان شأنهمُ الفجُورُ

وأبقى أخرين بِبِر قومٍ
فيربو منهمُ الطّفل الصغيرُ
ٍ
في إشكالية هذه النصوص الشعريه ينفرد الأبداع من ناحية التشكيل الأسطوري للنص والفكره التي تتعلق بالزمكانيه الانسانيه وتطبيقاتها اللغويه المختلفه، هناك خلاصة أختلافيه تتيح لنا أن نتصور أن (خواصّ النظير) توضح أشكاليه تطفي على المعنى الجوهري للنصّ من خلال العمليات الأختلافيه، وكذلك هذا المعنى يبقى متعلقاً بخواص النصّ الشعري ودلالته الأسطوريه و(منطق الخلاصه للنظير) هو أيضاً تكرار لمعنى أشكالي يتعلق بهذا المجرى النصي بأعتباره يخضع لقاعدة نسقيه من التأويلي البلاغي الأسطوري كما هو واضح في البيتين الأوليين وإذا تصورنا أن يحدث تبدلاً في قواعد هذا الأنساق من خلال تطبيق يمكن لهذا الأختلاف النظري من الأستفاده من تقنيات هذه الشعريه، فالطريقه لابد أن تأخذ مسارها في منعطف التأويل للنص وأستنتاجاته المهمه، وتبقى النظائر المختصه بأشكاليه الخطابه وهي تعمل من أجل رفع عمليات هذا الألتباس والأوصاف التي تشاكلت وتعلقت بهذه الحدود أو هذه الأرجاعات المشتركه والمتشاكله، فهي عملية التفصيل في الخواص للنصّ والتي تطرح وتعطي العديد من الحكايات السرديه وتولد العديد من خواصّ النصوص الشعريه المختلفه.
وتبقى الحكايه بفعل النص الشعري هي: النسق في تولد الأفعال عينها، وعبر مبنى بنائي ليشد النص إلى الفعل السسيولوجي، ويبقى الشاعر هو صاحب التطور الرئيسي في هذا الأشكال الخارق وهو التصميم في حركية القول في الخطاب الشعري وكان لملاحظة الشاعر ومايملكه من خوارق أسطوريه وسحريه، كما قال رؤية:
لقد خشيتُ أن تكون ساحراً
روايةً مَراً ومّراً شاعرا

وهذا ما أشار إليه كارل بروكلمان في تحليله بين الشعر والسحر والأسطوره في الأله الجاهلي، وكان لهذا التأثير في حركة الشعر العربي ومقدرة الشاعر وقوة التأثير بالشعر في الناس.وفي هذه المناسبه يقول الأعشى():
لَعمري لقد لاحَتْ عيونٌ كثيرةٌ
إلى ضوءِ نارٍ باليَفَاع تحرِّقُ

تُشَبُّ لمقرورين يَصْطُليانها
وباتَ على نارِ النَّدى والمحلَّقُ

وحين أراد الأعشى أن يمدح النبي (ص) قالت قريش: هذا صناجة العرب ما مدح أحداً قطْ إلا رفع قدره ، بعدها استرضوه بمائة من الأبل حتى لايمدح النبي (ص).()
والفعل الذي أوضحه الشاعر: هو المستوى الخطابي في إشكالية النص الشعري وهو الذي يتعلق بهذه التلخيصات من هذه التطورات في الخطابات الشعريه. ونحن ندرك أهمية هذا المسار الأسطوري في الشعر العربي في هذه الحاله يعنينا بفضل هذه الأستعاده والأستناره التعارضيه يتم تقديم ما ينبغي من فعل وفكر عميق في هذا المحنى الشعري وهو يرث الحقائق ونوع الكشف والألهام ما يبين للمرء من رأي في هذه المباينه الشعريه وحدودها النظرية والأسطورية ذات المعاني التي تستوي مع أبجديات هذه النصوص الشعرية المتقدمة.



ألحق أبو الفرج نَسبه بيسْتاسب بن الهراسف، ملك الفرس وذكر أن جدّه يرجُوخ بن طُخَمارُستان() من سَبْي المُهلَّب بن أبي صُفرة وأن زوجة المهلب وهبت أْبنه بُرداً بعد أن زوجه لامرأه من بني عقيل فولدت له أمرأته وهو في ملكها، بشاراً فأعتقته العُقيلّية.
وقيل: بل كان بُرْد مَوْلى لأمرأةٍ سَدُوسّيه ، فادعى أنه مولى بني عُقيل لنزوله فيهم.
ويُكنى بشار (أبا مُعَاذْ) وهو مقدم طبقة الشعراء المحدثين ورئيسهم، بلا خلافه وهو مُخضرم الدولتين: الامويه والعباسيه، وكان يلقب (المُرعَّث) فقيل: إنما سُميّ بذلك لقوله:
قالَ ريم مُرعَّثٌ
سامرُ الطَّرف والنَّظَرْ

لستَ والله نائلي
قلتُ أو يَغلِبُ القَدَر

أنت إن رُمتَ وصلنا
فأنجُ ، هل تُدركُ القمرَ

وقيل إنما سُميّ بذلك لانه كان لقميصه جيبان: جيب عن يمينه، وجيب عن يساره فأذا أراد لُبْسَه ضَمَّهُ عليه من غير أن يدخل راسه فيه، وإن أراد نزعه حَلَّ أزاره وخرج منه، فَشبِّهت تلك الجيوب بالرعاث لأسترسالها وتدليها، وسمي من أجلها (المُرَعَثْ).
وقيل: كان في اذنه وهو صغير، رِعاث وهي القِرطه وكان ضخماً عظيم الخلق والوجه ، مجدوراً، طويلاً، جاحظ الحدقتين قد تغشاهما لحم أحمر، وكان أقبح الناس عَمَى وأفظعهم مَنْظراً، وكان إذا أراد أن يُنشد صَفق بيديه وتنحنح وبص عن يمينه وشماله فيأتي بالعجب، ووُلد وهو أعمى، وهو الألمه، وفي ذلك يقول أبو هِشام الباهلي يهجوه:
وعَبْدي فَقَا عَيْنَيك في الرِّحم أيْرُهُ
فجئت ولم تعلم لَعيْنيَك فَاقيا

أأُمُك يابشار كانت عفيفةً
عليّ ، إذَنْ أمشي إلى البيت حافيا

إن تعنيات هذا السرد: هو توضيح لمكمن التقنيات النصيه في خواص السرد، ومن خلال هذه المنهجيه النظريه الأنسانيه تكون الأنعطافه وفق تشكيل سسيولوجي وسيكولوجي يفصله خيال بشار الأبداعي وفق زمكانيه منطقيه، فالوصف (الأمكان والممكن) لكون الأبداع الأنساني ليس له حدود نهائيه، فالنظريه الشعريه لبشار بن برد تتوثق وفق حلقة الفلسفه الأنثروبولوجيه الأنسانيه وخواصها التأويليه العقليه الناضجه (ويبقى بشار بن برد مشروعاً فلسفياً في النص الشعري من خلال حَلقات الممكن الأنساني وتأريخ الأمكان في الخيال، ومعقولية في الخواص النظريه الشعريه) وكان لبشار بن برد خاصية واسعة في نسق النص الشعري وإشكالاته الفلسفيه، ومن خلال ما تقدم نقول: أن بشاراً كان وجوداً شعرياً جميلاً في حساب نظرية الجمال، بل للذات التي تشكل ذلك الجمال عبر النص الشعري ولهذا تم التعرف على بشار بن برد من خلال منهاج موضوعيه للجماليه الشعريه، وفي ألية أدراك هذا المسار وديناميته ونحن ندرك خواص بشار الأنثروبولوجيه وهو يقدم تشكيلاً شعرياً أساسه التركيبه والتراكيب العليا في خاصية الفن (Suprastructures)() وهنا يتم التركيز على الجانب التحليلي وجزئه الدفين من التأويليه التأريخيه للشعور بالعمليه الشعريه ومكونات شموليتها التأريخيه بأعتبارها معارف مطلقه، ونحن نؤكد هذه العمليه الأبداعيه لبشار بن البرد بأكتماله لشبكة من النوظم السيكولوجيه وهي تلتقي في ماضي حركة التأريخ التجريبيه الشعريه، لتتحول إلى إنعطافه متكامله في صياغة الحدث الشعري .
ورغم جناية الهجاء للباهلي: لكن بقيت التقنيات تتحرك بأستباق في مواضيع تفكيره الأبداعيه وهي تتعلق بخواص الشعر حصراً ورغم أنكسار (بشار) من هذا الهجاء إلا أنه واصل الفعل الخطابي في الشعر، وإدراكه كفة الوعي في المبنى في النص الشعري وتفاصيل سلسلة خطاباته الشعريه التي سوف نأتي على ذكرها.
وذُكر: أنه قال الشعر وله من العمر عشر سنين، ثم بلغ الحُلُم وهو مَخْشيئ مَعَرَّه اللَّسان.
وكان يقول: هجوتُ جريراً فأعرض عنيّ وأسْتَصْغَرني، ولو أجابني لكنت أشعر الناس وكان الأصمعي يقول: بشار خاتمة الشعراء، والله لو لا أن أيامه تأخرت لفضلته على كثير منهم.
وقال بشار: لي إثنا عشر ألفَ بيتٍ عَيْنٍ، فقيل له: هذا مالم يَدعه أحدٌ قَطُّ سواك! فقال: لي إثنتا عشرة ألف قصيدةٍ، لعنها الله ولعن قائلَها إن لم يكن في كل واحدة منها بيتُ عيْن.
وقيل كان: بشار يدين بالرجعه()، ويُكفر جميع الأُمم، ويُصوب رأي أبليس في تقديمه النار على الطين. وذكر ذلك في شعره فقال:
الأرضُ مظلمةٌ والنارُ مُشرِقةٌ
والنارُ معبودةٌ مُذ كانت النارُ

في إنبثاق هذه الوحده الأختلافيه الجمعيه لجملة من المنظومات المتشاكله والتي كونت شبكه معرفيه تضع خواص الأشياء في تجريبية حاضرة مستلة خواصها الحاضره من فلسفة كلية بدائلية أعتقاديه شامله ، وهذا واضح في بيت بشار من أن التطابق بدأ في خاصية النار، وكلية هذا التطابق وفاعليته يأتي من عقل التأريخ ووحدة جمعيته المنبثقه من مختلف الخواص والمنظومات، وعليه فأن بشاراً أنحاز لتأريخية النار بأعتبارها هي تأريخ الأختلاف وتقسيمه الذي تراوح بين حلقات الماضي ومستقبله السائد، وفي نظرته المختلفه الى حقيقة التراث وما تطلبه من أشكالية أكتماليه تضع جدلية التواصل في هذا السياق المعرفي: كون هذا السياق هو المشروع في ماضٍ قد أستنتجه النصّ من خلال مشروعية التأريخ الذي تولد من عمليات التحول والتحقق من الطين إلى النار حسب الكائده الأبليسيه، قلت: وقد روي له أيضاً.
أبليسُ أفضلُ من أبيكم آدم
فتنبهّوا يامعشَر الأشرارِ

النارُ عُنصرهُ وآدمُ طينة
والطيّنُ لا يَسْمو على النارِ

في النص الشعري هذا: هناك تفاعل دقيق تركز في البنى الفعليه والخطابيه مع البنى الحسيه والفكريه الحياتيه، هذه الخطابيه تكاد نلمس مدركاتها من خلال هذه القاعده الأيمانيه لبشار بن برد وهنا: تأتي عمليات الأستخلاص في سلسلة من القضايا الكبرى والهامه عبر التتابعات التي تحددت بالأرتباطات المنطقيه والتفصيليه والمعمقه داخل فضاء النص أو في مداخله ومخارجه.
إن ما يتعلق بهذه المسارات فهي: صياغات تواصليه ذهنيه عبرت منظومةً في حركة الأشياء الأيمانيه بأعتبارها بنى خطابيةً وحدت المنظومه الأسلوبيه مع المبنى الخطابي داخل النص الشعري.
وإن هذه الأبيات تذكرنا بالنص القرأني: (وعلَّم أدم الأسماءَ كلها ثُم عَرَضهم على الملائكة فقال أنبؤني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين* قالوا سبحانك لا عِلْمَ لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم* قال يا أدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم أني أعلم غيب السموات والأرض وأعلمُ ما تُبدون وما كنتم تكتمون* وإذ قلنا للملائكة أُسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس أبى وأستكبر وكان من الكافرين) البقرة آية (30-34) قرأن الكريم .
(ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكه أسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين* قال ما منعك ألا تسجد إذْ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طين* قال فأهبط فيها فما يكون لك أن تتكبر فيها فأخرج إنك من الصاغرين* قال أنظرني الى يوم يبعثون* قال إنك من المنظرين* قال فيما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم* ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن إيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين* قال أخرج فيها مَذؤماً مدحوراً لمن تبعك منهم لأمْلئن جهنم منكم أجمعين*) الأعراف الآية (10-17) قرأن الكريم
إن النص الشعري لبشار بن البرد شكل قضيه كبرى في تشكيل من ناحية الفهم أو الأيمان وقد عبر عن مستوى جديد في إشكالية الأيمان بمستوى خطابي جديد، وهذا الموضوع ينقلنا إلى قصة أبليس في هذه الأيات وهو عندما أمره الله سبحانه وتعالى أن يسجد لأدم فرفض أبليس وكان الذي كان، غير أننا في هذه الأبيات لبشار بن البرد نحاول أن نتجاوز هذه الأشكاليه الظاهره والسطحيه أحياناً إلى مشكله عويصه وهي مشكلة التميز بين هذا الموضوع الذي تشكل في فضاء الصور الشعريه وبين المشيئه أو الأراده في تنفيذ الأمر الألهي، وأبليس رفض الأمر الألهي وبشار رفض الأعتراف بالطين (بأعتبار أن الطين في رأيه لايسموا سموَّ النار) وهذه قضية تتعلق بالرأي وليس الأمر الألهي، وعصيانه كما عصى أبليس هذا الأمر وهذا خلاف المشيئه الألهيه فبشار ليس بكافر أو ملحد كما وصفه (واصل بن عطاء شيخ المعتزله) لأن الشاعر لم يخالف المشيئه بل أحتكم الى رؤياه في خيار النار والمشيئه لا تنطبق على مثل هذه الحالات على الشاعر، والله أوجد أشياءً كثيره لكنه أمر عباده بالأبتعاد عنها، أضافة الى أنه سبحانه وتعالى أمرهم بأشياء لكنه أراد من خلال هذا الأمر أن يحققوا أشياء ثانية.
وبشار بن البرد (الشاعر) أراد أن يقول أشياء في رؤياه الشعريه لأنه لم يأمره أحد أن يركع أو شيء من هذا القبيل وحقيقة الأمر: فمن أراد أن يفهم الأديان عليه أن يتعمق بنظريات هذه الأديان، وليطلع على نصوصهم بعيداً عن رجالات الدين وأرائهم والقرأن الكريم هو الموعظه الحسنه وبشار بن برد قال كلمته في رؤياه الأعتقاديه دون قصد، وربما كان في حالة سيكولوجيه مختلفه عن حالة الأخرين.
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمّةً واحِدةً ) هود، الأية(118)
وبلغ إلحاده وكفره (أبا حُذيفه) واصل بن عطاء شيخ المعتزله وكان ألثغ بالراء فكان يتجنبها ولا ينطق بها فقام خطيباً وقال:
أما أن لهذا الاعمى الملحد المشنف المَكِنى بأبي معاذ من يقتله؟ أما والله لو لا أن الفيلة سجية من سجايا الفاليه لَدَسْتَ إليه من يبعج بطنه في جوف منزله أو في حفله()، ثم كان لا يتولى ذلك إلا عُقيليّ أو سَدُوسيّ.
واصل بن عطاء الألثع بالراء، فكان يتجنبها ولا ينطق بها وهذا الذي حصل جراء اللثغ، فقال (أبا مُعاذ) ولم يقل (بشاراً) وقال ( الأعمى) ولم يقل (الضرير) وقال (الملحد) ولم يقل (الكافر) وقال (المشنف) ولم يقل (المرعث) وقال (الفاليه) ولم يقل (الرافضه) وقال (يبعج) ولم يقل (يبقر) وقال (منزله) ولم يقل (داره) .
وحذف الراء من كلامه كله غاية الأقتدار على الكلام، والتمكن من العباره وفي ذلك يقول بعض الشعراء في مَدْح الصاحب بن عَبّاد:
نَعم تَجنَّب لا يومَ العَطاءِ كما
تَجنَّبَ أبن عَطاءٍ لَثْفةَ الرّاءِ

في ضوء ما تقدم نقول: إن القضايا التي تتعلق بالحكايه السرديه وهي التي تشكل منعطفاً لقضايا صغرى، وكان قد عبر عنها مستوى البنيه الخطابيه في التشكيل السردي ونسقه المعرفي في اللغه كما هو الحال مع (واصل بن عطاء) وفي أكثر الأحيان: ثمة منطق عقلي يصوره حالة الحكايه السرديه بأعتبارها تحولاً في الماضي وأتجاه يتقطع في الأعلان عن مرتكز جديد في حركة الحاضر والذي يعنينا من هذا الموضوع: هو أن النص السردي أتخذ منحىً تجريبياً يوضح أشكالية اللثغ التي أطلعنا عليها (واصل بن عطاء) شيخ المعتزله أثناء هجومه على (بشار بن برد) هذا اللثغ (الرائي) تحول إلى منهج في رؤيا (بشار) وتجريبيته الشعريه بتفضيله النار على الطين.
من هنا تحرك السرد في الرؤيا الشعريه على سرد في إشكال لغوي منهجي. ويبقى التساؤل كما صنفه هذين البيتين لبشار بن البرد حسب نظرية (المعنى) وهي تؤكد للنص الشعري نظائر سرديه حكائيه عند واصل بن عطاء، وإننا في هذه السلسله من التعبيرات في اللغه يعطينا المعنى مستوى جديداً في معنى اللغه ومستوى جديداً من الحرفه السرديه وعلاقتها في المنظومه الحكائيه السرديه وهذا ما نلاحظه في خواص السته من أصحاب الكلام وهم: عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، وصالح بن عبد القدوس، وعبد الكريم بن أبي العَوْجاء، وجرير أبن حازم، وبشار بن برد، ولقائهم وخصامهم في منزل (جرير) ومن هذا الأختصام تكونت منظومة حكائيه (أعتزاليه جمعت عمرو وواصل حيث تحولوا الى الأعتزال أما الفئه الثانيه فقد جمعت عبد الكريم وصالح فتحولا الى الثنَّويه) .
وأما (جرير) فقد تحول الى السُمنيه() وبقي (بشار) منفرداً متحير الفكر، ويبدو أن في هذه المرحله تحولت من المناقشات من البنيه اللغويه الى مأثور يتعلق بالفرق الأسلاميه والذي تناوله هؤلاء اللغويون من أفكار أصبحت هي المعيار الذي طبع كل منهم بخاصية أيديولوجيه ميزته عن الأخرين.
وذكر أنه لقي أبو عمر بن العلاء بعض الرواة، فقال له: يا أبا عمرو من أبدع الناس بيتاً؟ قال: الذي يقول:
لم يَطُل ليلي ولكن لم أَنَم
ونفى عنيّ الكرى طيفٌ ألمْ

رَوِّحي عني قليلاً وأعلمي
أنني (ياعَبْدَ) مِنْ لحمٍ ودمْ

وإذا قلتُ لها جودي لنا
خَرَجَت بالصَمتِ عن لا ونَعَمْ

وإنّ في بُرديّ جسماً ناحلاً
لو توكأت عليه لأنهدمْ

خَتَمَ الحبُ لها في عُنُقي
موضعَ الخاتم من أهل الذِمّمْ ()

فيما يتعلق بموضوع الأختلاف في النصوص من ناحية التواصل في الحكايه وهي التي تشمل مستوى المبنى الخطابي: وهذه الأبيات تؤكد مرحلة ذاتيه سسيولوجيه يلفها السرد الحكائي بصياغات نحويه تسترشد بالمعنى والنظائر في التعبير عن متانة الحكايه في النص الشعري، والتجلي في ذلك يقتضي التدليل في إشكالية البنيه الحكائيه، والشاعر أنعطف قليلاً نحو الشكل الذاتي في تناوله الحكاية بفعل لساني، وبرباط تعاضدي حر مع المعنى في مستوى التجريد، والذي يعتبر أكثر إيفالاً من الناحيه التأويليه، حيث يكون الحدث الشعري أستدراكاً لمعني (التمثيل الشعري). وتبقى البنيه الشعريه والمعنى الذي أفرز الحدث هو مقياس العلاقه الجدليه بين (المدار و النظير) في أستحكام وظهور الأشياء في الحكايه والنظير الحكائي وإن المخرج الشعري ظهر في غاية الخطيئه كما يقولون، وإن الكيانات التي توضحت في النص الشعري تعتبر تحقيقاً لمستوى البنى الأسلوبيه في حركة الشعر الخطابي ونسقه الدلالي، وإن التفصيل لهذه البنيه المتعلقه بالحكايه يعتبر مداراً كبيراً لمعنى الأتسّاق في منهجية الشاعر المتمرد.
قال: فمن أمدح الناس؟ قال الذي يقول:
لَمَسْت بكفي كفَّهُ أبتغى الغنى
ولم أدرِ أن الجوُّدَ من كفيه يُعْدي

فلا أنا منهُ ما أفاد ذَوؤ الغِنى
أفدتُ ، وأعْدائي فَبَّدرْتُ () ماعندي ()

إن النموذج المطروق في هذه النصوص الشعريه: يطلعنا على هذه الترسيمة باعتبارها صوره مصغره لحالات تعبيريه عن ندم لما حدث في تشكيلة الوعي السيكولوجي، وبأعتبارها فعلاً حكائياً توالى إلى الحس، وأصبح هاجس بشار الحسي وهو التعبير عن فعل زماني حدثي متشابك، بعدها يضع الشاعر الفعل اللساني في مصاف الحدث الشعري، من هنا تبدأ صياغات البنيه الخطابيه ذات المبلوغ الواحد في تراكيب الحكاية في أنموذج النص الشعري، وهذه رغبة أنتقاليه من حالة الحكايه السيكولوجيه الى حالة الفعل اللفظي في النص الشعري.
وقيل (لبشار) وقد أنشد:
كأن مُثار النقَّعْ فوقَ رؤوسِنا
وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبُه

ما قال أحدٌ أحسن من هذا التشبيه! فمن أين لك هذا ولم ترَ الدنيا قط ولا شيئاً فيها؟ فقال: إنّ عدم النظر يقوي ذكاء القلب ويقطع عنه الشغل بما ينظر إليه من الاشياء، فيتوفر حِسّه وتذكو قريحته، ثم أنشد قوله:
عَميتُ جنيناً والذَّكاءُ من العَمى
فجئتُ عجيبَ الظَنِّ لِلعلم مَوْئلا

وغاضَ صفاءُ العين للعلم فأقتدى
بقلبٍ إذا ما ضيعَّ الناسُ حَصّلا

وشِعرٍ كنُور أرض لاءمق بينه
يقولٍ أذا ما أحزنَ الشعرُ أسْهلا

في مثار بشار للنقع نستقرئ هذه الحواريه مع الذات وهو يروي نصاً شعرياً في أدق (أستلزام حداثي في الشعر) وهو يروي رؤيا سيكولوجيه برهانيه تجريبيه: يعطينا إمكاناً منطقياً في هذا التشبيه الدقيق وامكانه (التداولي) لكي يلزم صياغة المعنى في صوره تشكيليه تؤكد حقيقة أستدلاليه سيكولوجيه. ثم يفصل الشاعر حقيقة الموقف السسيولوجي في حقيقة العمى في بداية التكوين، ولكن هذه الحدود لاتمنع (الأبداع من إتباع في شروط الوعي الموضوعي) وهذا ما نلاحظه في الأبيات الثلاث، وحقيقة الأستدلال الشعري هو ان (العين والقلب) تشكيل واحد لحقيقه برهانيه أنتجها الوعي التجذيري في حقيقة أبلغ الشعر هو أمرنه وأسهله: وهذا يعني أن المعنى جاء ليضع التلازم والتشابك في حقيقة التعريف لمعنى الأختلاف في قراءة الواقع والحياة بشكل عام من قبل كاتب النص الشعري وقراءة النسق العام بألتماس سيكولوجي يعي ظروف المرحله التأريخيه وتشابكها.
وقيل إن بشاراً كان يهوى أمرأة من أهل البصره، فراسلها يسألها زيارته فوعدته بذلك وأخلفته، وجعل ينتظرها ليلة أجمعَ حتى الصباح، فلما لم تأته كتب أليها يعاتبها، فأعتذرت بمرض أصابها، فكتب إليها:
يا ليلتي تزداد نُكراً
من حُبّ من أحببتُ بكَرا

حَوْراء إن نظرت إليـ
ـ كَ ، سقتكَ بالعينين خَمرا

وكأن رَجْعَ حديثها
قِطَعُ الرَّياض كُسِينَ زَهرا

وكان تحت لسانها
هاروتَ يَنْفثُ فيه سِحْرا

وتخال ما جمعت عليـ
ـــــــه ثيابها ذَهباً وعطْرا

وكانّها بُرْدُ الشّرا
ب صَفا ووافقَ متكِ فِطْرا ()

نحن أزاء شاعر وضع الوصف لهذه المرأه بصفات ملتمسه وبدا أن بشاركون حدثاً شعرياً مبالغ في معلولاته بأفتراض ذاتي تحرك بموجبه (بشار) في وصف العين واللباس والجمال في أعمق منهج أستقرائي فلسفي يوضح فيه مداخلاته الجماليه بفكره بسيطه عن أمرأه أحكم لسانها (بهاروت) والسحر لشدة لباقة المرأه وجمالها من خلال غريزة سسيولوجيه وشعور بلذه سيكولوجيه تكونت بفعل الأعجاب والحب الذي وافق أسترخاء مجساته التي تحولت إلى مجسات صوفيّ يصف من أحب.
وبشار تعلق بالغياهب الجماليه حتى أنفرد بصمته وهو: العجز أمام من أحب في أدق تحليل سسيولوجي يبالغ في نسبة حد التجاوز للمعيار الجمالي في حسيته الجذريه حيث قام (بشار) يرسم المشاهد وهي قطع من رياض فصلت رؤياه في الذوق للجمال، وحبّ جمّ وضعه في بداية هذه الحواريه المتجليه في تأريخ بشار الحالم الذي ألقى مراسيه في شواطئ هذه المرأه (الحداثوية) في العشق.
وقيل: كانت بالبصره قينة لبعض ولد سُليمان بن علي وكانت محسنه بارعه الظرف، وكان بشار صديقاً لسيدها ومَداحاً له، فحضر مجلسه يوماً والجاريه تُغني، فسُر بحضوره فشرب حتى سكر ونام ، ونهض الناس ونهض بشار، فقالت له: ياأبا معاذ، أُحب أن تذكر يومنا هذا في قصيده ولا تذكر فيها أسمي ولا أسم سيدي وتكتب بها إليه.
فأنصرف وكتب إليه:
وذاتُ دَلٍ كأن البدر صُورتُها
باتَتْ تُغنّي عميد القلب سكرانا :

إن العيون التي في طرفها حَوَرٌ
قتلنا ثمّ لم يُحيْين قَتلانا!

يَصْرَعْن ذا اللُّب حتى لاحراك لهُ
وَهُنّ أضعفُ خَلْق أرْكان~

فقلتُ أحسنتِ ياسُؤلي ويا أملي
فأَسْمِعيني جَزاكِ الله إحسانا:

ياحبذا جَبلُ الريّان ()مِنْ جَبَلٍ
وحَبَذا ساكنُ الريّان مَنْ كانا

قالت فهّلا فَدَتك النفسُ أحسَنَ مِنْ
هذا لمن كان صبّ القلب حَيْرانا

ياقومُ أُذني لبعض الحيّ عاشقةٌ
والأذن تعشق قبل العين أحيانا

ياليتني كنتُ تفاحاً تُفلِّجهُ
أو كنتُ من قُضُب الريَّحان ريحانا

حتى إذا وجَدتْ ريحي فأعجبها
ونحنُ في خلوةٍ مُثلتُ إنسانا

فحركّتْ عُودها ثمّ أنثنتْ طرباً
تشدو به ثُمّ لا تُخفيه كِتمانا

أصبحتُ أطوع خلق الله كُلهمُ
لأكثر الخَلق لي في الحبّ عِصيانا

فقلتُ أطربتنا يازين مَجْلِسنا
فهاتِ إنك بالأحسانِ أولانا

لو كنت أعلمُ أنّ الحبّ يَقْتُلني
أعددت لي قبل أنْ ألقاكِ أكفانا

فغنت الشَّرْب صَوْتاً مُؤنقاً رَملاً
يُذكي السُرور ويبكي العين ألوانا

لا يقتلُ الله من دامت مودَّتُهُ
والله يقتُلُ أهل الغدرِ أحيانا ()

إن جذوة الوعي الأبداعي (لبشار بن برد) في هذه القصيده بأعتبارها قصيده جميله، أعطاها روحاً أبداعيه تختبئ خلفها حركه أبداعيه وروحاً خفيه تمتد في فضاء القصيده لتشيع فيها الأكتمال اللوني وتولد في ثنايا أشياءها التامه أنفتاحاً متنامياً ونسقاً مترامي الأطراف، يحركه (جمال تصوري) بأبعاد تصوريه تقود القاريء الى معترك جمالي متناسق هدفه الأطلاع على خواص المنحى الجمالي في هذه القصيده لأنها مجال تصويري لحركة الأشياء.
وبشار أخضع هذه الأبيات الى وحده متناسقه بأحساس جمالي وجودي، وأنطلق بشار من حركيه بنائيه جماليه تتركب مع المعنى الدلالي من تركيبين طرديين يتمحوران حول مفاهيم لغويه ويتمثلان بهيكل تركيبي لوني واحد أبتدأ بحركة الجاريه من ناحية الأبداع الجمالي العلوي من هيئة في الشكل والعيون الحوراء بأشتقاق لفظي جمالي إلى الحس محرك يعطي أنطباعاً تفوقياً بالنسبه للأشياء الجميله إلى الحركات المحسوسه في كنه الأشياء وإحساس بالصوره الشعريه وشروطها الملازمه في هذه الحلقه التصويريه وما تمخض عنها من إضمار، يقوم على حاله معرفيه كانت قد تكونت من خلال فهم جمالي سابق بأتباع حسي، فيم يضع جبل الريان في حالة وجوديه للمكان في: ساكن الريان من كانا: ونحن في هذا الأقرار نضع النصوص الشعريه هذه في تأكيد التعريف بحالة البناء في القصيده وهي تصف كل الأشياء في ذلك اليوم الذي غنت فيه الجاريه الحسناء، وحيث طلبت من بشار أن يصف ذلك اليوم الحافل مع حسنائه الجميله وموضوع الحكايه كما طلبت منه الجاريه أن يكون مغلقاً بالنسبه لها ولسّيدها، وهكذا يصف بشار فعل النصّ الشعري بدقه ويحمله دلالة قابله لأن تقاس بفضل وعي تجريبية النص الشعري وحركتيه التي تنتقل بين الشاعر والمرأه (والزمكان) المغلق كون النص فعل ينطوي على المبعث في تجريبية الطاقات الأبداعيه، ويحصل في هذه الزمنيه المتشابكه: بأن التعاضد التأويلي في النصّ قد ساعد المبعث الجمالي لكي يتحرك بأتجاه أحداث حالة الأجماع النموذج وصيرورته الأخاذه في (نفث) جُلّ مابقي من بوتقة الجمال في فضاء هذه القصيده وبقي الشاعر متماسكاً الى أخر فاصل أحتمالي في النصّ لكي يضعه في الأنعطافه الموسوعيه من مفردة الجمال وتناميه المتنوع الأشكاليه والأختلافيه، وهو يشرح حقيقة ماحدث من تناص في حلقات الأختيار الموضوعي وألتقاء فعل الدهشه الذي فعل المبادره الحسيه وبتعميم أختباري يضع المرويّ من النصوص الشعريه في أتساق من التبدل المعرفي والسياقي الذي واكب منهجية الفعل الجمالي، حيث أتضح من الوثوق بالأراده والوعي المعرفي، وماحصل من تبدلات في أنسجة النص وهي جزء من فواصل الموائمه المتشكله أصلاً من فرضية يصوغها المدار الخفي في القصيده وهي الأصوات الجماليه المتناثره في ثنايا فضاءات هذه النصوص الشعريه التي خاطب بها بشار قارئه بأنموذج من الأشارات والحوادث والوقائع التي تطابقت مع ما مطلوب من إشكالات وتسويق للمعارف الجماليه داخل زمنية نصيه عبر عنها الشاعر في هذه القصيده والتي أوصل بنية هذه القصيده من قوة الشد الى مبحثه المتين وهي خواص تتعلق: بالوحدات السياقيه للقصيده وفي المجال القياسي والحدس (الأيستمولوجي) الذي يعمق بأحكام وعبر تصور للبنيه في القصيده وأبراز طابعها التجريدي.
وبأمكاننا أن نتعرف عن التفاصيل الدقيقه في المنظورات المختلفه التي أتسم بها بشار في حياته من خلال سرد الأغاني له في صفحات عديده، والمنظورات السسيولوجيه التي يتمتع بها بشار في إشكالات الماضي والمستقبل بوصفه شاعراً أثر في الحياة الأدبيه وبالتراث بوصفه وقائع تكتمل عبر التواصل الفعلي للشعر في مشروع تأريخي يتحول إلى معالم في تجريبيه صنعها التأريخ، فالذي صنعه بشار في نصوصه السرديه الحكائيه أو النصوص الشعريه: وهي موضوعات تتعلق بـ(الفينومينات) على أعتبار أنّ بشاراً ليس شاعراً فحسب بل إنسان يمتلك رؤيا خاصه تجاه هذه الحياة وما يحصل منها من عجائب.
وذُكر أن (هلالَ بن عطيه) قال لبشّار، وكان صديقاً له، يمازحه: إن الله لم يذهب بصَرَ أحدٍ إلا عوضه شيئاً، فما عوضكٍ؟ قال: الطويل العريض. قال: وما هو؟ قال : ألاّ أراك ولا امثالك من الثقلاء، ثم قال له: يا هلال، أتطيعني في نصيحه أخصك بها؟ قال: نعم قال: إنك كنت تسرق الحميرَ زماناً ثم تبت وصرت رافضياً، فعُدْ إلى سرقة الحمير، فهو والله خيرٌ لك من الرفضّ.
وهذا يعني: إن التناقضات الفكريه داخل شخصية (هلال) تؤكد إن (بشار) رأي فيها بأعتبار أن (بشار) قد شخص الأرباك الحسي والعقلي والفيزيقي لـ(هلال) وهذا الموضوع ينقلنا على حالة الوعي الأبداعي لدى (بشار) بأعتباره متمرداً على ذلك الواقع المتناقض، فكان يرى الواقع من خلال (قلبه) وهو يحتكم إلى (المنطق) في فعل أشيائه، وهذا يؤشر ماحدث له وهو جالس في ظل قصر (أوس بن ثعلبه) في البصره وكان والي خرسان في عهد الأمويين.
وقيل كان المسترفِدون يسمون في قديم الزمان بـ(الُسؤال) إلى أيام (خالد بن برمك) فقال خالد : هذا والله أسْم أستقبحه لطالب الخير وأرفع قدر الكريم أن يسمى هؤلاء المؤمَلين، لأن فيهم الأشراف والأحرار وأبناء النعيم، ومن لعله خيرٌ ممن يقصد وأفضل أدباً، وهنا نسميهم الزُوار. الامر الذي أدى (ببشار) أن يقف موقفه الأنساني المعهود ويمدح (خالد بن برمك) بأبيات من الشعر وهو يعرب عن تفانيه بأنسانيته وهو يلتقي مع هؤلاء الأشراف والأحرار:
حَذا خالدٌ في فِعلهِ حذْو بَرمكٍ
فمجدٌ لهُ مستطرفٌ وأثيلُ

وكان ذوو الأمال يُدْعون قبله
بلفظٍ على الأعدام فيه دليلُ

يسمون بالسؤال في كل موطنٍ
وإن كان فيهم نايهٌ وجليلُ

فسّماهم الزوار سَتْراً عليهم
فأستاره في المجتدين سُدُولُ

قال (بشار) هذا الشعر وهو في مجلس (خالد) في الساعه التي تكلم فيها (خالد) بهذا الكلام في أمر الزوار فأعطاه لكل بيت (ألف درهم)، هذا الموضوع يعطينا مفهوماً جديداً لمعنى (التُقى) في هؤلاء الأشراف والأحرار بأعتبارهم يمثلون ثروة حقيقيه في الأيمان والعدل والقيم الروحيه.
وهذه الابيات تعبر عن مفهوم سسيولوجي في نقد المفاهيم النظريه التي تتعلق بالرؤيه والأرهاصات الفكريه والروحيه وحين اخرج الادب العباسي أكثر من شخصيه، اخرج (أبن المقفع) وهو الذي وضع (رسالة الصحابه) وهو كتاب أشبه بكتاب (العقد الاجتماعي ) لـ(روسو) وكان (مطيع بن إيماس) الذي الاولى في الأنعطافه الادبيه التي ترافقت مع الثوره السياسيه وهو الشعر المخضرم الذي ولد في الكوفه وكان مختص بمدح أبن أبي جعفر المنصور، وفي حينها قال من البحر الطويل:
لا حسن من بيد يحاربها الفتى
ومن جبلي طي ووصفكما سلعا

تلاحظ عيني عاشقين كلاهما
له مقلة في وجه صاحبه ترعى

وهذه الأبيات، كانت الصرخه الرومانتيكيه في وجه المدرسه الكلاسيكيه ثم جاءت صرخة (بشار بن برد وأبي نؤاس) وأصبحنا نسمع أنعطافات جديده في الشعر من مدرسة جديده في الشعر وفي الفكر النظري وبشكل عام: فأننا نسمع نصوصاً شعريه جديده في الأدب من أمثال قول (الحكمي) وهي من الكامل:
صفة الطلول بلاغة القدوم
فأجعل صفاتك لأبنة الكرم

وقوله من البحر البسيط:
يبكي على طل الماضين من أسدٍ
لادرّ درّك قل لي : من بنو أسدِ ؟

لا جفّ دمع الذي يبكي على حجرٍ
ولا صفا قلب من يَصبو إلى وتدِ

وقوله من البسيط أيضاً:
ياربع شغلكُ إني عنك في شغل
لاناقتي فيك لو تدري ولا جَمَلي

هذه الأشكاليه التجريديه كانت طفره نوعيه في صياغة النصوص الشعريه الجديده وهي دعوه للتجديد وتجاوز التقليديه الكلاسيكيه التي ورثها الادب والأنتقال إلى حركيه تجديديه تسعى نحو المنعطف الذاتي غير الموضوعي، وهذا ما نلاحظه في الثوره الشعريه والتجديد لتجاوز مفهوم البداوه في النصوص الشعريه واللأنتقال الى الحضاره الشعريه، فهي العين في التجديد الأدبي والتي أمتدت خمسة قرون (132ه-750م -656ه-1258م) وعرف بالأدب العباسي على الأدبين الجاهلي والأموي اللذين يضمان نصوصاً أدبيه لقرنين ونصف ، فالأدب الجاهلي يمتد من (5-622م) ويأتي بعده الأدب الأسلامي من (622-658م) ثم يختتم بالأدب الأموي من (658-750م) وكان بشار وهو زعيم المولدين وهو يهجو أبي عمر بن العلاء من البسيط مقطوع الغرب :
أرفقَ لعمرو إذا حركتّ نسبته
فأنه عربي من قوار

ويأتي قوله من (الوافر):
سأخبرُ فاخر الأعراب عنيّ
وعنه ، حين يأّذن بالفخار

أحين كسيت بعد العري خزا
ونادمت الكرام على العقار

تفاخر ياأبن راعية وراع
بني الأحرار حسبك من منار

وكنت إذا ظمئت إلى قراح
شركت الكلب في ولغ الأطار

وعن هذا الحذو الأدبي فقد عُرفت هذه النصوص بأنها نصوص تشيع الحركات الشعوبية، والذين قاموا بها هم شعو بين وهم أهل العدل والتسويه، والشعوبيون هم الذين يفضلون من غير العرب على العرب، في حين أن اهل العدل والتسويه كانوا قد سُووا بين العرب وغير العرب دون تجاوز أو ذم.
ومن انصار هذه الحركات والتي سميت بالشعوبيه وعلى رأسهم (بشار وأبي نؤاس) وهذا الرأي رأي المستشرق البروفيسور رينولد نكلسن ، فالذي ظهر من هذه المناقشه هو إن النزوع إلى هذه الأشكاليه يعني وصف هذه الدعوه بدعوه المفاضله وشعوراً غير مكتمل وعصي على حالة التغيير لأنه تعلق بموضوع الأنحياز نحو حلقه فكريه دون اخرى وهذا الأنفتاح يُعطينا مكمناً غير دقيق في تلابس قضيتين شائكتين بين العرب وغير العرب من المسلمين .
وهذا الموضوع يستند لعملية التأمل في إن التجريد في الشعر يعطينا مفهوماً أحترازياً بوصفه حلقه تطوريه لا حلقه تتعلق بالشعوبيه أو غير الشعوبيه، وبشار شاعرٌ يكتب بالعربيه، أما أفكاره فهي ليست أفكاراً تحريضيه كما يصفها (المستشرق) أو العرب أو العجم لأن العرب والعجم عاشوا كحضارتين متشاكلتين متشابهتين ومتفاعلتين ومن الطبيعي أن يكون الشعر متداخل من الناحيه الأدبيه والفكريه.
والفكر النظري عند العرب قد أستوعب خواص كل هذه الشرائع ووصفها موضع التلابس فنتج أبداع أدبي مهم، وادى هذا التلابس إلى تطور في عمليات التجديد في النصوص الشعريه، وهذا خلاف ما يقوله (رينولد نكلسن)() .ومن الحكايات الظريفه عن بشار بن البرد، قيل: نهقَ حمار ليلةً بقرب بشار، فخطر بباله بيت فقال:
ماقام أيرُ حمارٍ فأْمتلا شَبقاً
إلا تَحرك عِرقٌ في أُستِ (تسنيم)

ولم يرد (تسنيماً) بالهجاء لكنه لما بلغ إلى قوله (إلا تحرك عرق) قال: في أُسُت مَنْ؟ في أست من؟ ومر (تسنيم بن الحواريّ) وكان صديقه فسلم، وضحك ثم قال: في أُست تسنيم عَلِم الله، فقال له: أيش ويحك فأنشده البيت فقال له: عليك لعنة الله! فما عندك فرق بين صديقك وعدوك! فأي شي حملك على هذا؟ ألا قلت: في أست حماد الذي هجاك وفضحك وأعياك، وليست قافيتك على الميم فأِعْذِرِكَ!
فقال: صدقت والله في هذا كله ولكن مازلت أقول: في ُست من؟ ولا يخطر ببالي أحد حتى مررت فسلمت فرزقته، فقال تسنيم له: إذا كان هذا الجواب السلام، فلا سلم الله عليك ولا عليّ حين سلمت عليك، وجعل بشار يَضحك ويُصفق بيديه، وتسنيم يشتمه.
هذا المدخل السردي الحكائي، أصبح يجري في أشكالية منهجيه تدعوا إلى المساهمه الدقيقه في تنمية الوعي الحكائي في أدق مرحله متواليه وبأستباق حكائي يتوافق مع خواص النص السردي وتطابقاً مع خواص الحكايه التي افصح عنها النص في حدوديه متواضعه تشكل تقويماً مضمراً في تفاصيل مسار هذا التأويل في البيت الشعري لبشار وهو يتنامى مع جدليه سسيولوجيه شديدة التعالق مع الأنشطه السكولوجيه التي أوضحت هذا التواصل ببنى خطابيه متباينه، وهذه التوقعات تعطينا خواص للتحول في منطق الأشياء، والتشكيل في الحدث الحكائي وسرديته الممكنه أستناداً إلى السيمياء النصيه والتي أضحت من الخاصيه المتوقعه في الأمكان المعرفي لنسق النص وديمومته ، وهذا مانلاحظ في رده على أمرأة قالت له: ما أدري لمَ يهابك الناسُ مع قبح وجهك! فقال لها بشار: ليس من حُسنِه يُهاب الأسدُ.
هذا الأشكال المعرفي يدلل على سرعة البديهيه عند (بشار) في رده على هذه المرأه وكذلك في ردّه على (عقبه بن رؤبه بن العجّاح) عندما أستخف به (بشار) فقال له عقبه: أتستخف بي يا أبا معاذ وانا شاعر أبن شاعر؟! فقال بشار: فأنت إذن من اهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا! ثم خرج من عند عقبه بن سَلم مغضباً، فلما كان الغدِ غدا على عقبه بن سَلم وعنده عقبه بن رؤبه، فأنشده أرجوزته التي أولها:
ياطلَلَ الحيّ بذاتِ () الصَّمْدِ
بالله خَبِّر كيف كنت بعد بعدي

ويقول فيها:
قامَتْ تُراءي إذْ رأتْني وحْدي
كالشَّمس بين الزِّبْزج () المُنقَذِّ

صَدّتْ بِخَدٍ وجَلَتْ عن خَدٍ
ثمّ أنْلنت كالنَّفَس المُرتّد

عهدي بها سَقياً له من عَهد
تُخِلفُ وَعْداً وتفي بوَعدِ

فنحنُ من جَهْدِ الهوى في جَهْدٍ
وزاهرٍ من سبِطٍ وجَعْدِ ()!

لقد أستخدم (بشار) في هذه الأرجوزه التشكيل السيكولوجي في بناء الحدث الدرامي لتشكيل المعنى داخل النص الشعري، وذلك بفعل سيكولوجيه الملكات التي تُميز(بشار) إضافه إلى تناوله المنهج العقلي للنص الشعري أضافه إلى مفهوم (الذكاء العام) والقدره على تشكيل الصوره الشعريه بفعل متفرد، وهو يستدعي حالة (التأمل الموضوعي) لصنع (نص شعري) يتوافق مع المماثله في حلقات التراث ومفهوم الوجودي، بأعتبار أن (بشاراً) ليس شاعراً كلاسيكياً بل إنه مجدد في مفهوم النص الشعري، وهذا مانلاحظه من نفس واسع وطريقه أستدلالية توضح معنى الفعل وشروطه الفعاله بمعناها الحسي الأعم والأكثر دقه في إنتاج (الصيروره العاطفيه والعقليه) في إنتاج النص الشعري من الناحيه التوليديه في أدق أنتاجيه سسيولوجيه في تعريف وعي البنيه الشعريه بأعتبارها نظاماً من تحولات تتضمن قواعد وقوانين كنظام، أي أن أثراء هذه التحولات يأتي من خصائص العناصر المكونه لهذه الأنظمه وهي التي تحافظ على حدود هذا النظام ولا تحاول زعزعة هذه العناصر بتدخلات خارجية، فالأرجوزه تمركزت حول ثلاث أتجاهات هي: الشمول، التحولات والأحتكامات الذاتيه والموضوعيه وبشار بن برد في هذه الأرجوزه شكل خصائص مشبعه بالحيويه وبالصياغه الفنيه التي شكلت بنية القصيده في معادلة تؤكد كيفية الكشف عن متانة شعريه متطوره .
فطرِبَ (عقبه بن سلم) وأجزل صِلته، وقام (عقبه بن رؤبه) فخرج عن المجلس يجري وهرب من تحت ليلته فلم يَعدُ إليه.
وقيل: دخل المهدي إلى بعض حجر الحرم فنظر إلى جاريه منهن تغتسل، فلما رأته أسْتَحْيَت ووضَعت يدها على فرْجها، فأنشأ المهدي يقول:
نَظَرتْ عيني لَحِيْني
فقال :
نظرت عيني لحيني
نظراً وافق شيْني

سَتَرتْ لما رأتْني
دونَه بالراحتينِ

فَضَلتْ منهُ فُضُولٌ
تحت طيِّ المُكنَتينِ

فقال له المهديّ: قبحك الله! ويلك! أكنت ثالثُنا؟ إيه! ثم ماذا؟ فقال:
فتمنيتُ وقلبي
لِلهوى في زَفْرَتينِ

ليتني كنت عليهِ
ساعةً أو ساعتينِ

فضحك المهديّ، وامر له بجائزه، فقال له: أقنعت يا أمير المؤمنين من مثال هذه الصفه: بساعه أو ساعتين؟ قال: فكم ويلك؟ قال: سنه او سنتين، فقال: أخرج عني قبحك الله! فخرج بالجائزه () .
بهذا التغمص المشروط بموجبات يستخدم المفهوم الشعري بحذر جهوري وفي سيمائيه نصيه مشروطه بتكوين الحدث الشعري و(بشار) جعل أفتراضه في أن يجعل وجوده ثالثاً مسبوقاً من الناحيه التأويليه لمفهوم الصوره الشعريه وعوالمها الامكانيه المتعاقبه بقرار أنطولوجي يساوي هذه العوالم بمعنى القصيده الأمكانيه وفي التنميه لأحداث معينه، فاللوحه الترسيميه التي تمركزت في النص، وأعتبرت حدثاً درامياً كان منطقه منطقاً فكاهياً إنطباعياً عبر عنه (بشار) برؤية عالمه المسكون بأنفتاح مركب، فجاء التركيز على الرؤيه والحدس ولكن بصياغة شعريه متركبه في بنية تطابقيه لما جاء بها (المهدي) .
والحكايه هي: إطار قبلي تتحرك بمعترك تجريبي وليد لعمليه حدثت بالرؤيه و ولكن الذي أحدثه (بشار) هو طور التناص الشعري وبعثه برؤية أكثر تركيزاً وتطوراً، خاصه في البيتين الاخيرين.
وقد حدث مع أمراه اخرى إلا إنه بشكل مختلف: حيث دخلت مجموعه من النسوه على بشار في مجلسه ، فسمعن شعره، فعشق أمرأة منهن وقال لغلامه: عرفها محبتي لها وأتبعها أذا أنصرفت لتعرف منزلها ففعل الغلام واخبرها بما أمره به، فلم تجبه إلى ما احبّ، وتبعها إلى منزلها حتى عرفها، فكان يتردد إليها حتى برمت به، فشكته إلى زوجها، فقال لها: أجيبيه وعديه أن يجيئك إلى ها هنا ففعلت، وجاء بشار مع أمراه وجهتْ بها إليه، فدخل وزوجها جالس وهو لا يعلم، فجعل يحادثها ساعةً ثم قال لها: ما أسمك بأبي انت؟ قالت: أُمامه، فقال:
أُمامةُ قد وُصفتِ لنا بحُسنٍ
وإناّ لا نراكِ فأَلْمسِينَا

فأخذت يده فوضعتها على أير زوجها وقد انفط ، ففزع ووثب قائماً، وقال:
عليّ أليّةٌ مادمت حيّاً
أمُسّكِ طائعاً إلاّ بعودِ

ولا أهدي لأرضٍ أنت فيها
سلامَ الله إلا من بعيدِ

طلبتُ غنيمةً فوضعت كفي
على أيرٍ أشد من الحديدِ

فخيرٌ منكِ ما لاخير فيه
وخيرٌ من زياتكم قعودي ()

وهكذا يتم تسويق الحدث الشعري بتعاقب حالتين يشير إليهما (بشار) في حالة التأول بحالة سيكولوجيه يغيب فيها التعليل ويحضر فيها التوكيد الفني في النص بأعتباره حركه سيكولوجيه فنيه تتخطى الثنائيه وتتحرك وفق متطلبات أنيه، وهي إستمرار لمرجعية تأريخيه في شعر الفكاهه والشد والقدره على المبالغه في تشخيص المعادل الشعري وأنموذجه الجدلي الذي عبر عنه (بشار) في هذا المعترك الذي لزمه الواقع الأخلاقي، ونحن نقدر أستخلاص حقيقة المعنى التأريخي الذي أنبنى على تداخلات سيكولوجيه وأستعاده لمعنى حركية التاويل في النص الشعري، والنص مركب بشكل أستردادي لفكرة التراث المملوء بهذه الصوره الشعريه التي افصحت عن مكنون ذاكرة (بشار) التراثيه وهي جزء من فكره فلكلوريه تتأكد بحدسيه تصور هذه الفرضيه السسيولوجيه التي تتعلق بجدلية الحكايه وعلاقتها بالزمنيه السرديه وهو الجدول الذي يجمع الترسب Sedlmentation والأبتداع Innovation () ومن هنا كان تركيز (بشار) على حقيقة النموذج في النص الشعري المشبع بالتراث الفولكوريه وبالخواص السرديه أو المحاكاة داخل منظومة من خواص الاحاله في الأسلوب الشعري الذي يضع الصوره الشعريه في المقدمه التركيبيه للنصوص الشعريه.
لازم بشار باب (يعقوب بن داود بن طُهمان) مرةً فلم يعطه شيئاً، فأنصرف إلى البصره مغضباً. فلما قدم المهدي البصره أعطى عطايا كثيره ووصل الشعراء. وكان ذلك كله على يدي يعقوب، فلم يعط بشاراً شيئاً من ذلك، فجاء بشار إلى حلقة يونس النحويّ فقال: هل ها هنا أحد يُحتشم؟ فقالوا: لا فقال: خليفة يَزني بعماته ولم يحظ منه بشيء فقال يهجوه:
خليفةٌ يزني بعماتّه
يلعبُ بالدَّبوق () والصولجانْ

أبدلنا الله به غيرَهُ
ودّسَ مُوسى في جرٍ () الخيزرانْ

وكان بشار قد قصد المهدي ووزيره يعقوب بن داود بن طُهمان نمدح يعقوب فلم يعطه شيئاً ومر يعقوب ببشار يريد منزله، فصاح به بشار:
بني أمية هُبُّوا طال نومكمُ
إنّ الخليفةَ يعقوبُ بن داودِ

ضاعت خلافتكم ياقوم فأْلتمِسوا
خليفةَ الله بني الزّق والعُودِ

وكان المهديّ ولى (صالح بن داود) أخا يعقوب، البصره فقال (بشار) يهجوه
هُمُ حَملوا فوقَ المنابر صالحاً
أخاك فضّجت من أخيكَ المنابرُ

فبلغ ذلك يعقوب ، فدخل على المهدي، فقال: أمير المؤمنين، أبلغ من قدر هذا الأعمى المشرك أن يهجوا أمير المؤمنين: قال: ويحك، وماقال: يعفيني أمير المؤمنين من أنشاده، فقال: لا بحياتي أنشدني، فقال: والله لو خيرتني بين أنشادي إيّاه وضَرْبَ عُنقي لأخترتُ ضرب عُنقي، فخلف عليه المهدي بالأيمان التي لا فسحة فيها أن يخبره، فقال: أما لفظاً فلا، ولكني أكتبُ ذلك، فكتب ودفعه إليه، فكاد ينشق غيظاً.
حدث هذا قبل أن ينحدر المهدي إلى الى البصره، فعزم على الأنحدار إليها والنظر في أمرها فلما بلغ (البَطِيحه) سمع أذاناً في وقت ضحى النهار، فقال: أنظروا ماهذا الأذان؟ فأذا (بشار) يؤذن سكران، فقال له: يازنديق! ياعاض بَظْرَ أُمه! عجبتُ أن يكون هذا لغيرك، أتلهو بالأذان في غير وقت الصلاة وأنت سكران، ثم دعا (بأبن نهيك) فامره بضربه بالسوط، فضرب بين يديه على صدر (الحراقّه)() سبعين سوطاً (أتْلفه فيها) وكان أذا أصابه يقول: حَسِّ: وهي كلمه تقولها العرب للشيء إذا أوجع فقال له بعضهم: أنظر إلى زندقته يا أمير المؤمنين، يقول: حس، ولا يقول: بأسم الله ، فقال: ويلك، أطعامٌ هو فأسمي الله عليه، فقال له أخر: أفلا قلت: الحمد لله فقال: أونعمة هي حتى أحمد الله عليها ، فلما ضربه سبعين سوطاً بان الموت فيه، فألقي في سفينة حتى مات ثم رُمي في (البطيحه) فجاء أهله فحملوه إلى البصره فدفن بها.
إن ما حصل من درس في هذه الحكايه: هو أن (بشاراً) أوجز المفهوم التقليدي لكل نهايه تقع في إشكال المحتوى الفكري المتمرد (فبشار) كان شاعراً متمرداً، وهذه الأنتقالات والهجاء لكل من يقف طريقه التي تتعلق بمفهوم الوعي التطبيقي لخواص التحول من الأشكال إلى المعنى، فالوقوف بهذا الشكل أمام مفهوم الهيمنه التي مثلها (المهدي) أمير المؤمنين واللغه التي تعامل بها مع بشار بعد ان وصله خبر هجاءه يفسر لنا (بشار) من خلال هذا المعنى التأريخي ومركزية الطروحات السرديه للحكايه بأعتبارها أنموذجاً مفهومياً يوضح هذه العلاقة المتشابكة بين مفهوم معنى النص وخواص السرد في هذه الحكايه، وما تمخض عن ذلك من قص فني تكشف من خلال حركة (المهدي) وأنتقاله إلى البصره حتى ألتقائه (بشار) والحال في هذه المحاكاة والتي تركز معضمها في خواص المعاني وأنسجته التوافقيه إضافة إلى عمليات التوازي في وصف معنى التكوين الدلالي وطروحاته التأويليه في هذه النصوص سواء السرديه منها أو الشعريه. لكننا من خلال هذه الحكايه المتوازنه نستنج وضوح هذا السرد الفني إضافه إلى التشكيل التوثيقي لخواص هذه الحكايه وتعبيرها التعاضدي والأستجابه التوليفيه في تقليد النصوص التي تنتقل من الحاضر إلى الماضي بمفردة تستوعب خواص التراث العربي وحدوده التأريخيه.
و(بشار) كان شاعراً يتناول الأستيعاب الكلي للمعاني بأتجاه خلخلة حركة الواقع الأجتماعي وخواصه السسيولوجيه والتي تستند إلى محتويات تتعلق بالجدل (التصويري للحدث) أضافه إلى محتويات الوعي النقدي التي أختزلها (بشار) في دورة في عمليات تفسير مستوى المنطق المعارض لكل أمتلاك وهيمنة من قبل (المهدي).
وكان (بشاراً) يؤجج عملية الصراع بأتجاه أثبات للأستجابه لوعي مرحلة جديده سواء على مستوى السرد أو النص الشعري بأعتباره شاعراً مجدداً في (البناء والمعنى)، هذا يعني أنه كان مدركاً لما يحدث للأستنطاق في إطار المعاني واستجابته لمقولة الماضي التراثي والفكري والعربي كون التقليد في إستجابات التراث يعزوها (بشار) إلى تشكيل في خواص الدلاله عبر المحاججه والحوار المستمر مع (العقل) الذي تمركز في بناء إعتقاد يؤكد حقيقه (توصل) بالشاعر إلى إنجاز رسالته، وهو الأختلاف من أجل وعي الحقيقه التأريخيه ودفاعه عنها من موقع (أحترافي تجذيري) أستخلصه (بشار) من أجل دعوة التعارض والتضاد الأيديولوجي في إحتراف جوهرية معنى التصور الحقيقي للنص سواء في حاضر السرد أو التشكيل البنائي للنص الشعري.
أخيراً نقول أن (بشاراً) كان يضع (شرعية النص الشعري في مقام النقد الأجتماعي) وهو التعبير عن خواص هذا الاختلاف .
وكانت وفاته وقد ناهز التسعين سنه وقيل: مات سنة ثمانٍ وستين ومائه.
وقد بلغه نيفاً وتسعين سنه.
ولما قتل (المهدي) (بشاراً) بعث إلى منزله يفتشه، وكان يُتهم بالزندقه، فوجد في منزله (طومار) وهي صحيفه كتب فيها (بسم الله الرحمن الرحيم): إني أردت هجاء أل سليمان أبن علي فذكرت قرابتهم من رسول الله (ص) فإمسكت عنهم إجلالاً له (ص) على إني كنت قد قلتُ فيهم:
دينار أل سليمانٍ ودْرهمهم
كالب بليين حُفّا بالعفاريتِ ()

لايُبصران ولا يُرْجى لقاؤهما
كما سمعتُ بهاروتٍ وماروتِ ()

وهكذا كانت: نهاية (بشار) وكان (المهدي) قد بكى وندم على قتله حين قرأ (الطومار) فأكتشف أن (بشاراً) لم يكن زنديقاً ولكن (يعقوب أبن داود) حين هجاه (بشاراً) كان قد لفق عند (المهدي) شهوداً على أنه زنديق فقتله فندم (المهدي) على هذه الفعله الشنيعه.
وقد ذُكر أبو الفرج الأصفهاني أخباراً (لبشار) مع (عَبْدة) ومع (حَمّاد عَجرد) ومع (أبي هاشم الباهلي) في مواضع من كتابه، والشعر الذي فيه الغناء لـ(بشار) وأفتتح به أبو الفرج أخباره هو:
(حوراءُ إن نظرت) وقد تقدم ذكره.
هكذا أنطوت صفحة من صفحات الأدب في موت (بشار) في أختيار مركب مع شبكة المواصلة في صياغة النص، ومواصلة مجرى الحكاية الدرامية في موت (بشار) وهو: الخروج من حركية النص إلى تقدم الأستدلالات في موضع البحث عن هذا الشاعر في خروجه عن التقليد وعن تفاصيل المخصوص في بناء الحكاية، وإستخلاص نتيجة معمقة في بناء النصّ الشعري عند (بشار).


هو رجل من اهل المدينة، ثم من موالي بني لَيث بن بَكْر بن عبد مَناة إبن كِنانة. ويُكنى أبا خالد. مُغنٍ محسن، كثير الصنعة. من طبقة أبْن جامع وأبراهيم الموصلّي، وكان ممن قَدِمَ على (المهدي) في خلافته وغنّاه. وكان حسن الصوت، حُلْو الشمائل.
وذُكر أنه كان صديقاً لأبي العتاهيه ، فقال أبو العتاهيه أبياتاً في أمر (عُتبه) يتنجر بها (المهدي) ماكان وعده أياه من تزويجه بها، فأذا وَجد من (المهدي) طيب النفس غنّاه بها وهي:
ولقد تنسّمت الرِّياح لحاجتي
فأذا لها من راحتيك نسيمُ

أعلقتُ نفسي من رَجَائِك مالهُ
عَنَقٌ إليك يَخُبّ () بي رسيمُ

ورميتُ نحو سَماءِ جَوْدكِ () ناظري
أرْعى مخايلَ بَرقِها وأشيمُ

ولربّما أسْتيأستُ ثمّ أقولُ لا
إن الذيّ وَعَد النّجاح كريمُ

إن الفرضيه الشعريه التي عبر عنها الشاعر في هذه الأستجابه لمعنى النموذج الشعري الغنائي تعتبر: أستجواباً لما يطلقه الشاعر من تقليدية تعني العملية الادراكية ودرجة الأستنطاق لمعنى يستدعي أستجابة توكيدية في حدود هذا المديح الذي من مكوناته (السسيولوجيه) هو: حالة التعريف في النقلات من صورة شعرية إلى صورة شعرية اخرى، كما هو الحال في البيتين الأول والثاني، وياتي التدافع في المعنى ليشكل تذكراً حد الأعتقاد بالشعور التأريخي نحو هذا الصوت الخفي للشاعر والذي يمثل الموقف بأمتلاك يكشف عن عبارة تحدد موقعه من هذه الحياة والتي لا تعني شيئاً أزاء ما أنْقاد من قبل الأخر وحتى بخواص مؤجله، ونحن ازاء أنقطاعات في حلقات النص الشعري ولاندري ما معنى هذا الرجاء الذي يتلّوى في حضرة الأخر وهو الذي يكون معنى تكوينياً لهذا الأخر .
وبعد: فأن الأبيات تنطوي عن تأويلية تواصلية تستقل في جدل متواصل: للبرهنة عن هذه الأنقطاعات داخل هذه الأشكاليات .
كان يزيدَ حَوْراء: صديقاً (لأبي مالكٍ التميمي الأعرجي) لا يكاد يفارقه، فمرض مرضاً شديداً وأُحتض. فأْغتّم عليه (الرشيد) وبعث بـ(مسرورٍ) مراتٍ يسأل عنه، ثم مات فقال (أبو مالك) يرثيه:
لم يُمتّع من الشباب يزيدُ
صار في التُرُّبِ وهو غَضٌّ جديدُ

خانه دهرهُ وقابله هذ
هِ بنَجْسٍ ودابَرته السّعودُ

حين زُفت دُنْياه من كل وجهٍ
وتدانى منها إليه البعيدُ

فكأنْ لم يكنُ يزيدُ ولم يشـ
بحُ نديماً يَهُزُّهُ التغريدُ ()

هذه القصيدة تعبر عن فرضية وسيناريو كان قد تناقص مع مجرد (العادة) في سرود الحدث، واللجوء إلى الهيئه اللازمه في الرثاء .
وإن النص الشعري قد أستعاد (الأستعارة) في حركة البناء من خلال الحركة الرشبقة في النسج كما هو الحال في البيت الثاني.
إننا أمام مكون شعري (يسوقه النسق الأيعازي) حتى يصل إلى (أتّون الحكاية) من خلال هذا الأختلاف وأستجواباً لحقيقة النص الشعري والتي مارست الضغط الغنيّ على حساب المعنى.ولكن تبقى النزعة الأنطباعية في الشعر قبل الأنتقال إلى خواصّ الصياغة في الحدث الشعري.



هو عكاشة بن عبد الصمَّد. من اهل البصره من بني العّم. وأصل بني العّم كالمدفوع، يقال إنهم نزلوا في بني تَميم بالبصره في أيام عمر بن الخطاب ، فأسلموا وغَزَوْا مع المسلمين وحُمد بلاؤهم . فقال الناس لهم : أنتم وإن لم تكونوا من العرب، إخواننا واهلنا ، فأنتم الأنصار والاخوان وبنوا العّم. فلُّقبوا بذلك. فصاروا في جملة العرب.
و(عكاشة): شاعر مقلّ من شعراء الدوله العباسيه، ليس ممن شهد وشاع شعره عند الناس. ولا ممن خدَم الخُلفاء وقدمهم.
وكان يهوى أمراة يقال لها: نُعَيْم. وله فيها:
عَلامَ حبلُ الوفاء منصرمُ
وفيمَ عنيّ الصُدور والصَّمَمُ

ياربَّ خُذلي من الوُشاة إذا
قامُوا وقُمنا لديكَ نختَصمُ

من حَلَّ حبلَ الوفاء سيّدتي
مِنكِ ومَنْ سامني لهُ القدَمُ

قَدْ عيلُ صَبري وإنتِ لاهيةٌ
عنيّ وقلبي عليكِ يَضْطرِمُ

دَبُّوا إليها يُوسوِسُنَ لها
كي يسْتزّلوا حبيبتي زَعَمُوا

هيهاتَ مِنْ ضَلَّ سعيهم
ماقلبُها المُستعارُ يُقتسمُ

يا حاسدينا مُوتوا بغيظكمُ
حَبْلي متينٌ بقولها نَعَمُ!

باللهِ لا تُشَمتي العُداة بنا
كوني كقَلبي فلست أتَّهمُ

أراد الشاعر(عكاشة) أن يظهر هذا الوفاء وخياراته المتوقعه في قيمة هذا المدلول الأحتمالي الذي يضع القيمة في هذا الخطاب الشعري دون أعتبار لأيّ أتساع معكوس من هذه الحكايه التي جمعته مع من أحّب.
إن هذه الأبيات تبين مهاره في بناء النص الشعري مع حدود التوقع في أن يجعل الشاعر هو المتجاوز الأول لكل الوشاة الذين كانوا يتصيدون في الماء العكر، لكي يصلوا إلى حالة إنقطاع إلى الوسواس.
وهذا البناء(في القصيدة) يعتمد على نمذجة تجذيريه تؤكد أغلاق الحكاية بشكل يتعلق بالفيض من قبل أولئك (الوشاة) والحاسدين. ومن هذا القول إن(عكاشة) واصل تفصيل السرد الشعري بخواص تحكمها التعيينات المختلفة في هذه الحكائية الشعرية التي أبرزها الشاعر.
وذكر إن عكاشة(أنشد المهدي) قوله في الخمر:
حَمراء مثلَ دَمِ الغزالِ وتارةً
عِنْدَ المِزاجِ تخالُها زِرْيابا!

وقد شبه (عكاشة) الخمر بدم الغزال، لأن: دم الغزال له حَسن من الجمال ونقي نقاء الخمرة المراد بها مثل نقاء دم الغزال.
هذا التشبيه في هذا النص الشعري يُعتبر توجيهاً للتتابع (الموضعي) في خواص البناء من الناحيه الفنيه، وعليه يعتبر الشاعر إن عملية التجلي هذه تعود إلى: نوعية التدرج في شعرهِ بأعتباره نموذجاً لحلقة نصيه مفتوحة في مداخل النص الشعري ومخارجه. بدلالة كف الجاريه والبنات الذي هو من (فضة) وهي دلالة أخرى على الربط الأحتمالي في قيمته داخل الخطاب الشعري، وهو الذي يتولى الأشراف على هذه العلاقة الجدلية بين هذه الأحتمالات وهي تتعاظم داخل نمذجة هذه الأشكالية الشعرية.
إذا نحنُ نُسقاها شَمُولاً قَرْقَفا
تَدع الصَّحيحَ بعقلةٍ مُرْتابا

حمراءَ مثلَ دمِ الغزالِ وتارةً
بعد المزاج تخالُها زرْيبا

من كفّ جاريةٍ كأن بنانها
من فِضةٍ قد قُمعِّتْ عُنَّابا

والعودُ مُتبّعٌ غِناءَ خَريدةٍ
غَرداً يقول كما تقولُ صوابا

وكأن يُمناها إذا نطقتْ بهِ
تُملي على يدها الشّمالِ حِسابا

والشاعر أشكل عدة نماذج وإستجابات تستوجب حركية الزمكان بمعنى يستدعي أستجابات تأويلية في النص الشعري والذي حدث هو إن عملية أستنطاق المعنى ونقله إلى حركية تراثية قد تمت بدقة، يفرزها هذا التطابق في الحوار.




هو قُطْبَة بن اوس بن مِحْصَنْ بن جَرْوَل بن حبيب الغطفاني، ثم المازني، والحادرة والحُويدرة: لقبان له.
وهو شاعر جاهلّي مُقّل. والشعر الذي يُغَّنى به وأفتتح به أبو الفرج الأصفهاني أخباره، هو:
بكرت سُميَّة غدوةً ، فَتَمتَّعي()
وغَدَتْ غُدُوَّ مُفارق لم يَرْبَعِ()

وتعرضّت لكِ فأْستَتَبْكِ() بواضحٍ
صَلْتٍ كمنُصّ الغَزالِ الأَتلعِ!

وهذا من قصيدة منها:
أُسَميّ ما يُدْريك كمْ مِنْ فتيةٍ
باكرتُ() لَّذتُهم بأدْكَنَ مُتْرَعِ

بَكروا عليَّ بسُحرةٍ فَصَبَحتُهم
من عاتقٍ كَدَمِ الذَّبيحِ مُشَعْشَعِ()

وذكر بعض أهل المدينه: أنه كان (حسان بن ثابت) الأنصاري، إذا تُنوشدت الأشعار في موضع كذا وكذا، يقول: فهل أُنشدت كلمة الحُويدرة:
(بكرتْ سُميَّة غدوةً فتَمتّعي)
قيل: هذه القصيده من مُختار الشعر: (أصمعيّه مُفضلَّيه()) .
إن العالم الأمكاني لشعر (الحادرة) يأتي بضرب يحدث خاصية في معنى الدقه (بالرغم من إن المُهذب لم يترجم له سوى صفحه واحده)، ولكن التوقع ممكن في المفاجأة الشعريه وأنسجتها التصويريه بدلالة وعي المعنى الذي: يأتي في المقدمه من هذه الأبيات وهي تتعلق بمفهوم الحكم الشعري ودورته التصديقيه من حيث الأمكان والأتباع والأبداع، وهي خواص موجودة في المنظومة الشعرية التي أرتبطت بمنطق قصدي يعالج عدة مفاهيم (رومنتيكيه) داخل عدة من المدلولات الممكنه، وهذا المنطق هو: معطى ملموس يعني رموزه الضرورية بتأويل هذا المعطى.
وإن النظرية الشعريه والدلالية تعالج المدلول في فضاء القصيدة: وهذه الأبيات عباره عن عوالم أمكانية مجردة، لكنها تحتكم إلى بنية شعرية متينة وبمدى أنتظام المألوف من خواص هذه المنظومة الشعرية وأنعكاساتها وفق التوافقات الملموسه من وجهة نظر (سيمائية) نصيه مليئه بالصورة كما هو الحال في البيتين الأولين.
والوجهه الشكلية الثانية وأمكانات بُنيتها في نموذج التأويل من طراز المستوى الحدسي في هذه الأستعارة كما هو الحال في البيتين التاليين.
وهذه الأبيات شكلت أنموذجاً متناهٍ في أجمالية هذه النصوص الشعرية وحركتها المتكونة من خيارات تختلف في حدود المعاني التي ينطوي عليها الجانب الحدسي وأختلافاته الأمكانية وشرعية الحَسْم في هذه الأشتراطات الشعرية.
ومن الضروري أن تخطى هذه المباشرة في تشكيل النص والأتصال بــ(توضيح أعمّ) في صياغات (الأنعتاق) و(التساوي) في هذه النصوص، رغم أن النصوص (الحادرة) تشكل أنعطافه شرعية في الصياغة الشعرية والتي تظل تتعلق بمتانة الصياغة، ولكن في نظرنا على أسس متسامية أكثر من هذه التشكيلات الشعرية التي تستند إلى نمطية تقليدية من ناحية التشبيه والأستعاره، إضافة إلى (منطق الدلالة والمعنى).



هو سَعيد بن مِسْحج، أبو عثمان، مولى بن جُمَح. وقيل: مولى بني نوفل بن الحارث بن عبد المُطّلب. مكيّ أسود. مُغّنٍ متقدمّ من فُحول المُغنين واكابرهم، ومن أول مَن صنع الغناء منهم. ونقل غناء الفرس إلى غناء العرب. ثم رحل إلى الشام فأخذ ألحان الروُّم وتعلّم منهم الضرّب. ثم قدم الحجازَ وقد أخذ محاسن تلك النغَّم واخذ عنه (عُبيد بن سريج) وأخذ (الغريضُ) عن (أبن سريج)().
هذه الحكاية تكشف عمليات التضاد في خواص السرد، ونحن نستند إلى العقل النقدي خاصة في تفاصيل حركة التراث والأعتقاد بالشعور التأريخي أزاء ذلك. وإن حقيقة السرد التأريخي يُعطينا شعوراً ذاتياً من خلال حقيقة يستمد وجودها (أبي الفرج الأصفهاني) وهو يستند إلى سلطة الحكم السردي للكشف عن هذه النصوص السرديه الحكائية وهي تستند إلى معنى الماضي في خواص التراثيه.
وأبن (مِسْحج) يوضح رمزية لهذا التضاد الغنائي لأنه أكتسب هذا الغناء من الفرس عبر حادثة تأريخية: عندما (حُوصر) عبد الله بن الزبير بمكة وهو الحصار الأول في زمن (يزيد بن معاوية)، حين سمع (أبن الزبير) أصواتاً في الليل فوق جبل فخاف أن يكون أهل الشام قد وصلو إليه، وكانت ليلة ظلماء ذات ريح صعبة ورعد وبرق، فرفع ناراً على رأسِ رمح لينظر إلى الناس، فأطارتها الريح.
هذه الحكاية تستنطق جواباً مكملاً لهذه الحكاية، وهي الفاصله التي ومدركات هذا الأستنطاق لمعنى الحادث الذي حصل، والحدث الذي كان السبب في تأثر (أبن مِسْحج) بالغناء الفارسي من خلال مكونات في الحكاية بأعتباره هو الدعوة إلى وعي، الحقيقة من خلال هذه المجابهة التي ذهب بالنار إلى حرق أستار الكعبة حيث ماتت أمراة من (قريش) فخرج الناس كلهم في جنازتها خوفاً من أن ينزل العذاب عليهم وأصبح (عبد الله بن الزبير) ساجداً يدعو ويقول: اللّهم أني لم أعتمد ماجرى، فلا تهلك عبادك بذنبي ، وهذه ناحيتي بين يَدَيْك. فلما تعالى النهار أَمِن وتراجع الناسُ.
فقال لهم: الله الله أن ينهدم في بيت احدكم حجرٌ أو ينزل عن موضعه فيبنيه ويُصلحه وأترك الكعبة خراباً. ثم هدم الكعبة مبتدئاً بيده ثم تبعه الفَعَلةُ حتى بلغوا قواعد (أبراهيم عليه السلام).
هذا القسم الثاني من الحكاية وهو الحسم في أستخدام هذه البنى من الأفعال لكي نستعيد المنطق الجهوري في صياغة هذه الأيحاءات المتعلق بالنص السردي كونه وضع العلاقة المتجانسة بين منطق الحكاية في قسمها الأول والثاني في حريق الستارة، اما القسم الثالث من إشكالة هذه الحكاية السردية، هو الدعوة إلى بنائين من الفرس والروم لبناءها. فبناها. وكانوا يبنون الكعبة ويتغنون بالفارسية، هنا يأتي الأخراج السردي في حدود النص وخصوصية وإمكانه الحكائي ليكتمل الفصل في المشهد الحكائي، وهو سماع (أبن مِسْحج).
و(أبن الزبير) لما هدم الكعبة ادخل فيها الحجر وجعل لها بابين متقابلين للدخول والخروج وذلك لحديث بلغه عن رسول الله (ص) وهو ان قال عليه السلام لعائشة: لو لا أن قومك حديثو عهد بالكفر لأدخلت الحجر فيها وجعلت لها بابين ، يُدخل من احدها ويُخرج من الأخر. هذا يعني: إن مفهوم مقولة: المنافع في تقدير هذا الأنعتاق في صياغة السرد وما يعنيه هذا المعنى في إن الرسول (ص) وضع الخيار الفكري لا التأريخي، بأعتبار أن عملية الأتصال بهذا التشكيل من الوعي السسيولوجي فهو يتعلق بجانبه الفكري والفقهي. وتظل خطوة الرسول (ص) هي مقياس الحديث بالشرعية.
وبقى هذا الأمر إلى أخر ايام (أبن الزبير) فلما قُتل، وصف الأمر لعبد الملك بن مروان وولى الحجاز (الحجاج بن يوسف الثقفي) فهدم (الحجاج) الكعبة ثانية وأخرج منها الحجر وابقى لها باباً واحداً على الأمر الذي كانت عليه في زمن رسول الله (ص)، ولم يعرض الكعبة (شرفها الله) بعد ذلك شيء إلى سنة سَبعَ عشرة وثلثمائة في خلافة (المقتدر) فقصدها أبو طاهر القَرمطي الجنابي() لعنه الله صاحب هَجر في الموسم، فقتل الناس في الطواف وألقى جثث القتلى في بئر زمزم، وأقتلع الحجر الأسود وحمله إلى (هَجر) وبقى عنده إلى أن أهلك وولِي أولاده. ثم أشتري منهم بمبلغ كبير وَرُدّ إلى موضعه سنة 339ه أيام المطيع لله.
إن طريق العودة إلى بداية الحكاية تعطينا حالة يتم تاشيرها حين نجعل التأريخي ينبع من تاويلة محدثة، فتصرف (الحجاج) لما ولِيّ على الحجاز وقيامه بهدم الكعبة هو: هروب من واقع الحكاية إلى نهاية (لاتأريخية) في حين كان حديث الرسول (ص) مع عائشة يتعلق في صميم التأريخية الحديثة، وهنا يحدث (التميز) بين تصرف (الحجاج) في هدم الكعبة وجعل باب واحدة لها، حتى جاء القرمطي (طاهر بن سليمان) وهو فارسي الأصل وقتلِهِ الناس في الطواف وإلقاء جُثثهم في زمزم، وسرق الحجر الأسود وحمله إلى (هَجر) مما أُضطِر لشرائه ثانية من أولاده بمبلغ كبير هذه المحاولة الأستباقية عملت على فضح هذا السلوك بفعل التبادل لأخذ الحجر وادراك الفعل الذي قام به القرمطي والتردد في التعرف على أي موضوع يتعلق بمفهوم (المُحرمّ) وكان الفعل الأستباقي في تقييد هذا الحدث وإرجاع الحكاية إلى بدايتها بفعل هذا التعالي ومركزيته التي تجسدت في إرجاع الحجر والتمسك بحلقة تأريخية الحكاية رغم إننا نوصي بحقيقة المعنى التأريخي وتلازمه مع تفاصيل التراث الذي نحن بصدده من خلال هذه الحكائية.
ثم ننتقل إلى القسم الثاني من هذه الحكائية حيث ذُكر أن: عبد الملك بن مروان بلغه أن عبداً أسود يقال له: سعيد بن مسحج قد أفسد فتيات قريش بغنائه وأنفقوا عليه اموالهم، فكتب إلى عامله بمكة: أن أْقبِض ماله وسَيّره ففعل.
هذا الموضوع في هذا القسم من الحكاية يضعنا أمام تفصيل هذه الصورة من خلال تطبيق هذا التصور بالنسبة لـ(عبد الملك بن مروان) من خلال حدث جهوري ملزم في الحكاية، ولكي يمضي التشكيل الحكائي لابد من تمثيل للبنية في حركية الحكاية، وهذا يأتي عندما سمع (عبد اللملك بن مروان) سعيد بن مسحج بعد ان غنى أمامه بعد ان طلبوه وحضر أما عبد الملك بن مروان وسمعه ، فأهتز، فطرب عبد الملك، ثم قال: أُقسم إن لك في القوم أسماً كبيراً، من أنت؟ ويلك! قال: أنا المظلوم، المَقبوض ماله، المُسير عن وطنه، سعيد بن مِسحج، قبض مالي عامل الحجاز ونفاني. فتبسم عبد الملك وقال: قد وضح عُذر فتيان قريش في أن ينفقوا عليك أموالهم. وأمنه ووصله، وكتب إلى عامله برد ماله عليه ولا يَعْرَض له بسوء.
من الواضح أن هذا الخطاب الخفي في هذه الحكائية يُعطينا دليلاً صوتياً يقدمه محموعة من الأشخاص على شكل هرمون يبني خصائص سردية بأعتبارها رموزاً يحركها التأريخ والتراث وهي علاقة جدلية لاتخرج عن تفاصيل البناء المنطقي، وهذا ما يعنينا من علاقة الحركيات العلائقية بين التمدد والتجاور وكذلك الأستمرار والحدّ، وعلاقتها بنظرية البُنية الحكائية والسرد الذي يتقابل بخواص الكلام وفق التشكيل البنائي ووجهته المنهجية وفي الظواهر السسيولوجيه بالنسبة للتراث العربي.



هو محمد بن عبد الله بن مُسلم بن المَوْلى، مَولى الأنصار ثم بني عمرو أبن عوف.شاعر متقدم مُجيد، من مُخضرمي الدولتين، ومدّاحي أهلهما، قدم على (المهدي) فمدحهُ بعدة قصائد ووصله بصلات سنيّة، وكان ظريفاً عفيفاً نظيف الثياب، حَسِن الهيئة وكان مسكنه (بقُباء).
ذَكَر (عبد الملك بن عبد العزيز)، قال: خرجتُ أنا وأبو السائّب المَخُزومّي وعُبيد الله بن مُسلم بن جُندب وأصْبَنع بن عبد العزيز بن مروان إلى (قُباء) وأبنُ المولى متنكبٌ قوساً عربيةً، فأنشدنا أبن المولى لنفسه:
وأبكي فلا ليلى بكت صَبابة
إليّ ولا ليلى لذي الوُدّ تَبذُلُ

وأخنَعُ بالعُتبى إذا كنتُ مُذنباً
وإنْ أذنَبَتْ كنتُ الذي ينضلُ

فقال له: أبوالسائب وعبيد الله بن مسلم بن جُندب: من ليلى هذه حتى نقودها لك فقال أبن المولى: والله ماهي إلا قَوْسي هذه سميتها لَيلى!
وقيل: وَفَدَ أبنُ المَولى على يزيد بن حاتم نمدحه بقصيدته التي يقول فيها:
ياواحدَ العُرب الذي
أضحى وليس لَهُ نظيرُ

لو كان مثلك أخرٌ
ماكان في الدُّنيا فقيرُ() !


(إبن المولى) يقدم حصيلة معرفية في تفاصيل النص الشعري، والفروق الظاهرة في هذه الأبيات تبين منطق العادات في التراث،والتشابه في عمق الوعي الشعري والنتيجة في ذلك هو الأنعتاقة في سلمّ الحيرة في النصّ من حيث المباشرة، وتحطيما لتفاصيل التأويل، فهذا الأشكال يقع على (ليلى) ولكن (ليلى) أصبحت كشف قوس فضاعت في رموز ذلك المغزى (المولديّ)، وأخذت الصياغات التقليدية تتناسل في البيتين الأخرين في المديح (ليزيد بن حاتم)،فأكرمه،فضاعت الصورة لأنه نازعها (بطبيعتها) في تهشيم مظاهر الحياة في فضاء النص الشعري.وبقي (إبن المولى) يقفز ليستحضر الأشارة والخصوص في تصوير هذا الأختلاف في النص الشعري.
أما بالنسبة إلى النسق السردي فأنه قد بان تشكيله الخبري الواضح في السيرة.
وقيل: كان أبن المولى مداحاً (لجعفر بن سليمان) و(قُثَم بن العباس) (الهاشميّن)، و(يزيد بن حاتم)، وأستفرغ مدحه في (يزيد) فقال في قصيدته التي يقول فيها:
ياواحدَ العرب الذي دانتْ له
قحطانُ قاطبةً وسادَ نِزارا

إني لأرجو إن لقيتك سالماً:
ألا أُعالج بعدكَ الأسفارا

رِشْتَ الندى()ولقد تكسّر ريشه
فعلا الندى فوق البلادِ وطارا

وهكذا نرى المحاولات السيكولوجية عند (إبن المولى) يعالج بها خواص البناء و(التعكز) على الصنعة ولم يتجاوز الأنماط التقليدية في البناء، فاللحظة التي تتركب فيها نمطية النص يستجمع (إبن المولى) ليقول نصاً لا يتجاوز التقليد الذي طرحه قبله من الشعراء.
فأبن المولى لم يبتكر إيقاعات جديدة، وإنما نقول: إنه يبرمج قدرته الشعرية في سبيل روابطها بأستكشاف قابل للأنكشاف لأنه يوسع الأيقاع المباشر،وخطاب يدعو إلى صدقية تتحول إلى غزارة في بناء النص حيث تكون مسرفة أحياناً في دورة البناء الشعري
وتبقى الصورة عنده (مصادقة) بأبتكار يعكس حس التوازن السيكولوجي المحسوس وفي أحادية (مأزومة) في مداخلها ومخارجها، وهذا ما نلاحظه من خلال هذه الأبيات عند وجوده في العراق:
ذهبَ الرجالُ ولا أُحسّ رجالا
وأرى الأقامةَ بالعراق ضلالا

وأرى المُرجي للعراق واهله
ظمأنَ هاجرةٍ يُؤملُ ألا

وطريقُ إذ ذكر المدينة ذاكرٌ
يوم الخميس فهاجَ لي بلبالا

فَظَلَلْتُ أنظرُ في السماء كأنني
أبغي بناحية السّماءِ هِلالا

طرباً إلى أهل الحجارِ وتارةً
أبكي بدمعٍ مُسْبَلٍ وإسبالا





هو مولى الأنصار. ثم مولى عمرو بن عَوف. وكان ينزل (قُبَاءَ) وكان جميل الوجه، حسن الغناء، طيب الصوت،جيد الصفة،حسن الزي والمُروءة. وكان فقيهاً قارئاً للقرأن، يُغني مرتجلاً. أدرك دولة بني أمية.وبقى إلى أيام الرشيد. وكان مُعدل الشهادة بالمدينة.
وحكي أن: سَلمةَ بن العباد ولي القضاء بالبصرة، فقصد أبنه (عَبادَ بن سَلَمة) منزل (عَطَرَّد) وكان قد قدم البصرة قاصداً (أل سُليمان بن عليّ) وأقام معهم.فأتى (عبادٌ) بابه ليلاً فدق عليه ومعه جماعةٌ من أصحاب (القَلانس) فخرج (عَطَرَّد) إليه فلما رأه ومن معه فزع. فقال: لاتُرَع:
إنيّ قصدتُ إليك من أهلي
في حاجةٍ يأتي لها مثِلي

قال: وماهي؟ أصلحك الله: قال:
لا طالباً شيئاً إليك سوى
حي الحُمولَ بجانب()العَزْلِ

فقال: إنزلو على بركة الله.فلم يزل يغنيهم هذا وغيره حتى أصبحوا والذي طلبوا أن يغنيهم فيه شعر (أمريء القيس) الكندي.
خواص تطبيق النصوص الشعرية: ما يتعلق بالنوع الأدبي، ووسواس (عَطَرَّد) يتعلق بتركيبات الأبيات، وخواص التفرد والتكرار في صياغة الصورة يأتي من: فهم التصورات وكذا يخلص النص في نظر (عَطَرَّد) من موقف يتأمل في متن الشخصية والحاجة إلى مدحها أوحاجته إليها.
وهذه الحدود في المشاهد الدراميّة وحاجة (عَطَرَّد) إلى أن يغني من شعر (أمريء القيس):
حَيِّ الحُمول بجانبِ العَزْلِ
إذْ لا يُوافقُ شكلُها شكلي

الله أنجحُ ماطلبت به
والبِّرُ خيرُ حقيبة الرَّحْلِ

إنيّ بحبلكَ واصلٌ حَبْلي
وبريش نَبْلِكَ رائِشٌ نَبلي

وشمائلي ماقد علمتُ وما
نَبَحَتْ كلابُكَ طارقاً مِثلي()

لقد أعطى (أمريء القيس) حسية كبيرة في تشكيل الأفتراضات حول صيغ العمليات الجمالية، وهذا أحسسناه في هذه الأبيات، وكذلك فأن من المؤكد أن هذه الأبنية الجمالية صياغتها قد أعتنت بالبناء الغني، حيث أدواته المفيدة، وقد أنتج (أمريء القيس) منهجاً أستقرائياً كان مبعثه الطبيعة الجاهلية حيث أعتمدت على الأخص في تكوين النص الشعري كما هو واضح في البيتين الأولين، إلى جانب (المبحث السسيولجي في التفسير الجمالي) وهذا هو مكمن الغريزة الأجتماعية وبقاء غريزة العقل في شعور اللذة الأيجابية وهي تتولد من حبّ الأخرين والتوافق معهم، وهذا ما حصل في الأبيات الأخرى.
لقد واقع النص الشعري التوتر السيكولوجي الذي أبتدأ به (عَطَرَّد) في غنائه هذه الأبيات، وهي دعوة شعورية في نطاق الوعي الجمالي.
وذُكر إنه لما ولي (الوليد بن يزيد بن عبد الملك) الخلافة كتب إلى عامله بالمدينة يأمره (بأشخاص) عطرد المغني إليه. قال (عَطَرَّد): فأقرأني العامل الكتاب وزودني بنفقةٍ وأشخصني إليه. فأُدخلت عليه وهو جالسٌ في قصره على شفير بركةٍ مُرصعّة مملوءةٍ بالخمر، ليست بالكبيرة ولكنها يدور الرجال فيها سِباحةً، فوالله ما تركني أُسلّمُ حتى قال: عَطَرَّد؟ قلتُ: نعم يا أمير المؤمنين. قال: لقد كنتُ إليك مشتاقاً يا أبا هارون غَننّي:
*حَيِّ الحُمول بجانب العَزْلِ*
المنظور الممكن في هذه الحكاية التي تتحمل التشكيل في خواص الرؤية (السينمية) قالمشاهد بالنسبة الى (الوليد) وهو جالس على حافة بركة مملؤة بالخمر حين دخل المغني (عَطَرَّد) عليه وبدعوة منه ليغنيه، والمتبصر لهذه الحكاية يستطيع أن يكتسب منطقاً حسياً يُعادل بأيجابيته معنى واقعية التراث العربي وهو المليء بهذه المشاهد السينمية والتحولات السردية في هذه النصوص في قصور الخلفاء والأمراء، وهذه الدعوة قد أكتسبت فعلاً سردياً في خواص هذه الحكائية ومشهداً سينمياً وفعلاً غنائياً قام به (عَطَرَّد).
والوليد بن يزيد يدرك أولاً: إن الغناء أصبح جزءاً من هذه القصور مثل الأثاث والخمر وهي كلها تشبه الشعر الذي غناه (عَطَرَّد) والذي يتمركز فيه الأيقاع الجمالي (فهذه صلة جمالية زمانية سينمية)، ثم يأتي المشهد الثاني من هذه الحكائية السردية السينمية إلا وهو: الغناء، يقول َطَرَّد: ما أتممته حتى شق حُلّة وَشي كانت عليه لا أدري كم قيمتها، فتجرد منها كما ولدته أُمّه، والقاها نصفين ورمى بنفسه في البركة فَنَهِل فيها حتى تبينتُ علم الله نُقصانها، وأُخرج منها كالميت سُكْراً، فأُضْجَع وغُطَيَّ، واخذت الحُلة وقمتُ، فوالله ماقال لي أحدٌ: دعها ولاخذها فأنصرفت الى منزلي متعجباً مما رأيت من ظرفِه وفِعلهِ.
ثم يتكرر هذا المشهد السينمي في اللقاء الثاني، يقول عَطَرَّد: فلما كان من الغد جاءني رسولهُ (في مثل الوقت فأحضرني). ولما دخلتُ عليه قال: يا عَطَرَّد. قلت: لبيك يأمير المؤنين. قال :غننّي:
أيذهبُ عُمري هكذا:لم انلْ به
مُجالِسَ تشفي قَرْحَ قلبي مِنَ الوَجْدِ

وقالوا: تداوَ،إنّ في الطبّ راحةً
،فعللتُ نفسي بالدواءِ فلم يُجدي!

فغنيته أيّاه. فشق حُلّة وشي كانت عليه، كانت تلتمع عليه بالذَهَب ألْتماعاً، أحتقرتُ والله الأُلى عندها: ثم ألقى نفسه في البركة فنهل فيها حتى تبينت علم الله نقصانها وأُخرج كالميت سُكراً. فألقي وغطي ونام. فأخذتُ الحُلة وأنصرفت.
هكذا تنتهي هذه المشاهد في العلاقات التراثية ودورها: التوسطي في حركية الوعي الأسطوري وتشكيلاته في تفاصيل المنطق السسيولوجي وما شدد عليه (عَطَرَّد) من إيقاع سردي أسطوري في الغناء لمشاكلة الوليد بن يزيد بن عبد الملك في أصوله وأساطيره الخاصة في تلك القصور الخرافية.
وإننا في هذه الحكاية وهذه (الأحالة السيكولوجية) التي تنبعث من أصول تأريخية تفسر: وجود أصول فنية في الثقافة العربية القديمة وإن هنالك أناس يطربون إلى هؤلاء المغنيين. من هنا ينبثق الحدث الأسطوري في الفن الغنائي والموسيقى العربية، ومنذ تلك الفترة وهذا بحد ذاته تفصيل دقيق لأخر الخيال الفني الذي أنبتت عليه هذه الحكاية الأسطورية من ملابسات الواقع السسيولوجي والسيكولوجي والفني للتراث العربي.


هو: الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المُغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مُرة بن كعب بن لؤي بن غالب. وأمُه فاطمة بنت أبي سعيد أبن الحارث بن هاشم. وأمُها بنت أبي جهل بن هشام.
وكان الحارث بن خالد: أحد شعراء قُريش الغزليين المعدودين، وكان يذهب فذهب (عمرو بن أبي ربيعة) لا يتجاوز الغزل إلى المديح ولا إلى الهجاء. وكان يهوى (عائشة بنت طلحة بن عُبيد الله) ويَنْسُب بها. وولاه (عبد الملك بن مروان) مكة وكان ذا قدر وخطر في قريش.
واخوه (عكرمة بن خالد) مُحدِّث جليل القدر من وجوه الناس، وقد روى عن جماعة من الصحابة وله أخ يقال له (عبد الرحمن بن خالد) شاعر، وهو الذي يقول:
رَحَل الشبابُ، وليته لَمْ يَرْحَلِ
وغدا بطَّية ذاهبٍ()مُتَحِمَّلِ

وَلىّ بلا ذمٍ وغادر بعدهُ
شيئاً أقامَ مكانَهُ في المنزِلِ

ليتَ الشباب ثوى لدينا حِقْبَةً
قبل المشيب وليته لم يَعْجلِ

فَنَصيبَ مِن لذاتهِ ونعيمهِ
كالعَهْد أذْ هو في الزمانِ الأوّلِ

لقد شكل (المَعلم) الشعري بالنسبة إلى (حارث بن خالد) إنعطافة في فهم الخاصيات والمحمولات السيكولوجية، وأصبح الحدث الذاتي هو مركز السياق في هذه التعريفات حيث صيغت هذه النصوص وفق عوالم تقابلت في الخواص العمومية مع هامش ذاتي يتضح ثم يغيب. وتخيل يفسّر أنطلاقة الحكاية وبتعيينات تتخذ من الحدث الفني الذاتي مقياساً معرفياً في ظل أنتمائية دفينة للحكاية الشعرية.
ونصوص (الحارث) الشعرية: تضع مركز الصورة الشعرية في المقدمة وبواقعية حدسية قصدية من عالم حكائي يفصل متعلقات هذه الأبنية في القصيدة، ومكوناتها وخاصيتها عن هذه العوالم الشعرية.
والشعرية تحدد التركيبات في الأمكان وفق تركيبة نسقية تقارب الممكنات في المقاربة في الأبنية التي تعللت بخواص سياقات النص الشعري الجوهرية ودلالة الخاصيات التي تتعلق بنظرية الشعر وما يكتنفها من اندماجات في أكثر هذه الخاصيات وتداولاتها التي تتعلق بهذه الأنساق الشعرية.
ويبدو إن (الحارث بن خالد) تفحص العلاقة التوسطية في بيان الشباب والمشيب والحسرة على أستباق المشيب في هذا الترجمان الذاتي وهو (إشارة إلى متسع سيكولوجي من ثواء السباب قبل المشيب).
وهذه القضية تنطوي على مركبات تختزل هذه الخاصية وتقاربها من يملكها بسلسلة أندماجية برهانية يبينها النص الشعري وأنعكاساته الواقعية على هذه (المعَلمة) من ناحية التصنيفات المتعاكسة داخل (الشباب والمشيب) كي تستقر هذه المتعاكسات في أقصى طاقة تداولية وفرها النص الشعري.
وقيل: كانت العرب تفضل قريشاً في كل شيء إلا الشعر، فلما نجم فيهم (عمر بن ابي ربيعة والحارث بن خالد المخزوميان)، والعرجي، وأبو دَهْبَلْ، وعبد الله بن قيس أقرت لها العربُ بالشعر أيضاً. وذُكر أنّ الحارث بن خالد أنشد (عبد الله بن عمر بن الخطاب(رض) قوله:
أني وما نحروا غداةَ منىً
عِند الجمار تَؤودها()القُعْلُ

لو بُدلتْ أعلى مَسَاكِنها
سُفلاً، وأصبحَ سُفلُها يَعْلوُ

فيكاد يَعرفها الخبيرُ بها
ويَردّه الأقواءُ() والمَحْلُ

من هذه الأبيات: ينطلق (الحارث بن خالد المخزومي) ووظيفته التفصيل الفكري الأبداعي، ويجلو عن المعنى غبار المضامين والتفاعل بأشكال الأولة الدلالية وما يستجمعه في هذه النظومة النصية: يتبين أنسجام التفصيل النصي مع وظيفة التوكيد الرمزي وما يتصف به المحفل الأيديولوجي وأحقية التكرارية المعمارية في الخطاب وموسوعة الرموز التأسيسية التي تحافظ على المنطق الحسيّ من خلال وعي العقل وتشابك المنطق في الخلق، وعلاقة الأعلى بالأذى، والتأكيد على تخبوية الخطاب الشعري.
والحارث بن خالد فجر رموز الخطاب الشعري لتبرير وحدة المخيال داخل منظومة الدلالة النصية وشرعية أنتاج الخطاب الشعري في عباراته السيكولوجية والسسيولوجية بوجيز العبارة، واكتمال الماضي الرمزي وأخفاق الواقع بأوهامه ورؤية تعقيداته بأقتضاء عمومي يكون مرادفاً لمعنى الوظيفة الجمالية في تشكيلة النص.
وقيل: إن بني مخزوم كلهم كان هواهم مع أبن الزبير إلا الحارث بن خالد فان هواه كان مع بني مروان. فلما قُتل (عبد الله بن الزبير) وصفا الأمر لـ(عبد الملك بن مروان) وفد إليه (الحارث بن خالد) في دين كان عليه، وذلك في سنة خمس وسبعين
فلما أنصرف (عبد الملك) رَحَل معه (الحارث) إلى (دمشق) فظهرت له منه جَفوَة، فأقام ببابه شهراً لايصل إليه. فأنصرف عنه وقال فيه:
صَحِبتُك إذْ عيني عليها غِشاوةٌ
فلما أنْجَلَت، قطعّت نفسي ألُومُها

وما بي وإن أقصيتني من ضراعة
ولا أفتقرتْ نفسي إلى مَنْ يَضِمُها

عطفتُ عليكَ النفس حتى كأنما
بكّفِكَ بُؤسي، أو إليكَ نَعِمُها

إن المهارة في إشكالية هذه الأبيات: فهي قد أكتسبت طابع التجريد من المفهوم السيكولوجي الذي تمثل به (عبد الملك بن مروان) وفي أعلى تقنياته في تكريس التوافق السسيولوجي مع (الحارث) عندما رحل معه إلى (دمشق) وكانت المفاجأة في المفيد من حركية التصرف المبهمة من قبل (عبد الملك بن مروان) وهذا هو لُبّ المشكلة. فالحارث ربما كان يتصور إن هذا التوافق أصبح مبحثاً سيكولوجياً يُقر خواص الوعي الدلالي وما يتشخص من معانٍ في سلوكية (عبد الملك بن مروان).
نعم: إن (عبد الملك بن مروان) ربما أول هذا السلوك بأتجاه التوافق الذي شخصه (الحارث بن خالد)، ولكن من الجانب الأخر فأن (عبد الملك بن مروان) كان له رأي أخر بهذا الأتجاه، وإننا في هذه العملية التوافقية نقول: إن الخطاب الشعري الذي فيه (أسى وندم) نتيجة الشرخ الذي حصل في هذا التوافق والذي كان سببه أندفاع الحارث أكثر من أندفاع عبد الملك. وهذه قضية تفتقر إلى عملية الموازنة بين الأثنين وخاصة بين شاعر شفاف وحساس وبين امير المؤمنين عبد الملك بن مروان على أعتباره مسؤولاً في دولة أسلامية. وعليه كان: الخطاب سيكولوجياً من الناحية الشعرية، وتبقى القضية المنطقية: هي حلقة الفراغ والتعارض بين نفي هذا التصرف من قبل (عبد الملك) وإثباته من قبل (الحارث).
وهذا عائد لصياغة المعاينة التي جمعت بين شاعر وأمير، وهذا هوا المدخل المُعقد في هذه الأشكالية السيكولوجية. وبقي الطريق يحوي الكثير من المعرقلات حتى جاءت هذه الأبيات في العتاب والندم والأسى، ومحاسبة للنفس، وهنا تكمن معضلة الشاعر الحساس مثل الحارث.
وحين برر الحارث هذا الموقف أمام (عبد الملك) بأنها: (جفوةٌ ظهرت لي، وكنت حقيقاً بغيرها) يعد سؤال عبد الملك له: (فما حملك على ماقُلْتَ وفَعَلت؟) هذا الموضوع يعطينا (معنى) يستند إلى وعي في تحولات التأويل في وجود الأقرار وما يعتري الشاعر من إقرار في قول مثل هذه الأبيات.
(فالحارث) أستند في ذلك إلى مسلك يتعلق بحركة التأويل السيكولوجي والمسائلة عن حركية المعنى داخل النص الشعري، وهذا الموضوع من دواعي خلاصات الأقرار والتحول إلى مفهوم المقاربة بين (التصرفين) والاقرار لفهم إشكالية النص الشعري وأعتباره (منعطفاً مسبقاً في الصياغة القواعدية للخطاب الشعري).
وإن ماحدث من إشكال مع (عائشة بنت طلحة) في مكة أثناء الطواف وتأخيره للأذان وتأخر إقامة الصلاة وبلوغ ذلك عبد الملك بن مروان ثم إنكار أهل الموسم ذلك من فعله فأستياء (عبد الملك) لفعله (وَعَزَله) بعد أن ولاه (مكة) سنة واحدة عندما خيره عبد الملك بأن: يعطيه مائة ألف درهم أو يقضي عنه دينه أو (ولاية مكة لسنة) وكتب إليه يؤنبه لفعلته النكراء هذه، كل هذا، أخفى للموقف مع (الحارث) تعقيداً، ثم تبينت أن هذه الصورة غير صالحة (لفهم عبد الملك) وهي نمط من أنماط السلوك الذي لا يتعين بوجوده إلا من خلال إقراره بالعزل وذلك يعنى التعسف في تشكيلاته المتناهية وهو يقرّ والتعميم المتكلف وجعل هذه المشاهد مشاهد غير قابلة للنقاش أو الفهم.
و(الحارث) في هذا الموضوع قد بقى لايتمتع بأقرار ولاتفرد من مثل هذا السلوك،لأن التفسير هذا يعطينا (فهماً) خارج تقنية الحدث السيكولوجي وهو يأتي مكملاً لمخاطرة فيزيقية لم يحسبها (الحارث) رغم أحقيته في هذه العلاقة التي تربطه مع (عائشة) وهي أمرأة كان يهواها، ورغم شفافيته كشاعر، ولكن البنية السسيولوجية لاتتمثل بذلك بل تتمثل بمقاومة هذا السلوك ومقاومة الفعل الحقيقي.
وقصة الأعرابي الذي قدم من مكة إلى المدينة وعندما سألته (عائشة): (بماذا فعل الأعرابي) ولم يفهم الأعرابي، وعند عودته إلى مكة ودخوله على الحارث قال له: هل سألتك عائشة؟ فأجابه كما حصل معها، فقال الحارث: فَعُدْ إليها ولك هذه الحُلّة والراحلة ونفقتك لطريقك وأدفع إليها هذه الرقعه. وكتب إليها فيها:
مَنْ كان يسألُ عَنّا أينَ منزُلنا
فالأقحوانةُ مِنّا منزلُ() قَمَنُ

إذْ نَلبسُ العيشَ صفوفاً مايُكدرّه
طعنُ الوشاةِ ولأينْبُؤ بِنا الزَّمَنُ

ليتَ الهوى لم يُفر بيّ إليكِ ولم
أَعْرِفكِ، إذ كان حظيّ منكم الحَزَنُ!

وهكذا تبدو العوالم الامكانية وهي تأتي متشاكلة في بنائها ومرجعيتها، و(الحارث) ليبدو (حكاية عشق طويلة) مع (عائشة بنت طلحة) وهي حكاية المنافي في تفاصيل العشق مع وقوف الوشاة في هذا الطريق، ومنهم (عبد الملك بن مروان) كما هو واضح في البيت الثاني وبقي الأنطلاق من هذه المنافي لأحقاق هذه الخاصية المترامية الأطراف والتي تتفاعل بدينامية كبيرة، فبين مكة والمدينة معطى كبير، وأختلافية كبيرة في إحقاق هذه الأحكام التي تصورت وأصبحت قوانين موضوعية يقودها (الحارث) و(عائشة) والمحرك الرئيسي في ذلك هو الحب بكل أوصافه وبُنياته وغاياته وشروطه فهو: أقوى من كل السلاطين والوشاة وهو يتعلق بالأبنية (الثقافية والنصية) وتطوراتها في (هندسة) هذا التحول العذري المتبادل. فأصبح الواقع في مكة والمدينة واقعاً بيانياً وسياقياً يتحول إلى كيانات متجانسة وقابل للتحولات والتأويلات حتى يصبح قانوناً أسطورياً وهذه الحقيقة ألفناها في الحياة العربية العذرية وسبق وأن أدرجناها بكتابنا عن (المجنون).
تميز إن (الحارث) بقي قوي الأعصاب رغم البعاد بينه وبين من أحب. وبقي أن نقول: إن مشروع النظرية العذرية بدأ يتحول إلى لفته أسطورية في تفاصيل التراث والنصوص الشعرية بشكل خاص. أما مايتعلق بالنصوص السردية، فهي حكائيات تعمل عمل النصوص الشعرية ولكن بشكل أخف. ويبقى (النص الشعري) هو المعبر الحقيقي عن هذا الأشكال الأختلافي.



هو: عُبيد الله بن القاسم. مولى بني كِنانة، ثم بني بكر ويُكنى أبا طالب. وكان مَدنّياً منشؤه مكة. وقيل: مكياً منشؤه المدينة.
وكان حسن الهيئة والبزة. وكانت حلته بمائة دينار، وفرسه بمائة دينار، ومركبه بمائة دينار. وكان حسن الصوت، جيد الغناء، يقف بين (المأزِمَينْ()) فيرفع صوته فيقف الناس له يركبُ بعضهم بعضاً.
وحكى أشعب قال: دُعي ذات يوم بالمُغنين للوليد بن يزيد وكنت نازلاً معهم، فقلت للرسول: خُذني فيهم، فقال: لم أُمَر بذلك. إنما أُمرت بأخذ المغنين. وأنت بطال لاتدخل في جملتهم. فقلتُ: أنا والله أحسنُ غناءً منهم. فأندفعت فغنيت. فقال: لقد سمعت حسناً ولكني أخاف. فقلت: لاخوف عليك، ولك مع هذا شرط. قال: وماهو؟ قال: كُلّ ما أصبته فلك شطرهُ. فقال للجماعة: أُشهدوا عليه. فشهدوا. ومضينا فدخلنا على الوليد وهو (ضيق الصدر) فغناه المعنون في كل من ثقيل وخفيف، فلم يتحرك ولا نَشِط. فقام (الأبجر) وكان خبيثاً داهياً، فسأل الخادم عن خبره وبأي سبب هو خائر. فقال: بينه وبين أمرأته شرّ. لأنه عشق أختها فغضبت عليه، وهو إلى أختها أميل، وقد عزم على طلاقها وألاّ يذكرها أبداً بمراسلةٍ ولا مُخاطبة، وخرج على هذه الحال من عندها.
فعاد (الأبجر) إلينا وجلس. فما أستقر به المجلس حتى أندفع يغني:
فبيني()فأني لا أبالي وأيقني
أصعدَّ باقي حُبِّكم أم تَصوَّبا

ألم تعلمي أنيِّ عَزُوفٌ عن الهوى
إذا صاحبي من غير شيءُ تَفَضَيَّا

فطرب الوليد وأرتاح، وقال: أصبت والله يا عُبيد مافي نفسي، وأمر له بعشرة ألاف درهم، وشرب حتى سكر. ولم يحظَ أحدٌ بشيء إلا (الأبجر).
إن حكائية (أشعب) هذه تدعونا لمناقشة تتعلق بـ(ترسيمات سيكولوجية تحدق بهذا الأشكال المتشابك في ثنايا الواقع الذي تميز بهذه الحكايات والأخبار.
وقصة (الأبجر مع الوليد) هي: صفة التعاقب المقدرة على تصور يبدأ بالأفتراض وتأويل الصمت لدى الوليد بن يزيد والتصور الذي رسمه (الأبجر) في ذهنه وأحساسه بصمت (الوليد) وعدم ارتياحه لكل المغنين لأنهم لم يطربوه، وأستغرابه من هذا التصرف في حدوده القصوى وما تمخض عن ذلك من تصرف من قبل (الأبجر) حين سأل الخادم عن سبب هذا الصمت،كل هذا معطى واحد من أن خاصية الفنان تتعلق بعطاءه وفراسته في تحديد شكل الخاصيات أو دراسة المنعطف السيكولوجي للجمهور وسبب هذا العزوف عن هذه الأصوات من قبل (الوليد) فقام (الأبجر) ولحق بالضروري من هذا العزوف. إننا في صدد مناقشة هذا التشكيل الحكائي وما تمخض عنه من إجراء بعد أن (تعدل) مزاج (الوليد) بهذين البيتين!.
فالوليد قد توافق سيكولوجياً مع صوت (الأبجر) وقوام هذه الأبيات وتأثيرها بـ(الوليد) فكانت الصحوة الفنية والسيكولوجية وقد جاءت متشابكة مع هذه الأبيات، ودقة الشعر الذي عبر عن دواخل (الوليد) وأعاده إلى صحوته ومضى طرباً، قائلاً لـ(الأبجر): أصبت ولله ياعبيد مافي نفسي.
وحكاية الوليد تتعلق بالخيال أو في هذا النمط من النساء وبدأ بحمل مشروعه العشقي لأخت زوجته وضعاً أسطورياً (وقطيعة جذرية مع زوجته) وهذا التصرف ينم عن وعورة في إنتزاع القيم الأسطورية الجميلة وتدنيسها لأضفاء معنىً لها هو غير معناها.
وهذه الحكاية الدرامية هي جزء من إشكال تراثي في تشكيل إبداعي طرقه صاحب الأغاني، وإن يطلق عليه في هذا المجال من ممكنات السرد الجديدة بتفحصه لخواص صيغ التأريخ وبعد الحضارة وما أفرزه من مطابقة في إثبات هذه القدرة المزدوجة وإخضاعها إلى عدة من المراعاة والأنقياد بالنتيجة إلى عوالم مرئية تدعونا إلى مناقشة هذه الحكاية او غيرها، ولكن على العموم فأن الأبتكار الحر في تفصيل هكذا نموذج من هذه الحكايات يُعطينا منعطفاً سردياً يتضمن قراءة تأويلية لهذه الحكائية وتأريخها الباقي والتفكيري ومايعنيه التراث من حدود وحنكة مُفعمة بمداخلات هذه الحياة كما هو حاصل في حكاية (المغني) والفنان (الأبجر) و(الوليد بن يزيد) وحبه بشكل عام للمغنين، فهذا الذي ينفق على إطرابه الأموال الكثيرة.



هو موسى بن يَسار، مولى قريش، وقيل: إنه مولى بني سَهْم، وقيل: مولى بني تَيْم. وقيل: مولى بني عدّي. وكنيته أبو محمد. وشهوات لقب غلب عليه، لأنه كان سَئولاً مُلحاً، فكان كلما رأى مع أحد ما يعجبه من مال أومتاع أو ثوب أو فرسٍ يَتبالى، فأذا قيل له: مالك؟ قال: أشتهي هذا، فسُميّ شهوات وهو من شعراء الدولة الأموية.
وذُكِرَ: أن موسى شهوات هوى جاريةً بالمدينة، فأستهم بها وساوم مولاها فيها، فأستام بها عشرة ألاف درهم. فجمع كل مايملكه وأستماح اخونه. فبلغ ذلك أربعة ألاف درهم. فأتى سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان فأخبره بحاله وأستعان به وكان صديقه وأوثق الناس عنده، فدافعه()، وأعتل عليه فخرج من عنده فلما ولى تمثل سعيد بقول الشاعل:
كتبتَ إليّ تستهدي الجواري
لقْد أنظت من بلدٍ بعيدِ

حكاية موسى شهوات وتميزه وإحساسه بجارية لأنها عادلت صنعة التكامل به، وهي تتصل به سيكولوجياً وتتحدث عن صفاتها البارزة وتكاملها داخل هذه الحدود التي جعلت (موسى شهوات) ينبثق في توثيق هذا العشق وتأصيله تأريخياً وهيامه بالجارية ادى: إلى أن يبحث عن معترك جديد في حياته قياساً بالأعتقاد السائد في تلك الفترة وأحساسه بجمال تلك الجارية وتوسط الأخرين من اجل تحقيق تلك الرغبات، فكان شاعراً يحب الجمال ويحب المرأة لأنها تعبر عن أصالة.
فموسى شهوات أراد أن يحقق مهمة من أعقد مهامه حين قدم تعبيراً دقيقاً عن إدراكه وإحساسه بتلك الجارية وهي تلقي مراسيها على جزر (موسى شهوات)! القاحلة الرمال، فتأمل (موسى) خواص هذا الخوف من العشق وبقي يستطلع مهاراته في مجال الموهبة الحسية وأخذ يطرد الأرواح الشريرة ليستعمل روحاً نقية طيبة ثم ينبثق نحو (سحرية سيكولوجية) عبرت عن معنى مجازي ذي أثر بليغ في تفاصيل هذه العلاقة بالجارية.
لقد قيس أغتيار أحساس (موسى شهوات) بهذه الحياة بعد أن أحبّ هذه الجارية بأعتبارها طاقة في الجمال، و(موسى) هو حالة متفردة في الأيقاع بأعتبار إن (موسى شهوات) هو أقصى جهد في التفرد والأنطباع في تأكيد الشخصية الشعرية.


هو إسماعيل بن القاسم بن سُوَيد بن كَيْسان، مولى عَنَزة. وكُنيته أبو إسحاق. وأُمُه أُم زيد بنت زياد، مولى بني زُهرة. وأبو العتاهية لقبٌ غلب عليه. وفيه يقول أبو قابوس النصراني، وقد بلغه أنه فضل عليه العَتَّابي:
قُلْ للمُكنِّي نفسَه
مُتخيراً بعتاهِيَةْ

والمُرسِلِ الكليم القَبـ
يحِ وعتْه أُذْنٌ واعيةْ

فعليكَ لَعنةُ ذي الجلا
لِ وأُمُّ زيدٍ زانيةْ

ومنشؤه بالكوفة. وكان في أول أمره يتخنث ويحمل زاملة المتخنثين. يبيع الفخار بالكوفة. ثم قال الشعر فبرع فيه وتقدم. ويقال: أطبع الناس بشار والسيد الحميري وأبو العتاهية. وماقدر أحدٌ قط على جمع شِعر هؤلاء الثلاثة بأسره لكثرته. وكان أبو العتاهية مع ذلك كثير السقط والمَرذول. وأكثر شعره في الزهد والأمثال. ونسب مع ذلك إلى الزندقة وإنكار البعث. وكان أبخل الناس مع يَسارهِ وكثرة ماجمعه من الأموال. وقد قيل: أن أباه كان حجاماً. وفي ذلك يقول أبو العتاهية:
ألا إنمّا التقوى هو الغُّرِ والكرمْ
وحُبُّكَ للدُّنيا هو الفَقْرُ والنَدَمْ

ولَيْسَتْ على عبدٍ تُقيٍّ نقيصَةٌ
إذا صَحّحَ التقوى وإن حاكَ أو حَجَمْ()

من المعروف إن أبا العتاهية قد خطى خطوات في سياق تثبيت الأنموذج التعريفي في الزهد ثم الأنتقال إلى الحكم والتقوى، وهي: تصورات تلقيه في غياهب الأستعراض لهذا التناص المتشكل على الأختلاف. ويشير أبي العتاهية الى حقيقة الأختلاف في النصّ عبر تناول تفصيلات هذه البراعة وأستكشاف المذهب التأسيسي في المعاينة والموروث والتصرف في خواص هذه الأتباعية معتمداً على الحدث الأختلافي في خواص الجانب الخُلقي وفي تفصيل الجوانب السسيولوجية والمباشرة في تفاصيل الصورة الشعرية وهي مستمدة من خواص مختلفة. وفهم فصول التولدات المتحركة ضمن إطار الصورة الشعرية، وهذا واضح في البيتين أعلاه.
وقد قيل:
إنه كان (يتشيع) ويرى رأي (الزيديّة) و(البتريّة)()، لا ينقص أحداً متفهماً إشكاليات الصورة الأجتماعية فهماً ثاقباً وقد عاش تسلسل حلقاتها وأختلافاتها. وكان (جَبَريّاً)().
وكان: قضيفاً: دقيق العظم، قليل اللحم، أبيض اللون أسود الشعر، له وفْرَة جعدةٍ، وهيئة حَسنَة وحصافة ولباقة، وكان له عبيد من السودان، ولأخيه زيد أيضاً عبيد منهم يعملون في صنع الجرار ويعملون معهم في صنع الخزف في أَتوُّنٍ لهم فأذا أجتمع منه شيء ألقوه على أجيرٍ لهم يقال له: أبو عباد اليزيدي، كوفيّ، فيبيعه على يديه ويردّ فضله إليهم. ويرى (أبو العتاهية) أن الصحوة في (الحكمة) هي أنبل شق من خواص النصّ الشعري، فهو يتحرك وفق نطاق متولد في المعنى، ونموه في إشاعة الزهد حتى يصبح عرفاً سسيولوجياً. وإذا تفحصنا شعره بشكل دقيق لوجدنا بروز المعنى ومنطق الدلالة في تشكيلة النص الشعري.
وحكي إن (مُصعب بن عبد الله الزُبيّري) قال: أبو العتاهية أشعر الناس فقيل له: بأي شيء أستحق ذلك عندك؟ فقال بقوله:
تعلّقتُ بأمالٍ
طوالٍ، أيِّ أمالِ

وأقبلتُ على الدُنيّا
مُلّحاً أيَّ إقبالِ

أيا هذا تجهز لــ
فراقِ الأهلِ والمالِ

ولابُدَّ من الموتِ
على حالٍ منَ الحالِ

إن القصيدة عند (أبي العتاهية) هي خوضٌ عميق في تفاصيل البناء عبر الزُهد والحِكم، فالطبع عند (أبي العتاهية) يعتمد الصنعة في خواص معنى النظم بالأبداع والغريزة، فأبو العتاهية: يبني النصّ وفق وعي تام، ويتشكل من اللفظ والشطر بعد الشطر والبيت أثر البيت، كذلك يتحرك بسياق وأنفعال في تدافع القول والتحرك نحو بناء القصيدة في معنى يتحرك بأطار فكري. إذ أن سياق أبو العتاهية الشعري يتشكل من نسق المعنى وصياغة في المطابقة وتناسق في تنظم المنطوقة الشعرية، وموقعه يكتمل بالتناسق والتنسيق لا بأكتمال خواص السياق بل في تدريجه في موضع أستحكام القصيدة بالمفردة النقية ورغم طابعها المباشر أحياناً غير أنه على العموم هنالك دقة في اللفظ وتصرف في المعنى وتجاور في التنظم والمعاينة في جعل الأبتداء محكم التواصل في إتخاذ قواعد البلاغة التي تقاس من خلالها قوة الخطاب الشعري.
ثم قال مصعب: هذا الكلام حَسن سَهل لا نُقصان فيه، يعرفه العاقل ويُقِرّ به الجاهل.
وكان (الأصمّعيُ) يستحسن قول أبي العتاهية:
أنتَ ما أستغنيت عن صا
حِبكَ، الدَّهَر أخوهُ

فإِذا أحْتجت إليهِ
ساعةً مجّكَ فُوهُ

يتضح من خلال ما تقدم أن (أبا العتاهية) متعدد الوحدات الدلالية وتتركز في وحدة بناء المعنى فهي الغاية الرئيسية من هذا التحليق والتدقيق في المتواليات والتدرج والأقامة في علاقة أجزاء القصيدة بعضها مع البعض الأخر.
ونلاحظ في هذين البيتين هناك صورة مصطنعة وسطحية يتقاسمها التصنع، وهذا مانلاحظه في تركيبات المفردة وتقاسيم شمائل المعنى تارة في الجوهر وتارة تأتي الصورة سطحية باهتة، وإن خواص النظم عند (أبي العتاهية) تتفاوت من ناحية التشكيل الفني فسبيكته أحيناً تكون مفرغة من خواصها وأنساقها الصورية، ولكن على العموم فأن الصورة عند (أبي العتاهية)مباشرة، وإن النظم يأخذ أحياناً جانب الصنعة في النصّ الشعري.
كانت نشأة (أبوالعتاهية) في الكوفة وعلاوة على نبوغه في الشعر فقد كان يكسب قوته من بيع الخزف وقد مثل بين يدي الخليفة (المهدي) وكان مداحاً له فاكرمه وأغدق عليه وكذلك (هارون الرشيد) الذي حدى به أن يخصص (لأبي العتاهية) راتباً شهرياً مقداره خمسون ألف درهم فضلاً عن الهداية التي كان يعطيها أياه. وقد صادف أن أُغرم أبي العتاهية وهو في بغداد أبان خلافة (المهدي) بإحدى جواري (المهدي) وهي جارية مقربة له، غير أنها لم تِعره أي أهتمام لذلك ولاحتى للقصائد التي كان يكتبها لها والتغزل بمعانيها الأمر الذي جعله يعاني إهمالها له حيث تطرف وحمله هذا الأعراض على أن يكون متزهداً فقام بلبس الصوف على طريقة المسلمين الزهّاد()، وفي هذه الفترة كرس شعره ووقته للخلوة التأملية والخلقية التي تنحى منحى الجانب العبثي حيث نظم قصائد في الحب وقد غامر في ذلك لا لمجرد التفكير في هذا الموضوع بل أنتقل إلى الأكتمال في (خواصه المنهجية) في الزهد والأمثال ختى أتهم (بالزندقة) مثل ما أتهم (المعريّ) بها.
وكان أبو العتاهية في تقسيماته الشعرية كثيراً مايطرق قضية (الموت) من غير الحياة الدنيوية وهذه خاصية تنعيتها تفاصيل القصائد في ديوانه وكان (الصُوليّ) المتوفي سنة (335ه-946م) يقول بأن أبو العتاهية يقسم منهجه العلمي على ضوء منشأ الكون يتم من نقيضين جدليين تم خلقهما من لاشيء، وإن كل الأشياء ستنتهي إلى هذه الحلقة الجدلية في نهاية هذا الكون الواسع وإن العلم يكتسب العملية بحلقات البحث والأستنتاج وتفاصيل التنقيب العلمي، الامر الذي عُكس في شخص أبي العتاهية() وجعله يأخذ برأي (الزيدية) و (البترية) وإن يؤمن بالجبرية كما أشارنا لذلك في بداية البحث عنه() .
وحكى صالح الشَّهرزوريّ قال: أتيت سَلْماً الخاسر فقلتُ له: أنشدني لنفسك. فقال: لا، ولكن أنشدك لأُشعر الجنّ والأنس، لأبي العتاهية، ثم أنشدني له:
سَكنٌ يبقى له سَكَنٌ
ما بهذا يُؤْذِنُ الزَّمَنُ

نحنُ في دارٍ يُخبِّرنا
ببلاها ناطقٌ لَسِنُ

دارُ سَوْءٍ لم يَدومْ فَرَجٌ
لأمريءٍ فيها ولاحَزَنُ

في سبيل اللهِ أنفُسُنا
كُلنا للموت مُرْتَهَنُ

كُلّ نفسٍ عِند مِيتها
حظُّها مِنْ مالِها الكِفَنُ

إنّ مالَ المرء ليس له
منه إلاّ ذكرُه الحَسنُ

كثيراً ما يستمد (أبا العتاهية) مشروعه الشعري من الحدث الناسك والبحث عن المنقذ في تفاصيل المعنى التي يتم تطويرها من قوة المعلوم في تأويل خواص المنطق في الشك والقوة التي تتعامل مع منطق تأويل النص في إطار الأرادة التقويمية للحِكم والأمثال التي تعبر عن بقاء الحس الخفي الذي يجهله الأنسان، فجاءت نصوصه الشعرية تعبيراً عن تكثيف في المحرمات والحساب والنهاية لهذا العالم وراء عدة من خواص وأليات غاية في التراكيب الدقيقة والمعقدة، ويبقى الكشف في إرتباط كل هذا بقوة سيكولوجية تؤشر مضامين التحققّ الزمني وضرورته الهادفة إلى التميز بين البعد الفكري وممكنات تأويله في مشروع إيجابي ينطلق من محتوى هذا التعبد الأنساني والذي يعتبر الكشف عن تأويلية فكرية ينطلق منها (أبو العتاهية) إن هذه التأويلية الفكرية تعتبر قناعاً لدور مركب يؤكد تغيرية تتطابق ومهام إزدواج الحكم والمثل.
إن نزوع (أبي العتاهية) إلى كشف حقيقة هذه الأفكار الرمزية وخاصية الوعي الشعري ونسقه والذي يعني التمييز في التكوين والتركيز في خواص الأثبات وتأويل المعنى الخفي والغايات المنفتحة لتحرير كل تفاصيل المرموز إليه هو: الموت، فالموت هو مجر الزاوية بالنسبة (لأبي العتاهية) فالدنيا تعتبر في نظر أبي العتاهية هي دار فانية والنسك يعتبر بالنسبة له شيء أستباقي لصياغة عوالم أمكانية تعبر عن الحرية وعن تقدم خواص التأويل في صيغة مشروعية تكون مُفتتحاً للوعي الأنساني المشترك.
ويقال: أن أبا العتاهية كان يتقرب من أراء ومواقف المانونيين والتي تم نسبها إليه. في هذا الموقف الأختلافي الشائك وبناء نصوصه الشعرية والتي تحتوي في كنفاتها الشيء القليل من هذا الموضوع الذي يميز الأصول في معنى النصّ الشعري عند أبي العتاهية.
ويجد المستشرق كولد تزيهر إشارة إلى بوذا وهذا رأيه. ولكن على العموم أن في منظومة أبي العتاهية الشعرية هناك الزهد الكثير وكذلك النسك والحِكم الكثيرة.
يقول أبو العتاهية من (البسيط):
إذا أردّتَ شريفَ الناسِ كلّهم
فأْنظُر إلى ملك في زيِّ مِسْكِينِ

وكل هذه الغايات التي تضمنها النص الشعري هي تعبير عن أنساق معرفية كان يؤمن بها الشاعر ومن جانب أخر فأن أبا العتاهية تجنب الألحاد بالرغم من إن كل نصوصه الشعرية غير دينية فهو أحتوى الزهد ولكن من الأفضل أن نقول أن نصوصه الشعرية أتخذت منحى فلسفياً الأمر الذي أدى بأبي العتاهية أن يحكموا عليه بالكفر لجهلهم في هذا الأشكال الأختلافي وأبتعادهم عن النصوص الشعرية المتحضرة التي لاتصنع المنهج الديني في صيغة شاملة تعبر عن معرفة نسقية وأنسانية أصيلة.
فالذي يقوم بتحرير الهيمنة الفكرية على الأدب والشعر حصراً هو الذي يأمر بكتابة الشعر وفق مايعتقده صحيح وهو الذي أدى (بهارون الرشيد) إلى حبسه.
وكان شعر أبي العتاهية ينحو منحى الأفصاح عن كأبة عميقة إضافة إلى التشاؤم الذي لارجعة عنه ولا لنتيجة فيه، فالموت وماوراء الموت إضافة إلى ضعف قيمة الأنسان وبالتالي الشقاء الذي يتعرض له الأنسان وأزمة الحياة الدنيا وكذلك الأبتعاد عنها هي المواضيع الرئيسية التي يدور حولها بناء النص الشعري، وتأتي المباشرة لهذه النصوص وسهولة المعنى الشعري أو المباشرة التي يضطلع بها النص الشعري، فهو الطبع الذي ألفناه من أبي العتاهية.
والتمركز في هذه الأشكالية ينقلنا أبو العتاهية لموضوع النصّ الشعري الجماهري الذي يمكن تداوله في الحياة العربية العامة. ورغم أن النمط الشعري عند أبي العتاهية هو نمط فلسفي بطبيعة نصوصه الشعرية غير أنه هناك أيضاً مايتعلق بالمباديء الأسلامية وخصوصاً فيما يتعلق بالمعاد والحياة الأخروية. وهذه القصيدة هي إيضاح لمكنون الجمع بين النقطتين الأولتين وهذا فصل ما نظم من الشعر في موضوعي الدين والزهد يقول أبو العتاهية من (الوافر):
لدُوا للموت وأبنوا للخراب
فكلكم يصيرُ إلى ترابِ

لَمِن نبني ونحنُ إلى ترابٍ
نصيرُ كما خُلِقنا من تُرابِ

ألا ياموتِ لم أرَ منكَ بُداً
أتيتَ وما تحيفُ وماتحابي

كأنّك هجمتَ على مشيبي
كما هجم المشيبُ على شبابي

أيا يا دُنيايَ مالي لا أراني
أسُومَكِ مَنزلاً إلاّ بنابي؟

ألاّ وأراكَ تبذُلُ يازماني
ليُ الدُّنيا وتُسْرِعُ بأستلابي

وأَنّكَ يازمانُ لذو صُروفٍ
وأنّكَ يازمانُ لذو أنقلابي

فمالي لست أحْلُبُ منكَ شَطْراً
فأحمدُ مِنك عاقبةُ الحِلابِ؟

ومالي لا ألحّ عليكَ إلاّ
بعثتَ الهمَّ لي من كُلِّ بابِ

أراك وإن طلبت بكُلِّ وجهٍ
كحُلمْ النّوم أو ظل السحابِ

أو الامسِ الذيّ وَلى ذهاباً
وليسَ يعودُ، أولَمْع السرابِ

وهذا الخَلْقُ مِنكَ على وفاةٍ
وأرجلهم جميعاً في الرِكابِ

وموعدّ كلِّ ذي عمل وسعيٍ
بما أسدى، غداً: دار الثوابِ

تقلدت العِظامَ من الخطايا
كانيّ قد أمنتُ من العقابِ

ومهما دُمْتُ في الدنيا حَريصاً
فأني لا أُوَفّقُ لِلصوابِ

سأسأل عن امور كنت فيها
فما عذري هناك وما جوابي؟

بأيّ حِجَّةٍ أحتّجُ يوم الــ
حسابِ إذا أدعيت إلى الحسابِ

هما أمران يوضَحُ عنهما لي
كتابي، حين انظر في كتابي

فأما أن أخلد في نعيم
وما أن أَخُلدَ في عذابِ!!!()

المشكلة الحقيقية: هو العمل على تعريف حقيقة هذا الشاعر المتمرد على الحياة وبأصطلاحات الأمكانية في نسق كل الحدود التي وضعت كحواجز لتأريخ هذا الأنسان وعلاقته بهذه الحياة البائسة. والنتيجة: كانت (الزُهد) في هذه الحياة.
وقديماً أشار (الأغريق) في الأدب القديم في إن: الحياة هي عبارة عن تشكيلة من مأساة خلافاً ما جاء به (الرومان) القدماء في ناحية الأختلاف من إن: الحياة والأنسان حصراً وُجَد وَوُلِدَ من أجل الحرية المطلقة! وهذا الأنسان بأعتباره (إله في منطق المنفى) وقد كان (أبو العتاهية) مفزوعاً بنسيج الحياة وواقعها المؤلم الأمر الذي جعله لأن يكون (زاهداً) في شعره، وإن حلقات تطوره بدأت في حدود الوعي المطلق، وأستقبال الأختيار لحالة العقل التي رسمها (أبو العتاهية) في هذه القصيدة والتي لخصّ فيها (الخلود) وهو: الرجوع إلى (التراب) كما أشارته بالبيتين الأوليّن ثم أنتقاله لمرحلة الشباب ومداهمة المشيب في وقت مبكر، وبلوى الزمان وصروفه وطرحه لأشكالية الأمس الذي ولى ذهاباً بلا عودة، ثم المرحلة الحاسمة وهو يوم الحساب وكيف سيعتذر إذا قدم أمام الله للحساب، فهو مدين لهذه الطروحات التي يشرحها في هذه القصيدة والتي كانت تحصيل حاصل لنتيجة واحدة وهي (المطلق) اما في نعيم الجنان او الخلود في عذاب النيران.
فالقصيدة وقد طغى عليها (الخطاب المباشر) بمفرداتها البسيطة جاءت بين دلالية، إذ قسّم (أبو العتاهية) كل مراحل تطور الأنسان منذ بداية خلقه من التراب إلى نهاية وجوده ثم المسائلة فالحساب، وياتي تقسيم هذه الأبنية الدلالية وفق تحديد لكل المستويات والمحاور للوصول إلى أستنتاج منطقي في تفصيل هذه المنظومة البيانية.
فالقصيدة تعمل على إعادة تكوين هذه النواظم بطريقة تضع كل تصور وإدراك لمكونات وتشكيلات الواقع السسيولوجي خاضع للتحليل والتركيب، وفي الحقيقة فأن هذا الموضوع حاسم بالنسبة لهذا النشاط البنائي الذي ينتج عنه هذا التصور الذهني وإشكالاته الصورية والتصويرية والتي تتعلق بمفاهيم الانسان وتأريخه وقيمه في التأمل الأبداعي.
وأبو العتاهية: أستطاع ان يجعل هذه التفاصيل في (الزهد والنسك والحكم) كصيغ متطور في الناحية البنائية في النتائج التحليلية والأبداعية.
وقيل لداود بن زيد بن رَزين: من أشعر أهل زماننا؟ فقال: أبو نؤاس. فقلت: ماتقول في أبي العتاهية؟ قال: أبو العتاهية أَشْعَرُ الجن والأنس.
وقيل لأبي العتاهية: كيف نقول الشعر؟ قال: ما أردته قط إلاّ مَثَلُ لي، فأقولُ ما أُريد وأترك ما أُريد. كان يقول: لو شأتُ أن أجعل كلامي كُلّه شعراً لفعلتُ.
وللنظر لهذه (المزدَوجة) الطويلة والبديعة لأبي العتاهية وقد أشتملت على غرائب الحِكم والأمثال، إذ قيل إنها أشتملت على (أربعة ألاف مثل) والتي منها:
حَسْبُكَ مما تَبْتغيه القوتُ
ما اكثر القُوتَ لِمن يموت

الفقُر فيما جاوزَ الكفا فا
مَن إتقى الله رجا وخافا

هي المقاديرُ فلُمني أو فَذَرْ
:إن كنتُ أخطأتُ، فما أخْطا القَدَرْ

لكُلِّ ما يُؤذي وإنْ قَلّ ألَمْ
ما أطولَ الليلَ على مَنْ لَمْ يَنَمْ

ما انتفعَ المرءُ بمثل عَقْلِه
وخيرُ ذُخر المرءِ حُسن فعلهِ

إنّ الفسادَ خيُّره الصَلاحُ
ورُبَّ جدٍّ جَرَّه المزاحُ

مَنْ جَعلَ النَّمامَ عَيناً هَلكا
مُبلُغِكَ الشرّ كباغية لَكا

إنّ الشبابَ والفراغ والجَّدِه
مَفْسَدةٌ للمِرءِ أيّ مَفْسَدة

يُغنيكَ عن كلّ قبيحٍ تَرْكُهُ
يَرْتَهِنُ الرأيَ الأصيلَ شَكُّهُ

ماعيشُ من أفتُةُ بقاؤُهُ
نَغصّ عَيْشاً كُلَّه فناؤهُ

يارُبَّ مَنْ أَسْخَطَنا بِجَهْدِهِ
قد سَرَّنا اللهُ بغيرِ حَمْدِهِ

ما تطلعُ الشمسُ ولا تغيبُ
إلأ لأمرٍ شأنهُ عجيبُ

لِكلّ شيءٍ مَعْدَنٌ وجوهرُ
وأوسطٌ وأصغرٌ واكبَرُ

مَنْ لكَ بالمَّحْضِ وكُلٌّ مُمتَزِجْ
وساوسٌ في الصّفْوِ بألوانِ القذى

الخيرُ والشرُ بها أزواجُ
لِذا نِتاجٌ ولِذا نِتاجُ

مَنْ لكَ بالمَّحْضِ وليسَ مَحْضُ
يَخْبُثُ بعضٌ ويطيبُ بعضُ

لِكلُّ إنسانٍ طبيعتانِ
خيرٌ وشّرٌ، وهما ضِدّانِ

والخيرُ والشّرُ إذا ما عُدّا
بينهما (بَوْنٌ) بعيدٌ جِدّا

إنّك لو تستنشِق الشَحيّحا
وجَدْتَهُ أنين شيءٍ ريحا

عَجَبتُ حتى عَمَّني السُّكوتُ
صِرْتُ كأنيّ حائِرٌ مَبْهوتُ

كذا قضى اللهُ، فكيفَ أصنعُ
والصمتُ إنْ ضَاقَ الكلامُ أوسعُ!

إن ما يبنى في هذه العوالم في تشكيلة (الزهد والحكمة والامثال) في النصوص الشعرية لأبي العتاهية: يعطينا خاصيات معطاة ودقيقة تبرهن على أمتياز في أنساق هذه المعارف ومنطق هذه العوالم الممكنة إلى: أحقية فرضيات (تنبني) على المعلوم من هذه التطابقات، فهي تؤكد مسألة معروفة في خواص الدلالة لمعرفة هذه المناهج في (الزهد) و(الحكمة) و(الأمثال)، وما يتطابق منها في أدلة ودلالات وظروف توضح هذا الغموض الشائك، والأقرار بأحقية هذه الأحكام من ناحية هذا المدار الحكائي الكامن في النصّ الشعري.
ويبقى التعاضد المداري في خواص النصّ الشعري عند (أبي العتاهية) يبرهن على جدلية الوعي الخفي بأستنتاج الدلالة ومقتضيات الأستدلال واللذان يحركان منبت التوجيب في إستخدام معطيات متحركة تؤكد الأستخدام الأمثل لجانب الدلالة في فحص الطرف الخفي من تشكيلة النصّ الشعري. فالعملية الأختلافية حاصلة بين خواص الضرورة والظاهرة وخواص الضرورة الباطنة والخفية وما يتسمان به من تأريخية ومن تطلع، وهذا واضحٌ في سِمة القداسة للزهد في هذه الدنيا من قبل الشاعر والتي يعتبرها (دارُ أذى) وهي وهم لتفسير الحياة تفسيراً أُسطورياً، وتبقى حقيقة التأريخ تدعونا لأستكشاف هذه الكيفية وتقدير الأدوار في إحتواء هذه المعاني وإنقاذ النسق الأسطوري وتقويمه للقيام بأحتواء المعنى الذي خصوصيته الموجبة هي: نزوع حركية الأسطورة وإنقاذها بشكل يُعطي حركة التأريخ تشكيلاتها الصحيحة وإعطاء المنهجية الفكرية صلاتها وإعطاء النصوص الشعرية ممكناتها التعبيرية بمدارها الدقيق في حركة البُنية النصيّة، ثم يأتي موضوع العالم: وهو موضوع تداولي لهذه الأخلاقية في البنية كونها شاملة من ناحية خواصّ القصيدة الفنية في حين اخذت المباشرة وطراً كبيراً منها.
وحكى (ثُمامَة بن أشرس) قال: أنشدني أبو العتاهية:
إذا المرء لم يُعتِقْ من المال نفسه
تَمَلَّكهُ المال الذيّ هو مالِكَهُ

ألا إن مالي الذي أنا مُنْفِق
وليسَ ليَ المالُ الذي أنا تارِكَهُ

إذا كنت ذا مالٍ فبادِر بهِ الذي
يَحَّقُ، وإلاّ أسْتَهلكتْهُ مَهالِكهُ

إن الوقائع التي يفصح عنها (أبو العتاهية) في هذا الأثر من الزهد دعوةٌ للأفصاح عن خفايا النصّ وما يميزه عن الممكن الفكري الذي يبرر تفاصيل معاني هذه النصوص، فأبو العتاهية ينتقد المال الذي يستعبد صاحبه والذي يتملكه حتى يصير عبداً له، ومن هذه النقطة في الزهد والحكمة يريد أن يقول: أن هذا الأشكال التبريري هو: إشكال وثوقي وعقلاني إن حصل (حصل الخلل الأختلافي في سلطة المال على الأنسان) ويتحدى به حقيقة الواقع لأنه كشف عن حقيقة عالم مختلف ومختلط في نروعه وعزوفه عن الحقيقة.
ومهمة (أبي العتاهية) هي: الكشف عن هذا المال ومساوئه إذا لم يستعمل في مكانه الصحيح، وهذه الأزمة التي تمثل النقطة الفاصلة في الأطلاق لرفع مستوى القداسة والزهد بالنسبة لحالة الانسان في هذه الحياة التي تعنينا ويعنينا أعتقادنا بها لانها تمثل مستوى كبيراً في المسؤولية تجاه الأنسان.
إن الحوارية التي دارت بين أبي العتاهية وثُمامة بن أشرس أفصحت عن منع هذه الصياغات الزهدية والحكمية حيث سأله أبن الأشرس: من أين قضيت بهذا؟ فقال: من قول رسول الله (ص): إنّما لك من مالك ماأكلتَ فأفنيتَ، أولبست فأبليت، أوتصدقت فأمضيت. هذه الحكائية تعبر عن إنفصال أو إنفصام في معنى التأثر بكلام الرسول (ص) والقداسة في هذا التأثير إلى جانب حبه (سبعاً وعشرين بدرةً()) في داره لا يأكل منها ولا يشرب ولا يزكي ولا يقدمها ذخراً ليوم عازته وفقره، وإن هذه الأشكالية الحكائية لأبي العتاهية توضح لنا قداسة تراثه الديني بجانبه البخيل حتى على نفسه. وهذا الموضوع يعود بنا إلى الخطأ في ترجمة هذا الأعتقاد الأيديولوجي وعدم تحويله إلى حقيقة أسطورية لتكون تفسيراً علمياً لحركة التأريخ بالنسبة لحديث الرسول (ص)
ويمكن أن نفسر هذا الموضوع الحكائي السردي في هذا النسق بـ: أستغلال هذا المنطق الأيديولوجي وصياغته حسب أهواء (أبي العتاهية) وعدم ترجمته ترجمة صحيحة وفق كيفية كنه الأشياء وتقديراتها الرمزية والأسطورية بوصفها أستكشافاً لإغوار المنطق الأسطوري في أحاديث رسول الله (ص) أضافة إلى أستغلاله المنطق الأيديولوجي في غير معناه وموضعه بالنسبة إلى حالة التأثر والتأثير في الحياة الأجتماعية.
وقيل: أجتمع أبو العتاهية ومُسلم بن الوليد (صريع الغَواني) فجرى بينهما كلامٌ فقال له مسلم: والله لو كنتُ أرضى مثل قولك:
الحمدُ والنِّعمةُ لك والمُلكُ لا شْريكَ لَكْ
لبيّك إنّ المُلكُ لَكْ
لقلت اليوم عشرة ألاف بيت، ولكنيّ أقولْ:
مُوفٍ على مُهَجٍ في يوم ذي رَهَجٍ
كأنّهُ أَجَلٌ يَسْعى إلى أملِ

يَنالُ بالرَّفقِ ما يَعْيا الرِجالُ بهِ
كالموتِ مُستعجلاً يأتي على مَهَلِ

يكسُو السُّيوفَ نِفوسَ الناكثين بهِ
ويجعلُ الهامَ تيجانَ القَنَا الذُّبُلِ

لله من هاشِمٍ في أرضهِ جَبَلٌ
وأنتَ وأبْنُكَ رُكنا ذلكَ الجَبَلِ!

فقال أبو العتاهية: يا أبن أخي، قل مثل قولي: (الحمدُ والنّعمة لك) حتى أقول مثل قولك: (كأنّه أجَلٌ يَسْعى إلى أملِ).
إن الخاصية الجوهرية التي تمثلت في حوارية أبي العتاهية ومسلم بن الوليد والتي كانت تستند للمهارة في مدار النصّ الشعري بنشأته البينية التي يقوم عليها الفعل النصي وتداوله الأطلاقي ومكوناته الشاملة والتي تمثل قيد هذا التداول وعلاقته بالرؤية الشعرية وتأويله للحدث النصيّ المتمخض عن هذه الأشكالية الاختلافية هي: أن يمضي كليهما في الأجابة عن مختلف الطقوس الفنية التي عبر عنها المُحتمل النصيّ وحدوده السيكولوجية والفعل الحاصل من ناحية التناص الأختلافي سواء على مستوى المعنى أو على مستوى البُنية فالجدلية التأويلية للأثنين تقول: إن الحبكة الفنية في إستكشاف المعنى في النصّ الشعري عند أبي العتاهية هو: (توحيد أسطورة الأختلاف بين المعنى والبُنية)، أما الأشكال الأختلافي الثاني والذي يتعلق (بمسلم بن الوليد) فقط اخذ الفضاء الداخلي للنصّ أعتماده على مشروعية التأويل الذي يضفيه مسلم بن الوليد في خفايا القراءة الجادة للنصّ، وقد اوجز الأسطورة السسيولوجية في وقائع الحياة اليومية في الموقف من هذه الحياة. إضافة إلى نمطية الشجاعة في جعل (الهام تيجان القنا الذبل) والذي يجعلنا نقف مع أسطورة هذا الصراع لنتواصل مع حلقات التأويل وفق المستلزمات الأيديولوجية والسيكولوجية لنواضح تراكيب الحبكة بمستوى مركزية الجانب العقلي وهو: التوسع الذي حصل في المرويات التراثية بأعتبارها حلقة توصل إلى تفاصيل المعنى الجماعي الأستثنائي للأنسان بأعتباره هو حلقة الوصل في تفاصيل النصوص الشعرية.
وقيل: قال بشار لأبي العتاهية: أنا والله أستحسنُ إعتذارك من دمعك حيث تقول:
كمْ مِنْ صديق أسا
رِقهُ البُكاءَ مِنَ الحَياءِ

وإذا تأمّلَ لامني
فأقولُ مابي من بُكاءِ

لكن ذهبتُ لأرتدي
فَطَرَفْتُ عيني بالرِّداءِ

قد يمضي بشار بن بثرد في إعجابه بشعر أبي العتاهية وهو يسير على خط بياني يؤكد بموجبه جهد الوعي الثنائي في النصوص الشعرية، (فبشار) قد طور جهد القراءة لأبي العتاهية، وهو شاعر يتحرك من خلال اللحظة الحرجة في إحكام الصنعة وتطوير الأداة من أجل هذه اللحظة التي يحسّ ويحسب لها في أن يقول شيئاً، وفي الطرف الأخر فأن جواب أبي العتاهية لبشار: ما أجْتنيتُ إلا من غرسِك يضع المألوف في هذا التطور من ناحية شد القدرة للنص الشعري وحشد تجربته الشعرية وهضمه لها بشكل متطور، فالتجربة: هي المحك الذي يطور قدرات الشاعر، والسعي إليها يعتبر المحك لهذه التجريبية الشعرية، وهي نتيجة منطقية لفعل العمل الفني، ومع التجربتين الشعريتين تظهر نتائج في خواص هذه النصوص بالتأمل والرغبة والأهتمام المتنوع في الصلات وتفاصيل العلاقات في خاصية المغامرة والوصف لكلا الشاعرين حتى يلتقي النصان الشعريان عند قمة عالية واحدة كي نحصل على نصوص، وتعد هذه النصوص حشداً لتجربتين تبلورتا في إشكالية فنية عبرت عن المعنى الدلالي والبنية الخفية لمثل هكذا نصوص ولمضامين الأكتمال فيها، وتعتبر أيضاً نتيجة من النتائج الجيدة التي تبرهن عن النقلة الشعرية لدى (بشار) و (أبو العتاهية) في الوصف والمبالغة والتأويل في هذا الوصف، على أعتبار أن القراءة الأولى لهذه النصوص ظاهرة والقراءة الثانية هي قراءة باطنة.
وقيل: أن (الرشيد) لما اطلق (أبا العتاهية) من الحبس لزم بيته وقطع الناس عنه. فذكره (الرشيد) فعرف خبره. فقال: قولوا له: صِرت زير نساء وجليسَ بيت(). فكتب إليه أبو العتاهية:
بَرمتُ بالناسِ وأخلاقهم
فصِرتُ أستأْنِسُ بالوحُدْةْ

ما اكثر الناسَ لعمري وما
أقلّهم في حاصل العِدةْ

لقد كان الأعتكاف (سُنّة) عند ابي العتاهية (في كل إشكال يتعرض له) وهذا: الأقناع: له موجباته، فبعد خروجه من سجن (الرشيد) لزِم البيت بأعتبار أن زمن الوحدة هو زمن الحقيقة، وأن البنية لهذا الزمن هي أساس تجربة (أبي العتاهية) والمكان الذي أتخذه هو مكان الفراغ في المحاججة في طور يعتقد (أبا العتاهية) أنه طوراً تأملياً في إشكاليات الوحدة والتي أختارها (أبو العتاهية).
إن المنحى الذي أختاره (أبو العتاهية) هو منحىً إشكالياً يدعو إلى فهم حقيقة التأريخ من خلال هذه التجريبية العنيفة مع (الرشيد) فأذا تركنا سبب سجنه وإن ليس هناك جريمة لسجن (أبي العتاهية) سوى إنه ترك شعر الغزل وأتجه إلى عالم الزهد والحكمة، غير إن (الرشيد) أراد العكس هذه هي الجريمة فدعونا نتساءل عن معنى هذا الأشكال الغريب: إن (أبا العتاهية) أتخذ جانب الزهد والنسك وهذه: حقيقة نقلته من الحالة السسيولوجية إلى فلسفة نظرية جديدة بالنسبة له، فالزمكان الذي أختاره (أبو العتاهية) هو الأنعزال في البيت كي لايرى أحداً، وهو نفسه الذي أختاره (المعريّ) في خلوته، إن هذا (الزمكان) مُحدد الحالة الموضوعية والذاتية، إلأ أنه كتب بصراحة لأن (أبا العتاهية) أصر على إنتاج هذا الزمكان النموذج في بنيته وأسلوبه على أعتبار أن (أبا العتاهية) أنطلق من فكرة تتضمن أساس موضوعية هذا الأنعزال وتفاصيله الموسوعية والتي أشتملت على أشتقاقات في موضوع النسق الشعري ومفهوم المبنى الحكائي الذي طوره (أبوالعتاهية) من خلال البنية النصية وتفاصيلها في إطار المعنى والمبنى السردي في النصوص الشعرية.
وقيل: قال (الرشيد) لأبي العتاهية: عِظْني. فقال له: أخافُك! فقال: أنت أمن. فأنشده:
لا تأمن الموت في طَرْفٍ ولا نَفَسٍ
إذا تَستَرتَ بالأبواب والحرسِ

وأعلمْ بأنَّ: سِهامَ الموتَ قاصدةٌ
لِكلّ مُدّرع منا ومُترّسسِ

ترجو النجاة ولا تسلُك مسالكها
إنّ السفينة لا تجري على اليَبَسِ

فبكى (الرشيد) حتى بَلّ كُمهّ.
إن العجز الذي أفصح عنه (الرشيد) في حيرته من ربقة الموت الذي هو أتٍ بلا ريب والتغير في خواص الكون هو: حقيقة لا تمنعها أي خاصية، وأن الحدث الذي شغل الرشيد وهو النهاية وبما أن (أبا العتاهية) عَرَفَ (الرشيد) سيكولوجياً فقد نفذ لدواخله بنتاج فلسفة التأثيري وبأبيات شعرية موجزة أحدثت في ذات (الرشيد) ردة فعل لأن يكون أمام المحك في إن سهام الموت الأتية لاتصدها المتاريس ولاتعُيقها الأبواب الضخمة ولا كثرة الحراس لدرجة جعلت (الرشيد) يَبل كمه من بكاءه الشديد. وهذه حقيقة كما أشار لها (أبو العتاهية) في البيت الأخير حين قال: أن السفينة لاتجري على اليَبَس.
وقيل لأبي العتاهية عند الموت: ماتشتهي؟! قال: أشتهي ان يجيء (مَخارق) فيضَع فمهُ على أُذني فيُغنيني .
سَيُعْرضُ عن ذِكري وتَنْسى مَودّتي
ويَحدُث بعدي للخليلِ خليلُ

إذا ما أنْقضتْ عنيّ مِنَ الدّهر مُدّتي
فأنَّ غناءَ الباكياتِ قليلُ!

وهنا يأتي الخيار (لأبي العتاهية) وهو يحتضر: فيطلب الغناء، لأنه كان يرى فيه الفسحة الاخيرة لرمقه الأخير في هذه الحياة التي طالما حذر منها وذمها علناً وخفية، وإن النص الشعري جاء خلاصة لمفهوم معنى الوجود العام عند أبي العتاهية، لأن أبا العتاهية كان يعي هذه النهايات وما أشتملت عليه من شقاء وإشكال في الخصوبة ولأن الغناء الذي طلبه من (مخارق) قد تمخض عن هذه النهايات التي شكلت بالغناء لأن البراهين المنطقية بدأت بالمحاججة بالغناء أثناء حضور الغناء.
يتشكل الوعي عند أبي العتاهية بالوعي السردي الذي شكل وجهة نظر في (الزمكان) وهذا يتعلق بدأً من لزومه البيت وأنتهاءاً بطلبه للغناء قبل موته .



قال أبو الفرج :
هما أثنتان لهما صنعة: إحداهما، وهي الكبرى، وكانت مولدة نشأت بالحجاز ثم وقعت إلى أل الربيع فعُلِّمت الغناء في دُورهم، ثم صارت إلى البرامكة، ثم إلى الأمين بن زُبَيدة، وماتت بعده. وأما الأخرى فكانت للواثق ثم صارت إلى أخيه المتوكل. وكانت من الموصوفات المُحسنات، وكانت حَسَنة الوجه، حادّة الفِطنة والفهم.
وحكى محمد بن الحارث قال: كانت في نوبةٌ في خدمة (الواثق) في كل جُمعة، إذا حضرت ركبت إلى الدار، فأن نشط إلى الشراب أقمت عنده، وإن لم ينشط أنصْرفتُ، وكان رَسْمنا ألاّ يحضرُ أحدٌ منا إلا في يوم نوبته. فأني لفي منزلي في نَوبتي وأذا بُرسل الخليفة قد هموا عليّ وقالوا: أحضُر. فقلت: الخير؟. قالوا: خير. قلت: إنّ هذا يومٌ لم يحضرني فيه أمير المؤمنين، ولعلكم غلطتم. فقالوا: الله المستعان. قم وبادر. فقد أمرنا ألاّ ندعك تستقر على الأرض. فدخلني فزع شديد وخفتُ أن يكون ساعٍ قد سعى بي، أو بليةٌ قد حدثت في رأي الخليفة عليّ، فتقدمتُ بما أردتُ وركبتُ حتى وافيتُ الدار، فذهبتُ لأدخل على رَسْمي من حيث كنتُ أدخلُ، فَمُنِعت وأخَذ بيدي الخدمُ فَعَدلوا بي إلى ممرات لا أعرفها فزاد ذلك في جزعي وغمي، ثم لم يزل الخدم يُسلمونني من خادم إلى خادم حتى أفضيتُ إلى دار مفروشة الصحن مُلبسة الحيطان بالوشي المنسوج بالذهب ثم أفضيت إلى رُواقٍ أرضه وحيطانه مُلْبسة بمثل ذلك وإذا (الواثق) في صدره على سريرٍ مُرَصّع بالجوهر وعليه ثياب منسوجة بالذهب وإلى جانبهِ (فريدةُ) جاريتهُ عليها مثلُ ثيابه، في حجرها عود. فلما رأني قال: جَوَّدتَ() والله يامحمد إلينا! فقبلت الأرض ثم قلت: يا أمير المؤمنين! خيراً، قال: خيراً، أما ترانا! طلبتُ والله ثالثاً يُؤنسُنا فلم أرَ أحقَّ بذلك منك، فبحياتي بادرْ فكل شيئاً وبادرْ إلينا. فقلت: قد والله يا أمير المؤمنين أكلتُ وشربتُ أيضاً. قال: أْجلس. فجلست. وقال: هاتوا لمحمدّ رطلاً في قدح. فأُحضرت ذلك ثم أنفعت فريدة تُغنيّ:
أهابُكِ إجلالاً ومابكِ قدرةٌ
عليّ ولكنْ مِلءُ نفسٍ حبيبها

وماهَجَرتْكِ النفسُ ياليل أُنها
قَلَتْكَ، ولا أن قلَّ منكِ نَصيبها

ولكنهم يا أحسنَ الناسِ أُولعوا
بقولٍ إذا ما جئتِ: هذا حبيبها

فجاءت والله بالسحر، وجعل (الواثق) يجاذبها، وفي خلال ذلك تُغني الصوت بعد الصوت وأُغني أنا خلال غنائها، وبينما نحن كذلك إذ رفع (الواثق) رجله فضرب بها صدر (فريدة) ضربةً تدحرجت فيها من أعلى السرير إلى الأرض وتفتت عودها، فهربت باكية صائمة وبقيتُ كالمنزوع الروح ولم أشك في أن عينه وقعت عليها وقد نَظَرت أليّ أو نظرت إليها فأطرق ساعة إلى الأرض متحيراً، واطرقتُ أتوقع ضرب العُنق. فأني لكذلك إذ قال: يا محمد. فوثبتُ قائماً. فقال: ويحك! أرأيت أعجب مما تهيأ علينا! فقلت: ياسيدي، الساعة والله تخرجُ روحي، فعلى من أصابنا بعينٍ لعنه الله! فما كان السبب؟ الذنبٍ؟ قال: لا والله، ولكن فكرن في أنّ (جعفراً) يقعدُ هذا المقعد وتقعد معه كما هي قاعدة معي. فلم أُطِق الصبر وخامرني ما أَخرجني إلى ما رأيت.
في هذه الحكائية المبنية على شكل سيناريو، تتخللها مشاهد سينمية والتي هي جزء أساس في هذه الحكائية لتشكل حلقة درامية متكاملة، ورواية (محمد بن الحارث) تبين لنا ما كان يدور في أروقة الدولة العباسية بالشكل الحقيقي السافر الذي سلكوه الحكام ويالها من غرابة سلوك! فقصة (فريدة) برواية (محمد بن الحارث) توضح لنا أمرين غاية في الدقة أولهما كان أحد الأسباب الرئيسية التي ادت إلى سقوط الدولة العباسية وهو: إلتهاء حكامها بالملذات وتركهم إدارة الدولة بالشكل الصحيح سائبة، وثانيهما: تدخل الموالي في شؤونها الداخلية ومنهم (جعفر البرمكي) وهو المقصود في الحكائية والذي خيّل (للواثق) أنه كان جالس أمامه و(فريدة) المغنية إلى جانبه، فعلاوة على إن الرواية قد أعطتنا إنموذجاً متكرراً كان حاصل أبان الحكم العباسي فأنها تشير أيضاً لأشكال سيكولوجي كان الواثق شديد الوطيء به أزاء ومع من يتعامل معه في بلاطه وهو الذي بادر من خلاله لتكوين الحدث السينمي بضربه (فريدة المغنية) لتوهم طرأ في نفسه الأمر الذي أنعكس سلباً في نفس الراوية محمد بن الحارث وجعله خائفاً مرتعداً مما قد يُلاقيه من الخليفة!، هذا الأشكال يضعنا أمام تفسير في وقوع الحدث الأول هو: تصور (الواثق) من أن غناء (فريدة) لهذه الأبيات كان تحبباً (بجعفر البرمكي) لأنها كانت عنده، والتفسير الثاني وهو محور الأشكال: حالة السكر التي كان بها (الواثق) وتخيله (جعفر) قاعداً مقعده وإلى جانبه (فريدة) المغنية تطربه وتغنيه! وهذا يعني أن (جعفراً) كان شخصية مؤثرة في الدولة العباسية إضافة إلى تأثيره في شخص (الواثق) مما حدى (بالواثق) أن يتصرف بهذا الشكل السافر والساخر .
ويكمل (محمد بن الحارث) روايته ويقول: فُسِّري بي وقلت: بل يقتُل الله جعفراً ويحيا أمير المؤمنين أبداً، وقبلت الأرض وقلت: ياسيدي ، الله الله! إرحمها ومُر بردها. فقال لبعض الخدم الوقوف: من يجي بها. فلم يكن أسرع من ان خرجت وفي يدها عودها وعليها غير الثياب التي كانت تلبسها، فلما رأها جذبها إليه وعانقها. فبكت، وجعل يبكي وأندفعت أنا بالبكاء، فقالت: ماذنبي يامولاي؟ وبأي ذنب أستوجب هذا؟ فأعاد عليها ماقاله لي وهو يبكي. فقالت: سألتك بالله يا أمير المؤمنين إلاّ ضربت عنقي الساعة وأرحتني من الفكر في هذا وأرحت قلبك من الهمّ بي وجعلت تبكي ويبكي، ثم مسحا عينيهما، ثم رجعت إلى الغناء، وأومأ إلى خدمٍ وقوف بشيء لا أعرفه، فمضوا واحضروا أكياساً فيها عَينٌ وَوَرق ورِزماً فيها ثياب كثيرة وجاء خادمٌ بدُرْجٍ ففتحه وأخرج منه (عقداً) مارأيت مثل جوهرٍ كان فيه، فألبسه إياها وأحضرِتْ (بَدْرَةٌ) فيها عشرة ألاف درهم فحلت بين يديّ، وخمسة تخوت فيها ثياب وعدنا إلى امرنا وإلى أحسن ماكنا فلم نزل كذلك إلى الليل، ثم تفرقنا.
كل هذا حصل في باحة القصر وأمام الخدم والحرس، أفلا يعني هذا أن الدولة العباسية كانت ترزح بالفقر السياسي المحنك، السبب الذي جعل الموالي لأن يتدخلوا في شؤونها والسيطرة على مقاليد الأمور وأن عدم ضبط النفس الحاكمية أمام الملذات والشهوات الرخيصة أودى بحياة الدولة العباسية للهّوة السحيقة هذه.
وضرب الدهر ضرباته، وتوفي (الواثق) وتقلد بعده (المتوكل) الخلافة.



وأُسم ابي الصّلت عبدُ الله بن أبي ربيعة بن عوف بن عُقده بن عَنَزة أبن قَسيّ، وهو ثقيف بن مُنّبةِّ بن بَكر بن هَوزان. وأُمه أمنة بنت عبد شمس أبن عبد مناف.
وكان أبو الصّلت شاعراً وهو الذي مَدح سيف بن ذي يزن بقوله:
لِيطْلُبَ الثَّأرَ أمثالُ أْبنَ ذي يَزَنٍ
في البحر ضَيَّم للأعداءِ أحوالا

وكان أُمية شاعراً مُجيداً لأنه لقراءته الكتب المُنزلة كان يأتي في شعره بأشياء لاتعرفها العربُ. فلذلك العلماء لايحتجون بشعرهِ. وكان قد نظر في الكتب وقرأها ولبس المسُوح تعبطً واكثر من ذكر إبراهيم وأسماعيل والحنيفة وقرّم الخمر، وألتمس الدين وطَمع بالنبوة، لأنه قرأ في الكتب أن نبياً يُبعث من العرب، فكان يرجو أن يكون هو، فلما بُعِثَ النبيّ (ص) قيل له: هذا الذي كنت تنتظر وتقول فيه. فحسدهُ على ذلك وقال: إنماّ كُنتُ أرجو أن أكونَهُ فأنزل الله تعالى فيه.
*وأتلُ عَلَيْهم نبأ الذي أتيناهُ أياتنا فأنْسَلخَ فيها*
وأُمية الذي يقول: كُلَّ دينٍ يومَ القيامةِ عِندَ الله إلاّ دينَ الحنيفةِ زُورُ
لقد كان (أُمية) يحول هذه الخاصيات التي تتعلق بشخصيته من طموح في البروز، وحلمه ان يكون نبياً، فعندما قرأ يوماً ما عن قدوم نبيّ بشرت به العرب تصور أنه هو النبيّ الموعود. فلما بُعث النبي محمد (ص) حسده وحقد عليه، هذه التفاصيل السردية في حكائية (أُمية بن أبيّ الصّلت) فتعطينا مثالاً على خاصية المشروع التفكيري عند أُمية وهو يتمثل بالخواص الأيديولوجية لأن هذا التمثيل الذي شكله في تفكيره يعتبر أشكالاً معرفياً (أبستمولوجياً) غادره دون تحقيق في الفحص الفكري، ولهذا تقع عوالم أبن أبي الصّلت في ضمير يستخلص حقيقة ملاحظة هذه الرؤية التي يشاهدها هو وحده، وهي خالية من أي نمط عقلاني وهذا ما أدى به إلى مدح سيف بن ذي يَزَن.
لعل فعل البُنى في هذه الحكائية أن يتقدم (أُمية) في وصف حالات الحكائية وذلك من خلال (عمليات التعيين) التي تقدمها، وامكنه في حينها أن يصوغ سلسلة من الحالات الأكثر تحديداً في سياق القضايا الكبرى.
فالتجريد الفردي لأمية بات موضوع بحث (سيكولوجي) وأن في وسعه أن يقدم بعمليات أختزال في إطار أفتراضات عرفها هو دون تحديد قوى فاعلة في هذا المنحى، وهذا مانلاحظه في رثائه للمشركين بعد معركة بدر.
يقول أُميّة:
مَنْ ذا ببدرٍ والعَقْنـ
ـقَلِ مِن مَرازبةٍ جَحاجْحِ ()

وقد نهى النبي (ص) عن رواية هذه القصيدة.
وهذا ماحدا أن يتعرض أُمية إلى موضوع نظري ويحرض المشركين بالنبي (ص) وهذا تصور حقيقي لما قام به أُمية من فرضيات أبتداء من تخيله أن يصبح نبياً وإلى تحريضه بشكل عملي للمشركين بالنبي (ص).
وقيل: أن أُمية كان خرج في بعض أسفاره فمر بكنيسة، وكان معه جماعة من العرب وقريش، فقال أُمية: إن لي حاجة في هذه الكنيسة فأنتظروني. فدخل الكنيسة فأبطأ، ثم رجع كاسفاً متغيراً، فرمى بنفسه. فأقاموا عليه حتى تسرى عنه. ثم مضوا وقضوا حوائجهم، ثم رجعوا. فلما صاروا إلى الكنيسة قال: أنتظروني، ودخل أيضاً فأبطأ ثم خرج إليهم بأسوأ من حاله الأولى إلى أخر الحكاية().
إن الراهب الذي تردد عليه أُمية أخبره بأنه ستكون بعد (عيسى بن مريم) ستُ رجعات وقد مضت منها خمس وبقيت واحدة. وعندما يئس أُمية من هذا الأشكال أصابه أنكسار (سيكولوجي). وتجدر الأشارة هاهنا إلى أن صلة الجن بالكهان في الجاهلية كانت صلة وثيقة: يقول: (النويري) في نهاية الأدب: وكانت كهنة العرب لهم أتباع من الشياطين يسترقون السمع، ويأتونهم بالأخبار، فيلقونها لمن يتبعهم ويسألهم عن خفيات الأمور حتى جاء الأسلام().
ونحن أذ نتفحص جملة من هذه الروايات نجد أنه كان للكهنة في الجاهلية أصحاب من الجن كانوا يخبرونهم عما يريدون معرفته من الأشياء المبهمة والخفية، والكهانة مهنة لاهوتية موجودة عند الشعوب القديمة، ويقال: أن الكهانة أتية من فعل الشيطان، ويقال أيضاً أنها أتية من الوحي الفلكي. وهذا ما كان سائداً عند القبائل في الجهالية إذ كانت القبائل تضم انذاك عنصر الكهانة بالأضافة إلى رئيسها وخطيبها وشاعرها وهذا امر طبيعي في تشكيلها أو بُنيتها. ولعل كلمتي (العراف أو العرافة) الدارجتين مأخوذتان من اللفظ الأصلي وهو الكاهن أو الكاهنة (بالتأنيث) والكاهن كما هو معروف يدعي المعرفة بخفايا الامور الغيبية() والأشياء المبهمة وإن قسماً من هؤلاء الكهان يزعم إن له تابعاً من الجن يزوده بما يريده، وأن بعضاً منهم يقول أنه يعرف الأمور من خلال منطق الأستدلال عن طريق الأسئلة التي يُلقها فيستنتج هذا الموقف، أو من خلال الكلام الذي يسمعه، أو فعل يتعلق بمراقبة صاحبه وهذا ماكانوا يطلقون عليه تسمية (العراف).
ولكن على العموم فأن المعلومات المتواترة تقول: إن الكهان يرتبطون بعالم الجن وهذا ماحصل من اعتقاد عند العرب، فكانوا يستفتون هؤلاء الكهنة في معرفة المعضلات والصعاب من الأمور، ويرجون إليهم تفسير وتأويل الأحلام، ويلتمسون عندهم الشفاء من الامراض السيكولوجية (وكان الكُهان يروّجون أعمالهم الباطلة بأسجاع تروق السامعين، ويستميلون بها القلوب ويستصغون إليها الأسماع())
ونصل من خلال هذه النتيجة التأريخية لمعرفة خفايا الكهان الذين كانوا يسيطرون على عقول الناس، ومنهم شاعرنا (أُمية بن أبي الصّلت) وأتصاله بكاهن الكنسية عندما أخبره بأنه (وقد بُعث نبيُّ العرب، فأيسَ من النبوة فأصابه ما أصابه من جواب الكهان إذ فاته ماكان يطمح فيه).
وكان (أمية) دائم الأتصال بالكهنة والعرافين دؤوب التردد عليهم لأنهم يستطيعون وكما تصور هو ذلك أن يعالجوا مرضه (السيكولوجي) والحكائية الثانية التي تقول: خرج أُمية بن أبي الصّلت في سفر فنزلوا منزلاً، فأقام أُمية وجهاً وصعد في كثيبٍ فرفعت له كنيسةٌ فأنتهى إليها فأذا شيخٌ جالس، فقال لأمية حين رأه: إنك لَمتبوع، فمن أين يأتيك رَئيُّكْ()؟ فأضافة إلى كل هذا الأشكال القبلي في ضياغة شخصية أمية بن أبي الصّلت فأنه: كان مريضاً من الناحية السيكولوجية لأنه كان يدعي سمع أصوات الحيوانات الخفية فيما تقول أو ماتقصده في كلامها وهذا ماحصل عندما كان جالساً ومعه قومٌ إذْ مرت بهم غنمٌ (فَثَفَتْ شاة) فقال أمية للقوم: هل تدرون ماقالت الشاة؟ قالوا: لا. قال: إنها قالت لسَخلتها: مُريّ لايجيء الذئب فيأكلك كما أكل أختكُ عام أول في هذا الموضع وهذا دليل على إن أُمية كان يدعي فراسة كلام الحيوانات وأستنطاقها ومعرفة ماتقول وهذا ماحصل أيضاً مع العجوز التي قال عنها راهب الكنيسة أنها من فصيلة الجن وهي حكائية() شبيهة بالحكائيات المارة الذكر.
ويُذكر أنه كان أو ماتكهن به (سطِح الغسّاني) إنه كان نائماً في ليلة مظلمة مع أخوته في لحاف، والحيُّ خلوف، إذ زعق من بينهم وتأوهّ وصار يقول: والضياء والشفق، والظلام والغسق، ليطرقنكم ما طرق. قالوا: ماطرق ياسطيح؟ قال: ماطرق إلأا الأجلح، حين سرى الليل البهيم الأفلح، وولاهم بسردح. قالوا: وماعلاقة ذلك ياسطيح؟ أمرٌ يسد النقرة، ذو حبة في الوجرة، وحرة بعد حرة، في ليلة قرة. فأنصرفوا عن قوله وأستهانوا بأمره، وتعاصفت مدود من أودية مفاجأتهم في ليلة باردة قرة كما ذكر، فساقت الأنعام والمواشي().
فالتشاكل المعرفي في هذه الحكائية هو في درجة المفارقة التي صاحبت أُمية بن أبي الصلت في بيت أُخته إذ دخل عليها فوجدها تهيء أدمالها، فقام على سرير في ناحية البيت، فأنشق جانب من السقف فأذا بطائرين، فوقع أحدهما على صدره فشقه واخرج قلبه، ووقف الأخر مكانه، فقال الطائر الواقف للطائر الذي على صدره أوعى؟ قال: وَعى. قال: أقبل: قال: أبى. فرد الطائر قلبه في مو ضعه ثم نهضَ. فأتبعه (أُمية) طرفَه وقال:
لَبيكما لبيكما
ها أنذا لَديكما

ويستمر المشهد() لأكثر من مرة (وأُمية) يردد: لبيكما لبيكما ها أنذا لديكما
ثم يقول:
إنْ تَغفر اللهم تَغفُر جَمَّا
وأيُّ عبدٍ لكَ لا أَلَّما()

فقالت أُخته: ثم أنطبق السقف وجلس أُمية يمسح صدره. فقلتُ: ياأخي، هل تجد شيئاً؟ قال: لا، ولكني أجد حراً في صدري. ثم أنشأ يقول:
ليتني كنتُ قبلَ مابدالي
في رؤوس الجبال أرعى الوُعُولا

إجْعَلِ الموت بين عينيك وأحْذَرْ
غَوْلة الدّهر، إنّ للدّهر غوُلا()

(وللجاحظ) رأي في هذا الموضوع وهو أن الغول هي السعلاة أيضاً، يقول الجاحظ: والسَعلاة أسم لواحدة من نساء الجنّ، تتغول لِتفتن السِفار() (وقيل: أن السَعالي سحرة الجن).
لقد مضى (أمية) في مرحلته (الجنيّة) مع تقصي العجب، حتى ليبدر رهانه في عودة الوعي القبلي في إن الجن والشياطين يتحولون في صور مختلفة عن (جنية الغول) لأنها تتحول إلى صورة المرأة برجلين كرجلي الحمار.
وكانت العرب تُنزل الجن كُلاّ حسب درجته ومرتبته فأذا ذكر الجنّ سالماً قالوا: جنيّ، وإذا كان يسكن مع الناس فهو: عامر، والذي يعرضُ للصبيان فهو: روح، فأذا صار خبيثاً فهو: شيطان، وإذا زاد على ذلك في القوة فهو: عفريت().
لقد كان لثقافة (أُمية) الأثر الكبير في تشخيص أثر هذه الفلسفة الفكرية والسيكولوجية والتي شكلت أسلوباً حقق من خلاله دقة في الوعي (السسيولوجي والفلسفي) وحتى في تفاصيل السرد في النصوص الشعرية على أعتبار أنها نتيجة من نتائج (الأستمولوجيا) التي تؤكد المتطور الحقيقي (للزمكان) بأعتباره يرعى الأبداع والقصّ عبر النصّ الشعري وهي العملية المحركة لنموذج يطرح إشكالية المفارقة في الأمكان النصي من خلال حلقات الشعر.
يقول الجاحظ: (كان أُمية بن أبي الصلت داهية من دواهي ثقيف، وثقيف من دهاة العرب، وقد بلغ أقتداره في نفسه أنه قد كان همِّ بأدعاء النبوة وحتى ترشح (أي تقوى) لذلك يطلب الروايات. وهو عند العرب علامة معروف بالجولان، في البلاد رواية()).
ويعتبر (أبي الصّلت) من أشد الشعراء للكتب السماوية فقد قرأ التوراة والأنجيل، وجاء الطبراني عن معاوية بن أبي سفيان عن أبيه أنه قال: (أخرجت أنا وأمية بن أبي الصّلت الثقفي تجاراً إلى منطقة الشام، فكلما نزلنا منزلاً أخذ (أُمية) سفراً له يقرأه علينا، وكان يعرف لغة غير العربية (كالسريانية) والتي جاء بعض ألفاظها في نصوص شعره، وقيل: أنه شاعر ثقيف، واكثر ماروي من شعره هو متحول عليه، ماعدا مرثيته في قتلى بدر، والتي منع النبي (ص) عن روايتها أو ترديدها. ويزعم كلمنت هوار CL.huart أن مصدر شعره كان القرأن، وهذا زعم غير صحيح، إذ ألحقّ ماذكره تور أندريه Tor Andrae وهو إن الأشعار التي نظر فيها هوار إنما هي نظم، ما أستخرجه المفسرون من مواد القصص القرأن، ولاشك أن هذه الأشعار نحلت لـ(أمية) في عهد مبكر لايتجاوز القرن الأول للهجرة.
لأن (الأصمعي) سماه شاعر الأخرة كما سمى (عنترة) شاعر الحرب، و(عمر بن أبي ربيعة) شاعر العشق، وأراد محمد بن داود أن يفتح القسم الأول في الدنيا من كتابه الزهرة() بأشعار أُمية، وقيل عنه: أنه كان مغرى في الجاهلية بتمجيد الله ووصنعه الجنة والنار()، وقيل: أنه كان نبياً وأنه كان مستقيماً في بداية حياته وفي أول فطرته على الأيمان ثم زاغ عنه().
قال أُمية يمدح عبد الله بن جدعان():
أأذْكرُ حاجتي أمْ قد كفاني
حياؤك إنَّ شيمتُك الحياءُ

وعلمُك بالأمور وأنتَ قَرمٌ ()
لك الحبُ المهذبُ والسناءُ

كريمٌ لا يُغيره صباحٌ
عَنِ الخُلقِ السَّني ولا مَساءُ

تباري الريحَ مَكرُمةٌ وجوداً
إذا ماالكلبُ أمْجرهُ الشتاءُ

فيومٌ منك خيرٌ من أُناسٍ
تروحُ عليهم نَعمُ وشاءُ

إذا أُثنى عليكَ المرءُ يوماً
كفاهُ من تعرضهِ الثناءُ

إذا خلّفتَ عبد اللهِ فأعْلَم
بأنّ القومَ ليسَ فيهم جزاءُ ()

في تشكيل هذا المشخصّ فهو يتعلق بمشهد هذا التناقض وهو يتوجه إلى خاصية ذاتية مفرطة بحالة التأمل، فهو يتوقف إلى منعطف أخلاقي يبرهن به على إشكالية فلسفية تضع اللحظة في حالة إحكام مركزي، ثم تأتي الحلقة الجوهرية التي أرتبطت بنسيج الوعي التأريخي، فهو يضع هذا الموقف الأخلاقي بأمتداد هذا الوعي الفكري، ثم تأتي سردية الحدث في البيت الثاني ليقول أُمية بأفتراضٍ جوهري يظهر الوعي الذاتي وبأعتقاد معرفي يجلي الصورة الشعرية من خلال السيادة وحدودها الفورية وتفاصيلها التأريخية بأعتبارأن هذه الذاتية هي: ترجمة مهمة ومثال يتحرك أمام الأنظار، هذه الذات باقية على مواقفها لأنها أعتقاد جازم أمام حلقات الأمتلاك بعيداً عن الفجوة الخطاءة داخل الذات، وتأتي الحالات متوافقة من الناحية الأجتماعية والسيكولجية لتضع المعرفة و(الأستمة) أوزارها داخل بصيرة هذه العقول المثالية والتي تضع الخلاص في مقدمة هذا السرد الشعري من خلال نصه الغني التجذيري وتقديم عملية شعرية تدوينية لمنطق حيادي يبرهن على الحقائق بشكل ملفت للنظر.
وأُمية بن أبي الصّلت ألزم هذا الأعتراف وبأشتراط تلويني كان قد بينه في هذه القصيدة وهو يتجنب المباشرة، ولكن القصيدة بقيت قصيدة شفافة بالمدح، وإن هذه التصورات بعلاقة أفضل وفائدة ترتكز إلى واقعية حقيقية لايشوبها الغثيان.
إن فلسفة (أُمية) في هذا المضمار تؤكد المنعطفات العُليا، وتعتمد على شحنات الوعي السيكولوجي، والمبدأ المتأمل لدراسة الشخصية الممدوحة، بأعتبار إن خلاصات الوعي الحادة هذه تتوافق سسيولوجياً مع خصائص المزاوجة في تشكيل نصوص هذه الأبيات ومايرافقها من أعتقاد وممارسة في سياقات النص الشعري بأعتبارها تطلع لتشكيل فلسفي مثل حقيقة هذه الشخصية في تفاصيل الذات الجمعيّة.



هو حَسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الخزرجي (من سادة قومه وأشرفه) وأُمه الفُريعة بنت خالد بن قيس، خزرجية كأبيه، ومن اللواتي أدركن الأسلام.
وحسان بن ثابت من فحول الشعراء، وقد قيل: أنه أشعر أهل المَدر. وكان من المعمرين: عمرهُ مائة وعشرين سنه، ستون منها في الجاهلية والأخرى في الأسلام وهي سّن تقريبية فقد قيل: إنه توفي قبل الأربعين، وقيل بل سنة خمسين، وقيل سنة أربع وخمسين وهو ليس خزرجياً فحسب، بل هو أيضاً من بني النجار، أخوال، رسول الله محمد (ص) فله به صلة قرابة ورحم.
وقيل: إنه قُبيل الأسلام كان يتردد على بلاط الغساسنة، ويقال إنه مدر رحلاته إلى بلاط النعمان بن المنذر. وكان لسان حال قومه في الحرب التي نشبت بينهم وبين الأوس في الجاهلية، ومن ثم أصطدم بالشاعرين الأوسيّين قيس بن الخطيم وأبي قيس بن الأسلت().
وقيل: إنه عرض شعره على (النابغة) بسوق عكاظ، وقدم عليه الأعشى فأثار موجدته.
ويُذكر: إنه لما هاجر النبي محمد (ص) إلى المدينة، أعتنق حسان بن ثابت الأسلام فصار يُفضل على الشعراء بأثنتين علاوة على كُونه شاعراً للأنصار أيام الجاهلية أولاهما: إنه صار شاعر رسول الله (ص) في النبوة، وثانيهما: شاعر اليمن في الأسلام كلها()وكان إذا أخذ شعراء قريش بهجائهم للنبي(ص) وصحبه(رض) أبدى لهم حسان بلاذع هجائه وكان الرسول (ص) يحثه على ذلك ويدعو له فيقول: اللهم أيده بروح القدس.
وذُكر أنه كان يُخضبّ شاربه وعنفقته() بالحناء ولا يخضب سائر لحيته.
وروي: أن النبي (ص) قال ليلة وهو في سفر: أين حسان بن ثابت؟ فقال حسان: لبيك يارسول الله وسعديك. قال: أحْدُ. فجُعل يُنشد ورسول الله (ص) يُصغي إليه ومستمع حتى فرغ من إنشاده، فقال رسول الله (ص): لهذا أشدُّ عليهم من وَقع النبّل. وكان ممن شاطره الهجاء (كعب بن مالك) و(عبد الله بن رَوَاحة) إلاّ إن حسان بن ثابت بقى متميزاً عليهما فكان شديد الوقع بهجائه وأشد قولاً على الكفار، ولعل حالة التمييز التي حازها حسان كانت نتيجة لكسب معرفي إجتهده مسبقاً أفاده في وضعه الجديد كمسلم ليذود بما لديه، إذ كان (هو وكعب بن مالك) يعارضان الكفار الهجائين بمثل قولهم بالوقائع والأيام والمأثر ويُعيرانهم بالمثالب، وكان (عبد الله بن رواحة) يُعيرهم بالكفر ولذلك كان حسان بن ثابت قوي الوطيء على الكفار بهجائه. وفي هذا الرأي ألتفافة: إذ ينقل لنا صاحب المهذب عن صاحب الأغاني أنه قال: فلما أسلموا وتفقهوا في الأسلام كان أشدّ القول عليهم قول أبن رواحة() غير إن شهادة رسول الله (ص) على شدة قول حسان في الهجاء تعطينا مؤشراً إيجابياً تجاه (حسان) وأعتباره سيداً للهجاء في ذلك الزمان.
ويُذكر إن (حساناً) كان ممن خاض في حديث الأفك الكاذب على (عائشة) (رض) وينقل لنا صاحب (المهذب للأغاني) قصة الأفك هذه أنها كانت في غزوة النبي (ص)(لبني المُصْطَلِق()) الأمر الذي أثار غضَب النبي (ص) فبادر حسان بن ثابت للأعتذار مِن الذي قال في عائشة (رض) بأبيات منها:
حَصَانٌ رَزَانٌ ماتُزَنُّ بريبةٍ
وتُصبحُ غَرْثى مِنْ لُحوم الغَوَافِلِ()

فأنْ كنتُ قد قُلتُ الذي قدْ زَعَمْتُمُ
فلا رفعَتْ سَوطِي إليَّ أَناملي

وجهة نظر:
لقد أقترن أسم الشاعر وخاصة مما قد جاء في النصوص القرأنية بأسماء: كالمجنون أو الكاهن وكذلك الشيطان ولعل هذا الأقتران أعطى فكرة أن الشعر بالمضمون العام لايأتي بشيء من الحق لأنه مرتبط بأعمال السحر والكهانة والجنون، والمعروف إن هذه الأعمال هي من فعل الشيطان الذي يُضّل ويغوي ليُرى الباطل حقاً وبالعكس، وبالرغم من الأختلاف الحاصل في معاني الألفاظ فأنها تشكل مدلولاً جامعاً وهو البطلان. ولقد وقف القرأن الكريم والشرع عند هذا الأشكال وقفة خاصة لما فيه من الباطل الذي يحث على السلبية المؤثرة في المجتمع. ويعّرف (التها فوي) السحر بأنه: فعل يخفي سببه ويوهم قَلَب الشيء عن حقيقته ولذلك كل عمل السحر شيء يتم التقرب به من الشيطان، أما على مستوى الشرع فالأمر يختلف إذ أنه: إتيان بشيء يخرق مزاملة الأشكال القولي أو الفعلي والذي هو محرم من الناحية الشرعية أو الفقهية.
وبهذا يعتبر السحر من خواص الفسق، والذي يبغي تعلمه إنما ينحو منحى باطلاً لكونه مضموماً لعملية التوسل والأيغال في الخواص المحضورة، وهنا ينقل لنا (التها نوي) تفسيراً (للبيضاوي) لأية (يعلمون الناس السحر) وفي هذا يكون المقصود منه هو التقرب إلى الشيطان، وهو بعيد كل البعد عن أستقلالية التفكير الأنساني، وعمليات التناسب التي تشكلت من أشارات في النصوص القرأنية والاحاديث النبوية الشريفة، وبهذا: تميز الشاعر عن النبي أو الولي، ويقول (التها نوي):(إن اهل السنة جوزوا قدرة الساحر على الطيران في الهواء وأنه قادر على قلب الأنسان حماراً والحمار إنساناً) وهذا هو يعني الخرافة في كلا الحالتين، إلا أنهم يوعزون هذه المقدرة على أنها تعليلاً للقدرة السماوية وبما إن الله سبحانه وتعالى هو خالق الكون الفسيح فهو قادر على أن يجل الساحر ذا قدرة يتحكم من خلالها بالأشياء، هذا من جانب، ومن جانب أخر فهم يقرون بل ويسلمون على إن القرأن الكريم ليس كتاباً كهنونياً أو سحراً وهو بالتالي ليس من فعل الشيطان وكذلك ليس من نصوص الشعر وإن النبي(ص) ليس كاهناً أو ساحراً أو شاعراً، والمسلم به إن القرأن: هو المنطق والحق وإن الرسول (ص) ناطق بأسم هذا الحقّ.
فإذا كانت النصوص القرأنية قد أدانت الكهنة والسحارين فأنها لم تدن الشعر ولا الشعراء فللشعر غاوون، وهم في كل وادٍ يهيمون، ثم هم يقولون ما لايفعلون، إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً، وحسب هذا القانون فأن من الشعر مانطق بالحق وذكر الله وعلى هذا الأساس فأن الشعر لم يحرم في نصوص القرأن الكريم، بل بالعكس: فقد جعل النبي وهو الناطق بأسم الحق الشعر أداة لخدمة الدين الحنيف فهو الذي يقول: إنما الشعر كلام، فمن الكلام خبيث وطيب، وقد أعتبر الشعر قضية فكرية في خدمة الأفكار الدينية، ومن خلال هذا فلقد كان للنبي رأي في أن ينهى عن قرأة أو رواية البعض من الشعر الجاهلي، ويروي لنا التأريخ أنه (ص) نهى عن ترديد شعر الهجاء (للأعشى) الذي قاله في (علقمة الفحل) تقديراً لـ(علقمة) الذي كان قد رد أبوسفيان، وكذبه لهجائه النبي (ص).
وكذلك نهى النبي (ص) عن إنشاد قصيدة (الأفوه الأودي) الرائية التي هجى فيها بني هاجر ويذكر فيها (أسماعيل) كذلك نهى عن تلاوة لامية بن أبي الصّلت التي حرض فيها قريشاً على النبي (ص) ويرثي فيها قتلة بدرٍ من الكفار والمشركين.
وإلى جانب هذا النهي فأنه (ص) كان يستحسن بعض ماقيل من الشعر الجاهلي، وخاصة شعر عنترة العبسي فقد روي انه كان يستحسن قوله:
ولقد أبيتُ على الطِوى وأظّله
حتى أنال به كريمَ المأكلِ


فقال:(ما وِصف لي أعرابي قط فأحببتُ أن أراه إلا عنترة).
ويروى أيضاً أنه (ص) أنشد قول أُمية بن أبي الصلت:
الحمدُ لله مَمْسانا ومُصْبَحنا
بالخير صبحنا ربي ومَسّانا

لقد مر بنا قبل قليل بأن (حساناً) عندما كان يهجو قريشاً بالأيام التي هزموا فيها ويعيرهم بالمثالب وأنه في الوقت نفسه كان يشد من عزيمة الباقين والأفتخار بالأبناء والأرث الشعري والشجاعة التي يتمتع بها الأبناء ومن جراء هذا فقد على حسان بن ثابت في قوله:
لنا الجَفَنات الفُّر يَلْمَعْنَ بالضُّحى
وأسيافنا يَقْطِرنَ من نجدة دَما

وَلَدنا بني العنقاء وأبني مَحْرقٍ
فأكْرِم بنا خالاً واكرم بنا أبْنَما

وقال فيما يروى لهذه الحادثة الأدبية:(أنت شاعر! ولكنك أقللت جفانك وأسيافك وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن وَلَدَكْ) وفي رواية أخرى أنه قال له: ما صنعت شيئاً، قللت أمركم، فقلتَ جفنات وأسياف، والأسياف جمع لأدنى العدد، والكثير سيوف. والجفنات لأدنى العدد، والكثير جفان().
في النسق الشعري المعرفي يوضح لنا حسان خاصية شعرية تُصحبنا إلى أقصى التوقع في خاصية السرد الشعري المتوقع في تمثيل الوصف وهيمنة المهجية البلاغية وإغراق النصّ بتشاكيل الصور الشعرية التي تتوغل في دواخل النصّ.
وحسان بن ثابت يدرك درجة المفارقة في إبراز الصورة الشعرية وإقحامها في أتّون المباشرة السردية وإبرازها واضحة في هجاءه لـ(أبي سفيان بن الحارث) حيث يقول:
وإنّ سناء المجد من ألِ هاشمٍ
بنو بنتِ مخزومٍ()ووالدكِ العبدُ

ومَنْ وِلَدتْ أبناءُ زُهرة منهمُ
كرامٌ، ولم يبُلغ عجائزُك()المجدُ

وإنْ إمْرأً كانت سميّةَ()أُمَّهُ
وسَمْراءُ مغلوبٌ إذا بلغ الجَهْدُ

وأنت هجينُ()نِيط في أل هاشمٍ
كما نيط خلفَ الراكب القَدحُ الفردُ!!

فالذي حصل في هذا التشكيل البنائي في منظومة (حسان)الشعرية هو عن المحتوى بقي محتوى تأملياً أستنباطياً (في فلسفة حسان بن ثابت الشعرية) لأن المفارقة جاءت في الهجاء وسجلت هذه الخاصية كشفاً دقيقاً لتأملات حسان الشعرية من خلال منهجية التأمل في الهجاء وهي إشكالية واقعية من خلال الكشف عن المضامين، وبالصياغات الواضحة لأنها وحدت هذا التناقض الحفي بين هذا التحييل الجوهري وأرتباطه بخاصية التأمل المسكن بالصفة السيكولوجية وجوهر مضامين هذا السرد الشعري الذي يغلفه (باطن سسيولوجي وظاهر سيكولوجي) فلاحضه في خواص التعبير والنظرة التي أقترنت بالغناء الفني من ناحية الحزم لزمنية تأريخية ليست عابرة، بل زمنية شخصية أفتتنت بهذه الرحلة الهجائية لـ(حسان بن ثابت) وهو يفصح عن هذه العقلانية المتناقضة والتي تدعي إن عنصر الواجهة من الناحية السيكولوجية والأعتراف بخواص هذه التحولات والتي من شأنها الأرتفاع بمستوى البنية الشعرية إلى مستويات متطورة.
يقول حسان بن ثابت:
إنّ الذوائِبُ من فهرٍ وإخوتهم
قد بينوا سُنْةً للناس تُتبعُ

يرضى بها كُلّ مَنْ كانت سريرتُهُ
تَقْوى الأله وبالأمر الذي شَرعُوا

قومٌ إذا حاربوا ضَروا عدُّوهمُ
أو حالوا النفع في أشياعهم نفقوا

سجيةٌ لكلُ فيهم غيرُ محدثةٍ
إنّ الخلائقُ فأعلم شرُّها البَدعُ

لايَرفعُ الناسُ ما أوهَتْ أكفهم
عند الدفاعِ ولايوهون مارفعوا

إن كان في الناس سبّاقون بعدهُم
فكلُّ سبق لأدنى سَبْقهم تَبَعُ

أعفةٌ ذُكرتْ في الوحْي عفَتُهمّ
لايطبَعونَ()ولا يُزري بهم طبَعُ

ولايضنونَ عن جارٍ بِفَضلِهُم
ولايمسُّهم من مطمعٍ طمَعُ

يسمونَ للحربِ تبدو وهيَ كالحةٌ
إذا الزعانفُ()من أظفارها خَشَعوا

لايفرحُونَ إذا نالوا عدوَّهمُ
وإن أُصيبوا فلا خورٌ ولاجُزُعُ

كأنّهم في الوغى والموتُ مُكتَنَعُ
أُسُودُ ربيشة في أرساغِها()فَدَعُ

خُذْ منهم ما أتوا عَفْواً وما()غَضَبوا
فلا يكُن هَمُّكَ الأمَر الذي مَنعوا

فأنّ في حرمهم(فأتْرك عَدَاوتَهم)
سُمَّاً عليه يُخاضُ الصَّابُ() والسَّلَعُ

أكرِم بقومٍ رسُولُ الله قائدهم
إذا تفّرقت الأهوارُ والشّيعُ

أَهدْي لهم مِدَحي تَكبُ يُؤازِرَهُ
فيما أرادَ لِسانٌ حاذِقٌ()صَنَعُ

لو أننا(تنقلنا) في هذه النصوص الشعرية من حركيتها إلى فضاءها لوصلنا إلى منهجية أدبية بأطار نظرية فعلية جديد تُفصح عن ثمرة هذا الشوط الكبير في مجال إعادة (التفكيك) الذي حصل داخل هذه النصوص إلى تركيبة جديدة مأخوذة بزمنية هذه النصوص وحكائية مختلفة عن منهجية وتأريخية المنطق الشعري.
فـ(حسان بن ثابت) فتت الخصوص المنهجي في تشكيل الوعي الشعري وأرجعه إلى أصوله الأولى بوعي النسق (الأستمولوجي) فكتب قصيدة بروحية كبيرة وصادقة لأنه كان مدركاًكنه المنتبة في حلقة المتواليات التفسيرية في إشكاليات الدلالة، ومثلما هو حاصل ومتوقع داخل خواص النص، بمعنى أن هذه الأشكالية ليست إشكالية لتفسير المعنى المراد قوله، أو تأويلاً لحلقة من حلقات النص الشعري ولكن هو: الحضور الفعلي والجمعي في شخصية واحدة، وتجذير للأنبثاق الذي يُفسر شفرة النص برسم الحدود وبمثابرة.
يقدم (حسان) ومن خلال هذه القصيدة إستعمالاً مفيداً لمنطق الأشياء وأحياءاً لأفكار وكأنها ملاحم أسطورية أنعشت زمنية، واحيت أنفساً مؤمنة، وحقائق أختلافية بصياغات أخلاقية تمكنت من القناعة في إحداث نقلة في فضاءات المعاني. وإن المنعطف في هذه الذوائب أصبح طريقة مثلى للناس عامة كونها توسعت في إطار المطلوب من السريرة المُثلى والتشريع الذي أوكل إليه، وبالنسبة التي جادل بها وبالقوة المقتدرة التي مكنته من تحقيق كل تلك الشروط في بناء فكر يخدم قضية الأنسان في كل مكان، فكان النصّ عند حسان بن ثابت سجية فكرية ليبني لنا حقيقة أن (هؤلاء القوم في سجيتهم وفي عفتهم لايطبعون) وهذه عملية أرتكازية في صياغة مفهوم للوعي الفكري، وتطور يحصل بأستمرار في معنى هذه التصرف(ووعي الشجاعة)
هو جزء من وعي يتركب في معنى الموت والنزال، وكان هذا يتحول إلى صياغة منطقية في (الزمكان) عند حسان بن ثابت، لأن المعنى يتحرك بتحرك (الزمكان) داخل النص، وتأتي الصياغة في بناء المنظومة الشعرية والتي تتحرك وفق تفصيل جمعي يتحرك بالدلالة النصية وإشكاليتها الأقترانية في تفاصيل هذه الفضاءات التي تتشكل وفقاً للحقول الدلالية وعلاقتها التأويلية وأرتباطها بالنصّ الشعري وسياقاته اللغوية.
عندما أستقر الوضع السياسي لدولة النبي (ص) في يثرب، توجه حسان إلى دولة النبي ووضع نفسه في الموقع المراد وضعه له فصار شاعراً للنبي محمد (ص) يذب عنه وعن حِمى المسلمين من نعرات الجاهلية والجهال، ورغم أن النبي (ص) كان شديد الكراهية للشعر والشعراء إلا أنه أوجب وجود شاعر كواجهة أعلامية يجيب الوافدين على النبي والداخلين في الدين الجديد.
ويُذكر: أنه كان النبي (ص) إذا خرج لقتال الأعداء رفع أزواجه (أُطم) حسان لأنه كان من أحصن (أطام) المدينة()إلا إن (حسان) وبالرغم من كل هذه التفاصيل لم يزل في نفوس الأمّة منزلة عظيمة الشأن، ويرجع ذلك وأسبابه يعود إلى الضعف الذي نتج من سلوكه ولما أحدث هذا السلوك بين الناس بحديث الأفك على (عائشة) وهذا ماذكره السيوطي في شرح شواهد المغنى().
وكان النبي _ص) يضع لـ(حسان) منبراً داخل المسجد لينشد عليه الشعر، وعلى ما يبدو أن هذه الرواية غير دقيقة كأمثال المرويات الغير دقيقة().
وقيل أن (حسان بن ثابت) عمى عندما تقدمت به السّن()وأنه أنضم (لخاصة عثمان في الفتنة()) ويُروى أنه: أنشد الكثير من القصائد المحرضة في البكاء عليه والتحريض على قتلة عثمان وهجائهم().
توفيّ حسان بن ثابت سنة 54ه/ الموافقة 674م وكان شعره مأخوذاً عليه لأستخدامه الألفاظ النابية في أغلب نصوصه الشعرية، ويرجع فضل أنتشار شعر حسان بن ثابت إلى غرضه المعروف في مدح النبي (ص).
قال الأصمعي: ألا ترى شعر حسان كان قد أنتشر في الجاهلية والأسلام والاكثر في الأسلام خاصة بعد أسلامه وأصبح شاعر الرسول(ص)()
عودة إلى قصّة الأفك:
إن الخاصية الضرورية لجوهر عملية السرد تعتبر تداولية في منهج أبي الفرج الأصفهاني والخاصية المشروطة في هذا النسيج السردي الذي يعرض شروطاً أثباتية يُعرفها بالمسلم الدلولي ليثبت أن هذا التصور يستحيل إلى جوهر في حقائقه الحكائية المنطقية وطراز التدوالية في حكائية هذه البنائية بأعتبارها ثابتة التفاصيل من حيث التكوين التصوري لنشأة هذا السرد وخاصية في المعنى وتميزه في عملية الصهر في عوالم هذه الحكائيات وماتعكسه هذه الحكائيات من أنفلاق في خواص السرد الأستمراري يكاد يمضي في هذا الأنعكاس، ولكن في رجُله حكائية نكتشف سر حقيقة بطل هذا السرد المركب بدلالة وعوالم حكائية سيكولوجية يُعطينا الضرورة والضيرورة المنطقية في الحدث الحكائي، ويأتي الدليل المتعلق بفلسفة المتناهي من هذه الحكائيات والتي تتعلق خواصها السردية بحلقة الفلسفة من ناحية ماتعنيه الشخصية التي يتحدث عنها النص السردي، بأعتبارها شخصية تتداخل في نسيج الأهداف التي تتعلق بالتشكيل الفلسفي وهو يفترض في حلقة ذات نطاق يتناقض مداخل ومخارج هذا التشكيل الفلسفي فيمنحها الحدث الحكائي أهتماماً بالمحاججة، وصياغة وطريقة في التعبير عن الهواجس بالمفردات المتميزة بالكثافة للوصول إلى أعلى تشكيل يظهره التشخيص في أبراز هذه الأنتقادات المحسوبة، والأجراء الذي يتعلق بالمنهج الدرامي حيث تفضي هذه الأساليب السردية في تشكيل حسب الراوي لأضهاره تقنية هذه الأشكالات والأثار المترتبة لمعرفة خواص المنطق الذي طرحه (معنى الخواص) في هذه الواقعية السردية لهذه الأشياء، وإن هذا الأمتداد يعطينا الشكل أو التشكيل والحركة الواقعية من الناحية المطلقة بأعتبارها معرفة هذا الأشكال: فـ(عائشة) تعتبر حجر الزاوية في هذه الحكاية و(صفوان) الطرف الثاني، أما الرسول(ص) هو محور هذا الفضاء داخل هذه الحكاية، والرؤية في هذه الحكاية تعتبر التقرب إلى خواص المعنى الفلسفي في الحدث الحكائي التأريخي، والأمتداد في نسيج هذه الحلقة السردية هو: رفض النبي(ص) لسلوكية حسان بأعتباره الوجود الذي يتعلق بالحدث، والرفض الذي جاء لثلاث مرات متتالية، إلا أنه في الثالثة قبل الرسول عكوس هذا الحدث، وبالرغم من كل هذا تبقى القضية الحكائية وأشكالاتها الدرامية وهي: أمتداد لنمط في المعنى التأريخي وتشابك في هذه الأحساسات لمعرفة هذا الأدراك الذي توازن في حالة صورية تشير إلى حلقة هذه الأشياء وأنماطها الاولية وهي تستقل في هذه الأحاطة. ونحن نعمل على أبراز حالة الوعي الدرامي لهذه الحكائية وتفصيل منطقها السردي الذي يتعرض إلى أشكاليات هذا الأستثمار الذي يتعلق بتقنية السرد.



كانت في رمضان يوم (الجُمعة) لسبع عشرة ليلةً مضت من رمضان سنة أثنين من الهجرة، وهي أول حرب حضرها رسول الله (ص)، وهي الغَزاة التي أعز الله بها الدين وأعلى كلمة المؤمنين.
وكان خروج رسول الله(ص) في أصحابه، وكانوا ثلثمائة وثلاثة عشر، منهم سبعة وسبعون رجلاً من المهاجرين، والانصار مائتان وستة وثلاثون رجلاً، وصاحبُ راية رسول الله (ص) علي بن أب طالب (ع) وصاحب راية الأنصار (سعد بن عُبادة)، وعلى الساقة (قيس أبن أبي صَعْصَعة) أخو بني مازن النجار، وكان خروجه (ص) من المدينة لليالٍ مضت من شهر رمضان، فسار حتى وصل قريباً من (الصّفراء) فبعث (بعْبَسَ بن عَمرو الجُهنييّ) حليف (بني ساعدة) وعديّ بن ابي الزغباء حليف(بني النجار) إلى (بدر) يتمسسان له الاخبار، ثم أرتحل وقد قدمهما.
فلما أستقبل (الصفراء) وهي قرية بين جبلين، فسأل عن جبليهما: ماأسماهما؟ فقيل: يقال لأحدهما: مُسْلِح، والاخر: مُخريءْ، وسال عن اهلهما: فقالوا : بنو النار وبنو حُراق، بطنان من بني غِفار فكرههما سول الله(ص) والمرور بينهما() تفاؤلاً بأسميهما وأسماء أهلهما، فتركهما و(الصفراء) بيسارٍ، وسلك ذات اليمين على وادٍ يقال له: ذَفِران().
إن من نتائج الصياغات الحكائية السالفة أعتبارها صياغات تأسس غليها نظرية دراما الحكائية، وهي تتحرك بأختلاف جوهري لتشكل عوالم ممكنة من الشد (الزمكاني) وقد افاد رسول الله(ص) من تشكيل هذا الحدث بأعتباره مرتسماً اولياً لشخصيات وتفاصيل تمضي لتحريك هذه المقاطع من الحدث السردي بالمقارنة مع عوالم (قريش) و(أبوسفيان) بشكل خاص، والعوالم المنصهرة داخل هذا الحدث الكبير وهو (بدر) بأعتباره أول حدث في الأسلام، حددته سردية هذه الحكائية المليئة بالأصوات والأشخاص، وحدود أمكانياتها وتثبيت متوالياتها بالأمكان الحكائي والمعاودة والمواصلة لهذه الحكائية بأعتبارها الحلقة الفاعلة داخل المُحتكم الكلامي في أثبات القضية التي تفصح عن المعنى الحقيقي والايديولوجي لأول معركة في الأسلام لأنها أثبتت أحقية الصياغات الدلالية لهذه الايديولجيا المليئة بالأحداث والمخزنة لمعنى البحث في تناص(الفكر مع حركية التأريخ على ضوء مداره النصّ وتساوقه مع الأنموذج المتغير في معادلة: أيديولوجيا النص التأريخي).
فخرج الرسول (ص) من وادي ذَ فران، حتى إذا كان ببعضه نزل، وأتاه الخبر عن (قريش) بمسيرهم ليمنعوا تحركهم، فأستشار رسول الله(ص) الناس، فأخبرهم عن (قريش) فقام أبوبكر(رض) فأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب(رض) فأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو(رض) فقال: يارسول الله أمضِ لما أمرك الله، فوالله لانقول لك ماقالت بنو أسرائيل: لموسى عليه السلام: فَأْذهَب أَنْتَ وَرَبُكَّ فَقاتِلا إِنّا هَا هُنا قاعِدُونَ ولكن إذهب انت وربك فقاتلا إنا معكم مُقاتِلون. فوالذي بعثك بالحق لو سِرْتَ بنا إلى برك الفِيحاد يعني(مدينة الحبشة) لجالدنا معكم من دونه حتى تَبْلُغَه.
في حكاية العوالم الممكنة من الناحية الذاتية والموضوعية أكدّت هذه الاصوات المؤيدة للمنازلة وهي: تمثل الخلاصة في جهد الأيديولوجيا الدينية وهي حالات تكونت بفواصل (زمكانية) متعاقبة تؤيد فعل الحق.
وهذه المرتكزات النصية عينت تعاقبية نصية محددة اللحظة و(بهوية) المرتكز السردي الذي أرتكن إلى المحاور المختلفة وعناصرها المهمة وهي أولاً مرتكز الأستشارة والمداولة بالرأي والمشاركة بالمناقشة، وثانياً مرتكز القتال، أو الفعل القتالي، وهذا ماتوضح في كلام(المقداد بن عمرو).
ثم رجع رسول الله(ص) إلى أصحابه، فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام وسعد بن أبي الوقاص، في نفر من أصحابه إلى بدر يكشفون له الخبر، فأصابوا راوية()لقريش فيها (أسْلَمُ) غُلامُ (بني الحجاج) وغَريض بن يسار() غُلام بني العاص، فأتوا بهما إلى رسول الله(ص)، فقالا: نحن سُقاة لقُريش.فضربوهما فلما أذلقوهما() قالا: نحن لأبي سفيان، فتركوهما، فركع رسول الله(ص) ثم سجد ثم سلم فقال: إذا صَدَقاكم ضربتموهما! وإذا كذباكم تركتموهما!، صدقاكم والله إنهما لقريش، أَخبراني: أين قريش؟ قالا: هم وراء الكثيب الذي ترى بالعُدْوة القُصوى والكثيب العَقَنْقَل، فقال رسول الله(ص) كم القوم؟ قالا: كثير، قال: ماعدتهم؟ قالا: لاندري. قال: كم ينحرون كل يوم؟ قالا: يوماً تسعاً ويوماً عشراً. فقال رسول الله(ص): القوم مابين التسعمائة إلى الألف. ثم قال(ص) لهما: فَمن فيهم من قريش؟ قالا: عُتبة بن رَبيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو التختري بن هشام، وحكيم بن حِزام، ونوفل بن خُويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطُعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث، وزمعةٌ بن الأسود، وأبو جهل بن هشام، وأُمية بن خَلَف، ونُبَهْ ومُنَبِّه إبنا الحجاج وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبد ود.
في مجرى التشكيل النصي: قدم لنا السرد عوالم موضوعية، ومواقف وشخصيات، تحركت وفق معطيات أستخباراتية، فبعث النبي(ص) علياً والزبير وسعد بن أبي وقاص إلى(بدر) يكشفون الخبر اليقين، فأصابوا (راوية) لقريش، فعرف النبي(ص) من خلال أستنطاق(الراوية) حجم الجيش المتألف من قريش ومكانهم، وهذا معطىً حدثي مكن النبي وأصحابه من كشف حدود عمل قريش ونواياهم تجاه الرسول(ص)، وحالات النسيج الحكائي هذا تعطينا المتتاليات من التوقعات للحدث وماتمخض عن مجريات السرد الحكائي وأحكامه وصدق الشخصية في هذا الحدث الدرامي.
ثم أقبل الرسول(ص) على الناس فقال: هذه مكة، قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها! وقد كان يبسْيَس بن عمرو وعديّ بن أبي الزَّغباء، مضيا حتى نزلا(بدراً) فأناخا، إلى تل قريب من الماء، ثم أخذا شناً() يستقيان فيه، وعليه(مجديُ أبن عمرو الجُهني)، فسمع عدّيُ وبسيس جاريتين من حواري الحاضر وهما تتلازمان()على الماء، والملزومة تقول لصاحبتها: إنما تأتي العِبُر غداً أو بعده، وأعمل لهم ثم أقْضِيكِ الذي لك. قال مجدي: صَدَقت ثمّ خلصّ بينُهما، وسمع ذلك بسيس زصاحبُهُ فجلسا على بعيرهما، ثم أنطلقا حتى أتيا النبي(ص) فأخبراه بما سمعا، فأقبل(أبو سفيان) يقدُم العيَر حذراً حتى ورَدَ الماء.
في هذا الأشكال والأشتباك التجسسي، تقترب ساعة الحسم لموضوع المواصلة والممكن التوصيل على ضوء مبدأ أحداث تغيير في منهجية الواقع الجاهلي ومايشوبه من عفن في إطار غاية تسعى إلى إشاعة الحق والعدل من خلال خلاصات سردية وقراءة فلسفية دقيقة للنص إلى تفاصيل تتعلق بحجر الزاوية (صورة الواقع الموضوعي) وحدوده الذهنية المتركبة بأفتراضات تصدر على شرخ وعلى علاقة لاترابطية، وشحنات من اللاوعي الجمعي الذي يلف مسلك النص السردي، من هنا نقوم بعملية تركيز طرق التفعيل في حلقة الدراما النصية ومعالجة الصدى السردي وإحالته إلى حيوية في كنه الصوت السردي الخفي داخل إشكال النص.
وأقبلت قريش، فلما نزلوا(الجُحفَة) رأى (جُهيم بن أبي الصّلت بن مَخْرَمة بن عبد المطلب بن عبد مناف) رؤيا فقال: إني رأيت فيما يرى النائم وإني لبين النائم واليقظان إذ نظرتُ إلى رجلٍ أقبل على فرسٍ حتى وقف ومعه بعير له ثم قال: قُتل عتبة بن ربيعة وسيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأُمية بن خلف وفلان وفلان، وجعل يعدد رجالاً ممن قتل يومئذ من أشراف(قريش) ورأيته قد ضرب في لَبَّة بعِيره() ثم أرسله في العَسْكَر، فما بقي خِباءٌ من أخبية العسكر إلا وأصابه نضحٌ من دمه، وبلغت أبا جهل، فقال: وهذا أيضاً نبيٌ أخر من بني عبد المطلب! سيعلم غداً من المقتول إن نحن ألتقينا! فلما رأى أبو سفيان أنه قدر أحرز عِيره، أرسل إلى قريش يقول: أنتم أنما خرجتم لِتمنعوا عِيركم ورِجالكم وأموالكم، وقد نجاها الله، فأرجعوا. فقال أبو جهل لعنه الله: والله لانرجع حتى نَرِدَ (بدراً) وكانت (بدرُ) موسماً من مواسم العرب تجتمع فيها في كل سنة، ونُقيم عليها ثلاثاً وننحر الأبل، ونطعم الطعام، ونسقي الخمر، وتعزف علينا القِيان، وتسمعُ بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا فأمْضَوا.
يسعى النص السردي إلى التعبير عن الأكتساب الفعلي للمعرفة التي أنطلقت من النسق الفلسفي، لأن النص السردي يحتوي على عدة من الانساق والأرهاصات التجريبية والتي تتعلق بالمعنى، وحبس التعرف على إحداث منعطف في تحذيرات المعاني وهي غير متناهية، وعليه تبقى قضية الأنتساب لوعي النص السردي بأتجاه أهميته، والفهم لمعرفة طريقة الرجوع إليه من خلال التفتيش عن الموجود(الزمكاني) وعبر معقولية تضبط لحظة التحول نحو تشكيل موقع يتحرك بأتجاه تقدمية النص السردي، وهذا ماحدا(بأبي جهل) ان يصر على مواصلة الوعي لبناء هذا النص وفق رؤيا شمولية لمعنى اللقاء عند(بدر) بين العرب الجاهليين، هذا اللقاء يعطي للنص السردي معنى من (الميثولوجيا) الأنسانية.
وقد أرتحلت قريش حتى أصبحت واقبلت، فلما رأها رسول الله(ص) تَصوَّب من العَقَنقل، وهو الكثيب الذي منه جاؤا إلى الوادي قال: اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيُلائها وفخرها تُحادك وتكّذب نبيك ورسُولك، اللهم فَنصرك الذي وعدتني، اللهم فأحِنهم() الغداة، فقال رسول الله(ص): وقد رأى (عُتبة بن ربيعة) مع القوم على جمل له أحمر، إن يكن عند احد من القوم خيرٌ فعند صاحب الجمل الأحمر، إن يُطيعوه يَرْشدوا، فلما نزل أقبل نفُر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله(ص) وفيهم حكيم بن حِزام على فرس له، فقال(ص): دعوهم، فما شرب منهم رجلُ إلا قُتل يومئذ، إلا(حكيم بن حِزام) فأنه لم يقتل نجا على فرسٍ له يقال له: الوجيه، وأسلم بعد ذلك وحَسُن إسلامه.
في هذا المنعطف الخطير، حيث التصورات الجديدة في لقاء قريش والرسول(ص) وأصحابه، هناك خاصيات جوهرية على مستوى البنى الحكائية تتعلق بالبناء، وفي هذه اللقطات مشاهد سينمية تجمع قريش بالنبي محمد(ص) وهي: تشاكيل ضرورية تتعلق بمقدار تناقض الخاصيات الجوهرية، وهناك نقاط أرتباط بينهما دلالة تسود الفريقين وتتعلق بأظهار الحكائية على أنها علاقة جدلية مرتبطة بالسرد وتفاصيل علاقته بالنص السردي الذي تشكل وفق معطى(المكان والزمان) والحلقات الضرورية التي تخضع لأنماط من تفاصيل هذه الحكائية ومنهجها الأختلافي وهو يستند إلى مايلي:
⦁-;- علاقة التضاد القولية بين قريش والنبي محمد(ص) في بدر.
⦁-;- علاقة تكاملية من ناحية الكفاءة في تقنية الحرب من ناحية الشجاعة الفردية، أما شجاعة الأيمان فهذه أشكالية تحسمها ساحة المعركة.
⦁-;- علاقة تتعلق بالأيمان والحق والقضية.
⦁-;- التتابع التدريجي في خواص البناء الدرامي بالنسبة إلى طبيعة الحكائية.
⦁-;- المشاهد الحرجة بين الفريقين وهم يستعرضون تفاصيل القوة خاصة(قريش) لأن منهجهم كان مبنياً على البهرجة والأستعراضات حول ساحة الحرب.
⦁-;- الرؤيا في تحمل هذه المنايا، ونواضح يثرب تحمل الموت الفاقع.
⦁-;- قوم ليس لهم مخلص ولاملجأ إلا سيوفهم، وهذا مانقله عُمير بن وهب الجُهني حيث أرسلوه قريشاً ليحزر لهم أصحاب رسول الله(ص) فوصهم بالمنايا التي تحمل نواضِحَ يثرب حتى قال: والله ماأرى رجلاً منهم يُقْتلُ حتى يَقتُل رجلاً منكم، فما خير العيش بعد ذلك!.
المَعَرَكَـــــــــــــــــــــــة
ثم خرج الأسود بن عبد الأسَد المخزومي، وكان رجلاً شرساً سَيء الخلق، فقال: أُعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه، فلما خرج عرض له(حمزةُ أبن عبد المطلب)(رض) فلما ألتقيا ضربه (حمزة) فأطنّ() قدمه بنصف سافه وهو دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دماً ثم حبا إلى الحوض حتى أقتحم(فيه) يريد أن يُبًّر يمينهُ، وأتبعهُ (حمزة) فضربه حتى قتله في الحوض، ثم خرج بعده (عتبة بن ربيعة) بين أخيه(شيبة بن ربيعة) وأبنه (الوليد بن عتبة) حتى أذا فصل من الصف دعا إلى المبارزة، فخرج إليه فتية من الانصار ثلاثة نفر، منهم: عوف ومُعِّوذ إبنا الحارث وأُمهما عَفراء ورجلٌ أخر يُقال له: عبد الله أبن رواحة، فقالوا: من أنتم؟ قالوا: رَهط من الانصار، قالوا: مالنا بكم حاجة، ثم نادى مناديهم: يامحمد، أخرج إلينا أكفاءَنا من قومنا، فقال رسول الله(ص): قم ياحمزة بن عبد المطلب، قم ياعُبيدة بن الحارث، قم ياعلي بن أبي طالب، فلما قاموا وَدَنَوْا منهم قالوا: من انتم؟ قال عُبيدة: عُبيدة، وقال حمزة: حمزة، وقال عليّ: عليّ، فقالوا: نعم، اكفاء كِرام، فبارز عُبيدة وكان أسن القوم عُتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة بن ربيعة، وبارز عليّ الوليد بن عتبة، فأما حمزة فلم يُمهل شيبة أن قتله، واما عليّ فلم يُمهل الوليد أن قتله، وأختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين، كلاهما أثبت() صاحبه فكّر عليٌّ وحمزة بأسيافهما على عُتبة فقتلاه، وأحتملا صاحبهما عُبيدة، فجاءا به إلى أصحابه، وقد قُطعت رِجلُه فمخها يسيل، فلما أتوا بُعبيدة إلى رسول الله(ص) قال: لست شهيداً يارسول الله؟ قال: بلا، فقال أبو عبيدة: لو كان أبو طالب حياً لَعَلِمَ أني أحّقُ بما قال منه حيث يقول:
ونُسْلمِه حتّى نُصرَّع حولَه
ونَذْهَلُ عن أبنائُنا والحَلائِلِ

ولما ألتقى الناس ودنا بعضهم نحو بعض، قال أبو جهل: اللهم، أَقطُعما للرحّم، وأتانا بمالا يُعرف، فأحنِه الغَداة. فنزل قوله تعالى: إنْ تَسْتَفْتِحوا فَقَدْ جاءَكُم الفَتْحُ(الآية) ثم إن رسول الله(ص) أخذ حفنةً من الحَصْبَاء فأستقبل بها قُريشاً ثم قال: شاهَتِ الوجُوه! ثم نفحهم بها، فنزل قوله تعالى: وَمَا رَميْتَ إذْ رَمَيْت ولكن الله رَمَى. ثم قال لأصحابه: شَدُّوا. فكانت الهزيمة.
يبدو أن فلسفة النص السردي قد غمرت حركية النص في كليته للأشياء، وقد صنفت الواقعية في النص السردي بأعتبارها أستعارة دقيقة للأنموذج الذي كتب، والذي أرتبط بحلقة فعالة في حدود هذه الأشكالية الأختلافية وقراءتها المرتبطة بعناوين تستقبل الكتابة وفق حس سيكولوجي يجسد هذا الأنفجار الذي تعاضد بنصه وبنهضته السردية وهو يستوفي الكلمات بتفاصيل أشياءها، خاصة في هذا النص السردي الذي يتعلق بغزوة (بدر) بأعتبارها: نسق معرفي يوضح حقبة تأريخية تمتاز بوجودها وخطابها وفق منظومة سردية تتشاكل في (نص تصنيفي) يوضح أختزال الأشياء بحسها وأدراكها السيكولوجي الذي يفصح عن هذه الخطابات التأريخية وهو يستمد أصولها من حلقات النصوص السردية التي تختفي وفق سياقات الحدث والذي أرست عوالمه الخطابات المعرفية وفق تقنيات ترتكز على ألية في الكتابة حيث تتسم بمعنى أستعارياً يعرف طبيعة هذه المعركة ومستوياتها العكوسية من ناحية العمق الفني، فكان النبي (ص) هو قائد المعركة، وهو الذي يوزع الأدوار للمبارزين بالنسبة للمسلمين، وكان يخبر المقاتل بأن يمضي في تحقيق نصره، وهذه العملية في بناء النصّ تعتبر تفاصيلاً جديدة تتحرك بفضاءات ولغة لم تألفها الحروب في الجاهلية، وذلك لان الدين الأسلامي جاء وفق عملية بنائية أفتتن الاخرون بهذا البناء، ولذلك فقد كان مخطط المعركة يتعلق (بتقنية الأيمان) مع أستعمال السلاح بمهارة فائقة، وعلى الرغم من ان قادة قريش كانوا قد أستعملو السلاح بالمهارة المطلوبة إلا أنهم خسروا المعركة ذلك لفقدانهم خواص الأيمان بعدالة هذه المعركة، فكانت المزية هي مزية أيديولوجية تتصل بعوالم دينية تتعلق بكلمات مكتوبة ومنزلة، وحين تحرك النبي محمد(ص) وفق تلك العلامات كانت دورة الأنتقال نحو الفعل المتقدم، يُصاحبها منطوق يرجح( الفعل الأستمولوجي) وفق صياغات نهضوية ترتفع بالنص السردي في حالته الطبيعية إلى منعطفات في التأويل من الناحية اللغوية والسيكولوجية، وإن إستعادة هذه الوحدات بحالة متماسكة يعطينا نصاً مبنياً على منظومة سردية علمية صحيحة ومتفاعلة مع حلقات النص الاولى قبل منعطف التأويل ومنعطف التطور الذي حصل في تفاصيل المعنى، وهذا المرتكز النصي هو الذي يشير إلى حداثية النص المكتوب لأنه يتحمل البحث اللغوي والبحث عن المعنى، وهذا ماحدث في تفكيك النص السردي لكتاب الأغاني بأعتباره منظومة سردية علمية متطورة تسمح بالتفكيك وإعادة تركيب وحداته وفق نظرة جديدة تتمثل بالأشارات اللفظية ومايتجلى بهذا النص السردي من خطاب خفي يظهر ويختفي حسب درجة البحث والتعصي عن الأنساق المعرفية لهذه النصوص السردية الحكائية .



هو عبد الله. وإنما لُقب بالأحوص: لِحَوصٍ كان في عينيه. وهو أبو محمد أبن عبد الله بن عاصم بن ثابت بن الأقلح. وأسم أبي الأقلح: قيس بن عُصَيمَة أبن النُعمان بن أُمية بن ضُبيعة بن مالك بن عوف بن مالك بن الأوْس.
وكان يُقال لجدهّ (عاصم بن ثابت): حَمِيُّ الدَّبْر لأنه لما أستشهد حمّت الدَّبْر وهي: النحل، جُثّتَه.
وقيل: كان الأحوصُ يُكنى أبا محمد. وأُمُه أُثيلة بنت عُمير بن مُخْشيّ، وكان أحمر أحوص العينين. وهو شاعر مُجيد في (طبقة أبن قيس الرَّقيات، ونْصيب، وحُميل).
وقيل: إنه لولا ما وضع الأحوص من ذي الأفعال والأخلاق لكان أشد تقدماً منهم عند أهل الحجاز واكثر الرُّواة، وهو أسمُج طبعاً وأسهل كلاماً وأصح معنىً ولشعره رونقٌ وديباجةٌ صافية وحلاوة، وعذوبةُ ألفاظه ليست لواحدٍ منهم. وكان قليل المروءة والدين، هجاءً للناس مأبوناً.
وذُكِرَ: أنه كان يوماً عند (سُكينة) فأذن المؤذن، فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، فَخَرَت (سُكينة) بما سمعت. فقال الأحوص:
فَخَرَتْ وأنْتَمَتْ، فقلتُ: ذَريني
ليسَ جهلٌ أَتَيْتهِ ببديعِ

وأنا أبن الذي حَمَتْ لَحمَه الدَّبـــــــ
ــــــرُ، قتيل اللحِّيانَ يومَ الرجيعِ

غسّلتْ خاليَ الملائكةُ الأبــــــــــــــــــــ
الابرارُ مَيْتاً، طُوبى لهُ مِن صريعِ

ولقد فخر بفخرٍ عظيمٍ، لو كان على غير (سُكينة) فخر به. وأما (سُكينة) فأن بأبيها صلوات الله عليه حمت لحم (عاصمَ) الدَّبْرُ، وغسلت الملائكة حنظلة الشهيد: خال الأحوص. فما ذكره بعض مناقب رسول الله (ص). ففخر الأحوص به على (سُكينة) حماقةٌ منه ورقاعه.
المراد من تأسيس هذا الخطاب أن تتسم هذه العملية الأرتكازية على التناول المعرفي للحدث و(الأحوص) قد مثل الحدث بهذه الأبيات، وبعبارات وجيزة، لما قد شكله السرد من خطبة متزنة، حيث تم تغسيل خال الأحوص، وبطغيان الوعي في الأستعارة الذي (يستفتحه) الأحوص ويستغرق في طبيعة هذا المنظور، وعكوسياته، والتحول العميق في صياغات المعنى، كل هذا أقترن بمنطق أحتفالي بالنص، بأعتباره عودة ثانية إلى الحلة القديمة من المنطق الأرتكازي، مع وجود الفارق بين الحالتين، حالة الوعي السردي وحالة الوعي للنصوص الشعرية فيتصاعد المطلق النصي في السرد ويطمس أساس المفردات ووجودها داخل السرد اللغوي، ويأتي المعنى ليضع الأشياء المكتوبة، وليبقى المكمن التمثيلي يُظهر الأشارات اللفظية والصوتية، ويتحول هذا، ويتجلى في سياقات الخطاب السردي().
وماذكره (الأحوص) هو خلاف الحالة الطبيعية المتبلورة من ناحية الأشكال في تلافيف البنية. وكان الاحوص قد دخل ساحة المعركة وفي دخيلته صراع من التأويلات والعناوين الاجرائية التي لا تمت للنص السردي بأية صفة شرعية، ويبقى (الفعل الأيستمولوجي) هو الأيضاح لحلقات التأويل وأهميته التزامنية والتعاقبية وهو يحتل الموقع المتناقض الذي يطور شيئاً من النزعة الفكرية الأنهزامية المضادة .
وكانت (سُكينة) قد مثلت الوعي القانوني المطلق في الصياغات الجوهرية لمعنى الألتزام الخُلقي والفكري، وعليه فقط كان التعاقب يقع في التماثل الزمني وعلاقته بالمنهجية التأريخية والتأويلية والتي تمت الأشارة إليهما من خلال هذا الأثر ومقتضاه.
وقال الأحوص يهجو (أبن حَزْم)
أقولُ وابصرتُ أبن حَزْم بن فَرْتَني
وقوفاً له بالمأزِمَين() القَبائِلُ

تُرى فَرْتَني كانت بما بَلغَ أْبنُها
مَصدّقةً لو قالَ ذلك قائلُ

إن المصداقية تأتي في تنوير ما يقتضيه الوعي السكولوجي، وبمُقتضى هذا الأختيار يكون (الأحوص) قد شرع في هذا الهجاء (لأبن حزم) وبما أن هذا التزامن هو نفسه عبارة عن سلسلة من التناقضات الصغيرة والكبيرة، وإن الامثلة كثيرة في ذلك.
لكن الأحوص تداخل في هذا (الزمكان) وأضطرب في هذا الأمكان، وبقيت الأشارات الواردة في البيتين ترتبط بحلقة هذا الهجاء المتداخل مع خواص متعاقبة تنشد الحدث لأن (الأحوص) أستنفر كل نواحي المنطق السيكولوجي لكي يهجو (أبن حَزم) لأنه شكل البنية الرئيسية في الحدث.
وقيل: أن الشعر الذي غنته (حبابةُ) ليزيد، من شعر الأحوص هو:
كريمُ قُريشٍ حين يُنْسَبُ والذيّ
أقرتّ له بالمُلّك كهلاً وأمْرَدَا

وليس وإن أعطاك في اليوم مانِعاً
إذا عُدّتَ من إعطاء أضعافهِ غَدا

أهانَ تِلادَ المالِ في الحَمْدِ إنه
إمامهُ هُدىً يجري على ما تَعوَّدا

حين يتعلق الأمر ببنية الوعي الشعري فأن الأحوص يتقدم بتوقعات فاعلية بالنسبة للمنهجية الحكائية، لأن عوالم (الأحوص) وأمكنته الفاعلية من خلال فعل الشعر الغنائي من الناحية التجريبية، وسعة تجريده للفاعلية الفردية بأتجاه الأعم والأشمل تشمل قريشاً كلها، فهو يأخذ بعلة الفعل بأتجاه المُرسل إليه ومتلقٍ لفعل المفردة الغنائية، والأحوص وازن بين هاتين الحالتين بفعل يجد هذا التعريف في عقدته التعاضدية، فبات من الصعوبة ووفق هذا التصور من الفرضيات أن نقول: أن الأمكان الموضعي لخواص هذه الأبيات بأعتبارها تصورات تعرف منعطف هذه الأبنية وما ينبغي أن يتعين من امكانات في سبيل حركة الفاعلين لهذا القص الغنائي وهو قريب بأقتضاء يتقدم هذه الفرضية الشخصية بأقتضاء الفاعلية الشعرية وبرهانها الحكائي الذي يتلابس مع فعل النصّ، فالنص الشعري الغنائي عين هذا التعاضد الموضعي وحدوث هذه الأستباقات بفعل العقلانية الشعرية ومجسات الفعل الحكائي، والتعاضد الذي يدعي المنهجية الجوهرية في الأنساق والأبستمولوجية الشعرية ومكوناتها في خصخصة النص الشعري من خلال بنى أسلوبية كانت قد أحتلت مباحث في فعل المنظومة النصية وطبيعتها السيمائية في تشاكيل المنهج النصي.
فالأحْوص: أستقام في منهجه النصي لأنه عبر عن خواص الكرم والعطاء والهداية في نسق هذه الأختلافات وهياكلها المطروحة لأنها تعارضات، ومستوى من الكفاية، وهي بنية على صعيد تفعيلها الأنساق النصية.


وأسمه ناقد، وكنيته أبو زيد، وهو مَدني، مولى بن فَهْم. ولم يكن في المُخَنثين أحسن وجهاً ولا أنظف ثوباً ولا أظرفُ منه. وهو أحد من خَصاه (أبن حَزم) من المخنثين. فلما فُعل به ذلك قال: الأن تم الخُنث.
وكان كثير النوادر. نَزْر الحديث، فأذا تكلم أضحك الثكلى. وكان غناؤه ضعيفاً، وسمي الدَلالَ: لظرفه وشكله وحُسن دَلّه وحلاوة منطقه. وكان مشغوفاً بمخالطة النساء. ويكثر وصفهن للرجال. وكل من أراد خطبة أمرأة سأله عنها، وعن غيرها، فلا يزال يصف النساء واحدةً واحدة، حتى ينتهي إلى وصف ما يُعجبه، ثم يتوسط بينه وبين من يعجبه منهن حتى يتزوجها، وكان يُشاغل كل من يجالسه عن الغناء بتلك الأحاديث كراهة منه للغناء.
وذُكر: أنه كتب(سليمان بن عبد الملك) إلى(أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم) فخصى تسعة، وكان أحدُهم(الدلال)، وقيل: كان السبب في ذلك:
إن سليمان بن عبد الملك كان مستلقياً ليلة على فراشه، وجارية له إلى جنبه، وعليها غلالةٌ ورداء مُعَصْفَرانِ وفي عنقها فصلان من لؤلؤٍ وزبرجد وياقوت. وكان سليمان بها مشغوفاً. وفي عسكره رجلٌ يقال له (سُمير) يُغني، فلم يفكر(سليمان) في غنائه شغلاً بها وإقبالاً عليها، وهي لاهية عنه لاتجيبه مُصغية إلى الرجل، حتى طال ذلك عليه، فحول وجهه عنها مُغضباً ثم عاد إلى ماكان مشغولاً عن فهمه بها، فسمع (سُميراً) يُغني بأحسن صوت:
مَحْجوبةٌ سَمِعَتْ صوتي فأّرقها
من أخر الليل لما طلها السَّحَرُ

تُدني على جيدها ثِنْيَ مُعَصْفرةٍ
والحُلْيُ منها على لِباتها خَصِرُ

في ليلة النصف مايدري مُضاجُعها
أو جهُها عنده ابهى أم القَمَرُ

لَوْ خُليتْ لَمَشتْ نحوي على قومٍ
تكادُ من رِقةً للمشي تنفَطِرُ؟

مما كان في شك(سُليمان) أنها في هوى من (سُمير) فوجه من وقته وامر بحبسه ودعا بالجارية وهددها بقطع عنقها إن لم تخبره بحقيقة أمرها من (سُمير المغني) فأخبرته بانها لم تعرفه ولم تره قط، فرق لها(سُليمان) وأحضر الرجل: أي (سُمير المغني) وتلطف في مسألتها، فلم يجد بينه وبينها شيئاً، إلا أنه لم يُطب نفساً في أن يُخلي سبيل(سُمير) من دون جزاء: فَخَصَاه.
حين نتمكن من إيجاد بنى دقيقة وعميقة في أنسجة النصّ وفضاءاته، من خلال تسليط الضوء على مداخله ومخارجه: نستطيع أن نتفحص هذا النص السردي وحدوده البينية والأفصاح عن الحدود البالغة الأثر الفطري، والرقة الفنية: كما هو حاصل مع الدلال أو سُميراً المُغني والفصل التعاضدي الذي تكون بين سليمان بن عبد الملك والجارية الحسناء، وحُبها سماع(سُمير) لولعها بصوته الشجي دون رؤية وجهه أو شكله، فنقول: أن التفسير لهذه الحكائية: في مُدخلات النص السردي وأشتقاقاته التي توضحت بالكشف عن أبوابه الداخلية والخارجية وقدرة كلماته في نسيج هذه النصوص الشعرية وماقام به (سُمير) من فعل الغناء، لهو قراءة سردية دقيقة لتعالقات كانت قد حدثت بين هذه الأبيات وترسيمات(سُمير) الفنية إلاّ أن أمراً أختلف بعد غناء هذه الأبيات الغزلية التي صدحت بحب المحبوبة التي عشقت هذا الليل عندما طالها سحُره وحيث تدنى على جيدها ثِنَييْ معصفرة، إلى أخر الأبيات التي تقول: تكاد من رقة للمشي تنفطر، هذه التلازمات أشعلت هواجس(سُليمان بن عبد الملك) وأثارت شكوكه، وفي هذه اللحظات كانت الجارية متومجة ذهنياً إلى صوت (سُمير) وهو يغني تلك الأبيات حتى فرغ من غناؤه، الأمر الذي أغضب (سُليمان) فما حدا به أن يستدعي (المغني الشيء الحظ) وحبسه، وكذلك الجارية وتهديدها بالسيف، ورغم قناعة(سُليمان) عندما أخبرته الجارية بأنها لم تعرف أحداً في البلاد سواه، وبالرغم من كل الأعترافات لم يمنع ذلك (سُليمان) أن يأمر بأخصاء (سمير).
وذُكر أن الدلال كان لايشرب النبيذ، فخرج مع قوم إلى متنزه لهم، ومعهم نبيذ، فشربوا ولم يشرب منه، وسَقَوْهُ عَسَلاً مُجْدوحاً() وكان كلما تغافل صيروا في شرابه نبيذاً فلا يُنكره، حتى كثرُ ذلك فسكر وطرب، وقال: أسقوني من شرابكم، فسقوه حتى ثمل، وغناهم في شعر الأحوص:
طَافَ الخيالُ وطالَ الليل فأعْتَكَرا
عند الفراش فأبَ لهمُّ مُحْتضَرا

أُراقبُ النجمَ كالحيران مُرتقباً
وقلصَّ النومُ عن عيني فأنشَمَرا

من لوعة أو ورثت قَرْحاً على كَبدي
يوماً، فأصبحَ منها القلبُ: مُنْفَطِرا

ومَنْ يَبِت مُضْمِراً حُباً كما ضَمِنَتْ


مني الضلوعُ، يَبِتْ مُسْتَبطناً غِيَرا

هذه الابيات يتحللها المنهج في وضوح سياق الأنسان الذي يسترجع حلقة الوعي التوحدي وإبقائه يتحرك بضيافة الصحو الذي بدأ يراقب حركات النجوم، ويقلق عرض وأرهاصات حركية وفاعلية تشتد وتختلف إلى مركز(القلق السكولوجي) الذي أحدث لوعةً في تفاصيل الكبد والقلب، و(الأحوص) في هذه الأبيات ركز على فعل العشق بهذه المراقبة للنجم وهو مَضَمرٌ في تشخيصه للحب، ويبقى الحوار داخلياً في هذه الأبيات لأنها تعترف بحقيقة القلق الذي يولده الحب وعبر صياغة تصويرية للحدث الشعري وسياقه لحقيقة هذه النصوص الشعرية وأنعتاقها التصويري في حركات (زمكانية) توضح فعلية هذه الصياغة أزاء الأحتفاظ بـ(سيكولوجية الجوهر الظاهري والباطني الذي يرثه الأنسان السوي) والذي هو نفسه الأنسان العاشق والمحب والشجاع والجميل.



وهو طريح بن إسماعيل بن عُبيد بن أُسِيد بن عِلاج بن أبي سَلَمة بن عبد العُزى أبن عنترة بن عوف بن قِسِيّ، وهو ثقيفَ بن مُنبِّه بن بكر بن هوازن.
ومن النسابين من يقول: إن ثقيفاً هو قيسيّ بن مُنيهّ بن النبِّيت بن منصور أبن يَقْدُم بن أفْصى بن دُعمِيّ بن إياد بن نِزار.
وذُكر أن الحجاج بن يوسف الثقفي قال في خطبة خطبها بالكوفة: بَلغني أنكم تقولون إن ثقيفاً من ثمود. وهل نجا من ثمود إلا خيارهم ومن أمن بصالح فبقي معه. قال الله عز وجل: وثمودُ فما أَبْقَى فبلغ ذلك الحسن البصري(رض) فتضاحك به وقال: حَكَمَ اللُّكَعُ لِنفسه! إنما قال عز وجل: فما أبقي، أي لم يبقيهم، أي أهلكهم. فَرُفِع ذلك إلى الحجاج فطلبه، فتوارى حتى هلك الحجاج.
وقد طول (أبو الفرج) القول في نسب ثقيف، فرأيت الأقتصار على ماذكرت.
وأًمّ طُريح بنت عبد الله بن سِباع بن عبد العُوزى من خزاعة. وسِباع قتله(حمزة بن عبد المطلب)(رض) يوم أُحُد، وسأتي ذكره في موضِعه.
ويُكنى طريح بأبي الصلت، لأبن له يُسمى صَلتْاً، وكان طُريح قد نشأ في دولة بني أُمية وأستفرع شعره في مدحهم، وخاصة في الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وأدرك دولة بني العباس. ومات في خلافة المهدي، وكان(الوليد) مُكرِماً له مُقدماً لايقاطعه، لحؤولة الوليد في ثقيف.
ويُقال أن الوليد كان يدني طريحا مجلسه، فجعله أول داخل وأخر خارجاً منه، حتى أنه كان لايصدر أمراً إلا عن رأي طريح فيه. فحسده من أهل بيت الوليد لذلك، وكان أن قدم (حماد الراوية) من العراق إلى الشام، وذلك في خلافة هشام أبن عبد الملك والوليد، حينئذ وليّ العهد لعمه هشام، فشِكوا إليه ذلك، فقال حمّاد: أبغوني من ينشد بيتين من الشعر للأمير فأسقط منزلته، فما كان أمامهم غير(الخصيّ) الذي كان يقوم على رأس الوليد فعلموه البيتين وجعلوا له في ذلك عشرة ألاف درهم على أن يُنشدها في خلوة الأمير وإذا سأله: من قول من هذا؟ يقول من قول(طُريح)، فلما كان ذات يوم دخل طريح على الوليد وفتح الباب، وإذن للناس، فجلسوا طويلاً، ثم أنصرفوا، وبقى طريح مع الوليد فتغديا، ثم خرج قاصداً منزله وترك الوليد في مجلسه وحيداً، فأستلقى على فراشه، فأغتنم(الخصيّ) خلوته فأندفع يُنشد:
سِيري ركابي إلى مَنْ تَسعدني بهِ
فِقد أَقَمْتِ بدار الُون ما صَلَحَا

سِيري إلى سَيّد سَمْحٍ خلائقُهُ
ضَخْم الدَّسيعةِ، قَرْمٍ يحمل المِدَحَا

فأصغى الوليد للخصي يسمعه، ثم أن الخصيّ أعاد البيتين أكثر من مرة فقال الوليد: ويحك ياغلام! مِن قول مَنَ هذا؟ قال: من قول طريح. فغضب الوليد حتى أمتلأ غيظاً، ثم قال: والهفتاه على أم لي لم تلدني، جعلته أول داخلٍ وأخر خارج ثم يزعم أن هشاماً يحمل المِدح ولا أحملها، الأمر الذي جعله يأمر الحاجب بعدم دخول طريح عليه وقال له: إن حادثك فأخطفه بالسيف إلى أخر الحكائية.
نستنتج من هذه الحكائية: أن مايخص البنى السردية هو: مايتعلق بمكانة الحدث الحكائي، وخواصه واختلافاته النصية، وأنجازاته في مجال السيمائية النصية المطروحة، وقصة الوليد بن يزيد مع طريح وعلاقتهما، وما حيك من قبل (حماد الراوية) من دسيسة ضد طريح حينما لقنوا(الخصيّ) هذين البيتين لإثارة (الوليد) ضد طريح وهو الأمر الذي أسفر عن هذه المؤامرة.
وعلى العموم فأن الحكائية تتعلق بالتفعيل النصي السردي بأتجاه يُظهر التضمينات الأولية والتي تداعمت مع أقطاب الحكائية، وأن ماخطه النص السردي يتعلق بهيكل النص السردي وأدواره التي تشاكلت في البيتين المذكورين أنفاً، وما أحاطا به من إيحاء أدى إلى تصعيد الحدث الدرامي وتشكيل الفعل البليغ المتعارض مع مايعنيه فعل التضمين السردي على أعتبار أن الفعل السردي هو أصلاً متشابك مع هيكل الحكائية وفي جمالية مطلقة على مستوى فعل البُنية الأيحائي، ويبقى الأسترجاع المتعالق في سياق الحدث بين (الوليد بن يزيد والخصيّ) وتصوير الحركة والأيقاع الزماني بطريقة فعلية في أنموذج التحليل والتأويل لهذي البيتين وما قصد منهما في مرجعية أغضبت(الوليد). وهنا تتمثل هذه الحوارات الضمنية في هيكل هذه البنية وما طورته من إيقاع في خواص شعرية مرهونة بمرجعية يتضح مقدارها من خلال فعل الأبعاد الحسية داخل منعطف هذه الشخصية الذي هو(الوليد).
إن المقصود في هذه الأبعاد هو: ماتعنيه الأستعارة من دواخل في مرجعية هذا الرأي أو ذاك، إلا أنه على العموم يبقى الحدث الدرامي هذا هو جزء من التعالق الرئيسي بين فعل الحدث السيكولوجي لـ(الوليد بن يزيد)و(طريح) وبين نقطة العودة او نقطة اللاعودة في تشخيص هذه الأبعاد المتعددة الجوانب، والأستعارة الحية ذات المرجعية في تحليل وتبويب النص السردي بأعتباره يحمل عدة من المتناقضات في شخصيات أبطاله، أبتداءً بـ(الوليد بن يزيد) و(طريح) ثم (حماد الراوية) الرأي المدبر، وأنتهاءً بـ(الخصي) الذي حفظ البيتين.
والخلاف في ذلك هو أن النص السردي قدم تشكيلاً من البنى الأسلوبية بوصفه حملة درامية تحتوي معنىً بأنكشاف الصياغات الصورية عبر أعادة بناء السرد داخل بينة تشكل حقيقة الوعي النصيّ وتشاكل المنطق السردي.
وماكان لـ(طريح) إلاّ أن يُبادر لأستعطافات الوليد ويتضرع إليه في أزمته هذه ثم أنه أنشده قصيدة بذلك يقول فيها():
نامَ الخليُّ من الهموم وباتَ لي:
ليلُ أكابدهُ، وهَمٌّ مضلعُ

وسَهَرتُ لا أسْري ولا في لذةٍ
أرقي، وأغفلُ مالقيتُ الهجعُ

أبغي وُجُوهَ مخارجي من تُهمةٍ
أَزَمَتْ عليَّ، وسُدَّ منها المَطْلعُ

جَزَعاً لَمَقبة (الوليد) ولم أكُنْ
من قبل ذاك من الحوادث أجزعُ

يابْن الخلائِفِ: إنّ سُخطك لأمْريءٍ
أمسيتَ عِصمَتَهُ بلاءٌ مُفظِعُ

إلى أن يقول:
إن كنتَ في ذَنْبٍ عَتَبْتَ فإني
عمّا كرِهتَ لَنازِعٌ مُتضِّرعُ

ويئستَ منكَ، فكلُّ عُسرٍ باسطٌ
كفاًّ إليَّ، وكلُّ يُسْرٍ أقطَعُ

فأربُبْ()صَنيعَكَ بي فأنّ بأعُينٍ
للكاشحين وسَمْعِهم ما تَصْنَعُ!

من بعد أخذي من حبالك بالذي
قد كنتُ أحسُبُ أّنه لايُقطَعُ

إلى أخر القصيدة.
إن الروح السيكولوجية للسمة التي ميزت (طريح) في علاقته بـ(الوليد) وما تمخض عن هذه العلاقة من تشابكات أستطاع (طريح) أن يخرج منها وكذلك (الوليد) بحالة من التعددية العمومية في كشف خواص هذا الشاعر: الفلسفية منها والشعرية بأعتباره حالة أمكانية ميزت شخصية فأكتملت في أعقد فترة من حياته الفنية.
لقد فرض (طُريح) سيكولوجية المتجددة رغم التحريض الحاصل من قبل (الراوية حماد) وتلاوة (المخصيّ) للبيتين المذكورين أنفاً، غير أن التجديد في هذه المسألة السيكولوجية وأثره السائد في قوة الوعي السيكولوجي لدى الوليد كون أنبعاثاً دقيقاً في أن يستعطف (طريح) أميره (الوليد) من جراء ماحصل من أشكالية مع الراوية حماد والمخصي. ففي القصيدة خطوطاً ملحوظة توضح تياراً شعرياً يستعطف الوليد ويفصح عن نزعة (طريح) السيكولوجية عن طريق أستعطافه ثم أشراكه في نزعته السيكولوجية وما ورثته من نزعات طبيعية في منهجية الشعر بأعتبار أن هذه الأبيات موروثاً لحالة الأمكان في هذا التيار التجريبي، وبوسعنا القول في هذا: أن أنتصار (طريح) في السيطرة الذهنية، وبدقة في حالة الوصف رغم التضرع والبحث عن قناعات دقيقة تُبدي أهتماماً واضحاً في إشكالية المصير الذي أختطه الشاعر (طريح) في علاقته مع الوليد، هذا المصير الذي قاد موجوداته ومقولاته ومعقولاته السيكولوجية، فبالرغم من هذا فقد ظل الحدث والرغبة في بناء علاقة متينة مع الوليد وبشكل متماسك، أما ما أنتهى إليه الحدث الدرامي في القصيدة فهو مذهب ضمني حققه (طريح) في توضيح هذا الأشكال، وكان الأقتصاء يتعلق بخصوبة هذه العلاقة وتعيين مجساتها التي كانت موضع أهتمام كلاً من (الوليد) والشاعر (طريح). فموضوع التجريبية الشعرية التي اطلقها (طريح) في هذه القصيدة كان يؤكد في ذلك ذهنية الوصف والأستعطاف في هذا المصير المختلف ومأساته التي تعلقت بـ(الوليد بن يزيد) فأدخل هذا التضرع ليقول: أني باسط ذراعي ومتضرع ولي رغبة في إعادة هذا التماسك السيكولوجي الذي أنقطع، وإني لمندفع إلى هذا الأشكال لأنيّ أتحدى النمط التعريفي العادي، الذي توضح في هذه القصيدة وإني أصنع كل هذه الشواخص والأعتبارات لتكون أمراً يتحقق بقناعاتك الشريفة ونسبيتها أتجاهي، وإن النجاح الذي رمته تجاهك إنما هو محاولات لأعادة تلك القناعات الاولى والتي صورتها لي والتي تمثلت بالاحترام، والعلاقة التي تصورتها وفي جهود متصلة في إحالة هذا المنطق السيكولوجي إلى عملية تسامي في حلقاته الأولى.



أسمه أبراهيم، وفائدٌ هو مولى عمرو بن عثمان بن عفان. وهو يعرف في الشعراء: بأبن أبي سِنّة، مولى بني أُمية. وفي المُغنين بأبي سعيد مولى فائد.
وكان شاعراً مجيداً ومغنياً ناسِكاً، فاضلاً مقبول الشهادة بالمدينة مُعتدلاً. عاش إلى خلافة الرشيد، ولَقي أبراهيم بن المهدي، وأسحاق الموصلي، وله قصائدُ جيادٌ في مراثي بني أمية الذين قتلهم عبد الله وداوُد إبن علي أبن عبد الله بن عباس في أول الدولة العباسية.
وذُكِر إن المهدي أستحضره كي يُغني له:
لَقَدْ طُفْتُ سَبعاً، قلت لما قَضَيْتُها
ألا لَيتَ هذا لا عليَّ ولا لِيَا

وقد كان أبو سعيد نَسك. فقال:
أوَ أُعنيك يا أمير المؤمنين أحسن من هذا؟ قال: انتَ وذاك. فغناه من شعره قائلاَ:
إنّ هذا الطويلَ من أل حَفصٍ
نشَر المجد بعدما كان ماتا

وبناهُ على أساسٍ وثيقٍ
وعِمادٍ قد أُثبتْ إثباتا

مثلَ ما قد بنى له أوّلوهُ
وكذا يُشْبه البُناةُ()البُناتا

فقال له المهدي: أحسنتَ يا أبا سعيد! فغني (لقد طفتُ سبعاً). فقال: أوَ أُغنيك أحسن من هذا؟ قال: أنت وذاك. فغناه
أيُّها السائلُ الذي يَخْبطُ الأرْ
ضَ، دَع الناسَ أجمعين وَرَاكا

وأْتِ هذا الطويلَ من أل حفصٍ
إنْ تخّوفتَ عَيْلَةً() أو هلاكا

إن الأكتشاف للبنى العميقة في النصوص الشعرية والسردية من تسليط الأضواء على الحدث النصيّ الذي يترجم هذا الأتمام من الأفصاح وهو يلامس حدود المعاني ومبالغ الرقة التي تكون التفصيل الدقيق لمعنى التعاضد في زحمة التأويل، وكذلك الأصطلاح بالكشوفات عن الحقيقة النصية ومايكتنفها من أستشفافات في الظهور، وأنواع التفاسير الأشتقاقية لتجعل الكلمات تحدد وجود القدرة وقراءة هذه الأستخدامات من النصوص الشعرية المُغناة.
فأبو سعيد يُعطينا قدرته في تشكيل هذا الأداء بأضهار موضوع فني يتعلق بأستخراج خلاصات وحوافز عميقة تبرهن عن محفزات ونزعة ذهنية في جعل هذه الأبيات مبنية عقلانية تفرض حقيقة مفادها: أن في هذا النص الحكائي مستوى من خواص النصوص الشعرية المغناة وهو يجعل هذا التدوين الحكائي لمعنى الشعرية يظهر على مستوى البنى التركيبية وبظهورها يتعالق هاجساً تبادلياً بين صياغات هذه النصوص وسيكولوجية الجمع النصي الذي أختصر هذه المسافات بين المعنى والنص الشعري وسردية الحدث الذي يقوم على السعي لأبراز الحكائية الغنية وألفاظها المتداولة وأظهار عملية القص من خلال الغناء وفروضه وصعوباته في تشكيل عملية الوصل والمظاهر الشائعة التي تؤكد بموجبها أن هذا الأطار الفني هو إطار تعبيري متصل بمضامين أتصالاً مباشراً، وهذه القيمة الفنية تكشف عن معنى دلالي يسعى لأدراك وضع أختلافي يتمثل بنص شعري أستكشافي يتحرك وفق رؤية ذو قيمة عامة وهذه العملية الفنية تعد قيمة فنية عالية.
وحكى ابراهيم بن المهدي قال: كنت بمكة في المسجد الحرام فأذا شيخ قد طلع وقد قلب إحدى نعليه على الأخرى وقام يصلي، فسألت عنه، فقيل: هو أبو سعيد مولى فائد، فأشرت لبعض الغلمان أن يحصبوه، فحصبه أحدهم، فأقبل عليه أبو سعيد وقال: مايظُنّ احدكم إذا دخل المسجد إلاّ أنه له! فقلت للغلام: قل له: يقول لك مولاي: أبُلغْني فقال له ذلك: فقال أبو سعيد:مَنْ مَوْلاك؟ حفِظه الله! قال: مولاي أبراهيم بن المهدي، فمن أنت؟ قال: أبو سعيد مولى فائد، فقام وجلس بين يدي وقال: لا والله بأبي أنت وأمي ماعرفتك! فقلت: لاعليك، أخبرني عن هذا الصوت:
أَفاضَ المدامِعَ قَتْلى كُدىٍ()،
وقَتلى بكُثْرةٍ لَمْ تُرمَسِ!

فقال: هو لي: إلا أن هذا البيت هو من قصيدة (لعبد الله العَبْلي) يرثي فيها بني أُمية وهي:
أفاضَ المدامعَ قتلى كُدىٍ
وقَتلى بكُثرةٍ لَمْ تَرمَسِ

وقتلى بوجٍ() وباللاتَبْـــ
ينِ من يَثرِبٍ خيرُ ما أنْفُسِ

وبالزابَيْنِ نفوسٌ ثَوَتْ
وأخرى بَنَهر أبي فَطْوسِ()

أؤلئكَ قَومي أناخت بهم
نوائب من زمنٍ مُتعسِ

إذا رَكبوا زَينوا المَوْكبَيْن
وإن جَلَسُوا، الزّينُ في المَجلسِ

تَقولُ أُمامةُ لما رأتْ
نُشوري عن المضجعِ الأنْفَسِ

وقِلة نومي على مَضْجَعي
لدى هَجْعَةِ الأعيُنِ النُفَّسِ

أبي، ماعراكَ؟ فقلتُ: الهموم
عَرَيْنَ() أباكِ فلا تيأسي()

عَرَيْنَ أباكِ فَحبّسْنِهُ
من الذُلّ في شّرِ ما تَحبَسِ

لِفقْدِ الأحبة إذْ نَالَها
سِهَامٌ مِنَ الحَدَثِ المُبْئِسِ

رَمَتْها المَنُون بلا نُكَّلٍ
ولا طا مُشاتٍ ولا نُكَّسِ

بأسهمُها المُتلفاتِ النفَّوس
متى ما تُصب مُهجةً تَخْلِسِ

فَصَّر عْنَهم في نواحي البلاد
مُلقىً بأرضٍ ولم يُرْسَسِ()

تقيٌ أُصيبَ وأثوابُهُ
من العَيْبِ والعارِ لم تَدْنَسِ

وأخرُ قد دُسَّ في حُفرةٍ
وأخر قد طارَ لم يُجْسَسِ

إذا عَنَّ ذِكرُهمُ لم يَنَمْ
أبوكِ، واوحشَ في المَجْلسِ

فذاك الذيّ غالني فأعْلمي
ولاتسألي بأْمريءً مُتْعَسِ

همُ أضْرَعُوني لَرِيْب الزَّمان
وهُمْ أُلصقوا الرَّغمَ()بالمَعْطِسِ

إن الأحاطة بهذا الأيحاء الجازم في فصل هذا الأنموذج وتعارضه الذي فعل الحدث الشعري وأقلمه وفق تعارضات تتحقق بحالات الوعي في رؤية هذه الواقعة بالتضمين وخلاصاته التي تتعلق بقتلى بني أُمية وفعل الموت في خلاصات جمالية الشعر وفي أطلاق مستوى البُنى وسعة شكوكها في تمثيل هذا المعطى العميق الذي لايسعه إلا تفصيله النموذجي سعياً إلى اللحاق في أعلى مستويات التفصيل للبنية الفعلية والحاجة إلى صياغة المعاني التي تقرر إيجاد المحبس الذي وحد خواص النص الشعري، وفي المقابل فالمعنى في البيت يتحرك بأتجاه سلم جمعي يوحد في موجبه ذلك الزمن (المُتْعِسِ) والذي يتحرك في هذا المَجسّ هو التشكيل الشعري الذي يعبر عن حركة الذات الجمعية في تزيين الموكبين وتجليس الزين في ذلك المجلس، فالحركة في فضاء المعنى توضح تفاصيل هذا المضجع الذي ألتبس وأصبح هو المعيار في مقلة الفي، وإن حلقة هذا الترميز تصاغ وفق كفاية المُثير من فعل الحدث الشعري وعمق تأويله الموصوف من خلال منهجية النص الشعري وتكوينه ذلك العرين لأنه عرين الأب فلا يأس من المواصلة لهذا المنهج لأنه أكتشاف لعمق البنى وفي خلاصات المعاني في النص لأنه يُفصح تمام الأفصاح عن حدود بالغة الحدة، والموقف الذي ترثب حين فُقدوا الأحبة عندما نالتها سهام الغدر، وعندما رمتها (المنون) فذلك هو الحدث الذي لايُثني بني أمية من مواصلة المسيرة رغم موتهم في تلك النواحي من الأرض، فيقع هذا الكشف في حدود هذا الأفصاح والأضطلاع بالحقيقة لأنها أستشفاف لظهور هذا الطبع وإجراءته الدقيقة التي تتعلق بالمعنى والتأويل موضوعياً.


أتفق أصحاب الأخبار على ان عبد شمس بن عبد مناف بن قصي كان أخا هاشم أبن عبد مناف جد النبي(ص) لأبيه وأُمه. وذُكر أنهما كانا توأمين وأنهما خرجا ملتصقين، ففصل بينهما فجرى منهما دمٌ، فتطير من ذلك، وقيل: إنه يكون بين الأخوين دَمٌ، فكان كذلك فكان أُمية بن عبد شمس ينافس أبن عمه عبد المطلب بن هاشم وتحِد مكانته. وكان عبد المطلب أجل وأعظم. ولما جاء الأسلام وبُعث النبي(ص) (محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم: كان أشد البُطون عداوة له بنو عبد شمس. وكان منهم عُتبة وشيبة والوليد بن عتبة (صناديد الكفر) وأبو سفيان بن حرب (قائد قريش) ومّن الله سبحانه وتعالى على جماعة منهم بالأسلام والسبق والهجرة وهم عُثمان، وأبو حُذيفة أبن عُتبة وخالد بن سعيد، ثم اظهر الله رسوله (ص) وولي بعد الخلفاء الراشين، وقمع الله بهم إحَنَ الجاهلية. فلما أنقضت أيامُ الخلفاء الراشدين وصارت الخلافة إلى (بني أُمية) أظهروا عداوة (بني هاشم) وإبعادهم، وأكدّ ذلك في نفوسهم خوفهم أن يَسلبوهم مُلكهم، إذ كان الناسُ إلى بني هاشم أميل. فقتل في أيامهم: الحُسين بن علي بن أبي طالب (ع) وجماعة من أهل بيته بكربلاء، ثم قُتل زيد بن علي بن الحسين بالكوفة (وصلب بها وأُحرق)! ثم قتل أبنه يحي بن زيد بخراسان فقويت بسبب ذلك (الأحن) بين البيتين وصارت لبني العباس شيعةٌ بخراسان وأضطرب في أخر الأمر مُلك بني أُمية ووقعت الفتن بينهم، فقويت شيعة بني هاشم في خراسان وظهر بها أبو مسلم صاحب الدعوة وأستوى على خراسان وعظمت جنوده وجعلوا شعارهم السواد. ثم قصدت المُسودة أرض العراق وبايعوا بالخلافة السفاح (أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس) وكان هو وأهل بيته مقيمين بالشام بقرية يقال لها: الحُميمة وكان صاحب الأمر الذي الدعوة له أخوه أبراهيم الأمام فظفر به مروان بن محمد الحْمِار وهو أخر خلفاء بني أُمية وحبسه (بحران) ثم قتله في حبسه، ولما قبض على (أبراهيم) أوصى إلى أخيه (أبي العباس). ولما بويع أبو العباس، بعث (عمه عبد الله بن علي) في الجنود لقتال (مروان الحمار) فألتقوا بزاب الموصل. فأنهزم (مروان) هزيمة قبيحة وأتبعته الجيوش، فقصد (دمشق) ثم (مصر).
يقول أبو الفرج: فأتبعه (عبد الله بن علي) بقائد من قواد خراسان يقال له: عامر أبو أسماعيل فلحقه بقرية من قرى (مِصر) يقال لها : أبو صير فقتله يوم الاحد لثلاث بَقين من ذي الحجة سنة أثنتين وثلاثين ومائه. فقصد برأسه إلى (عبد الله أبن علي) فأنفذه بطريقه إلى (السفاح) فلما وضع الرأس بين يديه خر ساجداً وقال: الحمد لله الذي أظهرني عليك وأظفرني بك، ولم يبق ثأري قِبلك وقبل رهطك أعداء الدين. وتمثل بقول (ذي الأصبع العدواني)
لَوْ يَشْرَبُونَ دَمي لم يُرْو شَاربَهم
ولا دِماؤُهم للغَّيظِ تُرويني

حين يتعلق الأمر بالمرامي التي كانت ماتزال تحدد لنشأة الأولى لبني أمية وهي المهمة المزدوجة التي وحدت هذه البحوث من اجل يقينية قصدية تضع اكثر هذه الثقافات في البحث عن محاولات توحد هذه المسارات ويُذكر أن الموجود في ذلك هو تعظيم النزعة السيكولوجية وفق نظرة تكرس حقائق هذه البنى التي تختص بالعُرف(الفينومينولوجي) الذي أختطه بنو أُمية في تكريس المفاهيم التي تتعلق بالأمارة والقبلية، ويظل التعبير النهائي لهذا الموضوع مايعني قدرة التعبير عن هذا المعنى والذي تعلق(بفينومينولوجيا السرد) وصانع الأمكان الذي جعل خواص هذا القصد المشار إليه هو مايتعلق بالتأريخ الاموي وخصوصيته هذا التأريخ الذي تطبع بطابع الهيمنة، متمثلاً بالخلفاء والولاة الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها ولاشك أن تأثير هذا كان واضحاً في سلوكهم وفي منهجيتهم التي (عادوا فيها) بني هاشم، فقد كان أُمية بن عبد شمس ينافس أبن عمه عبد المطلب بن هاشم، وكان منهم الأشرار والكفرة أمثال: عتبة وشيبة والوليد وهم كما عبر عنهم صاحب الأغاني بـ(صناديد الكفر) وكان أبو سفيان: صخر بن حرب قائد جيش قريش.
بعد كل هذا الوطر التأريخي وفتح مكة، ودخول أبي سفيان في الأسلام ثم ماألت إليه الخلافة بعد وفاة الرسول(ص) لنبي أُمية وقتلهم أخيار بني هاشم الامر الذي زاد الطين بلة في التعقيد من الناحيتين السياسة والتأريخية. فكان الموقف من بني هاشم يأخذ منحى العداء، وكان المقصد الأساس في فلسفة الحكم عند بني أمية هو البحث عن الجاه والأتباع السيكولوجي، وعند تأويل حقيقة هذا الأتباع وأبعاده عن مساره المهم، فركبوا بنو أمية خلاصة التفكير الفاشي وأخذوا ينازعون في تفكيرهم العمليات العقلية ومدرسة التأريخ المنطقي، وأخذوا يتوزعون الأدوار الفردية وأفكار البطش لكل من يقف حائلاً في طريقهم من دون وجهة حق، فأنحرفوا في مسارهم التأريخي نحو الفاشية والديكتاتورية وبثوا الفُرقة والعداء بين المسلمين وأنعزلوا في هذا المنهج الفردي وأخذوا يستنبطون أستحالات لاتتعلق بأي مفهوم من مفاهيم الدين والتقاليد العربية الأصلية فأنفردوا بالدولة الأسلامية لدرجة وصل فيها الأسلام أن يكون (شماعة) تعلق عليها أخطاء بني أمية وعصبياتهم وتفردهم بالسلطة فتم تحويل الدولة الأسلامية إلى دولة أموية حتى عاثوا بالأرض فساداً وبالدين الأسلامي الحنيف أساءة لاقرين لها، فكانت ردود الأفعال ضد هذه الدولة التي دمرها العبث واللهو بالقصور الفارهة والهبات التي تخرج من بيت مال المسلمين للجواري والمغنيين وبيوت الدعارة ردود أفعال طبيعية ومنطقية لتدهور الحياة العربية الأسلامية، الامر الذي عم الأمصار برمتها فشاعت الفوضى والخراب.
ويقال: دخل شبل بن عبد الله بن علي وأنشده قصيدة له يقول فيها محرضاً على بني أمية عنده منهم ثمانون رجلاً:
أقصهم ايها الخليفة وأْقطَعْ
عنكَ السيف شأفة الأرْجاسِ

ذُلها أظهرَ التودُّدَ فيها
ولها منكمُ كحزِّ المواسي

ولقد غاظني وغاظَ سَوَائي
قربُها مِنِ نمارقٍ وكراسي

أَنْزلوها بحيثُ أنزلها اللهُ
بالدار الهَوَانِ والأقعاسِ

وأذكروا مَصْرَعَ الحسين وَزَيدٍ
وقتيلٍ بجانب المِهْرَاسِ

والقتيل الذي بحّران أمسى
ثاوياً بين غُربةٍ وتناسي()

فجراء هذا التصرف أو ذاك بدأت ترتفع أصوات المعارضة ضد الدولة الأموية التي أتخذت الغّل طريقاً ضد الرعية التي تختلف لجرد الاختلاف في الرأي أو حتى بفعل الوازع السيكولوجي وفي هذه الحالة يترتب على الخليفة أن يتخذ قراراً بألغاء الأخرين أستناداً إلى مفهوم النظام الأموي الواحد بالصوت الواحد والفعل الواحد والذي بأستطاعته بالمعنى الدقيق تغيير المفاهيم وتهميش الاخر وبالتالي تغير الحياة السياسية والثقافية لما تقتضيه أوامر الخليفة الأموي، وعلى الرغم مما قد يعجب منه تصورنا تجاه الأموين وماذكره المؤرخون عن دولتهم ذات البنية المختلفة الأشكال والتفاصيل والألوان، فالذي يعنينا هو: تسليط الضوء على قدرة الافصاح عن تركيبة المسارات السيكولوجية وما أكتنفها من غموض بهذا الأضطلاع والكشوفات الحقيقية والخفية لتلك النصوص السردية والشعرية التي قيلت في مقتل بني أُمية، وما أتيح لنا من أستشفاف الحظور والظهور والظمور الذي رافق فعل هذا الأجراء والقدرة على هذا الفعل الموضوعي لهذا الوجود وما أستخدم من نصوص شعريه تُظهر حقيقة رد الفعل على تلك الخطابات الأموية التي أظهرت موضوع التداولية المقيتة لهذه الشرعية السياسية وماأكتنفتها من معادلات وخلاصات بفعل هذه الحوافز التي باعدت فعل الأمكان المصيري لدولة الأسلام، وماحصل من تخريجات بفعل وجود هذه الخاصيات التي طبعت عقلانية وتبادلية ومباغتات واختصارات وصعوبات هذا التجاوب الذي يستجيب فقط لأرهاصات الوعي الأفتراضي الذي أسسته هذه النصوص البنائية والمتصلة بمضامين وأزمات تتخلل هذه المضامين، ونحن نفصحُ عن ردود أفعال هذه الرؤية بعد سقوط هذه الدولة وماتركته من خراب.
تقول الحكائية:
جلس أبو العباس بن السفاح يوماً على سريره وبنو هاشم دونه على الكراسي وبنو أمية على الوسائد قد ثُنيت لهم. وكانوا في أيام دولتهم يجلسون هم والخليفة منهم على السرير ويجلس بنو هاشم على الكراسي. فبينما هم كذلك إذ دخل الحاجب فقال: ياأمير المؤمنين، بالباب رجلُ حجازيّ أسود راكبٌ على نجيب، متلثّم، يستأذن ولايُخبر بأسمه، وحلف أن لا يَحْسِر اللثام عن وجهه حتى يراك. فقال: هذا مولاي سُديف فأمر بأدخاله، فدخل. فلما نظر إلى العباس، وبنو امية حواليه، حَدَرَ اللثام عن وجهه وأنشأ يقول:
أصبَح المُلك ثابتَ الأساسِ
بالبَهاليلَ() من بني العباسِ

بالصدور المُقدمين قديماً
والرؤوس القماقم() الرُّؤاسِ

يا أمير المطهرينَ من الذَّمِّ
ومايرأسَ مُنتهى كُلِّ راسِ

أنت تهديُ هاشمٍ وهُداها
كمْ أُناسٍ رَجْوك بعد أُناسِ

لاتُقبلّنَ عبد شمسٍ عِثاراً
وأْطَعْنَ كُلَّ رَقْلة() وغِراسِ

أَنزلوها بحيثُ أنزلها الله
بدارِ الهوان والأتعاسِ

خِوفها أظهر التودُّدَ منها
وبها منكم كحزِّ المَواسي

أقْصيهم أيها الخليفةُ وأحْسٍم
عنكَ بالسّيف شأفةَ الأَرْجاسِ

وأُذْكُرنَ مَصْرَع (الحُسين وزيدٍ)
وقتيل بجانب() المِهْراسِ

والامام() الذي بحران أَمْسَى
رَهْنَ قبرٍ في غربةٍ وتناسيَ

فَلَقَدْ ساءني وساء سوائي
قُربُهم من نمارق وكراسي

نِعمَ كلبِ الهِراشِ مَوْلاَك لولا
أَوَرٌ من حبائِلِ الأفلاسٍ()

وقيل: دخل العَبدي الشاعر على عبد الله بن علي (بفلسطين) وقد دُعي به وعنده من بني أُمية أثنان وثمانون رجلاً، والغُمر بن يزيد بن عبد الملك جالس معه على مُصلاّة.
قال العَبدي: فأستنشدني عبد الله بن علي فأنشدته قولِ:
((وقف المُتيَّمُ في رُسومِ ديارٍ)
وهو مُصغٍ مُطرِق، حتى أنتهيتُ إلى قولِ:
أمّا الدّعاةُ إلى الجفانِ: فهاشمٌ
، وبنو أمُمية من دُعاة النّارِ

وبنو أميةَ دوحةً ملعونةً
وَلَهاشِمُ في الناس عُودُ نُضارِ

أأميَّ مالكِ من قرارٍ فألْحقي
بالجنّ صاغرةً بأرضِ وَبَارِ

وَلَئِن رحلتِ لِترْحَليّن دميمةً
وكذا المقام بذّلةٍ وصَفارِ


قال: فرفع الغَمُر رأسه إلي وقال: يأبْنَ الزانية مادعاك إلى هذا؟ وضرب عبد الله بقلنسوة كانت رأسه الأرض، وكانت العلاقة بينه وبين أهل خراسان، فوضعوا عليهم العَمَد حتى ماتوا، وأمرَ بالغمر فضربت عنقه ضرباً().



هو حُميد بن ثور بن عبد بن عامر بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر أبن صَعْصَعة بن معاوية بن بكر بن هَوازن بن منصور بن عِكرِمَة بن خَصْفَة أبن قيس بن عيلان بن مُضر بن نزار.
هو هشام من شُعراء الأسلام، وقد ادرك الجاهلية.
وذُكر أنه تقدمُ (عمر بن الخطاب)(رض) في الشعراء ألا يُنسب رجلٌ بأمرأة إلاّ جُلد. فقال حُميد بن ثور:
أبى اللهُ إلا أنّ سَرْحهُ مالكٍ
على كُلّ أفنانِ العِضاه() تَرُوقُ

وقد ذَهَبتْ عَرِضاً ومافوقَ طُولها
من السَّرحِ إلاَّ عَشَّةٌ() وسَحوقُ

فلا الظِّلُّ مِنْ بَرْدِ الضُّحى تستطيُعهُ
ولا الفيءَ() مِنْ بَردِ العَشِيُّ تذوقُ

وهل انا إنْ عَلّلتُ نفسي بَسرحةٍ
مِنَ السَّرحِ موجودٌ() عَليَّ طريقُ

إنّ الأحاطة بهذا الأختلاف يُعطينا الأستعمالية التوثيقية في مقابلة هذا النص الشعري وتحركه برغبة جامحة في تعاضده مع حقيقة هذا الأستدلال الذي حركته رغبة الشاعر في المضي في تأويل ماقيل لـ(عمر بن الخطاب) وأن (حُميداً) نظر لهذا القول بأعتباره تعاضداً فتح الباب للأسفاف الأكثر إيفالاً في التشبيب بالمرأة، وهو ببساطة يُعطي لفظاً فاعلاً يرغب فيه بالمضي نحو هذا الأستخدام التوثيقي، فهو ليس ضد ماقاله (عمر بن الخطاب) ولكن رغبة في تأكيد حركية التفلظ وصلة هذا التفلظ بالمُعطيات وسلسلة العمليات السيكولوجية وفاعلية الرغبة في إشاعة هذا الأستخدام الذي مثله (حُميد) وهو تقليد قديم في النصوص الشعرية، وهو معطى ستراتيجياً، وقدرة كبيرة في نمذجة هذا العرف الشعري القديم بأعتباره إرجاعاً موسوعياً في تسجيل نتائج التحقيقات النصية ذات الصورة في حلقات النص الشعري، وبالتالي تعالقه بفعل التأثير المتبادل في معطيات المضمون في النصوص الشعرية.



هو من أهل مكة. مَولى لبني مَخزوم.
قال: أبو الفرج: ولم يقع إلينا أسم أبيه.
وهو أحد المُغنين في الدولة العباسية، وله محلٌّ كبير من صِناعته، وموضع جليل.
وحكى الفضلُ بن الربيع قال: كان المهدي يسمع المُغنين جميعاً، ويحضرون مجلسه، ويتغنون من وراء السِّتارة، إلاّ فُليح بن العَوْراء فأن عبد الله بن مصعب الزُبيدي كان يرويه شِعَره في مدائحه للمهدي ليُغنيه فيه. فدس في أصفافها بيتين يسأله فيهما ان يُنادمه، وسُأل (فُليحاً) أن يُغنيهما في أضعاف أغانيه، وهما:
ياأمينَ الأله في الشّرق والغر
بِ، على الخلقِ، وأبنَ عمِّ الرسولِ

مجلساً بالعَشيّ عندك في المَيْـــ
ـدانِ أبغي، والأُذنَ ليْ في الوصُولِ

فغناه (فُليح) أياهما. فقال المهدي: يافَضْل، أجِب (عبد الله) إلى ماسأل، واحضره مجلسي إذا حضره أهلي وتوالي وجلستُ لهم، وزِدهُ على ذلك أن ترفع بين وبين روايته (فُليح) الستارةٌ. فكان (فُليح) اول مُغنٍ عاينَ وجهه في مجلسهم.
إن الفروض التي يمكن أتخاذها في بدء الانطلاقة أمام المهدي وهي إعادة لبناء فروض يمكن التأكد منها ومن صحتها وملاءمتها لخواص الصوت الغنائي عند (فليح)، وفليح تحرك في هذه النصوص الشعرية لكي يشكل الوعي الغنائي وبخواصه التي توصل إلى الأنطلاق ليُطرب (المهدي) ويعتدل في تمكين الحواس من المباشرة في تخطي حالات الاكتئاب والأبتداء بالتمييز لحلقات الأستدلال التي تجاوزت هذا الأفتراض، بين هذه الأشياء فمنطق الشك يُعد تفكيرياً: لان المهدي هو التمهيد لتحويل هذه المعاني الشعرية إلى حدود غنائية فنية تنشد التأمل والمعارف التي حولت هذه الخطوط الفنية إلى تجريبية يُمكنها أن تستقطب (الأنا) عند المهدي وتبيان الصورة المكتسبة أستجابة لدواعي الوعي الفني.
والمغني (فليح) تمكن من كشف هذا المنحى الجمالي بحلقاته وخصائصه الجوهرية.
والمرحلة التأريخية التي عاشها (فليح) هي مرحلة الدولة العباسية، وفي هذه الفترة أشتهر الغناء وكثرت بيوت الطرب.
وحكى (فليح) قال: أنه في المدينة فتى يعشق أبنه عَمٍّ له، فوعدته أنها تزوره وشكا إلي أنها تأتيه ولاشيء عنده فأعطيته ديناراً للنفقة، فلما زارته قالت له: من يُلهِّينا؟ قال: صديق لي، ووصفني لها، ودعاني فأتيته. فكان أول ماغنيته:
مِنَ الخَفِراتِ لم تَفْضَح أخاها
ولم ترفع لوالدها شَنارا()

فقامت إلى ثوبها فلبسته لتنصرف، فتعلق بها وجهد كل الجهد في أن نقيم، فلم تفعل، وأنصرفت، واقبل عليّ يلوموني لأني غنيتها ذلك الصوت. فقلت: والله ماهو شيء أعتمدتُ به إساءَتك، ولكنه شيء أتفّق. قال: فلم نبرح حتى عاد رسولها ومعه صرةٌ فيها ألفُ دينار فدفعها إلى الفتى، وقال: تقول لك أبنة عمك: هذا مهري فأدفعه إلى أبي وأخطبني. ففعل وتزوجها.
والشعر الذي غناه (فُليح) هو لـ(سُليك بن السُلَكة السعدي):
كأن مجامَع الأردافِ منها
نقاً دِرجتْ عليه الريّحُ هارا()

يَعافُ وِصَالَ ذاتِ البَذْلِ قلْبي
وأبتع المُمنعة النوارا()

هذه الحكائية توضح هذا الامتداد في هذه المعطيات الموضوعية للمغني (فليح) وأبنة عم المغني والذي حصل هو: أن الشاب ليس منه فائدة بعد أن اطلعت أبنة عمه على حقيقة، وأن الأنموذج مثله صوت (فُليح) المُغني مع تمثل اللافعل واللاشيء عند الشباب في لقاءه مع أنة عمه.



هو أبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هَرمة بن الهُزيل بن الربيع بن عامر بن صُبيح بن كنانة بن عدي بن قيس بن الحارث بن فِهْر. وإلى فِهر ينتهي نسب قريش، وقيل إنّهم ينتهون إلى النضر بن كنانة.
وقيل: نَفى بنو الحارث بن فِهر نسبَ أبن هَرْمة، فقال:
أَحارِبنَ فِهرٍ كيف تَطَّرِحونني
وجاءَ العِدا مِنْ غيركم تَبتغي نَصْري

فصار من وَلد فِهر في ساعته.
وكان أبن هرمة مخضرم الدولتين، وهو أحد الشُعراء الفحول المجيدين، وكان مدمناً للشرب، وأمتدح أبا جعفر المنصور فوصله بعشرة ألاف درهم.
وقيل: قصد أبن هرمة (السري بن عبد الله الهاشمي) باليمامة، لِدينٍ لَزَمهُ، فمدحه بأشعار كثيرة، منها قولهُ:
مَلْ للسريّ الواصِلِ البرِّ ذي النَّدى
مَديحاً إذا مابُثّ صُدقَ قائِلُهْ

جوادٌ على العِلاتِ يَهْتّزُ للندى
كما أهتزَّ عَضْبٌ أخلصتُه صَيافلُهْ

نفى الظُّلمَ عن أهلِ اليمامة عدلُهُ
فعاشوا وزَاح الظُّلمُ عنهم وباطلُهْ

ونامو بأمنٍ بعد خوفٍ وشدةٍ
بسيرة عَدْلٍ ماتخاف غوئلُهْ

وأنت تُرجى للذي أنت أهلُهُ
وتنفَعُ ذا القُربى لديك وسائلُهْ

بك اللهُ أحيا أرض حَجْرٍ وغيرَها
من الأرضِ حتى عاش بالبَقْل أكلُهْ

إن عمليات التركيب لهذه التحليلات من النصوص الشعرية وهي تتعلق بخواص هذه المجريات السيمائية النصية بأعتباره إجادة من الناحية الفنية. والمديح بصورة خاصة ومواده: هو أن الشاعر وفق هذا التحليل يبقي المضي إلى حالة تركيبية جديدة بعد أن تلى هذا التشكيل صيغة تكوينية ذهنية سبقت هذا التركيب والتحليل الفعلي الذي مضى إلى إشكالية أستنتاجية تتعلق ببناء هذه النصوص وجعل بياناتها الشعرية أطوراً غريبة في وحدات الدلالة المرتبطة بهذه الحكائية الشعرية.
إن إجراء هذا التحليل من الناحية الجمالية يعتبر خلاصة إلى تفاصيل الشاعر المتمثلة ببطله من الناحية الافتراضية شعرياً، والذي أوضحه هذا المنهج أستناداً إلى خواص النسق المتعلق بشعرية الأبيات.
فالنص الشعري توضح من خلال صدق القائل كما يقول(أبن هرمة) وجواد العلات وأخلاص الصياقل، وإشاعة العدل في أهل اليمامة عندما أزاح الظلم عنهم وأشاع الأمان في سيرة عدلية كبيرة لجميع الناس في زمانها ومكانها، وهكذا وجد أن أبن هرمة في شخصية (السريّ بن عبد الله الهاشمي) باليمامة .......
ويستهل أبنَ هَرمة في بداية قصيدته يمدح بها السريّ الهاشمي فيقول:
* عُوجاً نحى الطُّلول بالكَثَبِ *
ليأتي (هذا الكثب) وهو: موضع في ديار طيء، في أستمرارية أبن هَرمة في الأجادة في الكشف عن خواص هذه الأبيات بأعتبارها تجري مجرى النهر وهي تتمكن من هذه البيانات وأرتباطها بالحدث الشعري، فيقول:
دَعْ عنكَ سَلْمَى وقُلْ مُحبَّرةً
لِما جد الجَدِّ طيِّبَ لبنَسَبِ

وهي قراءة دقيقة لهذه الشخصية بأعتبارها مقصد في تفصيل الحقيقة وقراءة عملية للغاية من الناحية السيكولوجية وبالتالي فهو: (مَحْضٍ مصفَىّ للعروق... في أيام العُسرْ واليُسر) وهو: (الواهب، الجزيل العطاء).
يقول أبن هَرَمة:
دَعْ عنكَ سَلْمَى وقل مُحبَّرةً
لما جد الجَدِّ طيبَ النَّسَبِ

مَحْضٍ مُصفى العُروق يَحمده
في العُسِر واليُسر كل مرتَعَبِ

الواهبِ الخَيْلَ في أَعنَّتها
والوُصفاءَ الحِسانِ كالذهَّبِ

مجداً وحمداً يُفيده كرماً
والحمدُ في الناسِ خَيرُ مُكتَسَبِ

وقيل: بلغ من غرامه بالنبيذ، أنه: مر يوماً على جيرانه وهو مُنبَّتٌ() سُكراً حتى دخل منزله، فلما كان من الغد دخلوا إليه فعاتبوه على الحال التي رأوه فيها. فقال لهم: أنا في طلب مثلها منذُ دهرٍ، أما سمعتم قولي:
أسألُ الله سكرةً قبل موتي
وصياح الصِّبيان يا سكران

كان أبن هرمة يمضي في معاقرة الخمرة حتى يُقضي به الوعي إلى تعيين منعطف جديد في مدركات البناء في القصيدة.
فالقصدية عند تحقق إقامتها بالدقة والصورة والكاريكاتور الذي أدخل عنصراً مهماً في بناء النص الشعري، وهو يغري هذه المداخلة التعاضدية في نواظم سريالية حققها هذا التعاضد، وبالتالي هو عرض النتائج أكتملت فصولها في تعالق وتعاضد هذان الركزان أو النمطان (الكاريكاتوري والسريالي) بأعتبارها خواص نصية تقوم على منهج جمالي يلف نصوص (أبن هرمة) الشعرية، لأنها تعريف بحياة حافلة بالحساسية والوعي والتنوع الجمالي في تفاصيله السيكولوجية والسسيولوجية.
فأبن هرمة قد أبرز مساراً دقيقاً في الشعرية (الكاريكاتورية الظاهرة والسريالية الباطنة) وإنه أسترعى أهتمامنا في أختلافية نصية قائمة على أستخدام الغايات من أجل أنموذج بنائي وثيق الصلة لسيرورات الوعي الشعري، حيث يقول:
ما أظنّ الزمان يا أُم عمروٍ
تاركاً، إن هلكتُ مَنْ يَبْكيني

وهذا ماتحقق فعلاً، فقلد مات أبن هَرْمة ولم يحمل جنازته إلا أربعة نَفَرٍ ودُفن بـ (البقيع).
والنصوص الشعرية التي فيها الغناء والتي أفتتح بها أبوالفرج أخبار أبن هَرْمة هي :
أفاطِمُ إن النأيَ يُسْلى من الهوى
ونأيُك عني زاد قلبي بكم وَجْدا

أرى حَرَجاً مانلتُ من حُبِّ غَيْرِكُمْ
ونافلةً مِن حُبكم نلتها وُسْدا

وما نلتقي من بعد نَأْي وفُرقةٍ
وَشَحْطِ نَوِىً إلا وَجَدْتُ له بَرْدا

على كَبِدٍ قَدْ كادَ يُبدي بها الهوى
نُدُوباً، وبعضُ القوم يَحْسبني جَلْدا

فالذي يدعونا إلى مجريات هذه النصوص، هو الأيثار في منهجية البنية الشعرية لهذا الشاعر وصفاء اللحظة الشعرية التي تستبين الصورة في تشكيل حركاتها وأتمامها لمجريات الحدث الشعري الذي يعني عالماً إمكانياً قد خلق في خاصية هذه النصوص، ونعني بها: الخاصيات المترجمة داخل هذه التجربة الشعرية التي تركزت في الصورة، حيث أصبحت نصاً حكائياً، وكلاً دلالياً يقدر أختمار وأختيار هذه التجربة، وصدق حدوث لينجز هذا الأشتغال التعاضدي وهذه الترسمية التي تؤكد أطلاقها، وتعيين فاعليتها ومسار تأويلها لكي يصور عالم الامكان السسيولوجي وترجمته المسائل القصدية لأنها ترجمة صادقة عبرت عن صدق شعرية أبن هرمة. ولنا عودة أخرى إلى هذا الموضوع في الصفحات القادمة.



أما يُونس فهو: أبن سُليمان بن كُرو بن شِهريار، من ولد هُرْمُز، وذُكر إنه مولى لعَمرو بن الزبير، ومنشؤه بالمدينة وكان أبوه مقيماً بها، فأسلمه في الديوان وكان من كُتابه، وأخذ الغناء عن مَعْبَد، وأبن سريج، وأبن مُحرز، والغَريض، وأكثر روايته عن معبد وهو احذقُ من أخذ عنه.
وأما أبن رُهيمة فهو: شاعرٌ، كان في أيام الدولة الأموية.
وكان أبن رُهيمة يُشبِّب بـ(زينب بنت عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي) ويُغني فيه (يونس الكاتب) فأفتضحت بذلك وأستعدى عليه(أخوها: هشام أبن عبد الملك) فأمر بضربه (خمسمائة) سوط، وأن يباح دَمُه إن وجد قد عاد لذكرها، وأن يُفعل ذلك بكل من غنى في شيء من شعره، فهرب أبن رُهيمة ويونس الكاتب فلم يُقدر عليهما، فلما ولي (الوليد بن يزيد) الخلافة ظهر أبن رهيمة ويونس وقال أبن رهمية:
لئن كنتَ أطْرَدتني ظالماً
فقد كشف الله ما أرهَبُ

ولونلت مِني ما تشتهي
لَقَلَّ إذا رَضيتْ (زينبُ)

وما شئتَ فأضْنَعْهُ بي بقد ذا
فحُبيّ (لزينبَ) لايَذهبُ!

وهذا التصور الذي خرج به أبن رهيمة هو: عالم التحدي في إمكانه وصدقه، وعالم يضع نسبية دقيقة للنص الشعري من خلال ستراتيجية خطابية تؤكد هذا الأنقاذ لما يعتري النص من شوائب: أن موضوع الأيمان بقضية كانت قد أنبثقت من مستويات لهذه التوقعات التي تتعلق بمشروعية أبن رُهيمة وموقفه من الحدث الشعري ومايعتريه من إمكان قد يؤدي زعزعة ثقته بنفسهِ.
وهذا المستوى الذي يحملنا على شرح هذه القصدية وهو: التساؤل عن خواص هذه الكيفية التي تصرف بها أبن رُهيمة وقيام يونس الكاتب بغناء هذه النصوص الشعرية.
فالشاعر والملحن والمؤدي موجودون، وعليه كان الأعتقاد السائد: هو أن هذان المتواليان في الشعر والغناء قد حققا الحكاية وقيمها المتوالية من خلال عوالمتقارنة في تحقيق حاصيات دقيقة داخل هذه الحكائية من الناحية البنائية بمعنى أخر فأن أبن رُهيمة ويونس الكاتب قد حققا هذا التضامن بمصداقية تستوجب كامل الاندراج في تشاكيل هذه النصوص، ولكن بالمقابل فأن هذه العوالم كانت عوالم متركبة في مسارات عديدة منها المسارات القصدية التي حرصت على المنهجية والانموذج في هذه الترسمية، وحتى أستمكان كل هذه العمليات والبحوث ودلالاتها النصية ومستوى التعبير الذي حدد مسارها البياني:
أقصدتْ (زينبُ) قلبي بعدما
ذَهَب الباطلُ عنيّ والغَزَلْ

وَعَلا المْغَرقُ شيبٌ شاملٌ
واضحٌ في الرأس منيّ فأْشتَعَلْ

وهذا هو الشعر الذي فيه الغناء، والذي أفتتح به أبو الفرج أخبارهُما.



ويكنى أبا فائد، وهو مولى لبني تيم بن مروة، تيم قريش. وكان منعطفاً إلى أل الزبير. فلما أفضت الخلافة إلى عبد الملك بن مروان، وفد إليه مع عُروة بن الزبير ومدحه ومدح الخلفاء من وِلده بعده. وعاش عُمراً طويلاً إلى أخر سُلطان بني أُمية. ولم يدرك الدولة العباسية.
وكان مليح النادرة، وإنما سُميِّ أبوه (يَسارٌ النسائيّ) لأنه كان يصنع طعام العُرس ويبيعه، فيشتريه منه من أراد التعريس من المُتجملين ومن لاتبلغ حاله أصطناع ذلك.
وكان أصله من الفرُس، وكانت فيهم شعوبية شديدة وتعصب للعجم على العرب، وله في ذلك أشعار كثيرة يفخر بها الأعاجم، من ذلك القصيدة التي يقول فيها:
مَا على رَسْمِ منزلٍ() بالجانبِ
لو أَبانَ الغداةَ رَجْعَ الجوابِ

غَيرتُه الصَّبا وكلُّ مُلْثٍ
دائم الوَدق تكفهِّر() السَّحابِ

دارَ هِنْدٍ وهل زماني بهندٍ
عائدٌ بالهوى، وصَفو الجنَابِ

كالذي كانَ والصَّفاءُ مَصُونٌ
لم تَشُبْه بهجرةٍ وأجْتِنابِ

ذاك منها إذ أنتَ كالغُصْن غَضٌّ
وهي رُؤْدٌ كدُمْيةِ() المِحْرابِ

بتمثيل هذه النصوص الشعرية لمرتسم يتعلق بأطياف وفصول مركزها النص الشعري و(أبن يسار) من جانبه كان ذو نظرة ثاقبة في خواص (الزمكان) ليطفي عليه اللون الوردي لذلك المنزل وذلك الموضع المتمثل بذلك الترسيم وإظهار تلك الفصول من الأطياف والاندماج بتلك الحكائية وذلك (المِلثّ) الكثير (الوَدْق)، وما يعنيه (أسماعيل بن يسار) هو الاهتمام بأحقية هذا التشكيل وحدوده التي أرتبطت بـ(هند) وزمانها الذي هو عائد لامحالة بالهوى لأنها(الرُؤد والدمية) التي تشكالت في خواص هذا الازدواج ويقينه ولتبيان منطق الشاعر لكي يوضح هذه التفاصيل الدقيقة في النصوص الشعرية.
ويبقى ذكر الحدث الشعري وهو الميزان في توحيد هذه الابيات وذكر المقصود في تشكيل هذا الحدث والأرتباط التأويلي وضرورة فهم القضية البنائية، وباختصار فأننا نجد هذه الموازنة وحدودها الأستمولوجية وهي ترتبط بمجموعة الاجراءات وهي تعين مركزية النص الشعري وتقدمية القرائن من الافعال بالأستناد إلى مفهوم العملية الفعلية بالأستناد إلى تفاصيل النظرية السيمائية ومفهوم النص الشعري من جانب اخر فأن العملية التأويلية، تعتبر سياقاً مفهومياً مُعنى لعملية إعادة بناء هذه التشاكيل والاجراءات وتقديم التجريبية العملية عبر القراءة والتأمل لهذه النصوص الشعرية وبطلتها التي سبت العقول بذلك الأثيث الكثير والبياض (اللُجين) وهي تلبس ذلك الزرياب اللماع.وأسماعيل بن يسار يسرد هذه الحكاية بمتعة، وبالتركيز على التشبيبات في هذه القصيدة وهو يرتفع إلى فوق أعماق ذلك الجمال والغناء في وصفه والذي يستعين عليه أن يقدم فعلاً أسنادياً وبمفهوم فعلي يوحد هذه النسبية بين الصورة الشعرية المركزة ومفهوم النص الشعري وإجراءته التي تتقدم هذه التجريبية بكامل خصائصها، حيث يقول:
غادةٌ تَسبَي العُقولَ بعذبٍ
طيِّبِ الطعم باردِ الأنيابِ

وأثيثٍ من فوقٍ لونٍ نقيٍ
كبياض اللُّجَين في الزِّريابِ()

فأقِلِ الملام فيها وأقْصِرْ
لَجَّ قلبي من عَوْلتي وأكْتِئابي

ويقول من هذه القصيدة يفتخر بالعَجَم:
رُبَّ خَالٍ مُتَّوج لي وَعَمّ
ماجدٍ مُجْتَدىً كريم النِّصابِ

إنماَّ سُميّ الفوارسُ بالفُرْ
سِ مُضاهاةَ رِفْقَةِ الأنْسَابِ

فَأتْرُكي الفَخر يا(أمامَ) عَلَيْنا
وأُتْرُكي الجَوْرَ وانطقي بالصَّوابِ

فالذي يدعونا لهذا الكشف هو الموضوع التأريخي الذي يطرحه (أبن يسار) وهو يسير وفق تصور يؤكد زمنية تصوره من خلال حركية تصويرية لمستوى قبلي حدده أسماعيل بن يسار وذلك من خلال الفعل الأنساني الملموس والذي يُترجم سياقاً ومستوى فعلياً يؤدي في تحركه ودوافعه إلى وجود تحليل لحركة البنائية في هذه النصوص، والموضوع المطروح هو تعين الموضوعات التي طرحها (أبن يسار) والتي تتركز في ظاهر النص الشعري وتناول النصوص السردية للشعرية من خلال خلاصات نظرية في الأحالة السردية للشعر، أما موضوعه الباطني فيتشكل بأتصاله بالتأريخ ومشكلة الاحالة فيه ويشترط تشكيلاً أفقياً باطنياً يساوي من خلاله تفاصيل الظاهر العمودي والباطن الافقي، وهي ترسيمات يتساوى فيها العالم الفعلي في العمود والأفق، ويتأكد هذا بنزوع هذا بالامكانيات المتاحة في الداخل والخارج والباطن والظاهر، وبتشكيل يبني عالماً ذاتياً في نسق يتطابق مع العالم الموضوعي، وهذا التشكيل والأحالة التي تشكلت منها مرجعية وصفية، ومايتعلق بالسرد الذاتي والموضوعي فأنه يشير إلى أختلافية وسطوة في قدرة اللغة في تشكيل هذه الخطابات الشعرية بأعتبارها مضامين من الأحالات والتفاصيل الأستعارية، وما بلغه أسماعيل بن يسار هو: التلازم الموضوعي بين النص والامكان الشعري والقص، عبر الحبكة (Muthos) أو المبنى الحكائي الذي يعيد التركيبة للوصف لهذا الكون()


وهو حِبَّان بن قيس بن عبد الله بن وَحْوَح بن عُدَس بن ربيعة بن جَعدة أبن كعب بن ربيعة بن عامر بن صَعْصَعة بن معاوية بن بكر بن هَوازن بن منصور بن عِكرمة بن خَصْفَة بن قيس بن عَيْلانْ بن مُضَر، ويكنى أبا ليلى، وأمه فاخرة بنت عَمرو الأسدية.
وسُميّ (النابغة) لأنه أقام مدة لايقول الشعر ثم نبغ فقاله، وقيل: أقام ثلاثين سنة لايتكلم ثم تكلم بالشعر، وقيل: كان قديماً شاعراً مُغْلقاً طويل البقاء في الجاهلية والأسلام، وإنه أكبر من النابغة الذُّبياني، وهو القائل:
وَمَنْ يَكُ سائلاً عَنيّ
مِنَ الغثيانِ أيامَ الخُنَانِ()

أنت مائةٌ لعامَ وُلدَتُ فيه
وعشرُ بعد ذاك وحِجتّانِ

فقد أبقتْ صُروفُ الدّهرِ بنيّ
كما أبقتْ من السَّيفِ اليماني

وعُمرِّ بعد ذلك عُمراً طويلاً، وأراد النابغة بأيام (الخُنان) وُقعة كانت لهم، فقال قائل منهم، ولقد لقوا عدوهم: خُنُّوهم() بالرماحِ، فسمي ذلك العام عام(الخُنان).
ومما يدل على أنه أقدمُ من النابغة الذُبياني أنه عُمر مع المُنذر بن المُحرق قبل النعمان بن المُنذر، وكان النابغة(الذُبيانيّ) مع النعمان بن المنذر وفي عصره فلم يكن له قدم، إلا أنه مات قبل (الجَعدّيْ) ولم يدرك الأسلام، وأدركه (النابغة الجَعديّ) الذي يقول:
تذكرتُ شيئاًقد مضى لسبيله
ومِنْ عادة المَحزونِ أن يتذكرا

كهُولٌ وفِتيانٌ كأنّ وجهوهم
دنانيرُ مما سِيفّ() في أرضِ قيصَرا

وعُمِّر مائة وثمانين سنة.
ما أوجز المقاربة في إنعاش النسق الشعري من خلال هذه النصوص التي أحتفظت بالموازنة بين الماضي والحاضر، فـ(الجعدي) يحاول ربط علائق النصّ بعالم السرد النصي في الأطار الذي يتحرك فيه بين الناحية التأويلية، فالذي حققهُ (الجعدي) من ناحية تركيب الصورة الشعرية في حركية فعلية واقعة بين التأريخية والخيال في إطار حركات إعادة تشاكيل هذا التصور بتصورية قبلية تقارب هذا الأنعاش الذي كان قد أحتفظ بالموازنة بأستهواء غريب.
فـ(الجعدي) عبر عن خواص الظاهرة الشعرية في النص، وتطرق إلى المواقف الخاصة والعامة من خلال حقيقة موقفه الخاص من تشكيلة الخطاب الشعري الذي (بمرحلة) بتأريخية.
أتت مائةٌ لعامَ ولدتُ فيه
وعشرٌ بعد ذاك وحجتان

وهو يقدر صروف هذا الدهر وأشياءه وتسميته من الناحية التأريخية، وأردا فعل الكواليس وهي تفتح أبوابها الظاهرة أعادة حقيقة الأدراك الحسيّ للنابغة (الجعدي) في صروف هذا الدهر في أولوية لهذا الأدراك وتحليله ومطعيته في عالم متحرك بالأدراكات الحسية العادية هذه والفعل الأنساني الذي نجد موافقة أكثر حيوية فيما يخص هذا التاويل الادراكي.
فـ(الجعدي) بدأ بتسجيل خواص وتقنيات الوعي التفكيكي للنصوص الشعرية، وغالباً مايستخدم المشاهد الظاهرة، لكنه يستخدم ضمنية حسية مدركة في ملاحظة مايطرأ على التفكيك من أختلافات في المعالجة وهي بصور حركية النص بأعتباره هوامش وبؤر تركز المتن الحكائي في قوالب موضوعية تغيب فيها حركية الترابط، فالنص يبدأ بالأنحباس أمام خواص هذه البؤر وتلافيفها وما يكتنف النص من صعوبات شأنه في ذلك شأن النصوص التي تقوم بتفعيل مركزية البؤر وبصورة جذرية وفق العناوين وحدود الهوامش والتقسيمات ووفق سمات تطورية وجدت على الأغلب في تطوير حركية هذا النص وتقابلاته وفق ترسيمة كان قد وصفها (النابغة الجعدي) ليوجز بها هذا الأدراك الحسيّ.
والجعدي أوس بن مغراء القريعي، وعليت عليه ليلى الأخيلية قال الجمحي: وقد غلب عليه من لم يكن إليه في الشعر ولاقريباً منه: عقال بن خويلد العقيلي وكان مفحماً بكلام الأشعر وهجاء سوار بن أوفي العشيري، وهاجاه وفاخره الأخطل وله يقول عُبيد بن حُصين الراعي توعد:
فاني زعيمُ أن أقولً قصيدةً
مبنيةً كالنقب بن المخارم

حفيفة أعجازِ المطيِّ، ثقيلة
على قربها نزالةً بالمواسم

ويقول الحجمي: وكان الجعدي مختلف الشعر، سئل عنه (الفرزدق) فقال: مَثَلهُ مثل صاحب (الخلقان) ترى عنده ثوب عصب، وثوب خَزّ، وإلى جنبه شملة كساء.
وكان (الأصمعي) يمدحه بهذا وبنسبة إلى قلة التكلف فيقول: عنده خمار بوافٍ أي بدرهم وثلث ومطرف بالأف()ومن ناقل القول: أن القول بالأدراكات الحسية التي وضحها (الجعدي) وهي تنطوي على ركائز وتأويلات نصية، والتأويلات الحسية عند (الجعدي) هي: وسيلة لعمليات أستقاقية برهن عليها (الجعدي) وهو يتابع خواص تتعلق بالأمكان والأدراك التفعيلي (Micro-perception) وفق منطق حقيقة المنظور المُدرك في العمليات الثقافية().
والحقيقة أن الموقف الذي أتخذه (الجعدي) في تشاكيل بناء النص الشعري هو الموقف الذي يدخل من خلاله مياديء في واقع منظومة المنظورات والأفعال التأويلية والممارسة في تعالق مراكز المواضيع الشعرية وعلاقتها بالمبنى السيكولوجي.
ومادام التشكيل الأختلافي في المنظومة الشعرية للنابغة (الجعدي) وهو يتحرك بإيجاز يعتمد على المنظور القصدي في البناء للقصيدة ليحدث التمكن الأجرائي في مساره المستقيم وفي تحقيق رؤية جدلية بين بناء الصورة والمفارقة التي يحدثها(الجعدي) بأبواب التحسس والأرتفاع المنحى الأجرائي الهادف إلى التجانس والاحتواء والموازنة بين مختلف الترسيمات التي تضعها القوانين الموضوعية والذاتية وهي تتجه نحو عمليات التوازي.و(الجعدي) أمكن أجراء التحسس بأستكشاف المنطوق الحسيّ والبرهنة على صحة هذه التاويلية الادراكية، ومثال التنوع الذي يبرهن على منعطف الثقافات وهو يؤكد على منظورة التخيل من حيث هو إيجاد حالات من تأليف منظور ينطوي على مدركات عقلية يؤكدها منطق الغرابة في تفصيل حدسية الادراك الجمالي وفق نظرة تتمثل لهذا الاثير ومدرسته الثقافية في وصف أمتداد في تركيبته العمرية، حيث يقول:
لبستُ أُناساً فأَفنيتُهم
وأفنيتُ بعَد أُناسٍ أُناسا

ثلاثة أُهْلينَ أَفنيتُهم
وكان الألهُ هو المستاسا
ٍ
وقيل: أن النابغة (الجعدي) أنشد عمر بن الخطاب أبياته السينية التي يقول فيها:
* ثلاثة أَهلين أفنيتُهم *
فقال الدعمي: كم لبثت مع كل اهل؟ قال: ستين سنة، وذكر أبن قتيبة: أنه عاش مائتين وعشرين سنة، ومات بأصبهان، قال أبو الفرج الأصفهاني:
وماذاك بمُكر، لأنه قال لعمر بن الخطاب إنه أفنى ثلاثة قرون، كل قرنٍ ستين سنة، فهذه مائة وثمانون سنة، ثم عُمّر بعده فمكث إلى أيام عبد الله بن الزبير، وقَدِمَ عليه بمكة، وقد دعا لنفسه واستماحه ومدحه، وبين عبد الله أبن الزبير وبين عمر نحو مما ذكر أبن قُتيبة، فلاشك أنه بلغ هذه السنين.
وقيل: قَدِمَ (النابغة الجعدي) على رسول الله(ص) ومدحه بقصيدة فيها:
بلغنا السّماءَ مَجْدُنا وجُدودُنا
وإنا لَنَرجُو فوق ذلك مَضْهَرا

فقال النبي(ص): فأين المظهر يا أبا ليلى؟ فقال: إلى الجنة، فقال(ص): قُل إن شاء الله، فقال: إن شاء الله، ومن هذه القصيدة:
وَلاخير في حِلْم إذا لم يَكُن لهُ
بَوادرُ تَحمي صفوة أن يُكَدَرا

ولاخيَر في جهلٍ إذا لم يكن له
حَلِيمٌ، إذا ما أوْرَدَ الأمَر أصْدرا!

وبهذه النصوص الشعرية أوجد (الجعدي) أرتباط المواقع الادراكية والحسية بعد ان لابَسْ بين هذه المدارك وجماليات الوعي الفكري الذي عبر عنه بصدق من أن الزمن سيجعل هذه المنظورات الشعرية ذات أنسجام يتماسك بحلقات التصور، لأن المنظور المزدوج الذي أختطه (الجعدي) يمثل الظاهرة (الأبستمولوجية) في تشكيلات النص، ومدحه للرسول(ص) يكون مألوفاً لأنه سبق وأن رفض الخمر والسُكر أيام الجاهلية وهجر الأصنام والأزلام وأتجه إلى المقصود والتنوع حتى في بناء تلك المنهجية الشعرية وتلك الثقافات التي توضحت بهذه المتعاكسات في مجالات الادراك الحسي والفعل القيمي الذي ينتقل بين هذه المجالات الاختلافية لهذه النصوص، وبالمقابل يدور الحديث في نصوص (الجعدي) السردية منها والشعرية وهي تستند إلى تقنية الخطاب الشعري وتمثيله لخواص النص الشعري بأعتباره من أصحاب النصوص الشعرية الحولية، وهي تشير إلى مشروع يتحول بمرور الزمن إلى أهتمام يتمثل الأختراع القصدي للشعر، وهو يتحكم بالخواص البنائية، إضافة إلى الأهتمام العقلي بالقص الشعري والسرد التأريخي، والذي يتضمن تحولات خفية، لكنها واضحة، وهذا مانلاحظه في مدحه للرسول(ص) في الأبيات الأنفة الذكر.وقيل: أنه زار اللخميين بالحيرة، وقدم وهو سيد قومه مع وفدهم على رسول الله(ص) وإنه شَهِد فتح فارس، وحارب مع علي بن أبي طالب(ع) يوم (صفين)، ومات معمراً بأصبهان سنة (65ه/684م).()


قال الرواة:
كان(كُليب بن ربيعة بن سِنان بن مَرْثد بن عبد بن عمرو بن بشر بن مَرْثد) أخو(قيس بن ثعلبة) قد سادَ(ربيعة)، فبغى بغياً شديداً، وكان هو الذي يُنزلهم منازلهم ويُرحلهم، فلاينزلون ولايرحلون إلا بأذنه وأمره، فبلغ من عزه وبغيه أنه أتخذ جَرْو كَلْبٍ، فكان إذا نزل منزلاً فيه كلأٌ قذف ذلك الجْرو فيقوي، فلا يرعى أحدٌ ذلك الكلأ إلا بأمره، وكان يفعل ذلك بحياض الماء، فلا يردها أحد إلا بأذنه، أو من أذن بحرب، فضرب به المثل فقيل: أعزُّ من كُليب وائل، وكان يحمي الصيد فيقول: صَيدنا ناحية كذا وكذا في جواري فلا يصيد أحدٌ منه شيئاً، وكان لايمر بين يديه أحد إذا جلس، ولايحتبي في مجلسه غيره.
وكان(لمرة بن ذهل بن شيبان عشرة بنين(جَسَّاس) أصغرهم، وكانت أختهم(زوجة كُليب) وكانت(البسوس) خالة(جساس بن مُرة) وهي التي يضربُ العرب المثل بشؤمها، فيقولون: أشأم من البَسُوس، فنزلت على أبن أختها(جسّاس) وكانت جارةً(لبني مُرة) ومعها أبن لها، ولها ناقةٌ خوارة() من نعم (بني أسد) ولها فَصيل معها، فبيناً(زوجة كليب) وهي(اخت جسّاس بن مُرة) يوماً تغسل رأس (كُليب بن ربيعة) وتسرحه إذ قال لها: من أعز وائل؟ فصمتت، فأعادها، فلما أكثر عليها قالت: أخّوايّ: جسّاس وهَمّام فنزع رأسه من يدها واخذ القوس فرمى(فيصلَ ناقة البَسُوس) (خالة جسّاس وجارة بني مرة) فقتله فأغمضوا على مافيها وسكتوا على ذلك.
ثم لقي(كليب بن ربيعة) (جسّاس بن مرة)()، فقال: مافعل فيصلُ ناقتكم؟ قال: قتلته وأخليتَ لنا لبن أمه، فأغمضوا على هذه أيضاً، وكان(جسّاس) يسكت على مايفعله (كليب بن ربيعة) حتى ظعن بنو بكر وبنو تغلب أبني وائل، فمرت بكر بن وائل على غدير يقال له: شبُيث فنهانهم (كليب) عنه وقال: لا يذوقون منه قطرة، ثم مروا على غدير أخر يقال له(الأحّص) فمنعهم أياه أيضاً، فمضوا، حتى نزلوا غدير(الَّذنائب) وأتبعهم(كليب وحية) حتى نزلوا عليه.
ثم مر عليه(جسّاس) وهو واقف على غدير الذنائب، فقال: طردت أهلنا عن المياه حتى كِدْت تقتلهم عطشاً! فقال(كليب): مامنعناهم من ماءٍ إلا نحن له شاغلون، فناداه(جساس) فقال: هذا كفِعلك بناقة خالتي! فقال: أوقد ذكرتها! أما إني لو وجدتها في غير إبل مُرة لأستحللت تلك الأبل بها. فعطف عليه(جساس بن مرة) فرسه فطعنه بالرمح فأنقذ حِضْنَية. فقال: ياجسّاس، أسقني ماء، فقال: ماعقلتُ أستسقاءك الماء منذُ ولدتك أُمك إلا هذه الساعة، وعطف عليه(عمرو أبن أبي ربيعة) فأحتز رأسه.


الأدراك الذي تجلى في لانهائية (حرب البسوس) بأعتباره علامة متركبة من تشكيلة الرؤية الحكائية الأيهامي بأعتباره حركية في صواب مايظهر لنا النص الحكائي من تفاصيل توظف هذه الأستحالة التي عاودت الصواب الأدراكي في حيازة هكذا موضوع، الذي وظف المنطق الحسي في صياغة التركيبة الذهنية، وبما إن الفعل التجريبي في الحدث السسيولوجي كان قد حقق فعل الموضوع الذي برهناه ههنا بفعل ذهني متركب وفق إمكان في (أنطباع ذلك الحدث كونه تحدد موضوعياً في أنعكاس تلك الصورة على حقيقة ذلك الواقع الجاهلي، أو المعاكسة في صورة تلك الأشياء) وعليه فقد كان لصاحب الأغاني إن أستخلص هذه الصورة الأجتماعية بأطار(فينومينولوجي) وحقيقة بلاغية تهتم بالتنظير وخاصة فيما يتعلق بالأعتماد على المفهوم المتداول أو المفهوم الذي تركب بشكل متداول والذي يحقق منعطف التعبير في الأشكال النهائي، والذي يعيننا من هذه التركيبة (الفينومينولوجية) وعبر رؤية دلالية تمكن تلك العلامة من مزاولة خواصها التي تتعلق بالأنسجة السسيولوجية.
ومنظومة الحكاية(لحرب البسوس) تتشكل وفق صياغة تداولية تنعطف في بنائها على صياغات من النصوص المسرحية التي تؤكد موضوعاً يتعلق بالهيمنة والجبروت بالنسبة للبطل (كُليب) بأعتباره (فعل الشر) وبأعتباره مدلولاً لعلامة يندرج في أصناف من الافعال الحسية والتي تندرج بتضمين أرجاعي كلامي، إذا مانظرنا إلى هذه الحرب من منظار تداولي، وتعزز هذا(بكلام جساس لـ(كليب): هذا كفعلك بناقة خالتي).
وهكذا قتل(كليب) بطعنة من رمح (جساس) وبعطفه(المزدلف بن عمرو أبن أبي ربيعة) الذي أحتز رأسه وبهذا الحدث ينتهي الفصل الأول من هذا النص المسرحي.
أما الفصل الثاني فيبدأ: بالرابطة التي تربط(همام أخو جساس) بصديقه(المهلهل بن ربيعة) أخو(جسّاس) كليباً كان(همام ومهلهل) جالسين، ومر(جسّاسٌ) بعد أن قتل(كُليباً) يركض فرسه مُخرجاً فخذيه، فقال همام أخوه: إنّ له لأمراً! والله مارأيته كاشفاً فخذيه في ركض قطُّ. فلم يلبث قليلاً حتى جاءته خادمةٌ فسارته بأن جسّاساً قتل كليباً. فقال: ما أخبرتك؟ قال: أخبرتني أن أخي قتل أخاك. فقال: هو أضيق أسفا من ذلك!فجاءَ(جساس) إلى أبيه مُرة. فقال: ماوراءك يابُني؟ فقال: ورائي أني طعنت طعنةً لَتُشغلن بها شيوخ بن وائل زَمَناً.ٍ
قال: أقتلت كُليباً؟
قال: نعم.
قال: وَددت أنك وأخوتك مِتُم قبل هذا! مابي إلا أن يتشاءم بي أبناء وائل.
ولما قتل كليب، حدثت مناقشات فأنطلق رهطٌ من أشرافهم حتى أتوا (مُرة بن ذُهل) أبا(جساس) فعظموا ما بينهم وبينه وقالوا: إختر مِنا خِصالاً:
إما أن تدفع إلينا جسّاساً فنقتله بصاحبنا، فلم يظلم من قتل قاتله، وإما أن تدفع إلينا هَماماً، وإما أن تُقيدنا من نفسك: فسكت، وقد حضرته وجوه بني بكر بن وائل، فقالوا: تكلم غير مخذول، قال: أما(جسّاس) فأنه غُلامٌ حديثُ السن، ركب فرسه فهرب حين خاف. فلا عِلم لي به. وأما(همام) فأبو عشرة، وعم عشرة، لو دفعته إليكم لَصَيح بنوه في وجهي وقالوا: دَفَعت أبانا ليُقتل بجريرة غيره. وأما أنا فلا أتعجل الموت، وهل تزيد الخيلُ على أن تجول جولةً فأكون أول قتيل! ولكن هل لكم في غير ذلك:
هؤلاء بني فخذوا أحدهم فأقتلوه به، وإن شئتم فلكم ألف ناقةٍ تَضْمنُها لكم(بكر بن وائل) فغضبوا وقالوا: إنا لم نأتيك لترذل لنا بنيكَ() ولا لِتَسومنا اللَّبن! فتفرقوا، ووقعت الحرب بينهم.
وأستمرت تلك الحرب لمدة(أربعين سنة) وتخلل تلك السنين خمس وقعات مُزاحفات، وفيما بين تلك الوقعات مغادرات: أي يغير فيما بعضهم على بعض: وكان الرجل يلقي الرجل والرجُلان الرَجلين وهكذا، وكانت تارة يكون الظهور(لبكر) وتارة(لتغلب) وتارة ينتصف كل منهم من صاحبه، وأثناء هذه الحرب: قُتل(همام بن مُرة) أخو(جسّاس).
لقد تخلل هذه الحكائية ومن خلال تركيبة النص السردي صوت الراوي في الحدث وتفاصيل الحكائية وعبر ترتتبية تنظم تلك الخطوط التعبيرية للحدث في أنموذج للتمثيل الدلالي ويقع في إشكالية التجريد وبمتواليات تنتظم في عمليات أمكانية يَشتمل عليها فعل الأمكانيات الجوهرية ليصفها في موضع (معطىً) يتحقق بنتائج ومحصلات قصدية تفضي إلى معاودة لمفهوم التعبير وعودة(أستمولوجية) إلى نظرية الدلالة التداولية، التي تتعلق بالأثر التحديثي للعلامات في (فرسِلٍ) يتوازن مع هذه التداولية النصية بصياغات سيمائية تمثل حلقة متوالية تكشف عن تبيان في موضع الأحالة القصدية وهي تشبه شبكة لامتناهية من العلامات ومن السسيولوجية التداولية والتي تعني بالترسيمات والموضوعات التي تكفل هذه العمليات التعبيرية في النصوص السردية.


من كتاب النسق المعرفي وتقنيات السرد في كتاب الأغاني
⦁-;- حسن البنا عز الدين، الشعرية والثقافة، المركز الثقافي العربي طبعة أولى، 2003.
⦁-;- الأغاني، لأبي الفرج الأصفهاني، هذبه، إبن واصل الحموي الجزء الأول، طبعة أولى القاهرة، شركة الأعلانات الشرقية، دار التحرير، 1963.
⦁-;- ديوان أبي نؤاس، شرح، علي العسيلي،مؤسسة النور للمطبوعات بيروت لبنان، طبعة أولى، 1997.
⦁-;- بول ريكور، الوجود والزمان والسرد، سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، طبعة أولى، 1999.
⦁-;- ميجان الرويلي، قضايا نقدية مابعد البنيوية، الناشر، الرياض النادي الاوروبي، طبعة أولى، 1996.
⦁-;- أدونيس، الثابت والمتحول الجزء الأول، دار الساقي، الطبعة الثامنة،2002.
⦁-;- أبن سلام، طبقات الشعراء، ترجمة الحطيئة القاهرة، 1963.
⦁-;- إبن رشيق، العمدة في محاسن الشعر وادابه ونقده، الجزء الأول، دار الجيل، طبعة رابعة، 1972 .
⦁-;- أ.د.فؤاد أبو حطب، القدرات العقلية، المكتبة الأنجلو، مصرية، 1980.
⦁-;- كارل بروكلمان، تأريخ الادب العربي، الجزء الأول،(تر)أ.د.عبد الحليم النجار، دار الكتاب الأسلامي،طبعة أولى، 2005.
⦁-;- أ.د.صلاح فصل، بلاغة الخطاب، وعلم النص، عالم المعرفة الكويتية العدد164، 1992.
⦁-;- أمبرتو إيكو، القارىء في الحكاية، التعاضد التأويلي في النصوص الحكائية، المركز الثقافي العربي، طبعة أولى، 1996.
⦁-;- الجاحظ، البيان والتبيين، الجزء الثاني، دار الفكر للجميع، 1968.
⦁-;- المسعودي، مروج الذهب، الجزء الرابع، طبعة حجرية بدون تأريخ.
⦁-;- ميخائيل مسعود، الأساطير والمعتقدات العربية قبل الأسلام، بيروت، 1985.
⦁-;- وني هوليمان، علم الجمال(تر) ظافر الحسن، منشورات عويدات، بيروت باريس، طبعة رابعة، 1983.
⦁-;- رينولد نيلكسن، تأريخ الادب العباسي، طبعة أولى، المكتبة الأهلية بغداد بدون تأريخ.
⦁-;- نلكسن رينولد، ديوان أبي العتاهية، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1914.
⦁-;- النوري، نهاية الادب، بيروت طبعة حجرية، 1905
⦁-;- الدميري، حياة الحيوان الكبرى، طبعة حجرية، بدون تأريخ.
⦁-;- الجاحظ، الحيوان، الجزء الخامس، بيروت، 1965.
⦁-;- محمد بن داود، الزهرة، طبعة نيكل(Nykl) بدون تأريخ.
⦁-;- بهجة عبد الغفور الحديثي، أمية بن أبي الصلت، حيته وشعره طبعة أولى، بغداد، 1980.
⦁-;- ميشيل فوكو، الكلمات والأشياء، مركز الأنماء القومي، بيروت، 1990 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -لبلبة ربنا تاب عليها واتحجبت-??‍?? لما لبلبة مشيت في الشارع


.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف




.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين


.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص




.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة